حل مشاكل التدريس الجامعية

استحداث وزارة التعليم بجانب التعليم العالي والبحث العلمي

علي إسماعيل الجاف

يبدأ الطلبة حياة جديدة عند دخولهم الجامعة التي تعتبر للكثير منهم حياة تسودها التسلية والمرح؛ لكن يتلاشى هذا الحلم الزائف عند اختيار الكلية، برغبة او أجبار، التي تكون فيها الدراسة محددة لمدة أربعة سنوات كمعيار ثابت. ولا تراعي تلك الجامعات والكليات المخرجات الكمية التي تحصل عليها في كل عام، كحقيقة ثابتة، من مدارس مديريات التربية الموجودة في كافة المحافظات العراقية من حيث: المستوى العلمي، السيرة الذاتية، المؤهلات البدنية، الفوارق الفردية، الخلفية العائلية والأسرية، والتغذية الاسترجاعية.

 فيدخل الطلبة الكليات ويمضي الغالب منهم السنة الثلاث أشهر الأولى دون فهم لمعنى وجودهم او ما الذي ستكون عليه حالتهم بعد انتهاء السنة او المقرر الدراسي... وتبدأ مشكلة اختلاف المناهج، وكمية المادة المقررة، وقدر الوقت المحدد للمحاضرة او الجلسة او الحلقة او الندوة، وقدرة الأستاذ او المحاضر في توظيف أساليب وطرائق التدريس الحديثة والقديمة، وقدرة الطالب على الاستيعاب والمواصلة. فهذه المشاكل تعتبر أساسية وواقعية لا يمكن تجاهلها لأنها تؤثر على المخرجات النهائية من ناحية: الكفاءة، المعرفة، المهارة، الخبرة، والقدرة.

 نرى هذه المشاكل تبرز بصورة كبيرة ومزمنة في الدراسات الأهلية والمسائية والمعاهد التي تكون فيها نسبة المحاضرين والمعيدين والمنسبين والمفرغين كبيرة جدا لقلة الأساتذة او الكوادر التدريسية من أبناء المحافظة. فتستعين كلية ما او معهد ما بأستاذ او محاضر من جامعة أخرى ليقوم بإلقاء محاضرات للطلبة، ويكون ذلك على حساب الطالب بحيث يكون هنالك وقتا ثابتا لحضوره وطريقة خاصة يستخدمها، قد تكون جيدة او سيئة، فيكون الطالب الضحية وليس لديه منفذا او مخرجا للخلاص منه خصوصا في التخصصات النادرة. فهنا نجد جهد الأستاذ المنسب او المفرغ او المحاضر او المعيد مكبلا بجهود إضافية في الجامعة الأم او الكلية التي ينتسب اليها فيقوم بإسقاط الواجب وأداء أعماله بصورة شكلية وكمية ومزاجية أكثر مما تكون معيارية ونموذجية ومدخلات تعتمد على الجودة بسبب قلة وقته، وقلة ظروف الراحة، وقلة أجوره،... مما يعني اكتمال السنة الدراسية دون فائدة من جانب الطالب. بالإضافة الى نوعية المنهج ربما يخضع الى المزاج وعدم الجودة والدقة، وتكون الدراسة تنظيرية وليس تمكينية لان العالم المتقدم اليوم يعمل على ثلاث أصناف: المعرفة (العقل)، الحس(المشاعر) والحركة (الأداء) ولحظنا تحول طريقة التدريس المباشرة الى الحوارية!

 عندما كنت طالبا في الجامعة لم افهم معاناة الطالب الحقيقية في مسالة الاستنساخ اليومية آنذاك باستخدام طريقة التعلم الذاتي التي يستخدمها الأساتذة في الوقت الماضي والحاضر بحجة تبسيط المنهج او تسهيل المهمة على الطالب فيكلف الطالب بقراءة المادة وفهمهما والمشاركة الفعالة في الدرس او المحاضرة والقيام بإعداد دراسة او تقرير او بحث عليها وكأنما طالبنا يعيش في بلد الضباب الدائم (بريطانيا) او بلد الإبداع والتغيير الدائم (أمريكا) او بلد العقل المبتكر (اليابان) او بلد الفلسفة (ألمانيا) او بلد الذوق الرفيع (فرنسا)، فنشاهده يصبح ماكنة لحفظ الأوراق المحددة له التي قد تتجاوز الثلاثين ورقة بمعنى فصلين في المحاضرة او الجلسة الواحدة. ويبتسم الأستاذ عندما يطلب منه تقليل المادة او شرحها، فيكتفي بالقول الجملة السائدة في يومنا هذا، وهي: "لم تعودوا تلاميذ، اعتمدوا على أنفسكم...!" وبالتالي تكون المخرجات عامة تتبخر بنهاية السنة الدراسية كون الطريقة والأسلوب خاطئين ولا يشعر الطالب بذلك الا بعد تخرجه والولوج او التمعن والدراسة المكثفة، ونادرا ما يحصل هذا، في اختصاصه. ويعني هذا تحديد مفردات سهلة على الأستاذ وصعبة وغير مفيدة ومقيدة على الطالب.

 ونرى الأستاذ يطلب من الطالب قراءة منهجا ما ويضعه في المكتبة، ويقوم بشرح مواضيع اجتهادية، تنظيرية، سردية، غير علمية في الغالب ويضع الطالب في فخ مصيدة العلم والمعرفة الذاتية والاستعانة بالخبرة والمهارة المحدودة. لنأخذ مادة "القراءات الانجليزية" الموجودة في الكليات الإنسانية، مادة "الحاسوب" في الكليات العليمة، وغيرها... التي تكون في الغالب عبئا وثانوية وغير أساسية تدرس بصورة اجتهادية وعدم وجود مناهج ثابتة او معيارية تمكن الطالب عند دراستها من تعلم ومعرفة شيئا جديدا يستفاد منه في النهاية. بالمقابل يوجد مراكز حاسبات ومراكز لغة انجليزية للتوفيل وايلت ومراكز تعليم طبي مستمر او مستدام ومراكز التعليم المستمر ومراكز التدريب والتطوير ومراكز البحث العلمي التي لا يفهم ما فائدتها وما هي محصلاتها ولماذا لا تكون موحدة بصبغة معيارية ونموذجية بدلا من هذا التشتت والتنوع الذي تغيب عنه وسائل التقييم والتقويم والرقابة الأصولية (الدورية والفجائية والمستدامة). فالجميع يكرس جهده على إدخال الكم (المشاركين) وليس النوع (المتعلمين والمثقفين).

في الوقت نفسه، يلعب الجانب المادي دورا أساسيا في نوع المركز ونوع الأجهزة ونوع الطرق والأساتذة ونوع المنهج ونوع البيئة والمكان. يبحث الجميع في بلدنا على شهادة ولا يبحث على تعليم فبهذا المفهوم الخاطئ يكون وجود وزارة التعليم منفصلا عن التعليم العالي والبحث العلمي ضروريا حتى يتسنى لهما تطوير التنمية البشرية وفقا لوسائل التقييم والتقويم والرقابة المعيارية والنموذجية ويكون هنالك وقتا كافيا للإبداع والتطوير، وتتفرغ وزارة التعليم العلي والبحث العلمي الى البحث والدراسات العليا، وتتولى وزارة التعليم مسؤولية المعاهد والجامعات.

 فنرى المراكز داخل الجامعات في خدمة المنفعة الشخصية والمؤسسات الحكومية وليس في خدمة الطالب، بمعنى ان تتحول هذه الى تمكين وتطوير في فترات العطل تصب جهودها في خدمة الطالب وطموحاته كون طالبنا ما زال يعاني الجهل والفقر الحرمان العلمي والمعرفي والإبداعي. فنسمع إبداعا او اختراعا واحدا في أوقات متباعدة وأزمان مختلفة. وهنالك تجاهل واضح للمخرجات السنوية لبحوث التخرج التي تجرى من قبل الطلبة قبل تخرجهم، فمنهم من يبذل جهودا فردية في أعداد البحث او التقرير وجلب المصادر وأنفاق الأموال (في البحوث التطبيقية او التجريبية) دون ان تكون هنالك مساعدة جدية من قبل الأستاذ او المشرف.

 فنرى الطالب يلتجأ لزميل دراسة متمكنا او لمكاتب كتابة البحوث او الانترنيت (البحوث الجاهزة بسعر خمسة الآلاف دينار) في مكاتب الانترنيت. فنحتاج الى متابعة البحوث والتركيز على البحوث التطبيقية وتحديد منهجية في كتابة البحث وتحديد العنوان واختيار المشرف ولجنة التقييم وإرسال نسخ من البحث الى المؤسسات الحكومية التي تحتاج الى مثل تلك الدراسات، على سبيل المثال، شيوع ظاهرة التصحر في بلدنا، فهنالك كليات عديدة يمكنها تكليف طلبتها بتقديم دراسات تطبيقية الى وزارة البيئة او مديريات البيئة والبلدية والزراعة تمكنها من الحد من تلك الظاهرة، وإعطاء نسخ الى المكتبات المركزية في المحافظات ليستفيد منه الباحثين.

وهنالك كليات لا تقوم بتكليف طلبتها بكتابة بحوث عند تخرجهم كالطب، في الوقت الذي نحتاج فيه الى تقديم دراسات جديدة حول الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية.

 وهنالك ضرورة الى تحديد أعداد الطلبة في المرحلة الدراسية بدلا من زج 75 طالبا في قاعة واحدة قد تسع او لا تسع من ناحية الحجم، وتوفير وسائل إنارة جيدة – خصوصا للدراسات المسائية او الليلية – وصوتيات كون الطالب الذي يجلس في المؤخرة يكتسب المعلومة او يتعلمها بنسبة تختلف عن الطالب في المقعد الأول... ويفضل ان نستخدم طريقة دورق السمكة او شكل حرف U الانجليزي او الاستقراء او الاستنتاج او الاستنباط بدلا من الطريقة المباشرة او الحوارية او الإلقائية، والعالم المتقدم اليوم يعمل على الطريقة والأسلوب التعلم التعاوني والتنافسي والعروض العلمية والاكتشاف وهي جميعا طرق وأساليب حديثة ومتطورة. لابد من تشجيع وسائل الإيضاح عند التدريس وتحفيز الطلبة على النشاطات غير المقررة (نشاطات ذاتية) ليكون عقل الطالب جاهزا ومهيئا في كل الأوقات لتعلم معرفة ومهارة جديدة.

 وأخيرا، ضرورة استحداث هيئات استشارية علمية يكون موظفيها المتقاعدين من العناوين الوظيفية عالية المنزلة والمرتبة العلمية تتولى مسؤولية التطوير، المتابعة، التقويم، التقييم، البحث العلمي، التدريب، التمكين، التيسير، والرقابة. وترتبط هذه الهيئات بوزير التعليم (المعاهد والجامعات) او وزير التعليم العالي والبحث العلمي (وزارة الدراسات العليا).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/شباط/2012 - 15/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م