البيئة نظام طبيعي وآخر حضاري

علي إسماعيل الجاف

البيئة هي الوسط الذي يعيش فيه الإنسان وعواملها كثيرة ويتألف منها النظام البيئي الطبيعي والحضاري.

ما هو النظام البيئي؟ النظام البيئي هو نظام وظيفي يعمل بشكل كلي متكامل، من خلال مكوناته الحية وغير الحية التي يتكون منها النظام البيئي وتكون العلاقات تبادلية وتشابكية وللنظام البيئي مدخلات ومخرجات من الطاقة والمادة. وتحت الظروف الطبيعية وحتى عندما يضطرب النظام البيئي بفعل الأنشطة الحياتية فانه يعمل إلى أعادة تنظيم ذاته.

 فمن خلال عملية "التعاقب" يتجه الغطاء النباتي إلى تكوين مجتمع نباتي مستقر وثابت على اثر الحرائق والرعي الجائر وانحراف التربة الناتجة عن إهمال الإنسان وذلك بتكوين الحد الأقصى من الأنواع النباتية ونباتات الذروة في كل وحدة مساحة. وأما النظام البيئي الطبيعي يتألف من عدة أنظمة هي النظام الغازي الذي يتكون من الغازات المكونة لهواء الأرض المائي فيشمل ماء البخار والسائل والجليد والنظام الأرضي يتألف من القشرة الأرضية التي نعيش عليها ونتفاعل مع عناصرها والنظام الحيوي هو ما اشتمل على كل ظواهر الحياة النباتية والحيوانية الموجودة في الأرض، الهواء والماء.

والنظام البيئي الحضاري هو البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية واراها في البيئة من خلال استثمار الإنسان لمواردها وإقامة المشاريع التنموية المختلفة الهادفة إلى اصلاح وتطوير البيئة للتخفيف من الآثار السلبية للبيئة الطبيعية.

ويتألف هذا النظام الحضاري من عدد من الأنظمة: السياسية، الاجتماعية، الثقافية، التكنولوجية والاقتصادية وتتداخل الأنظمة الطبيعية بمكوناتها مع النظام البيئي الحضاري بمكوناتها المختلفة وينتج عن هذا تداخل كل العناصر الايجابية والسلبية التي تصادف حياة البر على سطح الأرض فتكون تنمية الموارد بواسطة الإنسان وتكون تنمية حياة الإنسان وتطويرها بتنمية موارد الأرض والبيئة وبذا يكون أعمار الأرض احد مظاهر التغير والاختلاف في البيئة.

التصحر... فقدان الإنتاج الاقتصادي وتدهور البيئة

من خلال الحفريات الأثرية في الصين، بينت ان الزمن الصحراوي ظل يهدد ويبتلع المستوطنات البشرية طيلة ثلاث الألف سنة، وفي العصر الحديث تبدو الخطورة الواقعة والمتزايدة لمشكلات التصحر لمناطق مختلفة من العالم (UNCED, 1992).

وجدت الصحراء منذ أمد بعيد نتيجة لعوامل بيئية والتي تستعمل عوامل طبيعية وبشرية، وعليه يمكن تعريف الصحراء على أنها: "مصطلح يستخدم للتعبير عن ظاهرة مناخية وجغرافية لمنطقة ما، تستقبل اقل ما يمكن من الماء ويكون معدل التبخر فيها أعلى من معدل الأمطار الساقطة عليها، وتلعب الرياح دورا هاما في النقل والترسيب، ويقل فيها الغطاء النباتي." Glantz, 1987)).

أما مصطلح "التصحر" فهو: "انخفاض وتدهور في القدرة الإنتاجية للأرض في الأراضي الجافة وشبه الجافة، وزحف الرمال والكثبان الرملية هو جزء من مشكلة التصحر، وهو يرجع الى صفة المناخ السائد الجاف، وقد يعني التباين أيضا في كمية الأمطار الساقطة وتباين سقوطها السنوي، او انعدامه خلال عدة سنوات." (Kassas, 1999)

يوجد هنالك سببين رئيسين للتصحر: الأول يتعلق بالأسباب الطبيعية والتغيير المناخي، والثاني ينتج من صنع الإنسان. فالأول الذي يتعلق بالأسباب الطبيعية الذي نقصد به هشاشة الأنظمة البيئية، محدودية مصادر المياه، ضعف الغطاء النباتي، قلة الأمطار مع استمرار نوبات الجفاف وكذلك مكونات التربة (أنواعها) ومحتواها من المادة العضوية. أما الأسباب المتعلقة بالإنسان فهي كثيرة وتشمل الاستغلال المكثف للأراضي وإنشاء المشاريع الصناعية ذات الطابع ألتدميري للبيئة، وقد تكون أسباب سياسية واجتماعية أيضا.

تختلف حالة التصحر ودرجة خطورته من منطقة لأخرى تبعا لاختلاف نوعية العلاقة بين البيئة وأسلوب استخدام الإنسان لمواردها، وقد تم الاتفاق في مؤتمر "نيروبي" عام 1977 على تحديد درجات التصحر:

1.) تصحر خفيف: وهي تعرض التربة والنباتات الطبيعية لفقر قليل لا يؤثر على الطاقة البيولوجية والطبيعية للأرض.

2.) تصحر معتدل: أذا تعرضت النباتات الطبيعية لتلف قليل بفعل التعرية الهوائية والمائية او تكوين كثبان رملية، او تعرض التربة للتملح.

3.) تصحر شديد: اذا حدث تغير واضح في نوعية النباتات وتفقد التربة طبيعتها السطحية الخصبة وتزداد الملوحة وتنخفض الإنتاجية بنسبة (50%).

4.) تصحر شديد جدا: اذا زادت درجة تدهور التربة وتحولها الى تربة عقيمة.

وباختصار فان كلمة "التصحر" تركز على محورين أساسين: الخطر (هو تآكل وتدهور الأرض) والأسباب (هي طبيعية وبفعل الإنسان) والتدهور (هو النقص في طاقة الأرض من الإنتاج وهو الفقدان الاقتصادي والتدمير البيئي). (Holding, 1971)

لقد وضعت العديد من المعادلات من اجل حساب معدلات التبخر، وتصنيف المناطق ألا ان الدراسة التي قام بها (Holding, 1971)، وذكر ان:

 أ‌-) معدل الأمطار السنوي اقل من (125 mm) دليل على المناطق الصحراوية.

 ب‌-) معدل الأمطار السنوي يتراوح بين (125-250 mm) مناطق معرضة للتصحر.

 ت‌-) معدل الأمطار السنوي يتراوح بين (250-500 mm) مناطق معرضة للتصحر بشكل اقل.

وتعد مخاطر زحف الكثبان الرملية من اخطر المشاكل البيئية التي لها تأثير سلبي على السكان والتنمية لكون مناطق تواجد الكثبان قريبة من المناطق الحضرية والمدن والقرى. بالإضافة الى تأثيرها السلبي على المناطق الزراعية والتي تؤدي الى دفن او تعرية او نقل وترسيب نتيجة لا إزالة التربة او إزالة الغطاء النباتي حيث تعمل الرياح على حمل الحبيبات الكبيرة من الرمال مما يسبب تخدش وتعرية النبات او أتلافه، أما الحبيبات الصغيرة من الرمال (الغبار) فتؤدي الى تقليل الرؤيا وإرباك في حركة المواصلات والتأثيرات الصحية السلبية الأخرى.

ويقول (Black, 1965) ان أسباب التصحر تعود لاختلاف الخصائص البيئية للمناطق المعرضة للتصحر وتبعا للظروف الاجتماعية والاقتصادية، وعليه يمكن اعتماد محاور أساسية من اجل مكافحة التصحر وهي:

1.) وقف زحف الرمال والكثبان في المناطق التي ينشط فيها.

2.) استصلاح الأراضي المتضررة اقتصاديا.

3.) الإدارة السليمة للأراضي الجافة واستغلالها.

ويذكر (Page,1982) ان هنالك عدة طرق يمكن من خلالها مكافحة الكثبان الرملية ووقف حركتها او تثبيتها وهي:

 أ‌-) إزالة او رفع الكثبان الرملية – وهي أحدى الطرق المستعملة في بعض البلدان لكن عملية تكونها قد تحدث في المستقبل.

 ب‌-) تثبيت سطح الكثبان الرملية عن طريق زراعتها باستخدام نباتات صحراوية تتلاءم مع الظروف البيئية في المنطقة.

 ت‌-) عمل خنادق واسعة ممتدة في طريق زحف الكثبان.

 ث‌-) انشاء حواجز او أسوار لإيقاف تقدم الرمال.

 ج‌- استخدام طريقة رصف الكثبان الرملية بمواد ثقيلة كالحصى.

 ح‌-) ان عملية استخدام المواد الهايدروكاربونية في عملية تثبيت الكثبان الرملية لغرض وقف زحفها، هي في الحقيقة تدمير للبيئة.

 خ‌-) استخدام الأسوار الخضراء عن طريق زراعة أشجار تتحمل الظروف البيئية القاسية، وتكون على شكل خطوط متوازية ذات امتدادات كبيرة وعرض مئات الأمتار، وتكون عمودية على اتجاه حركة الكثبان الرملية.

 د‌-) مزج الرمال مع ترب ثقيلة من اجل تثبيتها ثم زراعتها.

 ذ‌-) استخدام الرمال (الكثبان الرملية) كمواد أولية في الصناعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الثاني/2012 - 5/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م