هل يبرمج العراقيون وقتهم؟

زاهر الزبيدي

ليس هناك من قناعة أكثر من تلك التي تخص أهمية الوقت في حياة الأنسان، فاستغلال الوقت اصبح اليوم من العوامل المهمة في بناء وتطور الإنسانية، فمع تسارع التطور التكنلوجي والطبي والإنساني على حد السواء، ظهرت معادلات مهمة جداً في عمليات جدولة الوقت بما تتناسب ومساحة اليوم الواحد والأسبوع الواحد والشهر والسنة..

 ففي العالم المتحضر، بعيداً جداً عنا نحن القابعون في قعر بلدان العالم الثالث، ينظم الانسان وقته بجدول يسمىTime Table على أساسه يعمل ويرتاح وينتج ويتمتع بإنتاجه ويقرأ ليطور نفسه ويقرأ ليمتع نفسه ويشحن دماغه بمختلف العلوم ويطالع الصحف المحلية ويعيش أخبار العالم واخبار المجتمع ويراقب بياناته الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي ويتعرف على العالم الصغير ويعيش مع عائلته ليساهم في بناءهم وكينونتهم الصحيحة ويحافظ على نظام خاص لأيام راحته يوفرها لمتعته الشخصية ليقدِم على اسبوعه التالي وهو بأقصى درجات الرائحة مفعم بالشوق للعمل والإنتاج وللبدء بالمساهمة، مهما كانت صغيره، في بناء وطنه..

 تحتوي، مفكرته، أجندته على مواعيد شتى مبرمجة حسب التوقيت المعمول به في بلده ومنظمة حسب الأيام مستغلاً فيها كل الدقائق والساعات فغذائه بوقت، ونومه بوقت، وعمله وإنجازه العمل بوقت، لا يتجاوزه إلا بأصعب الظروف.. لا تؤثر فيه السياسة العامة للبلد فهي في دولة المؤسسات التي عزلت بشكل كامل عن السياسة والمعارضة في البلد وجميع تلك المؤسسات بموظفيها والمصانع بعامليها يعملون كما الساعة لا توقفهم إلا شدائد الأمور فالنظام هنا يسير بشكل دقيق وأي تأخير في الوقت مهما كان، يتسبب في إيقاف مصانع عملاقة.

والعراقيون اليوم ما الذي يربك جدول وقتهم وهم لا يحملون المفكرة، الأجندة، إلا للتفاخر بها وعند نهاية العام لا ترى شيئاً مكتوباً بها سوى بعض الخرابيش أو التواقيع عندما يحاول ان يجربها أو ان ترى اوراقاً من تلك المفكرة قد قطعت زوايا منها لتنظيف أسنانه بعد وجبة طعام سريعة! والقلة منهم رتب مفكرته بأسلوب عشوائي ليكتب بها بعض مصاريفه أو وارداته المحدودة إلا إن الملل يحيط به في ساعات القحط فيرتكها لكونها على حد تفكير الكثير تقطع الرزق! والأقل منهم أولئك الذي يكتبون بعض المواعيد المهمة في مفكرة قديمة ويستمر في العمل بها لسنين عدة وكأنها دفتر ملاحظات.

فما الذي يمنعنا من أن تكون لنا مفكرة ندرج بها مواعيدنا وذكرياتنا مهما كانت وتحركاتنا اليومية بنظام وقتي محدد ينبع من تنميتنا الشخصية الصحيحة؟

ان الحياة المربكة التي نعيشها في ظل تلك الظروف المتوترة بصورة تصاعدية سياسياً واقتصاديا، يحكمها التضخم الكبير، والإرباك المروري الذي يتسبب في ضياع الكثير من الوقت المخصص لقضاء بعض الالتزامات والواجبات المهمة أكثر مسببات تعطيل تنظيمنا للوقت وتنظيم جدول مواعيدنا بصورة نظرية غير منظمة مع التهاون في حساب أهمية الوقت مع عدم المعرفة بأهمية المواضيع المطلوب تنفيذها حسب اهميتها والتطبع على ضياع الوقت منذ الصغر حتى أصبح كعادة متواترة يتوارثها الأبناء عن الآباء والجلوس امام شاشات الفضائيات أو الكومبيوتر..

 أما في العمل فمن النادر أن تجد موظفاً أكمل واجباته الوظيفية وباشر في تطوير نفسه ذاتياً بالقراءة مثلاً، فسعر الكتاب في شارع المتنبي وصل الى أدنى مستوياته وقد تجد كتاباً مهماً بأقل من 1000 دينار فقط أما الكتب الأجنبية فحدث ولا حرج.. كتب لا تحتاج إلا لقراء في زمن من ضياع الوقت على توافه الأمور فأغلب الموظفين ينهون يومهم من العمل بلا إنتاج، منزعجين من هول ثقل ساعات الدوام الرسمي والتي تنتهي بعد فترات متعاقبة من المزاح بين الموظفين وقضاءه بالمشاكل الإدارية وبتوافه الأمور.

ولكن كيف يمكن، للإدارات العليا، أن تجبر الآخرين على إحترام الوقت والعمل به للتطوير الذاتي على أقل تقدير؟ فالمؤسسات الإنتاجية في العراق اليوم شبه معطلة، منذ تسعة سنوات، بفعل التدمير ولدينا بطالة مقنعة إضافة الى البطالة الحقيقية.. وتقادم الزمن على ما أكتسبه الموظف المنتج أو المخطط من علم خلال الدراسة يجعلها بالكاد غير قادرة على مواكبة التطور فنادراً ما ترى موظفاً يطور نفسه عن طريق الاطلاع على آخر ما وصلت اليه مراحل التطور العلمية والإدارية في مجال عمله.

حتماً سنكون قادرين على إجبار الآخرين على احترام الوقت والاستفادة منه إذا ما جعلنا من انفسنا قدوة حسنة لهم فمدير المؤسسة قادر على أن يبعث في نفوس من هم بمسؤوليته من الموظفين روح الحماسة وحب التعلم والتطوير، إستغلالاً للوقت المهدور، فبإمكانه أن يكلفهم بواجبات بسيطة ككتابة بحوث صغيرة، عدة ورقات، عن مجالات عملهم ويناقشهم فيها ويبدي إعجابه بها ويحتفظ بها في مكتبته بل ويعممها على أقسام مؤسسته الأخرى وقد يتمكن من صرف مكافئة بسيطة لقاء الجهود التي بذلها هذا الموظف،جزء يسير من مخصصات البحث والتطوير في المؤسسة، وبمرور الوقت سنرى الأخرين، بعد تجربتين أو ثلاثة، وقد بثت فيهم روح العمل والعلم وينبروا الى مصادرهم يتابعون ويقدمون نتاج قراءاتهم وبحثهم..

 وما أدرانا فلعلنا بعد حين نكتشف الكثير من الكفاءات التي طمرتها المحاصصة وغيبتها المشاكل الإدارية التي تعيشها المؤسسات وكنتاج حقيقي لتلك المحاولة نكون قد مهدنا، لثورتنا، الصناعية التي نأمل أن لا تبعد ساعة صفرها كثيراً.. فاليوم بالنسبة لنا ضياع الوقت أمرُّ حتى من تقطيع السيوف.. فضياع الوقت اليوم يجعلنا نفرّط بمستقبلنا وعندما يحين موعد نهوضنا نرى أننا، ببساطة، لا نعرف شيئاً!.. فما نعرفه ودرسناه تبخر بفعل عظم الأمور التي مرت بالشعب العراقي ومشاكلنا السياسية جعلتنا لا نفكر بشيء مطلقاً.. لأننا مع الكثير من موظفي الدولة لانرى سقفاً لمستقبلنا.. وتلك هي الطامة الكبرى!

إنها ليست سوى دعوة بسيطة لاستغلال الوقت وتعليم الأخرين حسن استخدام وقتهم وجهدهم في تنظيم عملهم وحجم المعلومات الداخلة لعقولهم وكما يقول جان بول سارتر " يبدو لي أن كل ما أعرفه عن حياتي تعلمته من الكتب "!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/كانون الثاني/2012 - 29صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م