2012 نهاية أم بداية لليورو؟

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبقى اليورو يثير حفيظة الأوروبيين وحذرهم بعد عشر سنوات على اعتماده كعملة أوروبية موحدة، بالخصوص في ظل الأزمة المالية وأزمة الديون التي عصفت بالكثير من دوله العام الماضي، ادى اليورو منذ اعتماده قبل عشر سنوات الى تحفيز التبادل التجاري بين الدول التي تبنته وساهم في احتواء التضخم، لكن انعكاسه على النمو لم يكن بمستوى التوقعات نظرا لقلة التنسيق بين السياسات الاقتصادية لمختلف الدول، مثل ألمانيا وفرنسا واليونان واسبانيا، والدولة التي أصبحت أكثر عداء من أي وقت مضى للعملة المشتركة بريطانيا.

فيما توصل الزعماء الأوروبيون في بروكسل، إلى اتفاق جديد يهدف إلى إنهاء شهور من عدم اليقين بشأن مستقبل اليورو، وحل أزمة الديون المتصاعدة التي دفعت عدة اقتصاديات إلى حافة الانهيار، إذ يبرز الاتفاق المالي الخطوط العريضة لتكامل أوثق بين الميزانيات الوطنية لـ17 دولة في منطقة اليورو، وسيتم فرض إطار قانوني جديد وتدقيق مالي أكبر لتجنب تكرار الممارسات المالية المريبة التي تسببت في الأزمة، والاتفاق أيضا يعزز الآليات التي تضمن الاستقرار على المدى القصير لاقتصاديات اليورو.

لكن في الوقت الذي لا يمكن فيه الجزم بأن الانهيار حتمي، يبقى الانتظار في عامنا هذا، لمعرفة كيف ستستطيع أوروبا تطبيق إجراءاتها المالية الجديدة للخروج من أزمتها.

نهاية اليورو

فقد اكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد انها لا تعتقد ان العام 2012 سيشهد نهاية اليورو كعملة اوروبية موحدة معربة عن ثقتها في بقاء اليونان داخل منطقة اليورو، وقالت بشأن بقاء اليونان في منطقة اليورو ان الشركاء الاوروبيين اكدوا واعادوا تأكيد تصميمهم على ابقاء اليونان في منطقة اليورو، ولا يسعنا سوى دعم ذلك، من جهة اخرى توقعت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي ان يكون العام 2012 عاما صعبا بسبب ازمة منطقة اليورو مؤكدة ان توقعات النمو العالمي ستتم مراجعتها وخفضها وان البلدان الافريقية ستعاني بالدرجة الاولى، وفي حديثها عن وضع البلدان الافريقية التي تعتمد اقتصاداتها جزئيا على المبادلات مع اوروبا. قالت لاغارد ان هذه الدول الافريقية ستعاني من نكسات ان لم نتكفل بازمة اليورو، وكانت لاغارد زارت النيجر ونيجيريا مباشرة قبل عيد الميلاد، في اول جولة افريقية منذ تعيينها على رأس صندوق النقد الدولي في عام 2011 ، واضافت علينا ان نحضر انفسنا لعام 2012 لن يكون .. هادئا، بل عاما للجهود والتركيز بسبب وقع الازمة الاوروبية العالمي.

الذكرى العاشرة

في سياق متصل بعيدا عن طوابير الانتظار الحماسية امام الات الصرف الاوتوماتيكية لسحب الاموال التي رافقت في 31 كانون الاول/ديسمبر 2001 اطلاق اول الاوراق النقدية باليورو، مرت الذكرى العاشرة للعملة الاوروبية الموحدة في هدؤ يعكس الازمة العميقة التي تمر بها، وساد التواضع الاحتفالات الرسمية بما كان يشكل في تلك الفترة اكبر عملية تحول نقدي على الاطلاق - 14,9 مليار ورقة مالية و52 مليار قطعة نقود معدنية طرحت بين ليلة وضحاها للتداول في الدول الاثنتي عشرة التي اسست منطقة اليورو.

والى ذلك، فان اوساط سك العملات تنتظر قطعة تذكارية من 2 يورو يفترض ان تصدر اعتبارا في دول منطقة اليورو التي اصبحت 17، وفي فرانكفورت، نشر البنك المركزي الاوروبي على موقعه على الانترنت شريط فيديو قصيرا للتذكير بمزايا اليورو، واكد رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي في الشريط "خلال العقد الماضي، اصبحت العملة الموحدة رمزا للتكامل والتعاون" في اوروبان وقال ايضا "على الرغم من التحديات التي تواجهها اوروبا والعالم حاليا، فان مواطني منطقة اليورو يمكن ان يتاكدوا ان البنك المركزي الاوروبي سيبقى وفيا لمهمته بالمحافظة على استقرار الاسعار، بالفعل، وحتى ولو كان معدل التضخم الذي يشعر به اي شخص، مرتفعا نسبيا لان بعض القطاعات الاستهلاكية الجارية اغتمنت مرحلة الانتقال للتداول باليورو لزيادة اسعارها، فان التضخم المقاس بالارقام الفعلية بقي في كل سنة في حدود 2% منذ استخدام العملة الموحدة، ومع الغاء حواجز الصرف، سمح اليورو ايضا بتحفيز المبادلات بين الدول التي اعتمدته وهذا ما افاد خصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة في المانيا، الا انها تعد مع ذلك حصيلة ضعيفة في سياق الظروف الاقتصادية. فقد فضل المسؤولون السياسيون في الايام الاخيرة دعوة مواطنيهم الى مواجهة التحديات للخروج من هذه الازمة "التي لا مثيل لها"، بحسب تمنيات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وبحسب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، فان العام 2012 قد يكون "اكثر صعوبة" مما مرت به منطقة اليورو.

وازمة الديون التي انطلقت من اليونان قبل عامين عندما اقرت اثينا بانها ساومت على حساباتها لاعتماد اليورو، بلغت البرتغال وايرلندا وتهدد اليوم كل دول منطقة اليورو على الرغم من خطط الانقاذ والقمم الاوروبية التي تعقد "في اللحظة الاخيرة" والتي توالت طيلة العام 2011، وللمرة الاولى، تطرح مسالة استمرارية العملة الموحدة. بحسب فرانس برس.

وفي حين ستضطر الحكومات مع بداية العام الى اعادة تمويل نفسها في الاسواق، تراهن اليونان في كانون الثاني/يناير على المحافظة على حياة اقتصادها من خلال مفاوضات شاقة مع المصارف لتقليص مديونيتها الى النصف، ونتيجة التحفظات الالمانية وخاصة في تقديم مساهمة مالية، لم تتصل منطقة اليورو بعد الى وضع حاجز منيع من الازمات يتيح لها تقديم المساعدة لعدة دول، بحجم اسبانيا او ايطاليا، في وقت واحد. ويبقى الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي غير مضمونن ولهذا السبب، فان اوروبا تعمل على تغطية الثغرة الاساسية في اتحادها النقدي والتي ابرزتها الازمة: وهي التنسيق غير الكافي للسياسات الاقتصادية. ويتعين التوقيع على اتفاق مبدئي في بداية اذار/مارس من جانب غالبية الدول الاوروبية لادراج "قواعد ذهبية" تتعلق بالعودة الى التوازن المالي في الدساتير، وهكذا فان قرابة ثلثي الفرنسيين يعارضون العودة الى الفرنك، كما ان "عودة محتملة للدراخما ستعني جحيما حقيقيا" لليونان، كما حذر حاكم البنك المركزي اليوناني جورج بروفوبولوس.

العملة الرئيسية في العالم

من جهته قال كريستيان نوير عضو مجلس البنك المركزي الاوروبي في مقال بصحيفة جورنال دو ديمانش ان اليورو قد يصبح العملة الرئيسية في العالم في السنوات العشر المقبلة اذا نجح زعماء منطقة العملة الموحدة في تعزيز التكامل المالي، وأبرم القادة الاوربيون اتفاقا تاريخيا في قمة طارئة ببروكسل في التاسع من ديسمبر كانون الاول لصياغة معاهدة جديدة لتعميق الوحدة الاقتصادية في محاولة لاجتثاث أزمة الديون التي تهدد بانهيار العملة الموحدة، وأشاع نبأ الاتفاق حالة من الهدوء المؤقت في الاسواق. لكن سرعان ما عاودت المخاوف الظهور في ظل عدم حسم التفاصيل النهائية للاتفاق ولان التفاوض على المعاهدة الجديدة قد يستغرق ما يصل الى ثلاثة أشهر، وتقول وكالة فيتش للتصنيف الائتماني انها تشك في الوصول الى حل شامل للازمة وحثت البنك المركزي الاوروبي على اتخاذ مزيد من الاجراءات الحاسمة. بحسب رويترز.

وقال نوير في المقال الذي نشر يوم الاحد بمناسبة مرور عشر سنوات على اطلاق اليورو "اذا نفذنا جميع القرارات التي اتخذت في قمة بروكسل فسنظهر بشكل أقوى، قد يصبح اليورو خلال عشر سنوات العملة رقم واحد في العالم.

أدنى مستوى

فيما انخفضت العملة الأوروبية الموحدة إلى أقل من 100 ين ياباني لأول مرة خلال عشر سنوات، وبلغ سعر اليورو صباح الجمعة 99.97 من الين الياباني، وهو أقل مستوى يصل إليه منذ ديسمبر/ كانون الأول 2000ن كما تعد هذه المرة الأولى التي ينخفض فيها اليورو إلى أقل من 100 ين منذ يونيو/ حزيران 2001، كما سجل اليورو أقل مستوياته مقابل الدولار منذ 15 شهرا متراوحا بين 1.287 و1.29 دولارا، وكانت الغالبية العظمى من الاقتصاديين الذين استطلع آراءهم عبروا عن اعتقادهم بأن أوروبا ستعاني من الركود مرة أخرى خلال عام 2012.

وقال خمس الخبراء الذين شملهم الاستطلاع إن منطقة اليورو لن تبقي على شكلها الحالي الذي يضم 17 دولة، وأعرب غالبية اولئك الاقتصاديين عن اعتقادهم بأن احتمال تفكك منطقة اليورو يتراوح بين 30 إلى 40 في المئة. بحسب رويترز.

كما توقع غالبيتهم أن تبقى معدلات الفائدة في بريطانيا عند مستوى 0.5 في المئة خلال العام المقبل، وشمل الاستطلاع 34 اقتصاديا أوروبيا يقدمون الاستشارات بصورة دورية للبنك المركزي البريطاني، ومن بين الاقتصاديين الـ27 الذين أجابوا على الاسئلة الموجهة إليهم، توقع 25 أن تشهد أوروبا ركودا خلال العام المقبل، يذكر أن معدلات النمو في أوروبا قد تباطأت خلال الاشهر الماضية في منطقة اليورو بسبب أزمة الدين التي أجبرت الحكومات على تقليص الإنفاق.

الدولة الراعية والنموذج الاجتماعي الأوروبي

كما يرى عدد من المحللين ان ازمة منطقة اليورو وتدابير التقشف التي اقرت في معظم الدول الاوروبية ستنال من النماذج الاجتماعية التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية والتي يترتب أصلاحها اليوم لضمان استمراريتها، وحلت خطط التقشف التي تعلن عنها حكومات منطقة اليورو منذ اكثر من سنة محل النفقات التقليدية التي كانت الدول الراعية الاوروبية تخصصها للتقديمات الاجتماعية، وباتت الدول تعمد الى تدابير مثل اصلاح انظمة التقاعد وتخفيض المساعدات وتجميد الاعانات والمعاشات الاجتماعية والحد من نفقات الضمان الصحي، وقال نيكولا بوزو الخبير الاقتصادي في مكتب استيريس ان هذه الدول الراعية التي اقيمت بعد الحرب والتي كانت تتكفل بتلبية الكثير من الحاجات ولا سيما في المجال الصحي، سوف تزول. واوضح كنا في تلك الفترة في وضع يتميز بنمو قوي لمجموع الاجور ونسبة وظائف عالية وشعوب شابة نسبيا. اما اليوم فلدينا بطالة متفشية وانعدام للنمو فيما السكان يشيخون، وبالتالي فان الضغوط المالية لا تحتمل اطلاقا.

من جهته قال جان بيزاني فيري مدير معهد بروغل الاوروبي من الواضح ان الضغط الذي كان يواجهه النموذج الاجتماعي الاوروبي اساسا نتيجة الظروف الديموغرافية وضعف النمو اشتد مع الازمة، غير ان التدابير المتخذة لمواجهة الازمة تختلف من دولة الى اخرى. ففي فرنسا، اعلنت الحكومة في الوقت الحاضر اضافة الى اصلاح النظام التقاعدي، عن اعادة تقييم التقديمات والمساعدات العائلية لتكون اقل ارتفاعا من التوقعات للعام 2012.

ولفت هنري ستردينياك الخبير الاقتصادي في المرصد الفرنسي للاوضاع الاقتصادية الى انه في ايرلندا تم تخفيض المساعدات في مجالي الصحة والسكن. اما في البرتغال، فخفضت التقديمات العائلية بنسبة 25%. وفي ايطاليا خفضت المساعدات الاجتماعية. وفي اسبانيا الغي +شيك الطفل+ الذي كان يقدم لكل ولادة، ويترتب على رئيس الوزراء الاسباني المحافظ ماريانو راخوي اتخاذ تدابير جديدة اعتبارا من الاسبوع المقبل وهو يعتزم اجراء "تحديث لقوانين العمل" في مطلع 2012 من اجل التصدي لنسبة البطالة القياسية في البلاد.

كما تعتزم حكومة ماريو مونتي الايطالية اصلاح سوق العمل لاعتماد نظام "مرونة امنة" مستوحى من النموذج الدنماركي يعطي الشركات مرونة في تسريح الموظفين ويضمن الامان للموظفين المسرحين من خلال منحهم تعويضات ضخمة، وتوقع مايكل بوردا الخبير الاقتصادي في جامعة هومبولت في برلين ان تستوحي العديد من الدول الاوروبية النموذج الاسكندينافي موضحا انه "ان كان ياتي بنتيجة جيدة، فلانه يمزج ما بين عناصر الدولة الراعية والليبرالية، واعتبر نيكولا بوزو ان نماذج الرعاية الاجتماعية ستستمر في العديد من الدول الاوروبية غير انه "سيعاد تركيزها" لمساعدة الذين في امس الحاجة اليهان ففي فرنسا على سبيل المثال يتوقع "زوال المساعدات الاجتماعية التي تمنح بمعزل عن مستوى الموارد على الارجح"، كما يعتقد ان بعض الامراض ستستثنى من الضمان الاجتماعي لتبقى من نطاق التأمين الخاص.

غير ان اعادة هيكلة الرعاية الاجتماعية قد تكون اشد قسوة بكثير في الدول التي تعاني اكثر من سواها من الازمة المالية، ففي دول مثل اليونان والبرتغال قال نيكولا بوزو ان "انظمة الدولة في وضع اشبه بالافلاس ونتجه الى انظمة اكثر ليبرالية لا شباك امان فيها، حيث الاكثر هشاشة قد يجدون انفسهم محرومين من اي تغطية.

وقال هنري ستردينياك لا نشهد بعد نهاية الدولة الراعية بل تفككها" محذرا من انه "عندما نخفض التقديمات للاطفال الذين يولدون في اسبانيا التي تعاني من مشكلة انجاب هائلة، فاننا نضر بانفسنا، وراى الخبير الاقتصادي ان "الرعاية الاجتماعية في اوروبا تشكل جزءا من هويتها ولا داعي لاعادة النظر فيها اطلاقا. كان ينبغي على العكس اتخاذ تدابير لمواصلة تمويلها.

اليونان

الى ذلك وبعد عشر سنوات على انضمامها الى منطقة اليورو تجد اليونان نفسها على شفير الافلاس وتعاني من منافسة دول البلقان وتركيا، غير ان الغالبية العظمى من اليونانيين يعتبرون العودة الى الدراخما كارثة حقيقية، ويردد القادة السياسيون ان اليونانيين عازمون على البقاء في منطقة اليورو، وهو ما تؤكده ايضا استطلاعات الرأي.

واعلن رئيس الوزراء لوكاس باباديموس مؤخرا ان "موقعنا في اوروبا غير قابل للتفاوض، واضاف باباديموس الذي كان حاكما للمصرف المركزي اليوناني لدى اعتماد اليورو، قبل ان يعين نائبا لرئيس البنك المركزي الاوروبي ان "اليونان هي وستبقى جزئا من اوروبا الموحدة ومن اليورون وظل اليونانيون على دعمهم للعملة الموحدة الذي وصل الى نسبة 80% في استطلاعات الراي، بالرغم من التضحيات الكبرى التي فرضتها الجهات الدائنة على هذا البلد منذ سنتين والتي تسببت لليونان بانكماش اقتصادي حاد وارتفاع كبير في معدل البطالة وصولا الى حوالى 50% من الشبابن لكن رغم ذلك لم تعد فرضية الخروج من منطقة اليورو من المواضيع المحرمة. ونظمت مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية مؤخرا مؤتمرا حول هذا الموضوع في اثينا، وهي التي توقعت منذ فترة تعثر اليونان في سداد مستحقاتها.

حتى الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان الذي يلقى تقديرا كبيرا في هذا البلد بعدما ساعده على الانضمام الى الاسرة الاوروبية، وصف قرار اشراك اليونان في اليورو بانه "خطأ جسيم"، منددا ب"الادارة الديماغوجية" التي انتهجتها الحكومات اليونانية المتعاقبة، وقال المؤرخ نيكولا بلودانيس "ثمة واقع خلف الدين، وهو ان القادة اليونانيين لطالما خلطوا ما بين مفهومي الاقتراض والدخل، واوضح ان الانتماء الى منطقة اليورو سمح لهذا البلد بالاقتراض بمعدلات فوائد متدنية ما اتاح للطبقة السياسية تعزيز قاعدتها الانتخابية من خلال توظيف اعداد من الاشخاص في الادارات العامة، كما لفت سافاس روبوليس استاذ الاقتصاد في جامعة بانثيون في اثينا الى ان اليونان لم تستخدم الاموال الاوروبية التي منحت لها منذ الثمانينات من اجل "تطوير نظامها الانتاجي ورفع انتاجية قطاعها الصناعي، وتابع روبوليس القريب من الاوساط النقابية انه "لا يمكن ان تعتمد مليون شركة في استمراريتها على الاسر اليونانية ال3,7 ملايين، بل عليها ان تعتمد على التصدير"، مبديا خشيته من ان تقع البلاد في "سوء التنمية" في حال عودتها الى الدراخما، غير ان التوجه الحالي يشير الى انتقال الشركات الى بلدان خارج منطقة اليورو مثل بلغاريا حيث الضرائب مؤاتية للشركات وكلفة الانتاج اكثر تدنيا.

في المقابل، يعتبر كوستاس لابافيتساس استاذ الاقتصاد في المعهد الشرقي والافريقي في جامعة لندن ان اليورو بحد ذاته "اشكالي" حيث اتاح ل"دول وسط" اوروبا مثل المانيا الاثراء على حساب دول "الاطراف"، وهو من الاقتصاديين النادرين بما في ذلك في اقصى اليسار، الداعين الى التخلي عن العملة الموحدة، وهو يرى ان اليونان لا خيار لديها سوى التخلف عن سداد ديونها والخروج من اليورو مع فرض رقابة على الرساميل.

ويواجه الذين يلوحون بالكارثة في مثل هذه الحالة محذرين من انهيار النظام المالي وهبوط قيمة موجودات الاسر وقيام تضخم زاحف وهروب مكثف للرساميل، مشددا على الكلفة "الفظيعة" التي سيتحملها المجتمع اليوناني نتيجة الاستمرار في سياسة التقشف، غير ان الخبير الاقتصادي يانيس فاروفاكيس من جامعة اثينا والذي يعتبر مثله يساريا، يرى على خلافه ان الخروج من اليورو سيكون اسوأ من البقاء فيه، ويحذر فاروفاكيس من ان التخلي عن اليورو سيؤدي حتما الى تدني قيمة الدراخما ما سيقود الى "انتقال مكثف للسلطة" من الاكثر فقرا الذين لن تعود مدخراتهم ذات قيمة، الى الاكثر ثراء الذين وضعوا اموالهم باليورو في مأمن.

بريطانيا

على صعيد ذو صلة وبعد عشر سنوات على بدء التداول باليورو، بات البريطانيون اكثر عداء من اي وقت مضى للعملة المشتركة وهم مقتنعون بان الاحتفاظ بالجنيه الاسترليني جنبهم الأسوأ مع ان بلادهم ليست افضل حالا على الاطلاق من جيرانها، وكشف استطلاع للراي جرى في اعقاب الفيتو المدوي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في القمة الاوروبية الاخيرة، ان 65% من البريطانيين يعتبرون ان اليورو محكوم بالزوال، مقابل 19% فقط يتوقعون بقاءن ولم يطرح الاستطلاع حتى سؤالا عما اذا كان يفترض بالبلاد اعتماد العملة الاوروبية مستقبلا، من شدة ما يبدو الامر مستبعدا في الظروف الحالية، وعنونت صحيفة صنداي تايمز مؤخرا الوضع سيء، لكننا على الاقل خارج منطقة اليورو، ملخصة بذلك الاحساس العام لدى البريطانيين. وتابعت الصحيفة المعارضة عموما للانتماء الاوروبي مثل معظم الصحف البريطانية "في وسع الذين يكرهون اوروبا واليورو وكل ما يمثله ان يحتفلوا ويتباهوا بانهم كانوا على حق منذ البداية.

لكن الاداء الحالي لبريطانيا يشير الى ان فوائد عزلتها النقدية تبقى محدودة للغاية، وبحسب توقعات المفوضية الاوروبية، فان العجز في الميزانية البريطانية عام 2011 سيتخطى العجز اليوناني، ودينها سيساوي ديون فرنسا بالرغم من اقرارها خطة تقشف غير مسبقوة، فيما معدل البطالة بلغ اعلى مستوياته منذ 17 عاما والتضخم يسجل ضعف متوسط منطقة اليورو، وما زالت البلاد تدفع فاتورة ازمة 2008 التي ضربت مباشرة قطاعها المصرفي والمالي، الاكثر تطورا في اوروبا بفارق كبير عن الدول الاخرى، وهو ما دفع كاميرون الى فرض الفيتو مؤخرا في وجه اوروبا، غير ان بريطانيا تملك ورقة هائلة تتفوق بها على جيرانها، وهي امتلاكها مصرفا مركزيا مستقلا يلقى اداؤه تقدير المستثمرين الهاربين من منطقة اليورون وقام بنك انكلترا منذ ثلاث سنوات بضخ ما يزيد عن 300 مليار دولار في الاقتصاد البريطاني، ولم يتردد خلافا للبنك المركزي الاوروبي في اصدار اوراق مالية لاعادة شراء كميات كبيرة من سندات الدولة. وبذلك تمكنت لندن من تمويل دينها بشروط ممتازة.بحسب فرانس برس.

 كما ساهمت الاموال التي ضخها البنك المركزي في ابقاء الجنيه الاسترليني بمستوى منخفض نسبيا بالمقارنة مع اليورو، وهو حاليا يتراوح بمستوى 1,15 يورو بتراجع كبير عن المستوى القياسي الذي بلغه في ايار/مايو 2000 (1,75 يورو)، ما يشجع الصادرات ولو ان الميزان التجاري البريطاني يبقى تحت عجز كبير، ويقول جوشوا ريموند الخبير الاقتصادي في سيتي اندكس انه "لو اعتمدت بريطانيا اليورو، لكانت اليوم اسوأ مما هي عليه بكثير" ولكانت في قلب الازمة الحالية بدل ان تكون معرضة لها بصورة غير مباشرة، واوضح كولين ايليس المحلل في شركة بي في سي ايه للاستشارات انه "لو كان بنك انكلترا مكبلا في منطقة اليورو، لما كان تمكن اطلاقا من اعادة شراء مثل هذا القسم من الدين السيادي" و"لكانت الاسواق راقبت بدقة اكبر حجم العجز العام، وراى ستيفن غالو من شركة "شنايدر اف اكس" ان بريطانيا كان يمكن في هذه الحالة ان تصل "الى شفير الافلاس" غير ان حجم اقتصادها لكان جعل من المستحيل بنظره وضع خطة مساعدة دولية لها على غرار ما حصل لليونان وايرلندا، وهذا ما حمله على ابداء وجهة نظر معاكسة لزملائه اذ قال "يجدر بنا بالاحرى ان نتساءل الى اي مدى لكان وضع منطقة اليورو اسوأ لو كانت بريطانيا ضمنها".

أسبانيا

من جهة أخرى يتهافت بالعشرات من المشترين على متجر للألبسة في مدريد وقد أعلن عن حسومات بنسبة 50% في اليوم الأول من التنزيلات... وهذا أمر يعتبر نعمة بالنسبة إلى أصحاب المتاجر كما للعملاء في أسبانيا التي تعاني من الأزمة والمهددة بالركود الاقتصادي.

وتقر كارمن كيخادا طالبة في ال21 من عمرها توقفت أمام كومة من الكنزات الملونة وثمنها 9,99 يورو، من الصعب مقاومة هذا. يمكنكم شراء كميات أكبر من الملابس بالقيمة نفسها إذا ما انتظرتم إلى ما بعد عيد الميلاد، بالنسبة إلى أصحاب المتاجر، تعتبر هذه الفترة التي تسجل خلالها 20% من مبيعات الألبسة السنوية، مناسبة للتخلص من البضائع غير المباعة والتعويض عن حركة بطيئة خلال بقية العام، وفي بلاد حيث تسجل نسبة البطالة أكثر من 21,5%، يتزايد أكثر فأكثر عدد الشراة الذين ينتظرون التنزيلات. وكانت هذه التنزيلات قد انطلقت في مدريد على أن تمتد على ثلاثة أشهر، ويستعد كل عميل لإنفاق 90 يورو كحد وسط، أي 5,8% أكثر من العام 2011. وهو رقم يسجل للمرة الأولى ارتفاعا منذ أزمة العام 2008، ويشرح مدير تجمع مؤسسات تجارة الأقمشة (أكوتيكس) إدواردو بيغا أن عادات الاستهلاك تتغير. فخلال السنوات الأخيرة، الناس ينتظرون التنزيلات. لا ينفقون الكثير خلال فترة عيد الميلاد حتى يتمكنوا من التسوق خلال فترة التنزيلات، في شارع غران بيا التجاري وسط مدريد، يزدحم الشراة على الأرصفة محملين بأكياسهم البلاستيكية وسط لافتات على واجهات كبريات سلاسل متاجر الألبسة التي تعلن عن حرق أسعار وتخفيضات بنسبة 50%، ويقول أدريان لوبيث وهو شاب في ال24 من عمره عاطل عن العمل وهو يبحث عن "لقطات" في شارع فوينكارال من أبرز الشوارع التجارية في العاصمة، "دائما ما أبتاع شيئا ما خلال هذه الفترة. هناك سلع كثيرة لا أشتريها إذا لم تكن تخضع للتخفيضات. بحسب فرانس برس.

من جهة أخرى، يتزامن الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني/يناير مع العطلة المدرسية في أسبانيا... فتقليديا يحضر المجوس الهدايا بمناسبة عيد الغطاس أو عيد الظهور الذي يحتفى به في السادس من كانون الثاني/يناير، يضيف إدواردو بيغا أن "المبيعات كانت سيئة طوال العام، وهذه طريقة لدفعها بعض الشيء، وفي العام 2011، كان أصحاب المتاجر من بين أوائل ضحايا الأزمة في أسبانيا. وقد أقفل أكثر من 37 ألف متجر صغير أو متوسط، وفقا لاتحاد التجارة الأسباني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/كانون الثاني/2012 - 15/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م