ناحية الاسكندرية... إرث بابلي يشكو من الاهمال

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: اعتاد ابو محمد كما هو حالة في صبيحة كل يوم على ترتيب علب السكائرالملونة بشكل انيق وملفت لنظر على تلك البسيطة المتهالكة التي ترافقه في مسيرته اليومية بلا ملل او ضجر والتي اصبحت جزأ لا يتجزأ من حياته لأنها مصدره الوحيد لكسب الرزق وقوت العائلة، هذا المشهد الرائع لذلك المسن الكادح اصبح مألوفا للكثير من المارة الذين اعتادوا على القاء التحية على ذلك العم الطيب وهم يعبرون القنطرة الرئيسية (المجرية) لناحية الاسكندرية لقضاء اشغالهم او لشراء السكائر منه.

وكثيراً ما كان يتحول (جنبر) ابو محمد (60 عاما) الى منبر اعلامي ناقد للوضع السياسي والاقتصادي والخدمي المترديفي العراق، منبر يحتدم فيه الخلاف في بعض الاوقات وتتباين فيه الآراء ويعلو الصياح بينه وبين رفاقه المتقاعدين الذي تجمعوا حوله ولم يملوا من كثرة الكلام اويكترثوا لأصواتهم المرتفعة التي تثير الانتباه.

لكن في هذا الصباح البابلي الجميل كان للحديث طعم اخر ونكهة خاصة تجعله يتميز عن باقي الصباحات الاخرى، فالحديث اليوم كان عن الاسكندرية (55 جنوب العاصمة بغداد)، المدينة التي انصفها التأريخ وأهملها المسؤولون، يخالطه الكثير من الفخر عن ماضيها والحزن على ما ألت اليه في حاضرها. تلك المدينة الرائعة "تحولت اليوم الى مجرد مفترق طرق"، كما قالها احد الاصدقاء وهو يتحسر، كلمات احزنت ابو محمد فبادر قائلا: "مع الاسف، ان يكون الامر هكذا، صرح من صروح العراق الكبير تتحول الى مجرد ناحية متواضعة تعاني من الحرمان والاهمال" امر محزن وغير مقبول. فيما أضاف ابو مجيد (58 عاما) قائلاً: "هذا ما جنيناه من ساستنا وخلافاتهم المستمرة".

من جانبه تسأل طعه حسن احمد هو خمسيني من سكنة المنطقة قائلا: "لو كانت مدينتنا بما تحويه من كنوز اثرية ومقامات لأنبياء وعباد صالحين وقلاع اثرية في بلد غير العراق، فكيف سيكون الاهتمام بها!".

وقفة مع التاريخ

هنا تركنا الرفاق يكملون حديثهم وتوجهنا الى الاستاذ حبيب الزيدي المدرس في ثانوية حطين الذي اكد لـ(شبكة النبأ) صحة هذه المعلومات التاريخية بالقول: "ان لهذه المدينة سحر خاص، ولعل هذا السحر هو من جذب الاسكندر المقدوني صاحب الفتوحات التاريخية العظيمة ليستقر في بابل، فقد اشارت المصادر والابحاث التاريخية الى ان قبر الاسكندر موجود هنا" واشار الى تل ترابي لمقابر قديمة بجانب المدينة القديمة.

ثم اضاف وهو يبتسم: "هل تعلم ان الاسكندرية لها اسم بابلي جميل كانت تعرف به قديماً؟".

واردف قائلاً: "كان اسمها (كور بابل) في العصر البابلي الحديث لبلاد ما بين النهرين، وهو اسم ظل ملاصقاً لها حتى مجيء الاسكندر وما جرته الاحداث التاريخية المعروفة بعد وفاته وقدوم الرومان بقيادة الامير الروماني تروجان سنة 116 ميلادية الى بابل ومحاولته البحث عن كنوز معبد الشمس، خصوصاً وان الاسكندرية وبحكم قربها من بابل والحضر تحولت الى محط انظار القادمين والطامعين". "كما ان هناك (حيث المدينة القديمة) عمارة من القرن السادس عشر ميلادي، وهي عبارة عن دور استراحة لزوار العتبات المقدسة".

وفي ختام حديثه تمنى من اصحاب القرار والمسؤولين ان تكون لهم ايادي بيضاء في تطوير هذه المدينة معللاً ذلك بقوله: "اذا نظرت الى المدن التي حملت اسم الاسكندرية حول العالم تجدها ذات معنى حضاري وسياحي كبير لدى العالم، الا ان اسكندرية العراق مهملة بالكامل برغم انها لا تقل مكانة عن مثيلاتها في الدول الاخرى، ويكفي قربها من مهد الحضارة الانسانية الاولى في بابل".

كنز سياحي

في السياق ذاته تحدث الشيخ الانصاري (37 عاماً) لشبكة النبأ المعلوماتية عن مكانة المدينة كواجهة مهمة للسياحة الدينية قائلاً: "انها مدينة ذات مكانة استراتيجية رغم صغرها وتواضعها العمراني، تتربع في وسط العراق وتحدها ثلاث محافظات (واسط وبابل والانبار) اضافة الى العاصمة بغداد، كما تعتبر الطريق الرئيسي لزوار العتبات المقدسة القادمين من وسط وشمال العراق وما توفره هذه السياحة الدينية القوية من فرص استثمارية وتطويرية قد تخدم المنطقة والمحافظة، ومن دون ان ننسى اعتبارها الطريق الحيوي لنقل البضائع من والى العاصمة".

وفي سؤال لـ(شبكة النبأ) عن ابرز المزارات الدينية الموجودة في مدينة الاسكندرية او بالقرب منها اجاب الشيخ الانصاري قائلاً: "هناك العديد من المزارات والمراقد الدينية الموجودة في المدينة ومحيطها، ولعل في مقدمتها يأتي مرقد ولدي مسلم (عليهما السلام) بجانب الفرات اللذان قتلهما الملعون حارث بن عروة الطائي بعد عام من واقعة الطف وهما لم يبلغا الحلم بعد في واقعة مؤلمة ومعروفة للجميع، ورغم قرب المرقد من قضاءالمسيب الا انه يتبع من الناحية الادارية لناحية الاسكندرية بحسب ما اعرف".

"اضافة الى وجود مقام للنبي ابراهيم (عليه السلام) شرق نهر الفرات ويجاوره مزاران للخضر (عليه السلام) احدهما للعبد الصالح المذكور في القران الكريم وقصة مع النبي موسى (عليه السلام) والاخر لاحد ذراري اهل البيت الكرام، ويقعان في منطقة جميلة قريبة من الفرات لكنها مهملة تماماً وتحتاج الى تأهيل خدمي كبير".

تحديات امنية كبيرة

يذكر ان مدينة الاسكندرية مرت بمراحل امنية صعبة للغاية عقبت سقوط نظام الطاغية في عام 2003، حيث اوكلت للقوات البولونية مسؤولية الملف الامني للمدينة قبل ان تتسلمها القوات الامريكية مرة اخرى بعد ان قدمت اداء امني ضعيف، ولوجود العديد من المنشآت الصناعية الضخمة كمنشئة حطين العامة (للصناعات الحربية) والشركة العامة لصناعة السيارات وكذلك المنشأة العامة للصناعات الميكانيكية، تعرضت مدينة الاسكندرية لموجات السلب المنظموالذي عرف في وقته بـ(الحواسم) والتي استمرت لأكثر من عامين ومستهدفةً بالأساس شركة حطين والتي تحولت على اثرها الى ارض جرداء.

وما زالت تعتبر مدينة الاسكندرية احدى ابرز التحديات الامنية للحكومة العراقية او ما يعبر عنة بـ"المناطق الساخنة" وذلك لحدودها المفتوحة ولمساحات شاسعة مع محافظة الانبار والتي تسهل عبور المتسللين من خارج العراق، اضافة لقربها من بغداد بعد ان استغلها الارهابيين كملاذ امن لتنفيذ عملياتهم الارهابية.

ورغم التحسن النسبي للأمن واحكام الاجهزة الامنية لقبضتها على اغلب المناطق الساخنة المحيطة بهذه المدينة (امثال الحامية ومنطقة البحيرات والطيفية ومويلحة ...الخ) تبقى مدينة الاسكندرية وحيدة مع قدرها الذي شاء لها ان تكون ارثاً حضارياً عالمياً لكن من دون ان يعرف او يقرأ عنها سوى القلة.

تلك هي كور بابل او الاسكندرية التي مازالت تتطلع بعيون دامعة كباقي مناطق العراق الى يد حنونه تنتشلها من واقع الاهمال وتعيد اليها امل الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/شباط/2012 - 12/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م