سبحة الحاج صلاح

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: سبحان الله والحمد لله، انه التسبيح او السبحانيات او تعقيبات الصلاة او تسبيح الزهراء (ع) وغيرها من اسماء يطلقها المسلمون على مثل هذه الالفاظ.. وهي لا تتحدد بوقت او مكان معين، وان كان الناس قد درجوا عليها في اعقاب كل صلاة وهم الاكثرية.. يترافق ذلك مع السبحة او المسبحة وتحريك خرزاتها بين الاصابع.. ومنه من يستعيض عن المسبحة بعدّ اصابعه مرة تلو الاخرى حتى يكتمل العدد المطلوب وهو 33 في السبحانيات و 99 او 101 على عدد اسماء الله الحسنى.

ولا يقتصر التسبيح بعد الصلاة وهو الغالب، بل يمتد الى اوقات اخرى من خلال حمل السبحة وتقليبها مع تحريك الشفاه اثناء الجلوس او المشي او الوقوف.. وهناك من يحمل السبحة بحكم العادة او لغرض متممات الوجاهة الاجتماعية خاصة اذا كانت تلك السبحة من احجار نفيسة.

والسُّبحة، أو المِسبَحة، في اصلها عبارة عن قلادة تتكون من مجموعة من الخرز المثقوبة يجمعها خيط يتم تمريره من خلال ثقوبها لتشكل حلقة حيث تجمع نهايتي الخيط ليمرر بقصبة تسمى الشاهول. أن فكرة السبحة بدأت عند السومريين قبل (5000) سنة ثم انتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية وغير ذلك من الحضارات اللاحقة وبما إن الاحجار الكريمة المصنوعة منها السبحة تتصف بالديمومة أو تلك التي عرف عنها قوة الصلادة أو القدرة وهناك تفسيرات وأسباب أدت إلى استخدام الناس للقلائد الدينية. والواقع المستخلص انها قد تكون مرتبطة بالشعائر المتوارثة والمستخدمة آنذاك وقد تشمل العد والحساب أيضاً في عد الصلوات أو لغرض التأمل الديني.

والسبحة منها عدة انواع مثل مسابح العقيق والأحجار البلورية وعين النمر والفيروز واللازورد وغيرها. وكذلك من الأحجار العضوية، كالمرجان واليسر والكهرمان. تصنع السبحة من مواد مختلفة فقد تصنع من التربة المجففة وتلون بألوان مختلفة منها الأسود أو الأزرق الشذري (لون الشذر) أو اللون البني الترابي أو تصنع على شكل حبيبات خزفية، كذلك فقد تصنع من مادة اليسر المجلوب من البحر الأحمر وتصنع قرب مكة المكرمة حيث يتم تشكيها ونقشها وتطعيمها بنقط من الفضة أو الرصاص، فضلا عن استخدام الصدف أو المرجان أو خشب أشجار الزيتون ونواة الأثمار وهي المشهورة في المناطق قرب مدينة القدس، ويصنع بعضها من الأحجار الكريمة مثل الياقوت والامشست والمرجان واللؤلؤ والكهرب والفاتوران والمستكة أو المسكى والفضة والذهب والستيل وعين النمر واللابيس لازوليه وقائمة طويلة من نفائس الحجر والمواد الأخرى أو من العاج المنقوش والمحفور، كما قد تصنع من المواد البلاستيكية الرخيصة، وتصنع أحيانا من الحبال كتلك التي يحيكها بعض الرهبان والراهبات. لقد أستطاعت السبحة أن تعبر رحلتها الزمنية عبر الديانات المختلفة الوثنية والسماوية ما يقارب 3000 سنة من دون أن يمارس عليها أي نوع من قوة الإقصاء أو الرفض أو الازدراء كحال بقية الأشياء التي ينكرها بعض المتدينين في المعتقدات المختلفة.

تأتي سبحة المسيحين بثلاثة وثلاثين عقدة أو خرزة دلالة على عمر السيد المسيح حين صعد إلى السماء، وهناك السبحة الوردية التي تحوي على خمسين عقدة.

للسبحة أهمية كبيرة لدى بعض الناس قد تصل إلى درجة التقديس وربطها بأمور دينية. يستخدم السبحة ويحملها معه دوما الكثير من المسلمين والعرب وبعض الشرقيين حتى في كوريا وكذلك رجال الدين المسيحيين ولكن أشكالها تختلف. تتكون السبحة التي يستخدمها المسلمون من تسعة وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين حيث يكون بين كل فاصل ثلاثة وثلاثون حبة وشاهد أو من ثلاثة وثلاثون حبة مع فاصلتين حيث يكون بين كل فاصل أحد عشرة حبة وشاهد. من المهم في المسابح أن تكون حباتها ذات حجم مناسب يسهل معه تحريكها بأصابع اليد.

وتعرف باللهجة العراقية بالسبحة وبالجزائرية ايضا سبحة وفي اللهجة الخليجية مسباح وفي لهجة اهل المغرب تسبيح.

الحاج صلاح بعقده السادس لم يكن في وارده يوما ان يجد نفسه دون مسبحته العزيزة عليه.. فهي في كل وقت ومكان لديه، يحملها بين اصابعه ويحرك خرزاتها مع لسانه بالتسبيحات والاذكار المعروفة.

حين التقيت به اخر مرة كان مهموما وحزينا لان تلك المسبحة قد فارقت يده.. لقد فقدها في مكان ما، لايذكره على التحديد، او ان احد الاشخاص قد اخذها منه ولم يعدها اليه.

عاد الى جميع الاماكن التي قصدها منذ خروجه من الدار وعودته اليه..لم يكن يومها في مدينته بل كان في كربلاء المقدسة مع مجموعة من اصحابه في زيارة الاربعين.

ذهب الى مزار المخيم وسأل عنها هناك، وذهب الى احد المواكب يلتمس املا في العثور عليها، ثم تذكر انه ذهب الى احد محلات بيع الدهينية الشهيرة في كربلاء.. لم يفلح بحثه عن نتيجة، ولم تعد المسبحة بين يديه.

حزن الحاج صلاح على مسبحته لم يكن بسبب ثمنها، رغم انها من الانواع المعروفة بنوعيتها الجيدة، لم يكن لذلك السبب، بل هو كما روى لنا ان تلك المسبحة قد رافقته في رحلات حجه الثلاثة الى الكعبة المشرفة، وانها قد زارت معه مرقد الامام الحسين عليه السلام، ومرقد ابيه الامام علي عليه السلام في النجف الاشرف، ومرقد الامامين الجواد والكاظم عليهما السلام مئات المرات.. لقد مسح خرزاتها في شباك الضريح الحسيني، وقد تنشقت عطر الضريح العلوي في ساعات الفجر اثناء الصلاة، ولامست ايادي الزائرين في الكاظمية المشرفة.

لم تكن مسبحة الحاج صلاح مسبحة عادية بل كانت رفيقة درب مليء بالصلوات المباركة والتضرع الباكي الى الله والى اصحاب تلك المقامات الرفيعة.. ولشدة اعتزازه بهذه المسبحة وما تمثله لديه فانه اوصى ان تدفن معه حين يجيب دعوة الناعي وتنطفيء اضواء حياته.

هل كان يطمح الى نور تلك المسبحة وخرزاتها اللاهجة بذكر الله لانارة ظلمة قبره.. وان تؤنسه في تلك الوحشة التي لاعودة منها الى صحبه وجميع ماتركه خلفه؟.. ام انه اصبح يشعر بان تلك المسبحة قد اصبحت اصابع بديلة عن اصابعه وجزءا لاينفصل عن جلد يده، ام ان اصابعه قد لا تطيق حركتها ولا تساعده على تلك التسبيحات وهو الذي مافارقت تلك المسبحة يده طيلة سنوات طويلة من حياته التي امتلات بقول الحق في وجوه الاخرين، وبالغضب لاجل شرع الله ودينه؟

سبحة الحاج صلاح فارقته الى غير عودة، وهي لن تدفن معه كما اوصى، الا ان من المؤكد ان تسبيحاته سترافقه الى وحشة القبر وظلمته وستنير له لحده وتؤنس تلك الوحشة بانتظار لقاء وجه رب كريم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الثاني/2012 - 23صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م