بتعميم مخل بالحقيقة وسابق لأوانه أصبحت مصطلحات:(صعود الإسلاميين)،
(سيطرة الإسلاميين على السلطة في العالم العربي) و(أسلمة العالم
العربي) و(الربيع العربي)... الشغل الشاغل للكتاب والسياسيين.
باستثناء قلة من أهل الرأي ومن ذوي الرؤية الإستراتيجية المعمقة،
استسلم الجميع لمقولة إن العالم العربي طوى مرحلة ودخل مرحلة جديدة،
طوى مرحلة الاستبداد والفقر والتخلف والبعد عن الإسلام وبات على أعتاب
مرحلة الديمقراطية والحرية والرخاء الاقتصادي في ظل حكم (الإسلاميين).
فيما الواقع يقول بأن غالبية الأنظمة العربية لم يطرأ عليها أي تغيير،
وحتى الدول الثلاثة التي عرفت ثورات – تونس ومصر وليبيا- تم فيها سقوط
رأس النظام والنخبة الحاكمة والفاسدة ولم يتغير النظام السياسي حتى
الآن من حيث فلسفته السياسية والاقتصادية العامة وعلاقته الخارجية
وموقفه من الصراع العربي الإسرائيلي بل تشهد هذه الدول أزمات اقتصادية
وحالة من الحرب الأهلية.
قبل مقاربة ما يجري في العالم العربي اليوم لا بد أن نشير بأن
العالم العربي شهد سابقا انقلابات (ثورات) أسقطت كثيرا من الزعماء
والقادة وتم الاستبشار بأنها ستشكل قطيعة مع ما سبقها من أنظمة ملكية
ودكتاتورية ورجعية الخ. صحيح أن الأنظمة الجديدة آنذاك لم تكن ذات
توجهات إسلامية بل كانت (قومية) و (ثورية) و (وطنية)، إلا أنها كالقوى
(الإسلامية ) الصاعدة اليوم حملت شعارات وأيديولوجيات جديدة لم يتم
تجريبها من قبل. وصحيح أنها لم تكن ثورات شعبية بل انقلابات عسكرية
ولكن هذه الانقلابات تم تبنيها شعبيا في بداية الأمر وكان زعماؤها قادة
ثورة سواء تعلق الأمر بجمال عبد الناصر في مصر أو عبد الرحمن العارف في
العراق أو إبراهيم عبود في السودان أو عبد الله السلال في اليمن أو
معمر القذافي في ليبيا الخ.
لا نريد أن نكون متشائمين في استشراف مستقبل الثورات العربية أو عمل
قياس بين الماضي والحاضر حيث لكل مرحلة مفرداتها الخاصة التي لا تتكرر،
وبالتالي لا نريد التبشير بأن مصير الثورات العربية الحالية والقوى
السياسية الصاعدة - الإسلام السياسي- سيكون كمثل مصير الأنظمة (القومية)
و(الثورية) و(الوطنية)، كما لا نريد تجاهل ما تم انجازه حتى الآن كسقوط
حكام متسلطين وإنهاء فكرة توريث السلطة في أنظمة جمهورية وكسر الجماهير
لحاجز الخوف، ولكن مرامنا وضع ما يجري في العالم العربي في سياقه
الحقيقي والتحرر من سطوة الخطاب والأيديولوجيا - ولا فرق إن كانت
إيديولوجيا دينية أو ثورية أو قومية حيث كل فكرة يتم أدلجتها تفقد
جوهرها - والنظر لما يجري نظرة واقعية ارتباطا بسياسات دولية لم تكن
بعيدة عما يجري في العالم العربي.
أولا: حول مقولة صعود (الإسلاميين)
لم يكن مصطلح (الجماعات الإسلامية) واضحا أو محددا طوال تاريخ ظهوره
منذ جماعة الصحابة كأول جماعة ثم الخوارج والمعتزلة والقرامطة حتى
أحدثها حيث لا يمر يوم إلا ونسمع بجماعة جديدة. كون هذه الجماعات تقول
بأن مرجعيتها الإسلام أو ترفع شعار (الإسلام هو الحل) فهذا لا يعني
شيئا حيث كل الأنظمة الإسلامية تقول هذا القول وتطبقه بطريقتها الخاصة،
كما أن زعم مئات الجماعات بأن لها مرجعية واحدة ومع ذلك لا تتوحد
تنظيميا وسياسيا يعني في حقيقة الأمر أنها توظف الدين كأيديولوجيا
لخدمة أغراض لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي، توظف الدين من أجل الوصول
للسلطة. كما أن ما بين هذه الجماعات وبعضها بعضا من عداء أكثر مما
بينها وبين من يقفون في المعسكر المقابل- يهود ومسيحيون وعلمانيون
ويساريون وقوميون-. تنظيم القاعدة، جماعة الإخوان المسلمين، حزب
التحرير، التكفير والهجرة، السلفيون، الجهاد، الجماعات السلفية
الجهادية المتعددة في الجزائر، العدل والإحسان في المغرب والعدالة
والتنمية في نفس البلد، النهضة في تونس، العدالة والتنمية في تركيا،
حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان، الحوثيين في اليمن... ما الذي
يجمع بين هذه الجماعات سوى دين تمت أدلجته حسب رؤية ومصالحة كل جماعة.
القول بصعود الإسلاميين يحتاج لوقفة تفكير والابتعاد عن التعميم
حيث لم تصعد كل الجماعات الإسلامية بل صعدت جماعات وتراجعت أخرى،
والأمر لا يتعلق بالعدد ولكن بالنوع والنهج السياسي لمن صعد ولمن لم
يصعد، ويحتاج الأمر لوقفة تفكير حول علاقة من صعد بتراجع الآخرين.
أليس مدعاة للتساؤل أن صعود ما يسمى الإسلام السياسي المعتدل وخصوصا
جماعة الإخوان المسلمين تزامن مع أو جاء عقب تراجع وضرب ما يسمى
الإسلام السياسي المتطرف كتنظيم القاعدة؟. ألم تكن القوى الكبرى وخصوصا
واشنطن التي ناصبت الإسلام السياسي المتطرف العداء وحاربته بشراسة هي
نفسها التي دعمت صعود الإسلام السياسي المعتدل إعلاميا وسياسيا وعسكريا؟
والسؤال التالي: لو كان الغرب يعرف أن الإسلام السياسي المعتدل
معاديا له هل كان سيدعمه ويفتح أمامه الفرصة لركوب موجة الثورات
العربية؟ ألم تغب الشعارات المعادية للغرب وحتى لإسرائيل في كل
المظاهرات والمسيرات التي كان ينظمها (الإسلاميون)؟.
ثانيا : صعود (الإسلاميين) والثورات العربية
التعميم المخل الثاني هو القول بأن الإسلاميين وصلوا للسلطة في
العالم العربي عبر ثورات شعبية، ففي حقيقة الأمر فإن ثلاثة دول عربية
فقط من بين 22 دولة عربية قامت بها ثورات وصل من خلالها الإسلاميون
للسلطة: تونس ومصر وليبيا، ودولة واحدة فاز فيها الإسلاميون بدون ثورة
– فوز حزب العدالة والتنمية في المغرب في انتخابات عادية بدون ثورة وفي
ظل ثوابت ومرجعيات النظام السياسي الملكي- وحتى على مستوى هذه الحالات
فبالرغم مما بين هذه الجماعات من تقارب أيديولوجي إلا أن كل منها يشكل
نموذجا قائما بذاته:
1- النموذج التونسي حيث قامت ثورة ثم جرت انتخابات فازت فيها حركة
النهضة الإسلامية التي لم يسبق لها أن شاركت بالحكم بل كان زعيمها
منفيا في فرنسا. هذه الحركة تتميز بكونها حركة إسلامية وطنية ديمقراطية
ومتفتحة على العالم الخارجي والحداثة ولا تشغلها تساؤلات الجماعات
الإسلامية في المشرق العربي وكان زعيم الجماعة الغنوشي واضحا في انحياز
جماعته للديمقراطية والحداثة، وقد تشكل نموذجا قريبا للنموذج التركي
حيث تمت قومنة الإسلام السياسي.
2- النموذج المصري حيث فازت جماعة الإخوان المسلمين ذات الامتداد
ألأممي والتي تغلب الانتماء والهوية الإسلامية على الوطنية والمواطنة-
تصريحات مهدي عاكف قبل سنوات - في انتخابات جرت بعد ثورة لم تكن
الجماعة المحرك الرئيس لها في بداياتها، كما كانت الجماعة قبل الثورة
مشاركة في الحياة السياسية وسبق أن شاركت في انتخابات سابقة وكان لها
نواب في المؤسسة التشريعية.
3- النموذج الثالث وهو النموذج الليبي حيث وصل (إسلاميون) من تيارات
شتى للسلطة بعد تدخل عسكري لحلف النيتو ولدولة قطر.
4- النموذج الرابع ما جرى في المغرب من فوز (الإسلاميون) في
انتخابات في ظل ثوابت ومرجعيات النظام القائم، حيث يشارك حزب العدالة
والتنمية في الحكم من خلال تشكيله للحكومة، ولكن هذا لا يعني انه يحكم
المغرب، فللحكم في المغرب طقوسه وخصوصيته المستمدة من التاريخ والدين
والتجربة التاريخية.
لا شك أن الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي هي
الأكثر تنظيما وعددا ومالا، إلا أنه حتى الآن فإن قوتها مستمدة من
خطابها الديني واحتكارها للمقدس ولم يثبت أنها تستمد قوتها ومصداقيتها
من خلال الإنجاز، كما أن هناك فرق بين الفوز بالانتخابات وبين قيام
مجتمع ودولة جديدة يبنيان على شعار (الإسلام هو الحل)، وعلينا أن ننتظر
على الأقل فترة انتخابية كاملة حتى يمكن الحكم على هذه التجارب من حكم
(الإسلاميين).
انتهى عام 2011 الذي اسماه كثيرون بعام الثورات العربية وهو بحق
كذلك لان الثورات كانت أهم ما جرى في ذاك العام ولولاها لاستمرت
الأوضاع على حالها من الجمود السلبي سياسيا ومن تزايد الفقر والبطالة،
ولكن هل سيكون عام 2012 عام حصاد لما زرعته الثورات، حصاد ثماره
الديمقراطية والاستقرار؟ أم عام عدم استقرار وفوضي؟.
نتمنى أن يكون العام 2012 عام بناء الديمقراطية وحكم الشعب والتنمية
الشمولية والعدالة الاجتماعية. ليس مهما إن كانت السلطة بيد جماعات
إسلام سياسي أو غيرها ولكن المهم أن يتم الحفاظ على الوحدة الوطنية في
كل دولة وأن يتم التوصل للقواسم المشتركة في موضوعات ثوابت الأمة
ومرجعياتها وشكل الدولة ونظامها، وخصوصا في دولة كمصر، من خلال التوافق
والتراضي الذي في اعتقادنا أهم من الاحتكام لمعادلة أغلبية تحتكر
السلطة وأقلية معارضة؟
ونتمنى أيضا الحذر من أن يكون الثمن الذي سيأخذه الغرب مقابل وقوفه
لجانب جماعات الإسلام السياسي أكثر بكثير مما ستجنيه الشعوب من الثورة.
Ibrahemibrach1@gmail.com |