لقاء تفاوضي في عمان بدون ضجة معارضة حمساوية باستثناء بعض
التصريحات الخجولة لأشخاص غير مقررين في حماس وبعض القوى، رغم ان هذا
اللقاء جاء في وقت لم يتوقف فيه الاستيطان ولم تقدم اسرائيل اي تنازلات
سياسية تحفز لعقده وما يتبعه من لقاءات لاحقة، التراجع جاء من الفريق
الفلسطيني الذي أعلن مراراً وتكراراً رفضه العودة للمفاوضات قبل وقف
الاستيطان، وبأنه سيتخذ قرارات هامة ستغير وجه الشرق الاوسط، وأعلن
توجهه للامم المتحدة لخوض معركة دبلوماسية من أجل عضوية الدولة الكاملة
في الأمم المتحدة، كما أعلن عن مجموعة قرارات بشأن وظيفة السلطة، في
اشارة منه لوقف التعاون الأمني مع اسرائيل ونقل بعض صلاحيات السلطة الى
اسرائيل، وغيرها من مقترحات لم يمض عليها الكثير من الوقت.
من المعلوم أن جميع القوى السياسية الفلسطينية أصبحت تعمل تحت مظلة
سياسية واحدة بعد اتفاق القاهرة في مايو 2011 رغم محاولات انكار البعض
فقد جرى التأكيد على ذلك في عدة مناسبات تلت هذا الاتفاق، وتم وقف شذوذ
بعض المواقف لقادة في هذه القوى بسيطرة سريعة ليسبح الجميع في قارب
الاجماع التنظيمي والوطني والتوافقي حسب ما يحلوا للبعض تسميته وصولاً
الى اجماع آخر فيما يتعلق بموضوع المقاومة الشعبية والتخلي عن نمط
الكفاح المسلح الذي كان أنشودة المقاومة والممانعة في وجه المفرطين !!!
ما يجري غير مثير للدهشة بعد أن فقدت القوى السياسية أهم أوراق
قوتها وأنهكت وسقطت برامجها على أعتاب التعنت الاسرائيلي والانحياز
الامريكي والعراب القطري، وكان طبيعياً أن تنحدر هذه القوى الى نفق
الخيارات المحدودة، وتفقد قدرتها على اتخاذ القرارات الوطنية والمصيرية
وتصبح أداة طيعة في يد المقررين في العالم على حساب المشروع الوطني
التحرري، وعلى حساب تضحيات جسام قدمها الشعب الفلسطيني خلال انتفاضات
وثورات كلفته غالياً وبثمن سياسي هو أقل بكثير من حجم التوقعات.
لقد بات هدف الدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها
القدس العربية وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي شردوا منها
عام 1948 هدفاً مشكوك في جدية طرحه لهذه اقوى بعد ان اختاروه سقفاً
تفاوضياً أعلى في اطار عملية سياسية تخلوا من أي فعل شعبي حقيقي على
الارض، يدعم اتفاق هذه القوى ويظهر جديتها في التعاطي مع شعار
"المقاومة الشعبية" - فمن يدخل مفاوضات لا بد وأن يقدم تنازلات واذا
كان يمتلك قدرة تحقيق الهدف حقيقة فلن تكون المفاوضات خياره الوحيد
والاستراتيجي .
الفلسطينيون يعيشون مرحلة سقوط البرامج السياسية وانحسار الخيارات
وفقدان القدرة على الاستقلالية واتخاذ القرار، واستفادت أميركا
واسرائيل كثيراً من عوامل ضعفهم المتمثلة في الانقسام، وحالة الوهن
العربي رغم الربيع، وتراجع التضامن الدولي، وتنامي التطرف في المجتمع
الاسرائيلي، واستمرار الضغط المالي الذي حول السلطة من أداة ناقلة الى
الدولة الى كيان ناقل للرواتب والمشاريع الاقتصادية المشتركة "اسرائيلية
فلسطينية"، ومن ثم الى نخبة مصلحية حاكمة حولت قيادة "الثورة" الى
مجموعة من رجال الاستثمار تربط ما بين السياسة ومصالحها الاقتصادية
وبالتالي استمرار الحال على ما هو عليه.
تابعت كثيرا من الكتابات التي تعترض على أداء الاحزاب ونقد العودة
للمفاوضات سواء في عمان أو غيرها من العواصم، هذه المواقف تتزامن مع
حالة شعبية غير واثقة ورافضة ومعترضة على سلوك قادة الاحزاب، ولكنها في
نفس الوقت غير مكترثة بما يجري وترى أن مشاهدة مباراة لكرة القدم أهم
بكثير من كل ما يفعله الساسة، مما يدفعني للقول ان النظام السياسي
الفلسطيني بات يخلوا من أي قوة معارضة حقيقية وجدية تقود تحرك الناس في
مواجهة الحالة الراهنة من استهتار وطني وعبث قيادي قد يفضي في النهاية
الى تصفية مشروع وطني ويختزله في دولة غزة الى جانب "الوطن البديل".
الحاجة أصبحت ناضجة لولادة كتلة وطنية حقيقية وجدية حاملة وحامية
للمشروع الوطني، وتستند الى ثقة الناس والالتفاف الشعبي حولها في
مواجهة الاحتلال، وتعمل على تدعيم صمود الناس من الناحيتين الاقتصادية
والاجتماعية وتحارب افرازات الاحزاب التي شوهت الثقافة الوطنية ونقلتها
من مرحلة الوطنية الى مرحلة الحزبية والقبلية، وتقدم رؤيتها الكاملة
على المستويين الوطني والاجتماعي، وتعزز قيم الوطنية والديمقراطية
والتعددية وتسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والقانون، كتلة تقدم حلولاً
لتساؤلات الشعب في قضايا السكن والعمل والتعليم والصحة وتعمل على
معالجة مشكلات الفقر والبطالة المتزايدة سنوياً بشكل خطير.
الكتاب والمثقفين ومختلف القطاعات الفلسطينية المتضررة من هذا
الواقع المرير بات لزاماً عليهم أن تتضافر جهودهم جميعاً نحو رؤية
كاملة للخلاص الجماعي قبل فوات الأوان.
mahadyma@hotmail.com |