العراق وظاهرة ضعف الخدمات في الدوائر الرسمية

 

شبكة النبأ: حينما نحاول أن نلقي نظرة متفحصة على ما يجري في الدوائر الحكومية من تقصير واضح بحق المراجعين، فإننا سنحصل على نتائج مؤسفة تحدث على الارض ويمكن لمسها لمس اليد سواء من لدن المواطن او المسؤول او المتابع الحيادي، ذلك ان العنصرين الاولين ونعني بهما المواطن والمسؤول هما على طرفي نقيض في الغالب، حيث يرغب الاول بخدمات نموذجية وبمعاملة انسانية تليق بكرامة الانسان، في حين يميل العنصر الثاني الى عدم تحقيق رغبة المواطن (وهي حق من حقوقه الملزمة للحكومة) في انجاز المعاملة او الخدمة التي يراجع لانجازها.

بمعنى آخر أن عمل المسؤول (الموظف الحكومي) يكون قاصرا لأسباب عديدة، لذلك يكون شكليا في معظم الأحيان، ولهذا تكون الخدمات المقدمة للمواطن متردية ولا تتناسب مع الجهد المفترَض بهذا الخصوص، وما بين المواطن والمسؤول يوجد المراقب والمتابع المحايد الذي يحاول ان يرصد الخلل في هذا المجال، بروح المسؤولية والأمانة الاخلاقية والوطنية التي تفرض عليه أن لا يميل الى هذا الطرف او ذاك.

ولكي نكون اكثر دقة في موضوعنا هذا، سنتطرق لنموذج من الدوائر الرسمية الخدمية كالمستشفيات مثلا، وهنا نتساءل، من هي الشريحة التي تُكثِر من مراجعاتها الى المستشفيات الحكومي؟ وهل يمكن ان نتصور بأن طبقة الاثرياء تترك المعالجة في المستشفيات والعيادات الخاصة وتلجأ الى القطاع الصحي الحكومي؟ إن الجواب عن هذا لا يحتاج الى تدقيق كبير، فطبقة الفقراء حتما هي التي تلقي بنفسها على ابواب المستشفيات الحكومية بسبب حالة العوز التي تعاني منها، في مقابل ذلك فإن القائمين على تقديم الخدمات من اطباء وغيرهم لن يحصلوا على المردودات الربحية التي يتطلعون إليها لقاء خدماتهم في المستشفيات الحكومية، في حين يختلف الحال عندما يقوم الاثرياء وقلة من الفقراء بمراجعتهم الى عياداتهم او مستشفياتهم الخاصة او ما يُطلق عليها بالمستشفيات الأهلية، ولعل حجر الزاوية في ضعف الخدمات يكمن في هذه النقطة، التي تشكل لب الاختلاف بين المواطن من جهة وبين المسؤول القائم على تقديم الخدمات، سواء كانوا مرضى أو مراجعات لدوائر خدمية اخرى، وهنا ستبرز بقوة مسؤولية الحكومة لفض هذا الاختلاف الذي غالبا ما يعود بالأذى والخسارة على المواطن قد تصل أحيانا الى الموت او الاصابة بعاهة مستديمة، فالطبيب، وهذا رأي لا غلو ولا تجاوز فيه، لا يستقبل المريض في المستشفى العام كما يستقبله في عيادته او مستشفاه الخاصة، حتى في جانب التعامل الانساني، فالابتسامة العريضة والاخلاق الراقية التي يتحلى بها المسؤول الصحي في أماكنه الصحية الخاصة لن تعثر عليها في دوامه الرسمي في المستشفى العام، ومع انه لا يجوز تعميم هذه الحالة على الجميع إلاّ انها هي الظاهرة الغالبة، وهذا ليس قول المراقب او المتابع فحسب بل هو رأي وقول المواطن الفقير الذي يضطر مرغما لمراجعة المستشفيات والمستوصفات الحكومية بسبب حالة العوز التي يعاني منها وهو امر ليس مخفيا على المسؤولين او غيرهم، ومع ان الجميع من الذين ينتمون الى طرفيّ المواطن والمسؤول الصحي على معرفة بالظواهر المؤسفة التي تنتشر في المستشفيات العامة، فإننا ومن أجل التذكير والالتزام بتقديم الخدمات التي تليق بالمواطن، نسلط الضوء على بعض الظواهر المؤسفة التي تستشري هنا وهناك، ومنها ما نذكره في النقاط التالية:

- للمحسوبية والتوسط دور في تقديم او تأخير حاجة هذا المواطن هذا او ذاك، ناهيك عن تباين نوع الخدمة المقدمة للمعارف دون غيرهم، وهي ظاهرة مؤسفة يحرمها الدين والاخلاق والعرف الانساني.

- التباين المعيب في طبيعة التعامل الانساني من قبل الطبيب والمعالج مع المراجعين، فالمعاملة في عيادته او مستشفاه الخاصة لا تشبه من بعيد او قريب تلك التي يتعامل وفقها في المستشفى العام.

- إعتماد الخدمة الشكلية التي تفتقد الى جوهر العلاج الصحي الحقيقي الذي يهدف الى معالجة الناس بصورة حقيقية صادقة تقدم الجوهر الانساني على الشكل المصلحي.

- الضعف الاداري الواضح في تسيير الخدمات الصحية وتقديمها للمراجعين، إبتداء من المسؤول الأعلى نزولا الى (المعين او المنظف) واعتماد المصلحة او الفائدة المادية بدلا من الجانب الانساني او الجانب العملي الذي يتقاضى عليه أجورا شهرية منتظمة.

- ضعف تطبيق القوانين الصارمة بحق العاملين المسيئين في للمراجعين وعد التعامل الصحيح معهم.

- بالاضافة الى فقدان التعامل الانساني فإن معظم الدوائر الخدمية تفتقد لوسائل الراحة ومراعاة أعمار المواطنين، ناهيك عن عدم احترام الوقت الثمين، من خلال الاجراءات الروتينية في انجاز معاملات المراجعين وما شابه ذلك.

ولا يتعلق الامر بدوائر الصحة فقط، فهناك دوائر خدمية كثيرة ومتنوعة، منها دوائر البلديات والتعليم والضريبة والتسجيل العقاري وسواها الكثير، هذه لا تختلف عن النموذج الذي تحدثنا عنه، لذا لابد للحكومة والجهات المعنية أن تضع الحلول اللازمة التي تحمي المراجع لهذه الدوائر من حالات الانتهاك الكثيرة، ابتداء باسلوب تعامل الموظف مع المراجع، وليس انتهاء بتوفير اماكن الانتظار اللائقة، ناهيك عن اهمية القضاء على الروتين والرتابة القاتلة، التي تؤدي الى تعطيل وتعويق مصالح الناس، وقتل الكثير من اوقاتهم في حالات الانتظار غير المبرر. لذا فهذه الظواهر وغيرها لا تحتاج الى منظار دقيق لرصدها من قبل المسؤول او غيره، فهي ظاهرة للعيان ويمكن رصدها بسهولة ويسر، لكن المطلوب هو عمليات ادارة ناجحة وحازمة ترافقها نظرة إنسانية الى عموم المراجعين، تساندها التعليمات الرسمية التي تجبر الموظف على التعامل الصحيح مع الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/شباط/2012 - 12/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م