شبكة النبأ: كاتب المقال يستحق فسحة
من التأمّل الذاتي، ليطل على داخله، ويتعرف الى رؤيته واحلامه وأمنياته،
بعد أن انشغل طويلا في الكتابة عن ميادين الحياة المتنوعة، أي انشغل في
رصد الخارج والكتابة عنه، هذا المقال سأخصصه لرؤية ذاتية تحاول أن
تقارن بعدالة وهدوء، بين عام مضى 2011، وعام لا يزال يحبو نحو الصيرورة
والتكوين، هو عام 2012، تُرى كيف كان عام 2011 بأحداثه وثوراته
وانتفاضاته ومكتشفاته وحراكه المتواصل؟ إنه كما قال أحد الاصدقاء عام
تأريخي، بمعنى ربما لم يلد لنا رحم التاريخ عاما شبيها به، وأعني هنا
أهل الشرق الاوسط، والعرب منهم على وجه التحديد، إنه عامهم الذي شكلّ
اللحظة المحورية في حياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، حيث بدأت
قامات ورؤوس الاستبداد تتساقط من عليائها، وسقطت معها مسارات حياة
بائسة ومؤلمة، وبدأ عصر الحرية العربي، الذي سيتقدم الى أمام من دون
توقف، تماما كالسيل الذي لا يمكن للاستبداد أن يوقفه او يحد من تقدمه،
هذا التحول العظيم وحده يكفي لكي نقول أن عام 2011 عام الحرية التي
بدأت فيه ولا تزال تتنامى ولن تتوقف حتى يسقط آخر رأس للغطرسة
والاستبداد.
أحلامنا كثيرة، جماعية وفردية، وما تحقق للجميع، يتراوح بين الحزن
والفرح، بين الهدوء والصخب، بين الضغينة والحب، وسوى هذا من المتناقضات،
أي لم نرسُ بعد كأفراد أو جماعات على شاطئ الاكتفاء، وهو أمر قد لا
يتحقق للانسان الفرد او الجماعة، طالما أن سلة الطموح لا يمكن أن
تُملَأ حتى الموت، هو عام جميل كما يقول بعضهم وأنا أوافقهم على ذلك،
لكن أين نضع الحرائق التي ملأت الارض وأحرقت مئات بل آلافا، إن لم نقل
ملايين الارواح، وأين نضع أحزان العالم البريء، وهو يتعرض لرعونة
التوحش والطمع والاستحواذ؟.
وهكذا فإن العام الاجمل هو الذي لم نعشه بعد، حتى لو عشنا أجمل
الاوقات والسعادات والنجاحات، حتى لو رأينا المسرات كلها، وجنائن الارض
كلها، فهناك متسع دائما للمزيد، هذا يعني أن العام القادم يتحمّل
المزيد من الانجازات، على مستوى الافراد أو الجماعات، نحن نحلم بعالم
متحرر، يعيش فيه الجميع متآخين رحماء، يحترم كلهم الكل الآخر، ويحب
السلام ويتمنى الازدهار له ولغيره من بني المعمورة، إننا نحلم بعام خال
من الحرائق، خال من الانفجارات، خال من المشاحنات، خال من الدسائس
السياسية وسواها، الفردية او الجماعية، وخال من اللهاث المحموم نحو
حماية المصالح حتى لو تم ذلك بطرق خاطئة ولا انسانية.
إننا نحلم بسنة أفضل بكثير من السنة التي مضت، سواء على الصعيد
الفردي أو الكلي، أريد كفرد أن أضع رأسي على الوسادة ليلا ولا تزعجني
صورة للألم، ولا تباغتني صرخة ظلم تعرض لها أحدهم، واريد أن ارى عراقا
يستوعب الجميع بعدالة تقترب من عدالة السماء، هكذا أحلم وأتمنى وأرغب
بالمزيد نحو سلام يطوي الازمات والصراعات والحروب، ليس عالما مثاليا
بحتا، وليس حالة من اليوتوبيا الحالمة، إننا نرغب بعراق وعالم سالم
مسالم ومتحرر وخال من الاستبدا الفردي، إستبداد الاب أو مدير العمل أو
رئيس الدائرة او المصنع وغيره، وخال من استبداد الحكام والمسؤولين
الطغاة، عالم ترفرف في سمائه راية الحرية العظيمة.
قد يتحقق شيء من هذا في عامنا الجديد، فالبداية حدثت في العام الذي
مضى حين بدأت خطوة الألف ميل نحو الحرية، وها أننا نمضي ونسير ونحث
الخطى، العقبات كثيرة وكبيرة وعلينا كأفراد وجماعات أن نتجاوزها في كل
الاحوال، ليس أمامنا سوى ذلك، علينا أن نصنع عالمنا الجميل أفرادا أو
شعوبا، لا لليأس في جميع الاحوال، النكبات والخيبات ستظهر تباعا، وسوف
تصد سير الانسان الى غاياته النبيلة، لكن يبقى عام 2012، نقطة مضيئة في
آخر النفق، نحث الخطى إليها، لنصل الى ضالتنا، الى حريتنا وسعادتنا
واحلامنا التي لابد أن تتحول من واحة الحلم المثالي، الى بستان الحقيقة
الذي سنتجول فيه وسنمسكه باليد ونراه بالعين.
يقول الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: (أجمل الأيام هي تلك التي لم
نعشها بعد/ أجمل البحار هي تلك التي نرها بعد/ وأجمل الأطفال هم الذين
لم يولدوا بعد).
عسى أن يكون عام 2012 العام الذي سنعيش فيه أجمل الايام ونرى فيه
أجمل البحار، ويولد فيه أجمل الاطفال، ولكن كلنا نعرف ونؤمن، بأن
الاحلام التي قادت الانسان من كهوف الظلام الى ضوء العلم والازدهار، ما
كان لها أن تتحقق لو لا سعي الانسان إليها بإرادة عظيمة لا تعرف الكلل. |