شبكة النبأ: ادخن منذ سنوات طويلة..
لازلت اذكر اول سيكارة دخنتها، وكان ذلك يوم 2/1/1985.. ما الذي يجعلني
اتذكر هذا التاريخ بدقة؟ انه اول يوم لي في خدمتي العسكرية حين تم
تجنيدي وذهبت الى مركز تدريب كركوك.
كانت اول سيكارة تقدمة من احد الجنود الذين التقيتهم في غرفة
الاستعلامات في يوم شتوي ماطر وشديد البرودة.. وليصبح هذا الجندي اكثر
الاصدقاء الذين رافقتهم سنوات طويلة حتى خارج الخدمة العسكرية وحتى
الان رغم استقراره في دولة اخرى منذ العام 1994.
اول سيكارة وافضل صديق، اجتمعا في لحظة زمنية فارقة هي لحظة تعلم
فنون القتل في دوامة حرب مجنونة كانت في منتصف مسافتها الزمنية
للانطفاء.. لكننا لم نكن نتوقع انطفاء لها تلك السنوات.. فايام الحرب
كانت تجر بعضها كعربات الجحيم والالاف غيرنا صاعدون اليها او نازلون
منها.. نفوس محطمة، او اعضاء مبتورة او جثث هامدة.
ليست السطور السابقة احتفاء بالسيكارة او مديح لها، رغم اني لم افكر
يوما بالتخلي عنها.. منذ فترة تعودت على تدخين نوع من السكاير، ما أن
افتح العلبة حتى اجد بطاقة صغيرة ترد فيها اسماء عدد من المواد كجائزة
للفائز.. البطاقة الرابحة يكتب في منتصفها كلمة (مبروك) والخاسرة يكتب
فيها عبارة (حظا اوفر في المرة القادمة).
لست من هواة العاب الحظ او العاب القمار والذي تنضوي تحت هذه
التسمية الكثير من الالعاب مثل (البوكر – الروليت الروسية – سباق
الخيول – سباق الكلاب – قتال الديكة – الدومينو – الطاولي) الى غيرها
الكثير من الالعاب حتى وان كانت بصورة غير مباشرة وهي الرهانات على
فائز في لعبة معينة.. ويمكن ان تكون كل لعبة او هواية يمارسها الانسان
وفيها رابح او خاسر هي مجال للرهان او المقامرة.
وقد ظهرت الكثير من المصطلحات المتعلقة بالمقامرة تبعا لحقول
الاهتمام بها من قبل العلماء في الغرب وتحديدا في التسعينيات واصبحت
ظاهرة تثير القلق.. من هذه المصطلحات:
المقامرة المرضية – المقامرة المرضية الكامنة – المقامرة القهرية –
المقامرة المشكل – ادمان المقامرة – المقامرة المعرضة للخطر – المقامرة
الاجتماعية – المقامرة المضطربة.
والمقامرة او القمار هو من يقمر بمعنى الارق في الليلة القمرية
والايقاع بالاخرين.. وهو ايضا الميسر، من يسر الامر وجعله مسيرا، وسواء
كان قمارا او ميسرا فالمقامر هو هذا جميعه لانه ينشد المال السهل ويلجأ
الى الخداع ويتفرس في الخصم ويسبر اغواره ويستخدم الحدس ويجد لذة في
ذلك ويخاطر بمبالغ كبيرة وتاخذه الحمية ومنهم من يستطيع ان يمتنع.. اما
الذي يصل الى درجة مرضية فانه يقامر عصبيا وهو المقامر القهري المرضي..
والمقامرة ترادف الاحتيال والخداع في اللعب لذا يعرف المقامر بانه
المحتال والنصاب الذي اعتاد اللعب بالمال.
وقد حفل الادب بالكثير من الاعمال التي دارت حول القمار وشخصية
المقامر لعل اروعها هي رواية المقامر للروائي الروسي الشهير
ديستيوفسكي.. وتدور حول أستاذ روسي مثقف ليس ميسور الحال اقتصادياً,
يقع في حب امرأة أرستقراطية لا تعيره أي اهتمام, بل إنها تحتقره حسب
رأيه.. وتقع احداث القصة في فرنسا, بالنسبة للقمار والمقامرة فان
الأستاذ يؤمن في داخله باستطاعته كسب الكثير من المال إن حاول لعب
القمار في الكازينو. وتصف القصة حال المقامرين في الكازينو ويشرح لعبة
الكازينو ونفسية الناس المقامرين هناك. ويقدم ديستيوفسكي صورة واقعية
للعلاقات الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء.. جاءت الرواية بتحليل خطير
لمسألة الإدمان على اللعب، وقد كتبها الروائي وهو في عز إدمانه المرضي.
للقمار أضرار اقتصادية مدمرة على المجتمع، إذ ينشأ عنه طبقة عاطلة
تسعى لكسب المال من الناس بطرق سهلة مثل القمار ومن أضراره أيضا نشر
العداوة والبغضاء بين المتنافسين, وفي دراسة علمية نشرت في مجلة نيتر
نوروساينس الألمانية بينت وجود تشابه بين النشاط الذهني لدى الأشخاص
المفرطين في لعب القمار ومدمني المخدرات, حيث أن مناطق الدماغ التي
تنشط عند إحساس المرء بالمتعة عند تحقيقه غاية ما، مقللة نشاطه، لا
تقوم بدورها بنفس الفعالية عند متناولي المخدرات والمقامرين على حد
سواء.
قدرت المجلة الدولية للمقامرة العامة مؤخرا ان هناك 4632 وسيلة
مقامرة شرعية وان 603 انواع من اوراق اليانصيب الرسمية في 102 بلد في
العالم والتي تزيد جوائزها عن ربع مليون دولار..
يقول جون هاورد رئيس وزراء استراليا السابق ان اكثر من 290 الف
استرالي لديهم مشكلة المقامرة وهم مسؤولون عن خسارة اكثر من 3 مليار
دولار سنويا، مما سبب مشاكل لمليون ونصف شخص تأثروا بهم بشكل مباشر
نتيجة الافلاس والانتحار والطلاق ومشاكل العمل.
وتقدر الاحصاءات الصادرة عن قسم الادمان بكلية الطب في جامعة هارفرد
ان هناك 7,5 مليون راشد امريكي و7,9 مليون مراهق يعالجون سنويا من
امراض المقامرة فيما اكدت اللجنة الوطنية لدراسة تأثير المقامرة في
تقرير احيل الى الكونغرس الاميركي ان عدد الذين لديهم مشاكل المقامرة
قد يصل الى ضعف العدد السابق.
اظهر استطلاع تم في عام 1999 ان المقامرة لم تكن فعلا مشينا لدى
ثلثي الامريكيين بل شكلا من اشكال التسلية غير المؤذية نسبيا والسبب هو
النشوة التي يحققها الربح وساعات اللهو التي يقضوها في تلك الممارسة
بالاضافة الى الاثارة التي تخرج الفرد من برودة الحياة المحيطة والوحدة
الفردية التي يعيشها الكثير في البلدان المتقدمة مما دفع الامريكيين
لانفاق ما يقدر بنحو 120 مليار دولار خلال عام 2005 على المقامرة
المشروعة فقط في حين لم يتجاوز انفاقهم اكثر من 50 مليار عام 1998 وهذا
اكثر مما انفقوا على تذاكر السينما والالعاب الرياضية بكل جمهورها
العريض وتنوعها والموسيقى المسجلة ومدن الملاهي والعاب الفديو كلها
مجتمعة.
اما في استراليا فقد قدرت دراسة حديثة عدد الذين قاموا بالمقامرة في
سنة واحدة بنحو 80% من سكان استراليا لمرة واحدة على اقل تقدير، و40%
قامروا كل اسبوع، ويقدر انفاق الفرد على المقامرة باكثر من 400 دولار
سنويا. وهذا يفوق ما يصرفه الاوربيون او الامريكيون بنحو الضعف وبذلك
يحتلون مركز الصدارة مما يجعلهم اكثر الناس ولعا بالمقامرة.
ويدمن سكان بعض البلدان على نوع معين من المقامرة. ففي البرازيل
يشترون بطاقات اليانصيب ويصرفون ما يقدر بنحو 4 مليار دولار سنويا
عليها. كما في دول اوربا اذ بلغت قيمة الجائزة 180 مليون يورو لليانصيب
الاوربي الموحد وللسحبة الواحدة، وفي بريطانيا تباع نحو 12 مليون بطاقة
يانصيب ولمرتين في الاسبوع الواحد مما اضاف اكثر من 2000 مليونير
لقائمة اصحاب الملاين البريطانيين منذ عام 1994. اما ايطاليا فتعد
الرائدة في هذا المضمار اذ بدأ اول يانصيب في العالم سنة 1530 اي قبل
ما يقارب من خمسة قرون.
كذلك يقبل الكثير من اليابانيين على لعبة "الباتشينكو" وينفقون
مليارات الدولارات في المراهنة اثناء اللعب.
بعد أن سُمح بفتح الكازينوهات في اتلانتك ستي، ازدادت نسبة الجريمة
في المدى الذي تقع فيه الكازينوهات أي (30 ميلاً) أضعافا مضاعفة. ثمة
260 كازينو في مقاطعات الهنود الحمر، في إحدى وثلاثين ولاية. النسب
العالية من الميول الانتحارية سجلت في العيادات التي تعالج المقامرين
المبتلين بالقمار التسلطي، فضلاً عن النسب العالية لمشكلات الصحة
العقلية، فقدان العمل، الطلاق، الإفلاس المصرفي والاعتقال.
بينت دراسة قامت بها جامعة ولاية ميسسببي Mississippi ان أصحاب
الدخل المنخفض، أي الذين يحصلون على أقل من 13 ألف دولار سنوياً ينفقون
10% من دخلهم على القمار و8% على الأكل والشرب قياساً بأصحاب الدخل
الجيد أي 40 ألف سنوياً، انهم ينفقون فقط 1% من دخلهم على القمار.
وفق دراسة حديثة ان مليونين ونصف من الأميركيين مدمنين على القمار،
وثلاثة ملايين أخرى لديهم مشكلات في القمار، و15 مليون معرضين لخطر
الوقوع في المشكلة و148 مليون يقعون في مدى الخطر الأدنى من المشكلة.
معدل الدين بالنسبة للمصاب بإدمان القمار يتراوح بين 50-90 ألف دولار،
ومعدل الطلاق ضعف مما هو بين غير المقامرين ونسبة الانتحار 20% أعلى من
نسبتها بين الاعتياديين و65% من المقامرين المرضيين يرتكبون الجرائم
لتغذية عادة قمارهم، كل هذه الجوانب (الرائعة) مدعومة بشكل كامل من قبل
الحكومة.
القمار ممكن أن يفضي إلى تدمير الحياة الزوجية، العلاقات العائلية،
فقدان العمل، البيوت، الجنون، بوابة السجن أو الموت. ثمة استبيان شمل
200 مقامر مصاب باستحواذ القمار في ولاية ألينوي، وجد ان 60% فكر في
الانتحار، 79% فكر في الموت و 45% لدية خطة محددة لقتل نفسه و 6% حاول
الانتحار.
في لاس فيغاس%60 من الأعمال مرتبطة بالقمار والكازينوهات حسب بعض
الإحصائيات. في لاس فيغاس توجد ماكنات للقمار في كل الأمكنة تقريباً في
المطار والمطاعم والمقاهي ومضخات الوقود وبقية مرافق الحياة باستثناء
المدارس والمستشفيات.
الانتحار المرتبط بالقمار اصبح ظاهرة آخذة في الازدياد في أميركا،
ثمة أربعة ملايين مدمن على الأقل واكثر من ثلاثين مليون يترددون على
الكازينوهات من أجل المقامرة بين فترة وأخرى. وهناك رأي متطرف يشير إلى
148 مليون أمريكي لديهم مشكلة ما في القمار.
كشفت دراسة بريطانية عن أن 378.000 من لاعبي القمار هم من المصنفين
ضمن المدمنين على لعب القمار وهذا يعني أنهم بحاجة لدخول عناية علاجية
لشفاءهم من تورطهم في هذه الهواية، وأن علاقتهم بشبكة الإنترنت ليست
علاقة عادية يمكن التخلص منها بسهولة. أكثر اللعبات إقبالاً عليها كانت
السحب الوطني لليانصيب وبنسبة 57 %، يليها يانصيب إكشط الرقم وبنسبة
بلغت 20 % من المقامرين، وفي المرتبة الثالثة جاءت المقامرة على سباق
الخيول وبنسبة 17 %. بينما 11.2 % أدمنوا لعبة ماكنات الفواكه. وقالت
الدراسة أن المختصين النفسيين صنفوا ما بين 189.000 – 378.000 شخص ضمن
المدمنين بشكل مرضي على ألعاب القمار. أشارت الدراسة إلى ارتفاع نسبة
المقامرين عبر الانترنت بنسبة 7.4 % عن العام السابق، وحذرت من أن هذا
يعني أن القوانين الحالية المعمول بها فشلت في معالجة حجم المشكلة.
كانت سنة 2011، بالنسبة إلى مؤسسة اليانصيب الفرنسية، سنة المبيعات
القياسية، حيث وصلت مبيعاتها إلى مبلغ مقداره 11.4 مليار يورو (بنسبة
زيادة مقدارها 8.5% قياسا للسنة السابقة)، وكان عدد الذين انفقوا مبلغا
مقداره 8 يورو في الأسبوع كمعدل وسطي، يتجاوز 27 مليون شخص. ولم يختلف
الحال بالنسبة إلى الرهان في سباق الخيل (الريسيز)، حيث وصلت مبيعاتها
إلى 10 مليار يورو، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ هذه اللعبة. أما إذا
انتقلنا إلى خارج فرنسا، فان أعداد المراهنين على مختلف صنوف ألعاب
الحظ قد تضاعفت هي الأخرى.
أعلنت صالات القمار في ماكاو، أنها حققت رقما قياسيا في العام
المنصرم، حيث وصلت قيمة أعمالها إلى مبلغ مقداره 267 مليار دولار
بزيادة تتجاوز 26 مليار يورو وبذلك فقد احتلت المركز الأول عالميا بعد
أن تجاوزت لاس فيغاس. |