شبكة النبأ: بعد ان راهنت على
التدخلات الخارجية وإثارة النزاعات المحلية، عادت الكتلة العراقية بعد
قطيعتها لجلسات البرلمان والحكومة بخفي حنين، وخسارة كبيرة في نسبة
جمهورها الغاضب من السياسات التي انتهجتها دون حكمة.
فيما نجح تكتل المالكي في فرض واقع قوة سلطانه على جميع الفرقاء
السياسيين، المعارضين منهم والمؤيدين، خصوصا بعد صلابة موقفه إزاء
الخلاف القائم حول قضية الهاشمي والمطلك.
كما بدا الاكراد اكثر واقعية في قراءة الظرف السياسي القائم،
وادراكهم لحجم القوة الهشة التي طالما راهنوا عليها.
ويرى اغلب المحللين السياسيين ان الاستقرار السياسي بات اكثر رسوخا
مع افتضاح امر التدخلات الاقليمية في الشأن العراقي، ونجاح الشيعة في
قطع الطريق عليها، في الوقت الذي لعب الربيع العربي دورا محوريا في
الحد من التدخلات أيضا.
فقد عادت كتلة العراقية التي يدعمها السنة في العراق الى جلسات
البرلمان منهية مقاطعتها للمجلس التشريعي مما يخفف من حدة الازمة
السياسية التي تواجهها حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي لكن
عددا من وزرائها استمر في مقاطعة جلسات الحكومة.
وانهت كتلة العراقية مقاطعتها للبرلمان في الوقت الذي تحاول فيه
التكتلات العراقية انهاء أسوأ أزمة تواجهها الحكومة خلال عام مما صعد
المخاوف من عودة البلاد الى العنف الطائفي.
واندلعت الازمة بعد ايام فقط من اكتمال انسحاب القوات الامريكية من
العراق في ديسمبر كانون الاول عندما حاولت حكومة المالكي القاء القبض
على طارق الهاشمي النائب السني لرئيس العراق وطلبت من البرلمان سحب
الثقة من النائب السني صالح المطلك الذي وصف المالكي بأنه دكتاتور في
مقابلة اعلامية. ودفعت الازمة كتلة العراقية الى مقاطعة جلسات البرلمان
والحكومة. بحسب رويترز.
ووافقت العراقية على انهاء مقاطعتها للبرلمان وعاد معظم نوابها الى
المجلس حيث من المقرر ان يشاركوا في مناقشة ميزانية عام 2012 المتأخرة.
وقالت ميسون الدملوجي المتحدثة باسم العراقية في مؤتمر صحفي ان الكتلة
تعلن كبادرة لحسن النوايا عودتها الى اجتماعات البرلمان من اجل خلق
مناخ صحي يساعد المؤتمر الوطني ومن اجل السعي الى ضمانات لنجاح المؤتمر
وتجاوز الازمة السياسية.
وقال عضوان في العراقية ان وزراء المالية والتعليم والعلوم وهم من
الكتلة التي يدعمها السنة لن يعودوا للمشاركة في اجتماعات الحكومة
مطالبين بعودة المطلك الى الحكومة. لكن ثلاثة من وزرائها على الاقل
يعتزمون حضور اجتماع الحكومة.
وقال جابر الجابري وهو نائب في البرلمان وعضو في لجنة المالية
بالمجلس التشريعي ان نواب العراقية قرروا العودة الى البرلمان بسبب
الميزانية.
وقال النائب أحمد العلواني ان الكتلة ستواصل المحادثات خلال الايام
القليلة القادمة بشأن مقاطعتها للحكومة. وقال مصدر رفيع اخر في
العراقية ان المحادثات بين الائتلاف الشيعي للمالكي لم تتطرق حتى الان
الى عودة المطلك.
وعزز المالكي موقفه خلال الازمة من خلال انقسام العراقية على نفسها.
فقد استمر عدد من وزرائها في العمل كما هدد عدد من نوابها بالانشقاق
لانهم يرون ان المقاطعة لها اضرار سياسية.
وفر الهاشمي الذي ينفي اتهامات الحكومة له بادارة فرق للاغتيال الى
منطقة كردستان شبه المستقلة حيث اعتقاله الفوري غير مرجح. ويقول
المالكي وهو مدرس سابق للغة العربية ان تحركه ضد الهاشمي كان قضائيا لا
سياسيا لكن تحركه ضد شخصيتين بارزتين في كتلة العراقية اثار المخاوف
بين العراقيين السنة بأنه يحاول تعزيز هيمنة الشيعة على السلطة ودعم
نفوذه.
وأبرزت الازمة الانقسامات العميقة داخل الحكومة العراقية التي تقسم
فيها الوزارات بين الشيعة والسنة والاكراد في ترتيبات غير مريحة
لاقتسام السلطة عطلت تشريعات هامة منها قانون هام للنفط والغاز منذ
تشكيلها قبل عام.
ومنذ أن أطاح الغزو الامريكي بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام
2003 تنامى نفوذ الشيعة مما جعل السنة يشعرون بالتهميش. ونجحت الكتل
السياسية الكردية اغلب الوقت في عقد التحالفات مع الاحزاب الشيعية.
وتزامنت الازمة السياسية الاخيرة مع سلسلة من الهجمات على اهداف
شيعية اثارت المخاوف من انزلاق العراق مرة أخرى الى العنف الطائفي الذي
اسفر عن مقتل عشرات الالاف من العراقيين بعد سنوات قليلة من الغزو.
ومنذ اندلاع الازمة في منتصف ديسمبر قتل أكثر من 450 شخصا في الهجمات.
من جهته دعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن القادة العراقيين الى حل
خلافاتهم قبل مؤتمر وطني محتمل سيجمع الاحزاب السياسية في العراق الذي
يشهد ازمة سياسية منذ انتهاء انسحاب القوات الاميركية منه.
وقال البيت الابيض في بيان ان بايدن اجرى اتصالا هاتفيا برئيس
الوزراء العراقي السابق اياد علاوي زعيم قائمة العراقية كما اتصل برئيس
مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي. واوضح المصدر نفسه ان نائب الرئيس
الاميركي شدد في هذين الاتصالين على "اهمية حل المشاكل العالقة من خلال
عملية سياسية".
وقال بيان البيت الابيض الى ان علاوي والنجيفي اطلعا بايدن على
المشاورات الجارية "بين كل القوى السياسية والاحزاب العراقية تمهيدا
لعقد مؤتمر وطني مقترح برئاسة الرئيس جلال طالباني". وحثت كل من
الولايات المتحدة والامم المتحدة الاطراف العراقية الى التهدئة ودعتا
الى حوار، من دون جدوى.
الهاشمي يلوح بتدويل قضيته اذا لم يستجب
القضاء العراقي لمطلبه
وفي مسعى يجده المراقبون محاولة مستفذة المفعول لوح نائب الرئيس
العراقي طارق الهاشمي بنقل قضيته الى المحاكم الدولية في حال عدم
استجابة القضاء العراقي في تامين محاكمة عادلة له. وقال الهاشمي "اتمنى
ان تحسم القضية وطنيا لكن من حقي ان ادافع عن سمعتي وشرفي وعن براءة
الحمايات (عناصر الامن) وموظفي مكتبي". واضاف "اذا لم يستطيع القضاء
العراقي ان ينصفني فمن حقي ان اذهب الى القضاء العالمي".
واوضح الهاشمي ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "تولى ملف
القضاء منذ البداية منذ الاعلان عن كشف عن هذه الخروقات وتقديمها
للقضاء الى اصدار امر القبض ومطالبة اقليم كردستان (بتسليمه) ونشر
الاعترافات من قبل وسائل الاعلام ومنع نقل الدعوى من بغداد الى كركوك".
بحسب فرانس برس.
وكان الهاشمي طالب بنقل الدعوى من بغداد الى اقليم كردستان او الى
محكمة في مدينة كركوك لكن المالكي قال ان ذلك لا يجوز وفقا للدستور.
وقال الهاشمي ان مجلس النواب سوف يقدم تقريرا الى رئيس المجلس يؤكد ان
الاعترافات التي انتزعت من افراد حمايته جاءت في ظروف غير طبيعية وفي
غياب محامين.
وحول المعلومات التي افادت ان القيادات الكردية ستسلمه الى القضاء
العراقي، قال الهاشمي ان "هذه جزء من الحرب النفسية وانا لا اعلق عليها"،
موضحا انه يكتفي بتكرار ما قاله الرئيس العراقي جلال طالباني "انا اعلم
سلوك نائبي على مدى ست سنوات وانا متيقن انه بريء ولن يعتقل الهاشمي
الا على جثتي".
واشار الى "ما قاله (رئيس اقليم كردستان العراق) مسعود بارزاني انت
ضيف وقد تجاوزنا المسالة السياسية الى المسألة الاخلاقية ونحن واثقون
ومتيقنون من براءتك وبالتالي سوف ندافع عنك".
وتابع "انا هنا موجود في كردستان ولست قلقا على مستقبلي. انا بين
اهلي واحبائي في كردستان لكن اذا ضاقت كردستان بطارق الهاشمي فأرض الله
واسعة".
وحول عودة القائمة العراقية الى مجلس النواب، قال الهاشمي "شاركت في
هذا القرار رغم وجودي في كردستان واكدت (ضرورة) حضور القائمة العراقية
على عجل"، مبررا موقفه "بالقلق من قانونين هما قانون العفو العام (...)
وقانون الميزانية للسنة الحالية".
وقال "كان ينبغي ان تناقش العراقية مسودة قانون العفو وان تشارك في
التصويت عليه (...) والمصلحة الوطنية تقتضي من العراقية المشاركة في
المناقشات وفي التصويت على قانون الميزانية للسنة الحالية".
ولم يقر البرلمان العراقي هذين القانونين بعد بسبب عدم اكتمال
النصاب الناجم عن الخلافات السياسية.
وقال الهاشمي في هذا الشان ان الامر "يتوقف على انه كيف سيتصرف
المالكي وائتلاف دولة القانون وكيف سيتصرفون هذه الاشارة الايجابية من
القائمة العراقية". واتهم الهاشمي نوري المالكي بتصعيد المشكلة والعمل
على تعقيدها.
واضاف ان "كل النداءات التي صدرت عن القادة الوطنيين باستثناء دولة
القانون شجعت الكتل السياسية على ان تتخذ الخطوات الايجابية لتضمن نجاح
المؤتمر الوطني" الذي دعا اليه طالباني كل الاطراف السياسية لمناقشة
الخلافات بينها.
وتابع "على هذا الاساس جاءت منطلقات القائمة العراقية للعودة الى
مجلس النواب"، مؤكدا "لسنا جزءا من الازمة (..) نحن جزء من الحل ونراقب
الى وضع نهاية عاجلة وحل حقيقي للازمة الراهنة التي خلقها ائتلاف دولة
القانون".
وفيما يتعلق بنظرته الى رئيس الوزراء العراقي وهل سيستطيع التواصل
معه بعد هذه الازمة، قال الهاشمي "اعتقد ان المالكي جزء من المشكلة
وليس جزءا من الحل لكن اولا ننتظر لنرى كيف ستحل هذه المشكلة وعندها
لكل حادث حديث".
من جهة اخرى، اكد الهاشمي رفضه لاي تدخل اجبني في الشأن العراقي
لكنه رأى ان تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بخصوص العراق
جاءت من منطلق النصح للساسة العراقيين.
وقال "ارفض التدخل الاجنبي حتى من دول الجوار في الشأن العراقي لكن
النداءات التي وجهها (...) اردوغان ازاء مشاعر القلق للذي يحصل في
العراق هي حقيقة مشاعر مشروعة لان ما حصل في العراق سوف يؤثر اجلا او
عاجلا في الشأن الداخلي التركي".
وتابع "انها نداءات مشروعة ولا اعتبرها تدخلا في الشأن العراقي ولم
يقل ماذا على العراقيين ان يفعلوه". واضاف ان اردوغان "صاغ خطابه من
باب التذكير والنصيحة والموقف الطائفي من جانب بعض السياسيين سيدمر
استقرار العراق، وبالتالي كان ينصح بالا ننجر الى الفكرة الطائفية مرة
ثانية".
فيما قال رئيس وزراء اقليم كردستان العراق برهم صالح لوكالة فرانس
برس ان حكومة الاقليم ترفض "الانجرار" في الازمة السياسية التي يمر بها
العراق او اقحام نفسها في "صراع سني شيعي".
وقال صالح ان "العراق الان يمر بازمة كبيرة والاوضاع خطيرة
وبالتأكيد ستنعكس على اوضاع كردستان" العراق.
وتعيش العملية السياسية في العراق توترا حادا الى درجة دفعت الى
التخوف من العودة الى الحرب المذهبية بين السنة والشيعة، كما اعربت
الدول المجاورة مثل تركيا وايران عن القلق لتطورات هذه الازمة السياسية.
واكد صالح ان "الكرد لا يسعهم ان يجعلوا مصيرهم مرتبطا بالصراع
السني الشيعي في العراق". يشار الى ان غالبية اكراد العراق من السنة.
واضاف صالح "حان وقت توحيد البيت الكردي لحماية مكتسباتنا وتحقيق
احلامنا (...) ويجب علينا ان نوحد جهودنا لمنع الانجرار لاي صراع".
اعتقالات جديدة
من جانبها اعلنت وزارة الداخلية العراقية اعتقال 16 من عناصر حماية
نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتهمة التورط في عمليات اغتيال
استهدفت عناصر في وزارة الداخلية، الامر الذي اعتبره الهاشمي مثيرا
للسخرية.
وجاء في بيان لوزارة الداخلية، ان "الاجهزة الامنية التابعة لوزارة
الداخلية اعتقلت 16 من افراد حماية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي،
كانوا يمارسون الاغتيالات بمسدسات وبنادق كاتمة للصوت مستهدفين بالاساس
ضباط وزارة الداخلية والقضاة العدليين". واضاف ان "هؤلاء الارهابيين قد
ادلوا باعترافات بعد اعتقالهم، اثر سلسلة متابعات واعترافات لزملائهم
قادت للقبض عليهم".
واكد البيان ان "ملفات المعتقلين ستضاف الى ملف قضية طارق الهاشمي
الذي كشف عنه في نهاية شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي، اثر اعترافات
ضباط كبار في حمايته عن جرائم ارهابية واسعة كانوا يقومون بها".
واصدرت السلطات القضائية العراقية امرا باعتقال الهاشمي لتورطه بدعم
اعمال ارهابية نفذها عناصر حمايته، ما دفعه الى اللجوء الى اقليم
كردستان العراق الشمالي.
وجاء ذلك بعد ان عرضت قناة "العراقية" الحكومية في كانون الاول/ديسمبر،
ما ذكرت انها "اعترافات لافراد حماية الهاشمي" بشان ارتكاب "اعمال
ارهابية"، حيث تحدث ثلاثة اشخاص عن قيامهم بمهمات اغتيال وزرع عبوات
ناسفة قالوا انها كانت بتكليف من الهاشمي واحد كبار مساعديه.
وبدوره، اعترض الهاشمي عبر بيان صدر عن مكتبه على اعتقال افراد
حمايتة واعتبره مثيرا للسخرية. وتساءل "كيف يتسنى للمحققين التحقيق في
16 تهمة معقدة والتأكد من مرتكبيها خلال 24 ساعة فقط؟ كيف .. كيف اي
مهزلة".
وقال الهاشمي ان قوة امنية داهمت مقر حمايته ثم عاودت الى القاء
القبض على عناصر الحماية بعد يوم واحد باوامر قبض قضائية، حسبما نقل
البيان.
واشار البيان الى ان "افراد الحماية (المعتقلين) كانوا موجودين اصلا
في موقع فوج الحماية لدى مداهمته يوم 19 من كانون الاول/ديسمبر الماضي،
وتم التأكد في حينه من سلامة موقفهم وسمح لهم بالتمتع باجازة دورية".
ارتفاع عدد القتلى المدنيين
ميدانيا، أظهرت احصاءات حكومية أن عدد المدنيين الذين قتلوا في
العنف بالعراق ارتفع قليلا في يناير كانون الثاني رغم سلسلة هجمات
فتاكة أعقبت أسوأ أزمة سياسية في العراق خلال عام.
وأظهرت احصاءات لوزارة الصحة أن 99 مدنيا قتلوا في يناير كانون
الثاني ارتفاعا من 90 في ديسمبر كانون الاول. وقالت وزارتا الداخلية
والدفاع ان 31 شرطيا و21 من جنود الجيش قتلوا انخفاضا من 36 و29 على
الترتيب في الشهر السابق.
وتختلف الارقام الحكومية بشكل حاد عن احصاءات تظهر أن أكثر من 350
شخصا قتلوا في يناير كانون الثاني بينهم نحو 290 مدنيا. وقالت الوزارات
ان 151 مدنيا و86 شرطيا و85 من جنود الجيش أصيبوا في العنف الشهر
الماضي وهي ارقام أقل أيضا بكثير من احصاءات رويترز التي أظهرت اصابة
أكثر من 800 شخص. |