المثقف الليبرالي والأدلجة الخفية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في الغالب، يعلن المثقفون الليبراليون تقاطعهم مع الايدلوجيا، تساوقا مع المسار الثقافي المتحرر، الذي لا يفرّق بين الثقافات، ولا يتكئ على الأدلجة في التداخل مع الثقافات الاخرى، بكلمة أوضح، المثقف الليبرالي ينفي انتماءه لفكر ما يتقاطع مع الحرية، لهذا يقول ويعلن في مناسبة وأخرى، أنه لن يقع تحت التأثير الايدلوجي قط.

الوقائع الملموسة تشير الى غير هذا الإدّعاء، يمكن ملاحظة ذلك عند التمرس في تحليل مواقف المثقف الليبرالي، ثمة أدلجة خفية يقع تحت سطوتها، ربما يعرف بعضهم بذلك، وبعضهم ربما يخضع لـ (لا وعيه) آليا، فيصبح تحت تأثير الأدلجة التي تتسلل الى (لا وعيه) وتتحكم بمساراته وتعاملاته مع الثقافات الاخرى، فيكون مثقفا ليبراليا (مؤدلجا) حتى لو أعلن أنه لا يخضع لفكر محدد يتقاطع مع أفكار أخرى.

المتعارف أن الثقافات تتساوى عند المثقف الليبرالي، فهو يقف – حسب تعبيرات السياسيين- بمسافة واحدة من الثقافات متعددة المسارات، كما انه ليس محددا بأفكار ثابتة تقع تحت تأثير التحجّر الأيدلوجي الذي يتقاطع مع الثقافات الاخرى، وهكذا يستدعى الامر نظرة وتعاملا متساويا مع الثقافات كافة، لكن الذي يحدث غير ذلك، ثمة أدلجة خفية - كما ذكرنا سابقا- تحكم المثقف الليبرالي، وتجعله مثقفا مؤدلجا، مع أنه يعلن انتماءه للثقافة الليبرالية المتحررة.

تظهر الأدلجة الخفية في المحاولات الحثيثة التي يبذلها المثقف الليبرالي للهيمنة على الثقافات الاخرى، أو السعي لإقصائها وتهميشها والتقاطع معها كليا، في الوقت الذي ينبغي عليه، كمثقف محكوم بالتحرر الفكري، أن يتعامل معها وفقا لمبدأ القبول بالفكر الآخر، والتحاور معه، واحترامه، ومد الجسور بين الثقافات كافة، أملا في بناء عالم بشري يليق بإنسانية الانسان.

وهكذا يمكننا ملاحظة التناقض الصارخ بين الادّعاء النظري والفعل المجسَّد، لدى المثقف الليبرالي، وقد يعي بعضهم هذا المرض البليغ ويتغاضى عنه، وبعض آخر قد لا يعي ذلك أصلا، فيقع في وهم الادعاء الليبرالي، فيما تذهب أعماله في الاتجاه القسري الذي يرغم الآخرين على السير في مساراته، والقبول بقناعاته هو حصرا، وهذا ما يتقاطع كليا مع الثقافة الليبرالية الحقيقية، التي تحصّن نفسها بقوة ضد السقوط في فخّ الأدلجة القاتلة.

لذا لابد أن يكون هناك فرز واضح ودقيق، بين الانتماء للّيبرالية، وبين الوقوع في فخ الانتماء الوهمي إليها، ولابد أيضا أن يتنبّه المثقف الليبرالي، الى مآرب اللاوعي التي تجعله تحت تأثير الأدلجة الخفية، وعليه أن يتخلص من سطوتها وتأثيراها، إذا كانت لدية قناعة حقيقية بالانتماء الحقيقي للثقافة الليبرالية، التي تعني في أول ما تعنيه، تحرر الفكر، والقبول به واحترامه، ناهيك عن عدم وضع المعرقلات والمعوقات ازاء الثقافات والافكار الاخرى.

أما في حالة خضوع المثقف الليبرالي للمعايير المحددة سلفا، أو للمقاييس التي يضعها هو بنفسه، أو لطبيعة الثقافة التي ينتمي إليها ويؤمن بها، فهذا يعني الوقوع في مدار الأدلجة والتحجّر، ومن ثم التقاطع مع المسارات الفكرية والثقافية الاخرى، والهيمنة عليها، أو تهميشها، وهي دلائل تشير الى وقوع المثقف في وهم الانتماء الى الثقافة الليبرالية، إدّعاءا وليس عملا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/كانون الثاني/2012 - 1 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م