لا يعلم الساحر بأن سحره قد ينقلب عليه، ولو علم بذلك ما أقدم على
إشعال مباخر سحره، ولكنه ما أن تظهر مؤشرات لاحتمال فشله، يبدأ بالصراخ
والالتفاف لعله ينجو بنفسه مما صنعته يداه. بيد أن بعض السحرة من
الساسة لا ينتبهون إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس فيقول "الآن فهمت!"
كما قال زين العابدين بن علي الرئيس التونسي الهارب، ويبدو أن للملف
السوري فعل السحر على دول كثيرة، والله وحده يعلم من سيكون مسحوراً ومن
سينقلب عليه سحره! لأن نتائج مناقشات اللجنة العربية في جامعة الدول
العربية الأخيرة تشي بانقسامات عربية جديدة بدأت بانقسام أعضائها بين
مجموعة ترغب في استمرار العمل بالبرتوكول الموقع بين الجامعة ودمشق،
ومجموعة تصر على تدويل الملف السوري.
كما أن التحولات العربية قد غيرت بعض الأنظمة، هناك أيضاً دول عربية
وإسلامية سعت لإعادة النظر في سياساتها الداخلية والخارجية، لاسيما مع
تطور الملف النووي الإيراني وتأزم الوضع في العراق من جديد، وبالتالي
أعادت صياغة تحالفاتها والتزاماتها، ومن ثم سيكون لكل ذلك نتائج
مستقبلية قريبة وبعيدة، فتركيا قبل 2011 ليست تركيا عام 2012، وكذلك
الأمر في قطر، وإن كانت تفاعلات وإرهاصات المنطقة لم تنته بعد. لذلك
يصبح للخبر الصغير قيمة تراكمية كبيرة وفق سياق التحولات الجارية.
خبران حدثا في الأسبوع الماضي لهما معان كثيرة على صعيد ما تمر به
المنطقة من تفاعلات سياسية. الأول: انعقاد ندوة نظمها الائتلاف القومي
المستقل بمصر بالتعاون مع جريدة العربي بعنوان سورية وكيفية الخروج من
الأزمة بمشاركة بعض الكتاب والمحللين وبعض القيادات من الحزب الناصري
المصري وأساتذة جامعات وشخصيات سياسية وأدبية وثقافية، حيث حذروا من
خطر بعض الدول الخليجية على الأمة العربية لدورها في تنفيذ مؤامرات
تقسم الأمة وتساعد على سيطرت الاستعمار على مقدراتها وشعوبها حيث برز
ذلك من خلال تأجيج العنف في سورية والتحريض الإعلامي المستمر ضدها ومد
المسلحين بالمال والسلاح لتبرير التدخل الخارجي، وهي عميلة تستهدف
سورية لضرب دورها وموقعها المقاوم في المنطقة، كما ورد في التقارير
المتعددة.
الخبر الثاني: قيام لجنة برلمانية وحزبية تركية بمتابعة الأوضاع في
المناطق الحدودية مع سورية برئاسة السيدة قالالي المكلفة من حزب الشعب
الجمهوري للإطلاع على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أنطاكيا، وقد
خلصت إلى أن سورية تتعرض لمؤامرة إمبريالية وأن تركيا تشكل طرفا فيها
لاستضافتها المسلحين الذين يستهدفونها لافتين إلى تذمر ومعاناة أهالي
المناطق التركية الحدودية من تدهور أوضاعهم الاقتصادية بسبب موقف حكومة
رجب طيب أردوغان الذي أدى إلى تدهور العلاقات التركية السورية بعدما
كانت تشهد تحسنا ملحوظا، وهو الأمر الذي أكدته لجنة أخرى تضم ممثلين عن
جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي قد زارت المنطقة قبل ذلك،
وخلصت إلى أن تركيا باتت طرفا في المؤامرة الامبريالية التي تستهدف
سورية والمنطقة برمتها لاحتضانها الذين يستهدفون سورية.
بينما يلاحظ، في الأيام الأخيرة، على تركيا تراجع طفيف في المواقف
المعلنة تجاه سورية وكأنها تحاول استدعاء خط رجعة مع دمشق، تتوغل قطر
في عمق الملف السوري بالمواقف المتصلبة دون اعتبار لوضع خط رجعة وكأنها
متيقنة من سقوط النظام السوري.
يقول البعض هو تبادل للأدوار. يقال أيضاً بأن حكومة حزب العدالة
تستشعر نزولاً لأسهمها في الشارع التركي وتوقعت استطلاعات تركية هبوطاً
أكبر لأسهمها.
أما قطر فالظاهر أنها لا تمتلك خياراً للتراجع لاسيما بعد تبنيها
لحراك الشارع السوري بكلها وكليلها. لذا نحن ننتقل من عام الربيع
العربي إلى عام التحولات العربية. فهل نحن مستعدون لها؟
aldaronline.com |