بات من المؤكد ان مؤسسة غينيس للأرقام القياسية تغافلت أو تجاهلت
بعض الأرقام القياسية العراقية النادرة، وربما أهملتها مع سبق الإصرار
والإنكار، فالأرقام التي سنتحدث عنها هنا لا مثيل لها في عموم أقطار
السماوات والأرض، ولم تكن موجودة عند شعوب السلالات البشرية القديمة
ولا المعاصرة..
فعلى الرغم من كفاءة هذه المؤسسة الموسوعية، ودقتها في تسجيل
الأرقام القياسية في كل المجالات، وعلى الرغم من رصدها الحالات
والظواهر الغريبة، وتوثيقها من حيث الحجم والارتفاع والوزن والسرعة
والقوة والقلة والكثرة، حين سجلت وزن أضخم رجل في العالم، واقصر امرأة،
وأقوى إنسان، وأصغر دب، وأكبر قطة، وأسرع سلحفاة، وأطول أفعى، وأكبر
طبق (بابا غنوج)، واقصر فستان زفاف، وأوسع قطعة (همبرغر)، وأطول أظافر،
وأسرع هارب، وأطول شارب، وأكبر قارب، واستطاعت ان تسجل بحيادية حوالي
(64000) رقما قياسيا في شتى المجالات والفعاليات الفردية والجماعية..
لكنها لا تعلم حتى الآن أن أكثر من ثلث الشعب العراقي، هم من مواليد
اليوم الأول من تموز (يوليو)، وأن تواريخ ميلادهم مثبتة رسميا في سجلات
مديرية النفوس والأحوال المدنية، بموجب إحصائيات التعداد السكاني العام
لسنة 1957، بمعنى ان أكثر من ثلث الشعب العراقي يحتفلون بأعياد ميلادهم
في عز الصيف، وعلى وجه التحديد في اليوم الأول من تموز (يوليو)، في
سابقة كونية وإحصائية، لا مثيل لها في سجلات الصين، ولا في سجلات روما
القديمة، ولا في سجلات يوم القيامة...
ولا تعلم مؤسسة غينيس أن الشعب العراقي ينفرد عن بقية شعوب الأرض
بعدد أيام العطل الرسمية، التي ليس لها نظير في بقية أقطار العالم، أما
العطل في المناسبات الدينية فتكاد تكون مفتوحة للجميع وعلى طول أيام
السنة، ما تسبب في توقف جميع التعاملات المالية في الأسواق العراقية،
بضمنها البنك المركزي، وتسببت العطل الكثيرة في تعثر الأنشطة التعليمية
في المدارس والمعاهد والجامعات.
خذ على سبيل المثال عطلة عيد الأضحى، فهي عندنا تستمر لأسبوع أو
أكثر، وفي أجندتنا الدينية الشاملة أكثر من مئة مناسبة لكل الأديان
والفرق والطوائف..
وبحسب قانون العطل الرسمية، الذي أقرته الحكومة، فإننا في العراق
نتمتع سنوياً بأكثر من (180) يوم من العطل الرسمية والدينية بضمنها
العطل الأسبوعية (الجمعة والسبت)، والتي تصل الى (104) يوم بالسنة..
ولا تعلم مؤسسة غينيس إننا في العراق نستهلك في بيوتنا كميات هائلة
من المشتقات النفطية لتغطية احتياجاتنا المنزلية من البنزين،
والكيروسين، وزيت الغاز، بسبب الأزمات الكهربائية الموروثة والمتأصلة
والمتراكمة والمتجددة...
ولا تعلم غينيس إن مجموع أطوال الحواجز الخراسانية والقواطع الحجرية
الفاصلة بين ضواحي بغداد، ومجموع أطوال الموانع الكونكريتية المقامة
حول الوزارات، وحول المؤسسات الحكومية، والثكنات العسكرية، والمراكز
الحساسة، ونقاط التفتيش، ومنازل الوزراء والوكلاء والنواب والمدراء في
بغداد وحده، أصبحت أطول بكثير من محيط العاصمة، بمعنى ان تلك الحواجز
والموانع والمصدات صارت تكفي لتطويق بغداد بسور كونكريتي عظيم لا يقل
ارتفاعه عن ثلاثة أمتار، ونترك لمؤسسة غينيس تقدير كميات الحديد
والاسمنت والحصى، التي استعملت في صب تلك الحواجز المنيعة..
ولا تعلم غينيس إننا نمتلك من أجهزة توليد الطاقة الكهربائية
(المولدات المنزلية) ما لا تمتلكه الشعوب الأخرى، ونستورد منها في شهر
واحد ما لا تستورده قارة أفريقيا على مدار السنة..
ولا تعلم غينيس أن مجموع ما تمتلكه الأسر العراقية من الجلكانات
(العبوات البلاستيكية)، يفوق ما تمتلكه الأقطار العربية كله،
فالجلكانات الموجودة في بيوتنا من كل الأصناف والأحجام والألوان، عندنا
جلكانات لتخزين البنزين، وأخرى لحفظ المياه العذبة، أو لتخزين
الكيروسين، أو لتأمين حاجتنا من المشتقات النفطية الأخرى، فغينيس لا
تعلم حتى الآن إننا مازلنا نعيش في العصر الجلكاني..
وإذا كانت غينيس قد دونت مسيرة الملح إلى داندي كأطول مسيرة قطعها
الشعب الهندي عام 1930 بقيادة المهاتما غاندي احتجاجا على ضريبة الملح،
التي فرضتها بريطاني، فإنها لا تعلم بالأرقام القياسية التي سجلتها
الجموع المليونية الزاحفة نحو كربلاء سيرا على الأقدام لمئات
الكيلومترات، في مسيرة البحث عن الخلاص والانعتاق والتحرر..
ولا تعلم غينيس أن بغداد والمدن العراقية الأخرى شهدت من التفجيرات
بالأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة، والعبوات الموقوتة ما لم تشهده
عواصم الدنيا كله، وتعرضت لأبشع العمليات الإرهابية، التي استعملت فيها
آلاف الأطنان من المواد التخريبية المدمرة..
ولا تعلم غينيس أن قوائم الأحزاب والكيانات السياسية العراقية، التي
شاركت بانتخابات مجالس المحافظات، أو التي شاركت بانتخابات مجلس النواب
تتفوق رقميا على كل الأحزاب الأوربية والآسيوية..
ولا تعلم غينيس أن أطول عملية في التاريخ هي العملية السياسية، التي
تفجرت براكينها في العراق عام 2003، ولم تعرف الهدوء منذ ذلك الحين
وحتى يومنا هذا. وربما تعقدت كثير، تحت تأثيرات النفاق السياسي،
وتدهورت في ظل الفوضى الديمقراطية الخلاقة، التي أرهقت الشعب العراقي،
وكبدته خسائر فادحة وتضحيات جسيمة..
وعلى الرغم من كل المآسي والأحزان والويلات والنكبات، التي صبتها
الأقدار فوق رأس الشعب العراقي، وحرمته من نعمة الأمن والاستقرار، فقدت
مؤسسة غينيس حياديته، واتفقت مع معهد (جي. أف. كي) على وضع الشعب
الألماني في مقدمة الشعوب القلقة، وسجلته في طليعة الأمم غير المستقرة،
رغم أن ألمانيا تعد الأغنى في قارة أورب، واقتصادها هو الأكثر تماسكا
وصلابة..
فإذا كانت غينيس ترى أن الألمان مصابون بتعدد الهواجس الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية، وأنهم أكثر الشعوب قلقا على مستقبل بلادهم، ألا
تدعونا الأرقام التي مر ذكرها إلى الحزن والقلق على مستقبل العراق،
خصوصا بعد أن كسرنا الأرقام القياسية كله، وتجاوزنا الخطوط الحمراء،
حتى لم يعد وراءنا وراء بالمقارنة مع أقطار السماوات والأرض...
والله يستر من الجايات.. |