من الغابات إلى الفيلات

توفيق أبو شومر

لا أحد يعترض على ما يصدر عن إسرائيل من عنصريات، ليس الأمر غريبا، فإسرائيل تعيش حالة استثنائية دولية، لا مثيل لها في كل أقطار العالم، فهي عروسُ الدول، وملكة جمال العالم، وهي محظية الزعماء والرؤساء الكبار، وعشيقة أصحاب الملايين!

نعم إن إسرائيل أكثر من ذلك بكثير ، فهي تُطبِّق أشهر قصص بطولات أبنائها وبناتها، وتستفيد من أحداث تلك القصة، وتجعل الاحتفال بها من أروع الاحتفالات، وتسميها عيد الفوريم، أو عيد المساخر، وهي قصة الغانية إستير، إستير الجميلة التي فتنت ملوك وحكام الفرس، تمكنت من التسلل إلى بلاط أحشويرش الفارسي وتزوجته، وتمكنت من تحطيم أسطورة الطاغية وسفاح اليهود، وزيره هامان ، وتمكنت بجمالها الفتَّان أن تُغري الملك بإعدامه، بمعونة أخيها مردخاي!

إسرائيل ستظل تحتفل في شهر مارس من كل عام بهذا النبوغ والتفوق، وهو مزيج من الإغواء والخطة، وستظل تمارس التمييز والعنصرية ضد (غير اليهود) بل ضد اليهود أنفسهم، وبخاصة مَن يتهودون منهم، وعلى وجه الخصوص الأثيوبيين أو الفلاشاه!!

 ثار الإثيوبيون ضد العنصرية الفاقعة والساطعة ضدهم، لأن عقود الإيجار في مدينة كريات ملاخي جنوب تل أبيب مكتوبٌ فيها شرطٌ عنصري مفجع:

" يمنع تأجيرُ العقارِ أو بيعه أو رهنه لإثيوبيين"!!

وكان واجبا أن تتبنَّى وزارة الاستيعاب قضيتهم العادلة، فقد اشتكوا لوزيرة الاستيعاب، صوفا لاندفر، التي ردت عليهم قائلة:

" اشكروا الحكومة على ما قدمته لكم، بدلا من الاحتجاج!!!!"

ولم يردَّ عليها أحد ، ولم نقم حتى برصد، هذا القول إعلاميا، لنبرز الوجه الآخر لوزراء إسرائيل، الوجه العنصري، وكأن الأغلبية قد وافقت على أقوالها!!!

وانتفض الأثيوبيون انتفاضتهم الأولى ، وساروا من تل أبيب إلى القدس، حيث تظاهروا احتجاجا على العنصرية الصارخة يوم 19/1/2012 !

حاولتُ أن ألملم أطراف الأخبار حول الموضوع، فلم أجد سوى بعضها، غير أن الكاتب اليساري المنصف، يوسي ساريد أشفى غليلي عندما كتب مقالا في هارتس يوم 21/1/2012  وقال فيه ساخرا من تعليق الوزيرة العنصرية صوفا لاندفر:

" أيها الإثيوبيون اشكروا الحكومة التي أخرجتكم من الغابات إلى الفيلات، واشكروها لأن أبناءكم يدرسون في معازل عرقية وغيتوات، واشكروا كلَّ مَن حولكم لأنهم يصبرون على رائحتكم النتنة، واشكروا المنتديات، التي لا تقبلكم إلا على الأبواب، واشكروا وزارة الصحة التي تُلقي بدمائكم في المجاري، عندما تتبرعون، واشكروا الحاخامين الذين يهودونكم وفق نظام غيورا لشومرا، (( وهو التهويد المخصص للمشكوك فيهم، ممن لا يمكن أن يكونوا يهودا أنقياء)).

إن يوسي ساريد قد أوضح بجلاء الممارسات العنصرية التي لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك فإن جمال ملكة الكون، وفتنة إمبراطورة العالم، ورشاقة ودلال الغانية، ما تزال تعوق وصول رسالة الأثيوبيين للعالم أجمع، وليس لإسرائيل فقط!!

 أما عن رسالتنا نحن الفلسطينيين، والعنصريات المتعددة والمتجددة، التي تُمارس ضدنا كل يوم، فالأمر مختلف!!

لأننا – بسبب جمال الغانية- نستحقُّ كل ما تفعله في حقنا، لأننا بصراحة، نُفسد مكياجها، ونهدد أمنها!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الثاني/2012 - 2 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م