وسائل الإعلام الاجتماعي... سُلطة العالم الافتراضي

صباح الطالقاني

 

شبكة النبأ: قد لا نبالغ إذا ما قلنا أن عصر الإعلام الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعية والمدونات ومقاطع الفيديو المتبادلة بدأ ينافس وسائل الإعلام المحترفة، بل انه أثبت كفاءة وفاعلية أكبر في جمع الكلمة بالاعتماد على سرعة الانتشار والسرية والأمان التي توفرها خدمات مواقع التواصل على شبكة الانترنت، والسرعة في التجاوب مهما بعدت المسافات، والحماية من الإجراءات القمعية التي قد يتعرض لها الداعون لأمر ما عن طريق الوسائل التقليدية.

في كل الأحوال لا يمكن أن تحل صحافة المواطن محل الصحافة التقليدية لكن الرسائل والملفات التي يتبادلها المهتمين ويرسلونها لوسائل الإعلام على مدار الساعة وما تحتويه من أخبار آنية وهامة، من الممكن أن تُحدث شحذا كبيرا للهمة الاحترافية لدى وسائل الإعلام المتخصصة وتشكل تحديات لهذه الوسائل من اجل تنشيط دورها وتفعيل قابلياتها المهنية بصورة أكبر دقة وتأثيرا. 

مع ذلك يظل دور هذه الأنشطة الشعبية ذو فاعلية كبيرة، فهو يؤمِّن للمجتمعات المظلومة إيصال رسالتها لكافة الجهات الدولية الحقوقية منها والإنسانية، بل يمكن أن تكون الملفات التي يتبادلها الناشطين عبر مواقع التواصل أدلة إثبات على الانتهاكات التي تقوم بها الأنظمة الدكتاتورية في كل مكان. كما يمكن أن تشكل منبرا للتحريض على الثورة وتحديد أهدافها بل وحتى أماكن إقامتها وخارطة عملها.

وكمثال على ذلك حديث الشاب وائل غنيم، احد قياديي ثورة مصر، في حفل أقامته مجلة التايم العالمية للشخصيات الـ 100 الأكثر تأثيرا في العالم خلال العام، وما تمخض عنه من نوايا بسيطة لكنها صادقة وجادة ونابعة من هموم الشباب العربي، لقد شكلت هذه النوايا ركائز نشاط جماهيري هادر استطاع انتزاع الحرية من نظام متجذر الشمولية يخضع لحكم الحزب الواحد والفرد الواحد منذ ثلاثة عقود.

بموازاة ذلك بلغت مستويات حرية الصحافة خلال عام 2011 انحدارا كبيرا لكن ذلك كان بسبب الاضطرابات التي رافقت ربيع الثورات في العالم العربي، والتصاعد الهائل في مطالبة الشعوب بحقوقها، فكما هو معروف أن لكل فعل رد فعل فما بالك إذا كان هذا الفعل موجها ضد أنظمة حديدية قد وصلت بها القناعة إلى أنها تملك فعلاً هذه الشعوب، ولا تستطيع حتى التفكير في إعادة النظر بالسياسات الداخلية وأوضاع الحريات المدنية والاجتماعية فيها.

بالمقابل يلاحَظ أن وسائل الإعلام العالمية قد بدأت مؤخرا بإشراك متابعيها النشطين في وضع خارطة العمل اليومية من خلال فسح المجال لهم للإبلاغ عن الأحداث وحالات عدم الدقة في نقل الأخبار والحوادث، بل أن هناك من وسائل الإعلام من فتح غرف التحرير والمراسلة لآراء المتابعين والمهتمين واقتراحاتهم فيما يخص أهمية المواد المطروحة وطريقة التعامل معها وكيفية بثها قبل أن تطرح عبر الأثير.

إن الكم الهائل من الأخبار التي يمكن للمواطن المُهتم أن يبثها لوسائل الإعلام قد جعل من هذه الوسائل أوعية ضخمة للمواد الإعلامية تغترف منها ما يوازي أفكارها ويتفق مع منهجها العمومي، وهذا التواصل الفعال يمكن أن يفيد من الناحية الكمية لكنه ناقص الأهلية من الناحية النوعية، وخاصة مسألة مصداقية الحدث المنقول وطريقة تناوله لأن للخبر الواحد عدة أوجه قد تختلف عن بعضها كثيرا، وتقلب المسببات والخلفيات رأساً على عقب. 

عموماً يبقى القول الفصل للإرادات السياسية ذات التوجه الاستراتيجي والتي تغلّف نشاطاتها وتحركاتها السرية بسمة الشفافية الإعلامية والمنطلقات الإنسانية كحقوق الإنسان والديمقراطية، لأننا نرى بكل بساطة أن هناك ازدواجية معايير وكيل بمكيالين من قِبل الجهات الدولية المسيطرة إعلامياً وسياسياً يتمثل أحدهما بمحاباة أنظمة دكتاتورية عتيدة تطبِق على أنفاس مواطنيها، ومحاربة أنظمة أخرى قد تحمل صفة أقل من الدكتاتورية. ومن هنا يتحتم على شعوب ما بات يُعرف بالربيع العربي أن تعي مسؤولية الوضع الحالي كي لا تتحول-إن لم تكن تحولت- إلى أداة طيعة للاستعمار الجديد ذي الطابع الفكري والإعلامي والسياسي.

خاصة وأن المنطقة تشهد ولادة إبنة جديدة لأمريكا من رحم الخليج، يُنتظَر منها أن تتولى إدارة تأسيس النظام الشرق أوسطي الجديد من دون المساس بأمن العوائل المتحكمة بالبترول، وضمان أمن إسرائيل من خلال محاربة الأنظمة المناوئة لها ومن ثم التطبيع الكلي معها من جانب، وجعلها محور التحرك في تشكيل خارطة الشرق الأوسط الجديد من جانب آخر.

على كل حال فإن صحافة الشعب، من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية ودورها في ما يدعى بالربيع العربي، قد أحرزت خلال عام 2011 المنصرم سبقاً لم تصل إليه وسائل الإعلام العالمية، من ناحية غزارة المادة وقوتها، ومن ناحية ربط المادة الصحفية بالمضمون السياسي المؤثر بصورة مباشرة على عقل وقلب المتلقي، دون تزويق أو إثارة أو تعديل فني كما هو الحال في وسائل الإعلام الحرفية.

ويمكننا القول بأن ما وصلت إليه التقنيات الالكترونية التي سلّحت بها الجهات الغربية المواطن في ساحات الربيع العربي من أجهزة اتصال مباشر بالأقمار الصناعية، خلال الثورة الليبية والمصرية والتونسية قد لعبت دورا خفيا غاية في الأهمية، في توظيف قدرات الثائرين ضمن خارطة طريق للقنوات الفضائية تحقق من خلالها أهدافا سياسية، وتكسب تعاطفا دوليا كبيرا، وهذا بدوره يرجع إلى أسس التوجيه لهذه الشبكات الفضائية والجهات التي تمولها وتقف خلفها.

إن وسائل الإعلام الاجتماعي التي كانت بمثابة محرِّكات لثورات الربيع العربي، تشكِّل الأساس في قوة قادمة يمكن أن تنافس السلطة الرابعة لتصنع لنفسها مقعدا جديدا بسلطة لا نعرف ترتيبها بعد. 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/شباط/2012 - 11/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م