لا تغضب... فالغضب جمرة من الشيطان

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يرعد ويزبد ويثور ويزمجر، تلك الكلمات تسبق الحديث عن الشخص الغاضب في مقام وصفه ووصف حالته.. وكل كلمة منها تحيل الى دلالة من دلالات الظواهر الطبيعية او الحيوانية في لحظة خارجة عن سياق المألوف الذي تعارف عليه الانسان.

فالسماء صافية زرقتها والشمس تسير الى مستقر لها، لكن السماء نفسها تكتسب وصفا آخر حين تحيط بها الغيوم السوداء الماطرة، فهي مدلهمة ظلماء، اليس وجه الغاضب ايضا مدلهم اظلم؟ والرعد يزمجر بين غيمة واخرى والبرق يخطف الانفاس حين يدوي.. وهي كذلك في الزمجرة والزئير والصراخ والصياح.

وحتى في القرآن الكريم ياتي الوصف منفّرا لكل ما هو قبيح فالشيطان يأزّهم أزّا (فالغضب جمرة من الشيطان) والصيحة والصاخة إعلان لقيام الساعة وغيرها من تعابير في وصف الغضب ومدلهمات الأمور.

لا تغضب نصيحة نبوية لإعرابي سال الرسول الاكرم (ص) النصيحة حين إلتقاه في زيارة شوق ومحبة. واطفاء الغضب عند الائمة الهداة يتم بالجلوس عند الارعاد والازباد اذا كان المرعد والمزبد واقفا او العكس وهو انتقال من حال الى حال واشتغال النفس الامارة بالغضب بالسكون بعد حركة او بالحركة بعد سكون مضطرب وهو سكون مطمئن وحركة هادفة.

إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النار. فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان. وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه فإن الرحم إذا مُسَّت سكنت.

في القاموس اللغوي للكلمة ابعاد مترامية الاطراف تتقلب حروفها بين معنى واخر وبالتالي تحيل الى دلالات ممتلئة بمعاني جديدة تكشف الكثير مما تحمله الكلمة الاولى.. فالغضب اذا ابدلت حروفه بين تقديم وتأخير يتحول الى البغض اي الكره، وهذه من علامات الفطنة البلاغية في القاموس اللغوي العربي وهو هذا الربط بين الجذر اللغوي مابين الغضب والبغض، وأليس هذا ما تحيل اليه ساعة الغضب من انسان غاضب؟ او ليس تعاطيك معه تبغضه بعد ود وتكرهه بعد وئام؟

لا تغضب، فالغضب مفتاح لشرور كثيرة وكبيرة، ولا يقع الطلاق من زوج غاضب، ولا يكون حكم المتخاصمين موصولا بالنفاذ من قاض غاضب.

وغَضْبان: اسم علم، معناه: الساخط، الغاضب، الدائم الغضب، وهو صفة مشبهة على وزن فعلان. ومن معانيه ودلالاته ومرادفاته المعتمدة في قواميس اللغة: ضَيّقُ الخُلُق – غاضِب - مُحْنَق - مُغْتاظ – واجِد - مُحْتَدّ - هائِج – كَظِيم - ساخِط - ثائِر – حْرُور، مُمْتَعِض - اِحْتَدّ - اِشْتاطَ على - بَرْطَمَ - حَرِبَ -حَنِقَ.

وهي كلها حالات يتقلب فيها الغاضب حتى يهدأ واذا هدأ عاد اليه رشده، ولسيد البلغاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (الحدة ضرب من الجنون لان صاحبها يندم، فان لم يندم فجنونه مستحكم).

ما رأي الطب وحديثه عن الغضب؟

الغضب قد يكون السبب في الإصابة بالنوبة القلبية أو السكتة الدماغية، وقد توصل الاطباء إلى هذه النتيجة بعد إجراء عدة دراسات طبية حول هذا الأمر. إحدى تلك الدراسات شملت أكثر من 1300 شخص، معدل عمرهم نحو 60 سنة. وأظهرت أن الرجال الأكثر غضبا ترتفع لديهم، بمقدار ثلاثة أضعاف، احتمالات الإصابة بأمراض القلب. وذلك مقارنة بالرجال الأكثر هدوءا وتعقلا.

أن قلوب الرجال الأكبر سنا أكثر عرضة للمعاناة جراء نوبات الغضب. ولكن هذا لا يعني أن الرجال الأصغر سنا بمأمن من العواقب القلبية الوخيمة للغضب. وفي دراسة طبية أخرى صدرت عن كلية جونز هوبكنز للطب، تابع الباحثون الأميركيون الحالة الصحية والنفسية لنحو 1100 من طلبة كلية الطب، ولمدة وصلت إلى 36 عاما. وبالمقارنة بين الأشخاص الذين يتمتعون بالهدوء وبرودة الأعصاب، مع الأشخاص «ذوي الرؤوس الحارة» والغضب السريع، تبين للباحثين أن احتمالات الإصابة والمعاناة من أمراض القلب قبل بلوغ عمر 55 سنة، ترتفع بمقدار ستة أضعاف لدى «مجموعة سريعي الغضب»، أي أنهم أكثر عرضة لكي يصبحوا مرضى قلب في «سن مبكّرة» وفق التعريف الطبي الرسمي.

الغضب أمر سيئ لصحة الإنسان في أي عمر كان. وتحديدا، قال الدكتور هارفي سيمون، طبيب الباطنية بجامعة هارفارد: «بين فئة البالغين الصغار، يعتبر الغضب أحد عوامل الإنذار بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب في مراحل تالية من العمر». وعلى الرغم من أن غالبية دراسات علاقة الغضب بأمراض القلب جرت على رجال، وبالتالي قد يعتقد البعض أن قلوب النساء ربما لا تتأثر بغضبهن، فإن الدكتور سيمون يعلق على هذا الجانب بالقول إن «غالبية الدراسات التي اطلعت عليها كانت منحصرة في الرجال، ومع هذا، ووفقا لدراسة أجريت عام 2006، أتوقع أن النساء لسن أقل عرضة لخطر الإصابة بتداعيات نوبات الغضب مثل الأمراض القلبية والنوبة القلبية والسكتة الدماغية».

ومما يدعم هذا، نتائج إحدى الدراسات الطبية التي أُجريت عام 1995 وشملت نحو 1600 شخص، ثلثهم من النساء. وأظهرت تلك الدراسة أن «انفلات السيطرة على الأعصاب» في خلال الساعتين التاليتين للتعرض لموقف مثير للغضب، يؤدي إلى ارتفاع احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية، وذلك بنسبة الضعفين عند المقارنة مع سيطرة الشخص على أعصابه عندئذ.

وكذلك تلك الدراسة الشرق أوسطية التي قيمت 200 حالة من الإصابات بالسكتة الدماغية، ووجدت أن نوبة الغضب الشديد ترفع بمقدار 14 ضعفا من احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية، وذلك في غضون الساعتين الأوليين.

يأتي، أو يظهر، الغضب عبر عدة صور وأشكال، منها الانزعاج، وسرعة التهيج، والإحباط، والغيظ، والامتعاض، والاستياء الشديد، والسخط، والحقد، والعدوانية، وغيرها من الصور والمظاهر التي تدل على وجود الشعور بالغضب لدى الشخص. والمهم أن يدرك المرء الذي يعاني هذه المشكلة، أن هذه المشكلة موجودة لديه. ومن ثم عليه أن يتعامل معها، وصولا إلى تخفيف آثارها الصحية. أو على أقل تقدير حماية قلبه من تداعياتها.

والسؤال الذي يأتي لا محالة هنا، ما الرابط بين مرض عضوي وانفعال عاطفي؟ أي بعبارة أوضح، لماذا وكيف يحصل هذا التأثر القلبي جراء الغضب النفسي؟

يقول الدكتور جيري كيفير رئيس مركز التقييم النفسي بقسم الطب النفسي وعلم النفس في كليفلاند كلينك بولاية أوهايو: «أرى دورا واضحا للغضب في مجموعة مختلفة من الأعراض العضوية المرضية، ومن بينها أمراض القلب». وهو يلخص عمله بأن مرضى الغضب يحولون إليه وإلى زملائه في المركز، بعد ملاحظة الغير لسلوك أولئك الأشخاص. وغالبا ما يكون هؤلاء إما شريك الحياة الذي يعيش معه، وإما الطبيب المتابع لحالته الصحية العامة. وفي أحيان أخرى، يلاحظ الشخص على نفسه أن لديه ميلا عاليا أو غالبا نحو سلوك الغضب للتعبير.

ويشرح مفصلا: «حينما تنتاب المرءَ نوبة الغضب، فإن الجسم يتفاعل مع الوضع كأن شيئا ما يهاجم الجسم ويهم بافتراسه. وبالتالي تثار كل أجهزة الجسم بفعل ارتفاع هرمون (أدرينالين)، لاتخاذ وضعية الدفاع عن النفس. وفي العصر الحالي، ليس بمقدور المرء في كل مرة تنتابه فيها نوبة الغضب أن يهاجم ويضرب الشخص الذي تسبب في غضبه. ولذا لا يخرج الغضب بل يظل يحرق نفسية وأجهزة جسم الشخص الداخلية».

وخلال نوبات الغضب، كما يقول، يفرز الجسم كميات من الكولسترول ومجموعات أخرى من المواد الكيميائية، وبخاصة مركبات «كاتيكولامين» (catecholamines). وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن ارتفاع هذين العاملين يزيد من ترسب الكولسترول والدهون داخل جدران شرايين القلب والرقبة. وبالتالي، على حد قوله، ثمة أدلة علمية على اعتبار الغضب أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب، أسوة في قوة تأثيره بالتدخين والسمنة وعدم ممارسة الرياضة البدنية.

 ويستطرد الباحث الأميركي: «وكبت الغضب لا يخفف من مقدار الضغط والتوتر الداخلي في النفس. ولا يطيق المرء تحمل ذلك لفترة طويلة وخصوصا عند ازدياد وتكرار الأشياء المسببة للغضب. وستظهر النتيجة كانفجار، ربما على هيئة نوبة قلبية».

ولكن هل معنى هذا أن من لا يُظهِرون غضبهم سيعانون أكثر من الذين يظهرونه ويصرفونه عبر التصرفات الهوجاء؟ للإجابة يقول الدكتور كيفير: «ثمة اعتقاد شائع وخاطئ بأن على الشخص الغاضب أن يظهر الغضب بتصرفات تخرج ذاك الشعور من (صدره). وإخراج الغضب أشبة بدحرجة كرة الثلج، لأن ملاحظة الأشخاص المحيطين به لسلوكياته الهوجاء تلك وتأكيدهم لها، يزيد من شعوره بالغضب وبأنه على حق في الشعور بذلك الأمر، مما يجعل المرء صانعا ومولدا للمزيد من الغضب في نفسه «self-riotously angry». والحل، كما يقترح، يحتاج إلى توازن دقيق. وهو ما يفسره بالقول إن «أفضل دواء هو عدم الغضب في الأصل. وهو ما قد ينشأ من إقامة وتطوير نظام من الصمام الداخلي في النفس تغلب عليه صفة «طول النفس» (longer fuse). وإن كنت غير قادر على ذلك، اعرف غضبك وحاول القيام بخطوط عملية بناءة في محاولة تغيير ما يتسبب لك في الغضب. وإذا لم تفلح محاولاتك تلك، حاول تقبل تلك الحقيقة ولا تجعلها تثير الغضب لديك.

ويعرض الدكتور سيمون نصيحته حول الأمر بالقول: «حاول تعرُّف الأمور التي تتسبب لك في الإزعاج إلى حد الغضب، وحاول قدر المستطاع أن تبذل جهدك في تعديلها وتغييرها. وحاول في هذه الأثناء أن تلحظ العلامات المنذرة ببدء تراكم الضغط والتوتر في نفسك، مثل زيادة دقات القلب وسرعة التنفس أو ظهور مشاعر متوترة وغير مستقرة في نفسك. واغتنم تلك الفرصة في ملاحظة بدايات الغضب، وببساطة اخرج من ذلك الموقف إلى أن تبرد الأمور من حولك. والمهم، على حد قوله، لا تترك نفسك (تغلي في صمت)، بل حاول أن تتكلم مع شريك الحياة، أو زميل العمل، أو أحد أصدقائك الأوفياء المتفهمين. وإذا لم يفلح هذا، حاول كتابة مشاعرك، وحاول أن تشرح لنفسك لما أنت منزعج أو مستاء أو غاضب». ويضيف الدكتور سيمون: «بالممارسة والتدريب، يمكن تعلم كيفية إطالة قدرة التحمل لدى الصمام الداخلي في نفسك. ومن أمثلة ذلك، لا تحاول دائما أن تجعل كلمتك هي الكلمة الأخيرة حول الموضوع، ولا تحاول أن ترفع صوتك في أثناء النقاش، وتَأنَّ بضع ثوان قبل البدء بالكلام إذا ما لاحظت أنك وصلت إلى درجة الغضب، وحاول دائما أن تبتسم في أثناء النقاش، وغير ذلك من السلوكيات التي تسيطر بها على نفسك. وإذا ما فشلت في كل هذا، حاول اللجوء إلى المختصين النفسيين للاستفادة منهم. وكان تقرير علمي صادر في عام 2002 قد لاحظ أن حضور دروس تعلم كيفية التعامل مع التوتر والضغوطات، يمكنه أن يحمي الإنسان من مشكلات القلب الناجمة عن الغضب. كما أن ممارسة الرياضة البدنية، هي وسيلة ممتازة لخفض مستوى التوتر النفسي، ولخفض عوامل خطورة أمراض القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم ونسبة الكولسترول والسكر بالدم وتقليل كمية الشحوم في الجسم». ويختم بالقول: «تذكر دائما أن نوعية المشاعر التي تملأ نفسك، لها صلة وثيقة بمستوى صحتك، أسوة بالغذاء وممارسة الرياضة. والعلاقة قوية بين العقل والقلب».

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/شباط/2012 - 20/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م