جاءت إطلالة العام الميلادي الجديد بما حملته من صلوات وابتهالات
الإخوة المسيحيين بان تعم الطمأنينة والسلام ارض العراق وما شاركهم به
المسلمين من دعوات مماثلة في هذه المناسبة وبغيرها من المناسبات،
مختلفة تماما عن سابقاتها..
فمن ناحية تكللت نهاية العام الماضي بإتمام آخر جندي أمريكي
الانسحاب من الأراضي العراقية بما يفتح صفحة جديدة من الإدارة الوطنية
الذاتية بعيدا عن تدخلات القوة العسكرية الخارجية، ومن ناحية ثانية
سقطت مراهنات ما بعد الاحتلال التي حاكها المتربصين وكتب عنها
المتصيدين من ارتباط التجربة السياسية والديمقراطية الحالية بالوجود
الأجنبي.
هذا الواقع الجميل لم يعكر صفو فرحة الاحتفاء به؛ سوى خلافات القوى
السياسية التي ما زالت تعصف بالزمان والمكان دون توقف او هوادة، فما
زالت العراقية ودولة القانون وهما اكبر القوائم الانتخابية الفائزة لم
تدرك بعد؛ إن ماراتون العملية الانتخابية قد انتهى والنتائج أفرزت
وأعلنت؛ واخذ كل طرف ما يستحقه من مناصب عن رضا وقبول.. وآن الأوان
للانصراف عن هذا الدور إلى ادوار أخرى هذا من جانب..
في الجانب ذاته تقف كل القوى السياسية امام مرحلة مفصلية جديدة وهي
مرحلة الاستقلال والسيادة التي تشبه الى حد كبير تحولها عام 2003 من
المعارضة إلى الحكم، ويفترض ان تتهيأ لها بشكل مختلف تماما عن الأيام
الماضية على اقل تقدير من ناحية:
• المسؤولية: التي أصبحت مضاعفة بكافة المقاييس، على كل القوى
السياسية دون استثناء التي آمنت وشاركت بالعملية السياسية والديمقراطية.
• الدور: الذي انتقل الى واجهة التمثيل الوطني المباشر وجها لوجه مع
الشعب دون أعذار او مبررات بعد الآن بالظرف الاستثنائي او وجود القوات
الأمريكية.
• الرؤية: التي يجب ان تصل الى النضج على مستوى النظرة والتعامل مع
الآخر باعتباره شريك وحليف في بناء وإدارة الوطن.
اذن، لا كيل للاتهامات عبر وسائل الإعلام بعد الآن؛ بل تصفية حسابات
على طاولة الحوار.. وان كان من فرصة لاستغلال مناسبة للحوار حول كافة
الملفات؛ فان مناسبة العام الجديد او الانسحاب الأمريكي او المرحلة
المفصلية في التحول نحو السيادة والاستقلال والشعور بالمسؤولية الوطنية
الكبيرة او النضوج والتحول نحو القيادة الوطنية الخالصة او المطلب
العقلاني بتصفية الخلافات او الاستجابة الطبيعية لآليات العملية
السياسية والديمقراطية بتوزيع الأدوار داخل قبة البرلمان (بين حكومة
ومعارضة) بعيدا عن الخلاف والاختلاف او الاستجابة لتطلعات المواطن
ومطالبه بتوفير الأجواء الايجابية المناسبة بعد الانسحاب؛ للعيش الكريم
والامن والبناء والأعمار وإزالة المشاكل المتعلقة بملف الخدمات...
كل هذه أسباب يفترض ان تدفعنا بلا تفكير للدخول الى طاولة حوار
المؤتمر الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية القوى السياسية من
المشاركة في الحكومة والبرلمان وغير المشاركة؛ بصفاء ونقاء ينزع عنا كل
ما علق من آثار المرحلة التي انتهت بنهاية العام الماضي..
ندخل جميعا قوى وكتل برلمانية وأحزاب وشخصيات سياسية من كافة
الأطياف والشرائح والاتجاهات، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة
في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة الشراكة والتفاهم
والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات امام التحديات الداخلية
والخارجية التي تواجه البلد في مرحلته الجديدة وعامه الجديد.. بلا شروط
أو أحاديث استباقية تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل او العراقيل.
|