شبكة النبأ: تنطوي الطبيعة البشرية
على رغبة مستديمة للتغيير، لذا لا يلبث الانسان ولا يقرّ ساكنا على
طبيعة او وتيرة واحدة من الحياة، وطالما تنطبق هذه القاعدة على الفرد
فإنها تنطبق على الجماعة بالنتيجة، وهكذا نلاحظ أن المجتمعات لا تبقى
تعيش نمطا واحدا من الحياة، إذ تنحو الى التغيير غالبا، ولكن لا يعني
قولنا هذا أن التغيير محصور بالافضل فقط، فربما تكون بوصلة التغيير
متجهة نحو الوضع الأسوأ، أو العكس، تبعا لافعال الانسان وافكاره فردا
كان او جماعة.
اتجاهات بوصلة التغيير
في هذا الصدد يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (نحو التغيير):
(يتجّه المجتمع وما فيه عادةً نحو التغيير، وربما كان التغيير من حسن
إلى أحسن، وربما من سيء إلى حسن، وربما من حسن إلى سيء، وربما من سيء
إلى أسوء، وربما غير ذلك، كما لو تغير من أسوء إلى حسن أو أحسن، والعكس
أيضا).
لذلك هناك أسس مهمة لاحداث التغيير، لابد من توافرها، لاسيما اذا تم
التخطيط نحو صنع المجتمع الناجح فكرا وعملا، هذا يعني أن غياب الأسس
الصحيحة للتغيير هو حرف البوصلة نحو الاتجاهات الخاطئة، لذا ينبغي أن
تحرص النخب التي تقود المجتمع سواء كانت دينية او غيرها على أهمية
تناسب الاسس مع الاهداف المبتغاة من التغيير، يؤكد الامام الشيرازي
قائلا بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: (من أهم أسس التغيير: هو
التغيير في النفس، فإذا تغير الإنسان أو تغيرت الأمة، غيّر الله ما بهم.
والتغيير قد يكون فرديا، وقد يكون جمعيا، أي على مستوى الأمة. وربما
كان تغيير الفرد سببا أو مؤثراً في تغيير المجتمع، وربما كان العكس).
الجذور الخاطئة للفكر والسلوك
لا يختلف إثنان على القاعدة او الجذر الذي تنطلق منه الافكار
والسلكويات، فما يحدث الآن من اعمال وافكار واتجاهات متناقضة هي نتاج
مؤكد لماض قديم، أو لرواسب فكرية اجتماعية ثقافية، أسهمت بانشاء منظومة
من الاعراف والسلوكيات التي تتحكم بطبائع الناس وأفعالهم ورغباتهم،
وتشكيل شخصية المجتمع بصورة عامة، لذا فإن الانسان يعتاد الاشياء التي
تتكرر في حياته وتصبح جزاءا من حياته، ولا تشكل له صدمة او فعلا مكروها،
حتى لو كانت هذه الطبائع والافكار تميل الى كفة السوء، بكل ما تعني
الكلمة من معنى، لذا يقول الامام الشيرازي بكتابه هذا في سياق الموضوع
نفسه: (قبل مجيء الإسلام، كانت القبائل تُغير إحداها على الأخرى، فتقتل
الرجال بكل قساوة، وتأسر النساء والأطفال، وتسلب الأموال.. وكانت الحرب
بين القبائل أمراً عاديّاً ومألوفاً، حتى أنها كانت القبائل ولأتفه
الأسباب تقف ضد بعضها، ويحتدم بينها النزاع ويطول، وربما يمتد عشرات
السنين، كما حصل في حرب البسوس).
موانع التغيير نحو الأفضل
وكما ذكرنا سابقا أن التغيير لايعني الاتجاه الحصري نحو الافضل،
بسبب اختلاف الاسس والقواعد التي ينطلق منها فكر الانسان وعمله، فقد
يكون التغيير سلبيا، بسبب الموانع الكثيرة التي تعرقل نجاح التغيير،
ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، بل تسوء احوال الناس وحياتهم أكثر فأكثر،
بسبب عدم قيام النخب بمسؤولياتهم التثقيفية كما يجب.
ولهذا تبقى روح القبلية موجودة في المشهد العلاقاتي بين افراد
وجماعات المجتمع، وتبقى العصبية حاذرة ايضا، وبذلك فإن الاوضاع تسير
نحو التغيير السيّئ أكثر فأكثر، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص
موضحا هذا الامر بجلاء تام: (كما أن هناك أسبابا للتغيير، هناك موانع
عن التغيير أيضا، فالعديد من أفراد المجتمع الجاهلي لم يقبلوا التغيير
نحو الحسن لوجود التعصبات فيهم، فالتعصب مانع من التغيير. وقد كانت
الروحية السائدة آنذاك تندفع وراء النزاعات المادية، وتقف مدافعة عن
الاعتقادات الباطلة والعادات الساذجة، وكان الجهل والعصبية المحرك
الرئيسي لها. وإنَّ الاختلافات كانت في أغلب الأحيان تصل إلى الإبادة
والتدمير، دون أن تقيم وزناً للأخلاق والقيم الإنسانية).
تأثير الماضي بالحاضر
إن الانسان ليس وليد الحاضر حصرا، في تركيبته النفسية والسلوكية،
إنه إبن الماضي أيضا، بل يبدو ثقل الماضي في جميع افكاره وسلوكياته،
حتى لو كان ذلك الماضي سلبيا، بمعنى عندما تحدث كوارث وحروب بل حتى
مشكلات ومشادات بين الافرد والجماعات، فإنها ليست وليدة اليوم فحسب، بل
إنها تأسست وانطلقت من مجتمع الماضي القبلي المتعصب، لذا فما نقطفه
الآن هو نتاج الامس، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (ما نراه ـ
اليوم ـ من حروب بين الناس، فإنه يرجع في كثير من الأحيان، إلى تلك
النعرات القبلية الجاهلية، أو إلى النزعات القومية التي توارثها الناس،
جيلاً عن جيل. وبدأوا يحكمونها على المنطق والعقل والقيم الصحيحة،
فكانت مانعة عن التغيير نحو الحسن).
وهذا ما يقود الى ظلم الناس لبعضهم، وهذا ما يشير له الامام قائلا:
(ولذا فإنّ العصبية المذمومة المتوارثة من العصر الجاهلي، هي التي توجب
الإعانة على الظلم، وإثبات الباطل، والتفاخر بالأمور التافهة، التي
توجب المنقصة، وبث الخلاف بين الناس).
لذلك غالبا ما يتربص اعداء المسلمين بهم، مستثمرين حالات الخلاف
بينهم من اجل السيطرة عليهم، اذ يشير الامام الشيرازي الى هذا الجانب
قائلا: (لو أنّ المسلمين ضعفوا مرة واحدة وتقاعسوا فجأةً، فسيأتي الشرق
والغرب ليسلبوا منهم المال والجاه، وحتى الأرواح، كما نرى الآن في أكثر
البلاد الإسلامية، لأن الشرق والغرب هم دائماً في حالة رقابة تامة على
كل تحركات المسلمين).
لذلك فخلاص المسلمين من الواقع المتردي، هو الذهاب نحو التغيير
الافضل، والعمل الدائم والصحيح لبلوغ هذا الهدف، نعم لابد من التغيير
ولكن لابد من توفير الاسس الصحيحة لذلك، كما نقرأ ذلك بوضوح في قول
الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (علينا أن نخطو نحو التغيير إلى
الخير والفضيلة والتقوى. ولا يكون التغيير إلاّ بعد توفر أسبابه ورفع
موانعه). |