الفضائح تلاحق الكنيسة والبابا قلق من الاستهداف

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: مازلت الكنيسة الكاثوليكية تواجه الكثير من الانتقادات بسبب الفضائح الجنسية التي ترتكب من قبل بعض رجال الدين المنتمين لها، فقد سجلت عشرات الآلاف من هذه الممارسات الأخلاقية بحق العديد من الاطفال وسط تعتيم وصمت من قبل مسؤولي الكنيسة، الأمر الذي انعكس سلبا على الكثير من أتباع هذه الكنيسة وتسبب في ترك العديد لها فقد قدرت أعداد من تركها في العام الماضي بما يقارب 181 ألف، هذا فيما تزايدت أعداد  المطالبين بالحصول على تعويضات بسبب تلك الانتهاكات.

هذا وقد انتقد البعض سياسة البابا بنديكت السادس عشر بهذا الخصوص والذي اكتفى بتقديم بعض الاعتذارات لمثل هكذا أساليب وصفها بالمخجلة ودعوة لأجرى بعض الإصلاحات ومحاسبة من يقوم بمثل هكذا أمور.

آلاف الأطفال تعرضوا لانتهاكات

فقد قالت لجنة مستقلة ان عشرات الالاف من الاطفال تعرضوا لانتهاكات جنسية من الكنيسة الكاثوليكية في هولندا منذ عام 1945 منتقدة تعتيم الكنيسة على الامر وثقافة الصمت التي انتهجتها. وقال قادة الكنيسة ان النتائج التي توصلت اليها اللجنة ملأتهم بمشاعر الخزي والاسف وقدموا "اعتذارا من القلب" قائلين ان اللوم لا يقتصر على مرتكبي هذه الجرائم وحدهم وانما على سلطات الكنيسة ايضا. وقدرت اللجنة أن ما يتراوح بين 10 الاف و20 ألف قاصر تعرضوا لانتهاكات جنسية اثناء وجودهم في رعاية مؤسسات كاثوليكية مثل دور الايتام والمدارس الداخلية والمعاهد الدينية في الفترة من عام 1945 وحتى عام 1981 وان الانتهاكات تراوحت شدتها من بسيطة جدا الى خطيرة متضمنة الاغتصاب. ومنذ عام 1981 لم يعد هناك بسبب تغييرات في نظام التعليم سوى عدد قليل من المنازل التي تديرها الكنيسة لرعاية القصر لكن الانتهاكات استمرت. بحسب رويترز.

وقالت اللجنة ايضا انه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 2010 "اخضع عشرات الالاف من القصر لانواع بسيطة وخطيرة واخرى خطيرة للغاية من السلوك الجنسي المنافي للاخلاق في الكنيسة الكاثوليكية." وكانت اغلب حالات الانتهاك بسيطة او متوسطة مثل الملامسة لكنها قدرت حالات الاغتصاب "بعدة الاف". ويبدو ان النتائج التي توصلت اليها اللجنة تظهر ان الانتهاكات في هولندا كانت اكثر انتشارا مما حدث في ايرلندا في فضيحة هزت الكنيسة الكاثوليكية في اوروبا والولايات المتحدة واجبرت البابا بنديكت على الاعتذار لضحايا الانتهاكات الجنسية التي قام بها رجال دين كاثوليك. وقال بيرت سميتس من منظمة ميا كولبا التي تساعد الضحايا "الكنيسة ارتكبت جرائم ضد الانسانية."

وقالت اللجنة ان الانتهاكات من قبل الكهنة الكاثوليك وافراد الكنيسة تم التعتيم عليها بشكل منظم من قبل الكنيسة حفاظا على سمعتها مضيفة ان الكنيسة مذنبة لقصور الاشراف وعدم جدية اجراءات الردع. وقال رئيس اللجنة فيم ديتمان وهو وزير تعليم بروتستانتي اسبق ورئيس سابق لبلدية لاهاي "الكنيسة الكاثوليكية لديها ثقافة عدم عرض غسيلها القذر." وقدم مؤتمر الاساقفة والمؤتمر الديني الهولندي - اللذان طلبا التحقيق - في بيان مشترك "اعتذارا من القلب".

أعترفات قس

في السياق ذاته قالت وسائل اعلام ألمانية إن رجل دين كاثوليكيا اعترف في محكمة ألمانية انه اعتدى جنسيا على ثلاثة اطفال على مدى ثماني سنوات اثناء رحلات منها رحلة لمدينة ملاهي ديزني لاند في باريس. واعترف الرجل البالغ من العمر 46 عاما واسمه في وثائق المحكمة أندرياس ال. بالاعتداء على الاطفال بدءا من عام 2004. وقال كلاوس تسيهي رئيس الادعاء بالمحكمة "الجانب الاسوأ أنه استغل ثقتهم." وهزت مزاعم الاعتداء الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا في السنوات الاخيرة مما اضطرها لفتح ملفاتها لمحققين مستقلين والسماح بالبحث عن حالات اعتداء محتملة تعود الى عام 1945. بحسب رويترز.

واستخدم القس الذي اعتقل حافظة اوراق لتغطية وجهه في قاعة المحكمة حيث جاء بعض أبناء أبرشيته السابقين لمشاهدة وقائع الجلسة. وقالت الصحيفة ان بعضهم هز رأسه أو غطى فاه في حالة صدمة بينما كانت تتلى الاتهامات بصوت مرتفع.

وربما تكون حالات الاعتداء من اسباب حالة الاستياء بين رواد الكنائس. وأظهرت دراسة أن حوالي 180 الف ألماني كاثوليكي هجروا الكنيسة في عام 2010 بزيادة 40 بالمئة مقارنة بالعام السابق وسط مزاعم بأن الكهنة اعتدوا جنسيا على الاطفال على مدى عقود. والتقى البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان بضحايا الاعتداء الجنسي في زيارة لالمانيا مسقط رأسه وعبر عن أسفه العميق.

البابا يدعو للوحدة

في سياق متصل قوبلت زيارة البابا بنديكت السادس عشر الى  المانيا باحتجاجات ضد فضائح الانتهاكات الجنسية ومطالب إصلاحية من جانب كاثوليك يعتبرون أن موقفه المحافظ لم يعد مناسبا للعصر.  وأغلق بنديكت الباب امام إجراء تغييرات على موقف الكنيسة المعارض لزواج المثليين أو زواج رجال الدين أو ترسيم النساء كاهنات وأشار الى أنه لن يخفف القيود على الكاثوليك المطلقين الذين تزوجوا مجددا خارج الكنيسة. ودعا البابا المؤمنين الى "الصبر على هذه الفضائح الرهيبة" وعدم التخلي عن الكنيسة التي هي اكبر بكثير من مجرد "رابطة ثقافية او رياضية". ودعا ايضا الى التوحد خلفه بدلا من المطالبة بإصلاحات أو ترك الكنيسة لكن رسالته المحافظة بشدة أثارت إحباط البعض ممن جاءوا للاستماع اليه. وقال في خطابه الرئيسي الاخير في قداس حضره نحو 100 ألف شخص ان الكنيسة في حاجة الى التوحد حوله وحول الاساقفة الالمان. وقال "ستظل الكنيسة في ألمانيا نعمة للعالم المسيحي أجمع اذا ظلت موحدة بايمان مع خليفة القديس بطرس" في اشارة الى نفسه. و شدد البابا على موقفه وقال ان الكنيسة لا يمكنها أن تتغير لمجرد الاستجابة لمتطلبات العصر. وتظهر استطلاعات الرأي أن الكثير من كاثوليك المانيا لا يوافقون على هذا الرأي. وخرج نحو 181 ألف شخص رسميا من الكنيسة الكاثوليكية. وقال بعض المصلين انهم سعداء لانهم أتيحت لهم فرصة لحضور قداس يرأسه البابا لكنهم يشعرون بالاحباط بسبب معارضته للتغيير. بحسب رويترز

وقالت مارتينه كيرشر (50 عاما) التي اصطحبت معها أبناءها الاربعة من هايدلبرج لمشاهدة البابا "كنت أتمنى أن يحشد الناس اكثر الى الكنيسة خاصة صغار السن." وتابعت "لكنه لم يظهر رغبة للسير في طريق التغيير.. وبدلا من ذلك بدا وكأنه يعود الى القيم القديمة." ويقول يورغ شتاينرت من جمعية مثليي برلين "يعتقد الكثير من المؤمنين ان موقف كنيستهم من المثلية لا يمكن الدفاع عنه ويريدون احداث تغيير من الداخل".

وخيمت قضية الانتهاكات الجنسية للاطفال التي ارتكبها قساوسة على الجزء الاغلب من الرحلة. وفي مستهل زيارته قال البابا ان الكنيسة بها "الصالح والطالح" وتلقت الكنيسة في المانيا نحو 700 طلب للحصول على تعويضات لضحايا انتهاكات جنسية وبدنية في حين أن رابطة للضحايا تقدر أن اكثر من ألفي شخص تعرضوا لانتهاكات على أيدي قساوسة كاثوليك خلال العقود القليلة الماضية. بحسب فرانس بريس.

 واشار الفاتيكان الى احتمال عقد اجتماع بين البابا وبعض الضحايا، كما حصل في دول اخرى، الا ان مثل هذا اللقاء سيتم في سرية تامة.  واعرب البابا على متن الطائرة عن تفهمه للتظاهرات المعادية له وقال "الامر طبيعي في مجتمع حر تطغي عليه العلمانية. لا تعليق لدى على التعبير بطريقة حضارية وانا احترم الذين يعبرون عن ارائهم".

خيبة أمل وانتقادات

في السياق ذاته انتهت زيارة البابا دون ان تحقق توقعات ضحايا للاعتداءات الجنسية تعرضوا لها على ايدي قساوسة بالكنيسة، او مطالب المزيد من الانفتاح والتسامح من جانب الكنيسة. وهدفت الزيارة دعم الكنيسة التي تواجه ازمات بينها فضائح الاعتداءات الجنسية وانتشار العلمانية المتزايد. وخاطب البابا الذي يقدر اتباع كنيسته ب1,2 مليار نسمة في العالم، حشودا رحبت بقدومه واجرى محادثات مع سياسيين ومع اقطاب للمجتمع الاسلامي واليهودي في المانيا وكذلك مع ممثلين للطوائف المسيحية البروتستانتية والارثوذكسية في بادرة تصالحية. غير ان الذين توقعوا ان يتخذ البابا خطوات ملموسة لرأب انشقاقات دينية او لجعل الكنيسة تواكب العالم حتى تكسب ود اتباعها الذين قرروا الابتعاد عنها اصيبوا باحباط كبير. بحسب فرانس بريس

واعتبرت صحيفة تسيدويتشه تسايتونغ الصادرة في بافاريا ذات الغالبية الكاثوليكية في مقال افتتاحي عكس نبرة غالبية الصحف "لقد كانت زيارته في المجمل مخيبة للامال -- لقد تجاهل البابا المسيحيين البروتستانت وقبل كل شيء الكثير من الكاثوليك". وقالت الصحيفة ان الزيارة "ستعمق الانشقاقات داخل الكنيسة الكاثوليكية.

وقال استاذ اللاهوت الكاثوليكي فيرنر تشيتش المعروف بنقده للكنيسة، في مداخلة لموقع صحيفة دير شبيغل الاسبوعية على الانترنت "لن يتغير شيء في ظل بنديكتوس السادس عشر -- لقد كانت زيارة هذا العام عرضا لطيفا، لا أكثر". وقال تشيتش ان من توقعوا تخفيف مواقفه ازاء الجنس، ودور النساء في الكنيسة، والانفتاح على الاديان الاخرى "لا يعرفون هذا البابا". واضاف "انه استعراضي يعرف كيف يخفي قسوته".

ورغم التغطية الاعلامية الواسعة للزيارة فقد قوبلت بلامبالاة من قبل فئات عدى في مجتمع تتزايد علمانيته وتتحرر افكاره ازاء القضايا الجنسية. وحتى الاحتجاجات في برلين على فضائح الاعتداءات الجنسية من قبل كهنة بحق اطفال، وعلى معارضة الكنيسة للمثلية ولموانع الحمل غير الطبيعية، اتت على نطاق محدود.غير ان اعدادا كبيرة من الالمان ابتعدوا عن الكنيستين الكاثوليكية او اللوثرية.

ويقول ريتشارد ديفيد بريخت، الكاتب الالماني الذي حققت كتاباته الفلسفية مبيعات ضخمة، ان استقبالا فاترا في ألمانيا، التي تفاخرت كثيرا بانتخاب بابا الماني عام 2005، يعكس توجها غربيا عاما. وقال لتلفزيون زد دي اف "مصير الكنيسة الكاثوليكية خلال السنوات او العقود القليلة المقبلة لا يبدو ايجابيا جدا ولا اعتقد ان زيارة البابا ستوقف تراجع شعبيتها في المانيا". وتابع "اعتقد اننا سنشهد تراجعا مستمرا لاعداد الكاثوليك في البلاد ما لم نتعرض لازمة اقتصادية كبرى".

الدعوة للتجديد الاخلاقي

من جهة اخرى دعا البابا بنديكت السادس عشر إلى "التجديد الاخلاقي" في ايطاليا التي يكافح رئيس وزراؤها سيلفيو برلسكوني فضيحة تتعلق بحفلات مع عاهرات وفتيات الاستعراض. وفي برقية إلى الرئيس الايطالي جورجيو نابوليتانو عبر البابا عن "امله في تجديد أخلاقي مكثف على الدوام لصالح ايطاليا الحبيبة." ولم يشر البابا مباشرة إلى الفضيحة الجنسية التي عصفت برئيس الوزراء البالغ من العمر 74 عاما في الايام الاخيرة في الوقت الذي اثارت فيه المتاعب المالية مخاوف من حدوث أزمة ديون على غرار اليونان. ولكن تصريحات البابا حملت صدى واضحا وسط وابل من تغطية الصحف لما يحدث. بحسب رويترز.

وأظهرت محادثات مسجلة تباهي برلسكوني "بمواقعة ثماني فتيات" في ليلة واحدة وتنظيم مواعيد مع بغايا في منازل خاصة واطلاق نكات مبتذلة مع رجل الاعمال المشتبه في توريده للنساء.

ويأتي ذلك على خلفية الغضب المتزايد في ايطاليا من الطبقة السياسية المتميزة التي ينظر اليها على أنها فاسدة وغير مستعدة للمشاركة في التضحيات بينما يتعرض الايطاليون لتدابير تقشفية مؤلمة.

البابا والقضاء

على صعيد متصل اعلنت جمعية اميركية تمثل ضحايا التحرش الجنسي على ايدي كهنة انها رفعت دعوى ضد البابا ومسؤولين اخرين في الكنيسة الكاثوليكية امام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الانسانية". وقدم مسؤولون في جمعية "اس ان اي بي" بالتعاون مع محامين من منظمة "سنتر فور كونستيتوشنال رايتس" غير الحكومية "طلب اعلان صلاحية قضائية" لدى المحكمة الجنائية الدولية. واتهموا مسؤولون في الفاتيكان ب"السماح والتستر بشكل منهجي عن جرائم جنسية واغتصاب لاطفال في العالم اجمع". وفي شكواهم ضموا 10 الاف صفحة توثق قضايا التحرش الجنسي باطفال بحسب بيان للجمعية ومقرها الولايات المتحدة. بحسب فرانس بريس.

وتوجه اعضاء في الجمعية اتوا من المانيا والولايات المتحدة وهولندا وبلجيكا الى لاهاي للمطالبة بملاحقات قضائية بحق البابا وثلاثة مسؤولين في الكنيسة الكاثوليكية "لمسؤوليتهم المباشرة" في هذه القضية. ونقل البيان عن محامية المركز باميلا سبيز قولها ان "مسؤولين كبارا في الفاتيكان تستروا على جرائم ضد عشرات الاف الضحايا معظمهم من الاطفال".

وفي الماضي رفض اساقفة وفي بعض الحالات الفاتيكان شكاوى قدمها ضحايا تعرضوا للتحرش الجنسي من قبل كهنة وقاموا بنقلهم الى اماكن اخرى او حمايتهم. والقت هذه الفضيحة بظلالها على الكنيسة في دول اوروبية عدة حتى وان كان عدد محدود من الكهنة يتحمل مسؤولية هذه التجاوزات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الثاني/2012 - 28صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م