نيلسون مانديلا... الأيقونة العالمية

هبة الموسوي

 

شبكة النبأ: ماديبا الرجل الذي تحول من فتى يربي الماشية في محافظة كيب الشرقية الفقيرة إلى زعيم يغير مسار تاريخ جنوب إفريقيا، عاد مؤخرا إلى مسقط رأسه وقد تكون العودة هذه المرة نهائية، وحيث ترفرف الأعلام الرسمية‘ فانه مانديلا هناك، في حين يهب النسيم فوق الهضاب المعشوشبة التي تتخلها بيوت متواضعة وحيوانات ترعى، هنا يبدو رجل الدولة المسن مستعدا للاستقرار، فيما يحتفل المؤتمر الوطني الافريقي في اجواء اخرى بمرور مئوية على وجوده.

اجواء الاحتفال للحزب الحاكم في جنوب افريقيا بذكرى مئوية تأسيسه تمت في مهرجان كبير في بلومفونتاين وسط فعاليات تبلغ ذروتها بخطاب كبير يلقيه الرئيس جاكوب زوما. وفعاليات استوحت من الروح الافريقية تفاصيها، واستنشقت من تراث الاجداد كل وجودها في اعتراف عملي بالفضل لرائد العدالة مانديلا بالانجازات التي حققتها جنوب افريقيا.

وفي اطار الروح المفعمة بالامل التي سادت نفوس المحتفلين الافارقة على ان يتجاوز عقدة التفرقة الداخلية بينهم، فإن تعاليم غاندي حاضرة في غرف عدة من منزل كان يسكنه في جوهامسبورغ، على اقمشة قطنية مطرزة بافكاره واطر ولوحات خشبية صغيرة بالفرنسية والانكليزية، في بادرة لترسيخ التعاليم والافكار الحضارية التي حارب بها المهاتما التفرقة العنصرية عندما كان حاضرا في جنوب افريقا، ولتتجسد في نزل لا يخلو من مظاهر سياحة روحية تنتاب الوافد اليه لتحمله الى الهدوء والسكينة التي تفعم الاجواء الافريقية.

بعد مئة عام

اذ صدرت الصحف المحلية بعناوين حول انقسامات الحزب الذي طالما قاده نلسون مانديلا، يحاول المؤتمر الوطني الافريقي ابداء صورة حزب موحد من حول جاكوب زوما. ويتوقع ان يحدد زوما خط الحزب لسنة 2012، ويفترض ان يظل رئيسا حتى 2014. غير ان تيفو لاباكا العضو في رابطة شباب المؤتمر الوطني الافريقي، الفرع المعارض لقيادة زوما، قال منتقدا "لقد ابدى هذه النية لانه لا يحب ان يلقي اي قيادي اخر كلمة" خوفا من ان "يخطف منه متكلمون اخرون الاضواء". واضاف "اننا متحدون لانه يجب علينا ان نتحد بمناسبة هذه المئوية، لكنني اظن اننا سنكون منقسمين جدا بعد هذا الحدث".

وتوالت رسائل التهنئة لمئوية اقدم حركة تحرير في افريقيا من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مرورا بصانع استقلال زامبيا كينيث كاوندا. وعلق احمد كثراده من قدامى الحزب الذين اعتقلتهم السلطات ابان حكم البيض، الى جانب نلسون مانـــــــــــديلا "لن تروا ابدا في جنوب افريقيا تلك الملصقات التي كانت تقول: +للاوروبيين فقط+، و+لغير الاوروبيين فقط+، و+ممنوع على غير الاوروبيين والكلاب+. ان جنوب افريقيا برمتها حرة الان. اننا نتمتع بكرامتنا كبشر".

وبدات الاحتفالات بقداس يمزج السياسة بالدين في كنيسة بلومفونتاين الصغيرة التي تاسس فيها المؤتمر الوطني الافريقي وكان اسمه حينها المؤتمر الوطني للسكان الاصليين في جنوب افريقيا. وانتهت فعاليات في الكنيسة نفسها بقداس منتصف الليل بعد ان اشعل جاكوب زوما شعلة المئوية.

ويفترض ان تصل الشعلة التي باركها حائز جائزة نوبل ديزموند توتو الى ملعب بلومفونتاين قبل ان يلقي الرئيس زوما خطابه تليه عروض تلخص مئة سنة من حياة المؤتمر الوطني الافريقي في مئة دقيقة فضلا عن الحلوى الخاصة بالذكرى. وتوقع الحزب حضور مئة الف شخص، اي جمهور يرتدي الوان المؤتمر الوطني الافريقي -اصفر واخضر واسود- من مختلف انحاء البلاد في حافلات او قطارات خاصة.

وفي حين بدا ملعب فري ستايت ستاديوم -وهو الموروث من مباريات كرة القدم في مونديال 2010- يمتلئ تحت شمس حارقة، بدات مختلف الفئات تسمع اصواتها، وخصوصا مجموعة مدوية من انصار رئيس رابطة الشباب جوليوس ماليما.

ويتناقض النشاط من حول الملعب مع هدوء بلومفونتاين حيث لم تكن تسود اجواء احتفالية رغم تزيين بعض الشوارع، باستثناء الحفل الموسيقي المجاني للجمهور والاحتفال في الملعب، فان كل الفعاليات مخصصة الى المدعوين -من اعيان النظام وشخصيات الحزب ومدعوين اجانب وصحافيين- الذين يخضعون جميعا لحماية الشرطة.

وكان على السلطات فعلا ان تضمن حماية بعض الشخصيات، ورغم ان المؤتمر الوطني الافريقي دعا 46 رئيسا، فانه لم يأت منهم سوى عشرة خصوصا ملك ليسوتو المجاورة ورؤساء الكونغو ومدغشقر وموزمبيق وناميبيا واوغندا وزامبيا. بحسب فرانس برس.

لكن الرئيس السابق نلسون مانديلا (93 سنة) لم يشارك في احتفالات بلومفونتاين نظرا لحالته الصحية المتداعية في حين تامل قيادة المؤتمر ان يوجه رسالة مسجلة الى الجمهور بمناسبة الذكرى. وقد بدات الاحتفالات بمباريات غولف واستمرت بتقديم الاضاحي وترديد الاغاني والرقص.

الاضاحي فجرا

في السياق نفسه، ذبح ثور وعنزتان ودجاجتان فجرا في المكان الذي اسس فيه المؤتمر الوطني الافريقي قبل مئة عام، لان الحزب الحاكم في جنوب افريقيا يريد ان يكون عند حسن ظن الاجداد. وقد انهمك نحو عشرين "سانغوما" (معالجون تقليديون) اتوا من مناطق البلاد كلها على ارض خلاء تطل على كنيسة بلومفونتين، حيث اسس حزب المؤتمر الوطني الافريقي.

ذبحت الدجاجتان والعنزتان اولا، عند بزوغ الفجر، وغسلت وقطعت وافرغت من احشائها. وقد وضع جزء منها في اقدار غريبة في حين ان احشاء العنزتين وضعت في الشمس لتجف. وهي ستخلط مع اعشاب تسمى "ايمبوبو" وستحرق الامر الذي يحسن الاتصال بالاجداد.

وتوضح نتسواكي ماهلابا المعالجة من اثنية سوتو من وسط البلاد وهي تنظف الامعاء "هذه الدجاجات والعنزات تمهد للمراسم الرئيسية. والهدف منها تطهير المكان والارتقاء بروح المؤتمر الوطني الافريقي". وتوضح زميلتها نكانيزي وهي من اثنية تسوانا في ضواحي بريتوريا "الهدف من هذه المراسم هو حشد ارواح الاجداد ولا سيما الذين اسسوا المؤتمر الوطني الافريقي".

وتضيف وقد اعتمرت قبعة غريبة تعلوها اشواك مثل حيوان الشهيم ووضعت عقدا من اللؤلؤ وقميصا قطنيا يحمل صورة الرئيس جاكوب زوما "نحن هنا لترميم روح المؤتمر الوطني الافريقي. فهنا تم دفن الحبل السري للمؤتمر الوطني لافريقي" قبل مئة عام. وتهيمن على المكان اربعة ابراج تبريد لمصنع حراري سابق غطيت جدرانها بصور القادة المتعاقبين لاقدم "حركة تحرير" في افريقيا ولا سيما اوليفر تامبو ونلسون مانديلا وجاكوب زوما.

وادخل بعدها الثور الاسود وهو هدية من ملك ليزوتو ليتسي الثالث الى حظيرة تقديم الاضاحي التي تسمى "كرال". فطلب من "الرفاق في وسائل الاعلام" الابتعاد فيما امن طوق من عناصر الشرطة الطابع المقدس لهذه الطقوس. وصرخ الناطق باسم الحزب جاكسون مثيمبو الى الصحافيين الذين غلب عليهم فضولهم "لسنا في هوليوود هنا. هذه مراسم في غاية الاهمية بالنسبة للمؤتمر الوطني الافريقي. نشكركم على احترامكم لذلك!".

الجميع ينتظر جاكوب زوما. وهم يمضون الوقت من خلال رقصات ملكة المطر التي تهيمن على شمال البلاد مع تنانير زرقاء لازوردية وقمصان زهرية اللون وعمامات بيضاء وعقود من اللؤلؤء قبل ان يصل القس الاميركي جيسي جاكسون الذي قال ان "الانتقال من نظام فصل عنصري الى الديموقراطية شكل خطوة كبيرة، ما سجل خلال 18 عاما (منذ تولي المؤتمر  الوطني الافريقي السلطة في 1994) ايجابي، ويجب ان نفتخر جميعا بالمؤتمر الوطني الافريقي".

ووصل جاكوب زوما اخيرا وسط صيحات الترحيب. وفي "الكرال" يقدم له اندرو ملانغيني المناضل السابق ضد نظام الفصل العنصري حربة تحمل الوان الحزب. ويقوم برميها باتجاه الثور الذي ستجهز عليه مجموعة من الشباب. ومن ثم يخرج من الحظيرة ويتقدم نحو الجموع والحربة في يده. بحسب فرانس برس.

وقال "على الرئيس ان ينجز طقوس ضرب الحيوان. لكن بطبيعة الحال تم ذلك رمزيا"، مضيفا "هذه الحربة ليست رمح رجل واحد انها حربة الامة" في اشارة مباشرة الى الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الافريقي المعروف باسم "حربة الامة" الذي احتفل للتو بالذكرى الخمسين لتأسيسه، وختم رئيس البلاد قائلا "لقد انجزنا كل شيء وتواصلنا مع الاجداد".

مسقط رأسه

الى ذلك، عاد نيلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب إفريقيا والحائز جائزة نوبل للسلام، بجسده الواهن وبسنواته ال93 إلى قريته الغالية على قلبه والتي غادرها في عشرينات القرن العشرين ليبدأ برحلة  الحرية.

ويقول زيمسيليه غاماكولو (45 عاما) وهو أحد أفراد قبيلة "ماديبا" التي منحت مانديلا اسمه القبلي، "عندما تشاهدون الأعلام ترفرف، هذا يعني أنه هناك"، في إشارة إلى جاره الشهير الذي ينتمي مثله إلى القبيلة نفسها. ويرى أهل قريته أن عودته إلى المجمع ذي الحراسة المشددة والذي يقع من الجهة الأخرى من منزله السابق، لهو أمر مناسب ودائم بعد الوعكة الصحية التي ألمت به والذي أثارت القلق في البلاد.

ويقول غاماكولو "أعتقد بأنه عاد نهائيا. فقد مضى على عودته هذه أربعة أشهر، وهو كان قد طالب كثيرا بإحضاره إلى هنا"، ويضيف "التقاليد تقضي بألا تتخلى عن اناسك. فأنت تعود دائما إليهم لأن في ذلك عودة إلى جذورك". ويتابع "هذا ما كنا نتوقعه. وكان الأمر ليكون غريبا لو أنه بقي في جوهانسبورغ".

وكان مانديلا قد ولد في قرية ميزو المجاورة، لكنه انتقل وهو بعد فتى إلى قونو حيث نضج شغفه بالمساحات المفتوحة وبالطبيعة. والقرية الواقعة في كيب الشرقية حيث البطالة متفشية، أصبحت اليوم مجهزة بالمياه والكهرباء وبمنازل من الآجر. لكن الحياة ما زالت قاسية مع حدائق تزرع فيها الخضار والفاكهة المحلية ومحلات بسيطة لبيع البضائع الأساسية، بالإضافة إلى الطرقات الترابية.

هنا، العالم يختلف كليا عن ضاحية جوهانسبورغ الفخمة التي كان يقطنها. لكن الأخبار تسري في القرية أن لا نية لدى "تاتا ماديبا" أو "تاتامخولو" (أي الأب والجد في لغة اكزوسا) لمغادرة مقر تقاعده الريفي. وتشير نتومبي نتونديني (29 عاما) التي تعمل في مركز المجتمع المحلي أنه "لا يريد العودة (إلى جوهانسبورغ). هو قال إنه يريد أن يموت هنا". ومانديلا لم يظهر علنا منذ تموز من العام 2010، وهو لم يعد يغادر مقر إقامته حيث تكثر الأشجار والمؤلف من منزلين.

وتقول نتومبي التي تلفت إلى أنه محبوب جدا في القرية، "هو الآن مسن.. مسن جدا. ولم يعد يملك النشاط الكافي للتجول"، وتضيف "هو كان أول رئيس أسود في جنوب إفريقيا. ونحن فخورون جدا به، إذ إنه يتحدر من قرية فقيرة مثل هذه". ويستقبل مانديلا زائريه لكنه يبقى بعيدا عن الأنظار قبالة الهضاب التي اجتازها مرارا وتكرارا وهو بعد فتى، وحيث ينظر إليه بفخر إذ إنه البطل المحلي وواحد من أبناء القرية. بحسب فرانس برس.

ويقول نتوبيكو يوزوا (62 عاما) الذي يتمنى أن يشارك مانديلا في لقاءات محلية، "نحن لا نرحب به كشخص مشهور، بل نرحب به كرجل.. كجار". يضيف "من الصعب رؤية ماديبا بسبب الأمن المفروض حوله. ليس من السهل زيارته لكننا سعداء لأنه هنا. وعلى الرغم من مرضه، نحن سعداء لأنه في منزله".

ست حلقات

على الصعيد نفسه، اعلن منتجون من كندا وجنوب افريقيا وبريطانيا في بيان انهم يحضرون مسلسلا تلفزيونيا من ست حلقات مدة كل واحدة ساعة حول حياة مانديلا. وجاء في البيان نقلا عن كويكو مانديلا احد احفاد الزعيم الجنوب افريقي والطرف في شركة الانتاج "آوت اوف افريكا" ان المسلسل المكرس لشخصية اشهر جنوب افريقي في العالم "لن يكون مشروعا جديدا حول +مانديلا القديس+ بل محاولة اولى لمعرفة حقيقة +مانديلا الرجل+ مع تكريم اشخاص كثيرين ساعدوه في مسيرته وفي نجاحاته".

ويشارك في انتاج الفيلم الى جانب "آوت اوف افريكا"، شركة الانتاج البريطانية "ليفت بنك بيكتشرز" والكندية "بلو آيس". ويضع الكاتب البريطاني نايجل وليامز راهنا نص السيناريو ولا يتوقع ان يبدأ التصوير قبل نهاية 2012. ولم يبت نهائيا بعد باسم المخرج والممثل الذي سيجسد مانديلا.

وسيكون المسلسل مستوحى من كتابي مذكرات لمانديلا الحائز جائزة نوبل للسلام، الاول يحوي الرسائل التي كتبها من السجن وملاحظات ويوميات والثاني ديوان عن التصريحات الشهيرة له. وتبلغ ميزانية المشروع 30 مليون دولار وسيصور خصوصا في جنوب افريقيا حيث سجن مانديلا 27 عاما حتى العام 1990. وسيتناول المسلسل علاقته بوالدته ونشاطه كمناضل وسنوات الاعتقال وكيفية فرض زعامته وانتخابه في العام 1994 اول رئيس اسود لجنوب افريقيا.

ويشكل مانديلا بطل النضال ضد الفصل العنصري في بلاده، رمزا عالميا. ويعيش في منزله في كونو في الكاب الشرقي فيما صحته متعثرة. وسيحمل المسلسل اسم "ماديبا" وهو اللقب التقليدي للرئيس السابق الذي غالبا ما يستخدم تحببا. وسبق لحياة مانديلا ان شكلت مادة لافلام سينمائية ولا سيما "اينفكتوس" من اخراج الاميركي كلينت ايستوود (2009) و"غودباي بافانا" للدنماركي بيلي اوغست (2007).

مائدة مانديلا

من جانب اخر، فإن المكتبات الجنوب افريقية دخلت في  جو تنافسي حول كتاب طبخ مع الاعمال المكرسة لنسلون مانديلا، فطاهية البطل القومي اصدرت كتاب وصفات يضم اطباقه المفضلة. تحت عنوان "طبخ منزلي مذاقات مطبخ نلسون مانديلا" يضم كتاب هوليسوا ندويايا 62 وصفة مرفقة بطرائف حول عائلة مانديلا او شخصيات.

وفي الوصفات كرنب بروكسل بالحامض وسلطة الارز بالمانغو والكاري والباييلا وتسع انواع من الحساء وديك رومي بالبرتقال والدجاج بكل انواعه او "كرات اللحم على طريقة والدتي". وتقول  صاحبة الكتاب البالغة 49 عاما مبتسمة "هذه ليست كل وصفاتي. فلا يزال لدي الكثير الكثير". وقد عشقت فن الطبخ عندما كانت تنضم الى جدتها التي كانت تطهو لعائلة بيضاء، بعد المدرسة.

وحياة هوليسوا او باختصار هولي مثال حزين على حياة الكثير من الجنوب افريقيين السود. فبعد طفولة امضتها في مدينة صفيح في احدى المناطق البعيدة انتقلت الى جوهانسبورغ حيث وجدت عملا عند عائلة بيضاء ومن ثم في مأوى للعجز مخصص لليهود. وقتل زوجها الاول في حرب مدن الصفيح بين المؤتمر الوطني الافريقي وحزب اينكاتا للزولو في مطلع التسعينات فيما توفي الثاني في حادث سير. وقامت والدتها واختها بتربية اطفالها الاربعة في منطقة تبعد 800 كيلومتر عن جوهانسبورغ.

الا ان هولي التقت نلسون مانديلا فتغيرت حياتها. فبفضل مساعدة صديقة لها بدأت العمل عنده العام 1992 عندما كان يبحث عن طاهية. ومنذ ذلك الحين وهولي تطبخ للرجل الكبير وقد استمتع باكلها افراد العائلة كافة وكل قيادة المؤتمر الوطني الافريقي وقادة الدول الاجانب والزوار من المشاهير من مايكل جاكسون والمقدمة الاميركية الشهيرة اوبرا وينفري التي تعشق على ما يبدو طبق البطاطس بالكريما والجبنة الذي تحضره.

وهوليسوا شأنها في ذلك شأن مانديلا من الهوسا. وهي متحدرة مثله من الكاب الشرقية. وقد انتقلت معه عندما غادر جوهانسبورغ للعودة الى مسقط رأسه قبل ايام على عيد ميلاده الثالث والتسعين في تموز. هولي تبنت سريعا عائلة مانديلا وقد اهتمت باحفاده الذين استداعهم البطل القومي في حين كان اولاده بعيدين.

وتحت ادارتها تحولت مائدة نلسون مانديلا الى خليط مطبخي يجمع بين مطبخ الهوسا التقليدي والاطباق الجنوب افريقية الكلاسيكية واطباق يهودية اخذتها من مستخدميها الاوائل وتأثير اجنبي لا سيما مع الهامبرغر للاطفال واطباق اللازانيا التي اتقتنها جيدا. وهي منفتحة وفي تطور مستمر فقد بدأت تعتمد الثوم كثيرا منذ زواج مانديلا الثاني من غراسا ماشيل ارملة رئيس موزامبيق السابق سامورا ماشيل.

اما عن اطباق مانديلا المفضلة فتقول هوليسوا "انه يأكل كل ما اعده!" موضحة ان اول رئيس اسود جنوب افريقيا يعشق البهارات. وتضيف "الا انه يفضل الاطباق التقليدية وان لم تأت بانتظام يشتكي قائلا: ما الامر؟ لم لا تغذيننا كما يجب؟". من الاطباق المفضلة للرجل العظيم، يخنة ذيل البقرة وطبق "امونغكوشو" المصنوع من الذرة والفاصولياء العريضة او "اولوسو" القائم على الكروش فضلا عن لسان الخروف ورأسه وهي وصفة غير واردة في الكتاب. وتتذكر بتأثر كيف انها ارسلت بالطائرة طبق "اوبوكوغو" (حساء الذرة والحليب) الى لندن لان مانديلا لم يعد يطيق الطعام الانكليزي.

غاندي في جوهانسبورغ

الى ذلك، بات مبدأ اللاعنف الذي روج له غاندي له اطروحته المعروفة باسم "ساتياغراها" اي التمسك بالحقيقة، وبات له الان ايضا فندق-متحف في المنزل السابق للمهاتما في جوهانسبورغ في اطار مشروع ثقافي فريد من نوعه يمكن زيارته مجانا. المنزل الذي سكنه غاندي بين عامي 1908 و1910 رممه جان-فرنسوا ريال رئيس مجلس ادارة المجموعة السياحية الفرنسية "فواياجور دو موند" الذي استثمر مليوني يورو شملت شراء المنزل، في العام 2009.

والنوم مستحيل في بيت الدرج الذي كان يصله غاندي عبر سلم للتأمل وغزل القطن والكتابة. لكن يمكن الوصول اليه عبر درج ليجد فيه الزائر دولابين للغزل وميزانا علامة للعدالة ونظارتين مستديرتين ملقاتين على كتاب مفتوح كما لو ان الرجل الهزيل البنية غادر الحجرة للتو.

غاندي (1836-1948) كان في التاسعة والثلاثين في تلك الفترة. وبعدما كان على رأس مكتب محاماة مزدهر، قرر ان يغير حياته متخليا عن كل اساليب الراحة ومعتمدا الصوم بانتظام وصانعا ملابسه الخاصة اي قطعة قماش قطنية بيضاء بسيطة من نسيج الكادي. في الرقم 15 من شارع "باين رود" في منزل سقفه مصنوع من الطين بناه صديق لهم هو مهندس معماري بمحاذاة جاهسنبورع ومناجم الذهب فيها، كتب اطروحة ساتياغراها او "التمسك بالحقيقة" حيث وضع مفهوم استخدام مبدأ اللاعنف والعصيان المدني سياسيا.

واستخدم غاندي بنجاح هذه الطريقة لمكافحة الفصل العنصري الذي مارسته سلطات الاستعمار البريطاني حيال الهنود. وامضى غاندي اكثر من عشرين عاما في جنوب افريقيا. وما ان وصل اليها العام 1893 طرد من مقصورة قطار من الدرجة الاولى لانه لم يكن ابيض البشرة.

وكان قائدا للجالية الهندية الكبيرة في جنوب افريقيا حتى رحيله عنها عائدا الى الهند العام 1914. وترك اثرا كبيرا في الناشطين المناهضين لنظام الفصل العنصري ومن بينهم نيلسون مانديلا قبل ان ينتقل الى الكفاح المسلح نهاية الخمسينات من القرن العشرين.

النزلاء-الزوار الذين يستقبلهم الفندق-المتحف، يمكنهم ان يجولوا في المدينة ايضا على الاماكن المرتبطة بهذا الرمز الهندي للحركة السلمية ومكافحة الفصل العنصري. ويتضمن برنامج الاقامة ايضا امكانية الحصول على دروس في اليوغا والتأمل. اما اثاث غرف النوم التي اقيمت في بيوت ريفية صغيرة بنيت حديثا في الحديقة فهي انيقة ببساطتها فيما اسعار الغرف تترواح بين 71 و190 يورو لليلة.

ستائر الغرف مصنوعة من قماش الكادي القطني البسيط فيما هناك بعض الزهور في مزهرية على الطاولة والارضية اسمنية رمادية اللون وشرافش السرير بيضاء ناصعة. الكحول غير متوافرة وكذلك اساليب التسلية في الغرف فما من جهاز تلفزيون، وكأن المرء يستعد لرياضة روحية.

ويؤكد الطاهي لوفون متيتوا ان الفندق-المتحف يرحب بالاطفال "لكن نفسر لهم ان المكان هو لسلام الروح من دون ضجيج او تلفزيون". اما الطعام فنباتي بامتياز. ويشدد ديدييه دياي مدير "ساتياغراها هاوس" ان "الناس يمكنهم رؤية الحيوانات او الجبال اينما كانوا. اما ما يميز افريقيا الجنوبية فهي تاريخها وطابعها المتعدد جنسية". ويضيف عندما يأتي الزبائن الى هنا "يكشفون عن فضول كبير لذا لا يمكننا ان نبقيهم اكثر من اسبوعين. بعد ذلك ندعهم يرحلون لاكل اللحم" اللذيذ جدا في جنوب افريقيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/كانون الثاني/2012 - 24صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م