العرب في دافوس... آمال معلقة على عودة المستثمرين

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لاتزال الصعوبات والمعوقات الاقتصادية تشكل حاجز العثرة الرئيسي اما اغلب الحكومات العربية الجديدة، التي خلفت الانظمة السابقة بعد ثورات الربيع العربي  التي اطاحت بالعديد من الرؤساء، ومن اهما مشكلة الركود الاقتصادي وتفاقم اعداد العاطلين عن العمل التي زادت نسبها بعد عزوف الشركات العالمية عن اقامة مشاريعها في هذه البلدان، يضاف اليه تخوف المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال من الدخول في مشاريع غير مضمونة بسب تزايد الازمات وكثرة الاحتجاجات والاعتصامات التي تشهدها بلدان الربيع العربي.

ويرى بعض المراقبين ان امتناع الشركات واصحاب رؤوس الاموال من الاستثمار جاء على خلفية سيطرة بعض الاحزاب والحركات الاسلامية على مقاليد الحكم في هذه الدول الامر الذي دفع قادة الربيع العربي الى تطمين النخبة العالمية في دافوس بأن صعود الاسلام السياسي لا يهدد الديمقراطية وناشدوهم المساعدة في خلق فرص العمل وتلبية تطلعات شعوبهم الي حياة أفضل. واستضاف المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس سياسيين ونشطاء وقادة لقطاع الاعمال من الدول التي أطاحت بزعماء دكتاتوريين وأجرت انتخابات حرة في الاشهر الاثني عشر الماضية. وطالبوا من مضيفهم الصبر والتفهم والاستثمار.

وحاول رئيسا وزراء تونس والمغرب الجديدان -وكلاهما من حزب اسلامي- تبديد المخاوف الغربية بشأن صعود الاسلام السياسي في شمال افريقيا. وقال حمادي الجبالي رئيس الوزراء التونسي "لا اعتقد انه يجب ان يطلق على النظام الجديد اسم الاسلام السياسي. علينا ان نكون حذرين في اختيار المصطلحات. لقد شهدنا انتخابات حرة ونزيهة قادت الى نشوء انظمة ديمقراطية." وقبل 12 شهرا كان الحاضرون في دافوس يشاهدون بثا تلفزيونيا حيا للحشود التي تدفقت على ميدان التحرير في وسط القاهرة في زلزال سياسي لم يكن الكثيرون منهم يتوقعونه.

ووجه رئيس الوزراء المغربي عبد الاله بن كيران سؤالا الى رجال الاعمال الحاضرين قائلا "أريد ان أسأل رجال الاعمال في هذه الغرفة. هل عانيتم من فوز الاسلاميين.. لقد كنتم داعمين للديكتاتوريات". واضاف قائلا "نحن منفتحون جدا. يمكننا ضمان مصالحكم واستثماراتكم بصورة أفضل من قبل .. مصالحنا متكاملة. نحن بحاجة الى هذه الاستثمارات ونسعى اليها."

وحث مسؤولون ونشطاء عرب مسؤولي الشركات والمعلقين الغربيين الحاضرين على عدم شيطنة الحركات الاسلامية التي انتقلت من السجون الى البرلمان وأروقة السلطة في عام شهد تحولا مذهلا. وقال المسؤولون الذين يحاولون تلبية توقعات ضخمة للتنمية الاقتصادية وفرص العمل والتقدم الاجتماعي في الدول التي تعرضت لخسائر كبيرة خلال الاضطرابات ان نتائج الربيع العربي ستحتاج سنوات حتى تتحقق.

وقبل عام من الان اندلعت الاحتجاجات في مصر -أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان- وأطاحت بالرئيس حسني مبارك الذي يخضع للمحاكمة حاليا. وأدت الاضطرابات في مصر الى ارتفاع البطالة واتساع عجز الميزانية والعجز في ميزان المدفوعات وهبوط الاحتياطيات الاجنبية. ويتوقع كثير من الخبراء الاقتصاديين انخفاضا وشيكا لقيمة العملة المصرية.

وقالت مصر انها ستطلب قرضا بقيمة 5 0 0 مليون دولار من البنك الدولي وقرضا اخر بقيمة 5 0 0 مليون دولار من البنك الافريقي للتنمية للمساعدة في سد عجز الميزانية. وقال أحمد هيكل الرئيس التنفيذي لشركة القلعة المصرية "الظروف الاقتصادية صعبة وستزداد صعوبة." وأضاف أنه لديه "تفاؤل محدود" على الصعيد السياسي. بحسب رويترز.

وفي حين توقف الاستثمار الاجنبي الجديد في مصر والدول المجاورة قال دينيس نالي رئيس مجلس ادارة برايس ووتر هاوس كوبرز ان الشركات الاجنبية لم تنسحب بشكل مفاجئ كما كان يمكن أن تفعل في السابق وهو ما يوضح أهمية الاسواق الناشئة اليوم. وأضاف قائلا "لو حدث الربيع العربي قبل خمسة أو ثمانية أعوام لرأينا معظم الشركات العاملة في ذلك الجزء من العالم تنسحب من الشرق الاوسط."

وقال مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي التونسي ان تكلفة التحول السياسي على حكومات ما بعد الثورة أكبر من المتوقع بكثير. وأضاف أن وعود المساعدة المالية السخية من المجتمع الدولي ولاسيما من مجموعة الثماني لم تتحقق حتى الان.

ومما يزيد الامور سوءا أن التعافي الاقتصادي تأثر سلبا بالأوضاع الاقتصادية العالمية ولاسيما أزمة ديون منطقة اليورو.

تونس وخارطة التغير

في السياق ذاته شهدت تونس موجة من الاعتصامات والاضرابات واغلاق للطرق التي ضاعفت المصاعب الاقتصادية ودفعت الكثيرين للتحذير من اندلاع ثورة ثانية احتجاجا على البطالة والفقر. ففي مدينة مكثر الواقعة على بعد 162 كيلومترا شمالي تونس العاصمة اغلقت المتاجر والمصانع والمخابز ، كما شهدت مدينة نقرة الفقيرة بمحافظة باجة اضراب عام واحتجاجات شلت تصدير الفوسفات في منطقة الرديف جنوب البلاد.

 وقد هزت الثورة التونسية العالم العربي وامتد أثرها الى مصر وليبيا واليمن وسوريا في اطار ما يعرف بالربيع العربي. وبعد 14 يناير كانون الثاني تاريخ هروب بن علي اطلقت الحريات في تونس واجريت أول انتخابات ديمقراطية وفازت بها حركة النهضة الاسلامية.. لكن مظاهر الفقر والبطالة تفاقمت وزادت حدتها مما جعل مهمة الرئيس الجديد المنصف المرزوقي أشبه بمهمة معالجة طوفان هائل من الملفات العاجلة.

وبعد تقديرات سابقة بنمو 2. 0 بالمئة خلال 2 011 قال وزير التنمية الجهوية والتخطيط جمال الغربي ان النمو الاقتصادي لعام 2 011 كان سلبيا وبلغ -8.1 بالمئة وارتفعت معدلات البطالة الى 18 بالمئة مقارنة 13 بالمئة قبل عام. وارتفع عدد العاطلين من نحو 55 0 الف عاطل قبل عام الى حوالي 85 0 الفا الان مما عقد المهمة امام الحكومة في ظل تزايد المطالب الانية بالتشغيل. بحسب رويترز.

وفي مدينة الرديف الغنية بالفوسفات والواقعة جنوب البلاد اوقفت الاحتجاجات المستمرة على نقل الفوسفات احتجاجا على ما اعتبر استمرارا لتهميش المنطقة وعدم استفادة أبنائها من ثرواتها. وقال الزعيم النقابي عدنان حاجي الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات قبل الافراج عنه بعد الثورة "الرديف ستعلن الانفصال والعصيان المدني اذا لم تستجب الحكومة لمطالبنا في التشغيل والكرامة وفقا للاتفاق المبرم مع الحكومة السابقة."

وكانت الرديف أول مدينة تونسية تنتفض ضد بن علي في 2 0 08 للمطالبة بفرص المنطقة في التنمية والاستفادة من ثرواتها من الفوسفات. وواجه نظام بن علي المحتجين بالرصاص انذاك.

وفي شمال البلاد نفذت مدينة مكثر اضرابا عاما استمر ستة أيام للمطالبة بايجاد فرص شغل وإقامة مشاريع. ولم يتوقف الاعتصام الا بعد استقبال رئيس الجمهورية لوفد من المنطقة وتعهده بايجاد حلول وزيارة المنطقة. وقال احمد بن فرج وهو شاب عاطل عن العمل في مكثر "مستعدون لكل شيء. نفد صبرنا ولن تخفينا تهديدات الحكومة بفرض القوة. سنحتج وسنقود ثورة ثانية اذا لم ننل حقنا في الشغل الذي اسقطنا من اجله بن علي."

وبلغ التوتر الاجتماعي قمته حين اعتصم العشرات امام مقر رئاسة الجمهورية في قرطاج في حادثة رمزية هي الاولى في تونس. وقال حمادي الجبالي رئيس الحكومة ان هناك اطرافا لم يسمها تهدف الى اسقاط الائتلاف الفائز في الانتخابات عبر دفع الاعتصامات في الداخل والاحتجاج على المساعدات الاجنبية من الخارج بدعوى التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.

واضاف في كلمة امام المجلس التأسيسي ان هؤلاء لن يسقطوا الحكومة بل سيسقطون تونس بأكملها وان الحكومة لن تسمح بتهديد الثورة وستفرض القانون على المعتدين في الجامعات والمؤسسات والشوارع. وقال الجبالي ان 26 0 مشروعا من شأنها أن توفر حوالي 3 0 الف فرصة عمل حاليا معطلة بسبب الاوضاع الامنية والاعتصامات.

وانتشرت الاحتجاجات في مدن (غار الدماء وباجة وجندوبة والقيروان) للمطالبة بتوفير فرص العمل. وحتى القطاع السياحي الذي يعد اول مصدر للعملة الاجنبية وثاني مشغل بعد الزراعة تراجع بشكل حاد. وقال مسؤول في وزراة السياحة ان العائدات تراجعت من 2.3 مليار دينار خلال 2 01 0 الى 1.2 مليار دينار خلال 2 011 وتراجع عدد الزائرين بنحو مليونين ليبلغ حوالي 4.4 مليون سائح. وقال الخبير الاقتصادي فتحي الجربي "الثورة حققت بعض المكاسب من بينها حرية التعبير لكن هيكلة الاقتصاد مازالت نفسها في كل القطاعات بما فيها القطاع البنكي. لم يتغير شيء والحكومة لم تقدر على مواجهة غلاء الاسعار وتفشي البطالة مما يوحي بضرورة احداث رجة لابعاد الخطر عن البلاد." لكن وزير التكوين المهني والتشغيل عبد الوهاب معطر قال في حوار نشرته صحيفة الشروق ان الحكومة الحالية ستوفر 25 0 الف فرصة عمل خلال هذا العام من بينها 5 0 الفا في قطر واكثر من 1 0 0 الف في ليبيا اضافة الى 25 الف شاب سيوظفون في القطاع العام و5 0 الفا في القطاع الخاص. بحسب رويترز.

وشعورا بخطورة الاوضاع التي وصلت اليها تونس اطلق الاف التونسيين حملات على موقع فيسبوك لانقاذ تونس تحت شعار "انقذوا تونس" و"لا تحرقوا تونس". وحذر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة من ان شركات كبرى قد تغادر البلاد جراء الاعتصامات المتواصلة بعد أن اغلقت اكثر من 17 0 مؤسسة اجنبية ابوابها جراء الاعتصامات العشوائية والاضطرابات الامنية في بعض المناطق.

واظهرت ميزانية 2 012 ان تونس تخطط لنمو قدره 5.4 بالمئة خلال العام الحالي. لكن سمير ديلو الناطق باسم الحكومة قال ان تحقيق هذا امر صعب. وقال "تحقيق نسبة نمو بنحو 5.4 خلال العام الحالي تصبح صعبة التحقيق يوما بعد يوم في ظل استمرار الاعتصامات."

هذا وتسعى الكثير من الاحزاب والحركات الاسلامية التي حصلت على مكاسب في بلدان الربيع العربي الى تغير تلك الصور التي رسمها بعض المتشددين الاسلاميين ، من خلال رسم سياسات جديدة لطمأنه دول العالم والاستفادة من مجزات التغير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/كانون الثاني/2012 - 6/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م