شبكة النبأ: يطل العالم أجمع على عام
ميلادي جديد، ومن بينهم المسلمون الذين يتطلعون الى حياة أفضل، كونهم
من الشعوب التي تعاني عدم الاستقرار والفقر والعيش الذي لا يليق بكرامة
الانسان، مع أن الاسلام دين الكرامة والعدل والمساواة، لكن القائمين
على شؤون الناس حكاما وقادة وسياسيين، لا يهمهم مصير الناس ولا حاضرهم
بل ولا مستقبلهم ايضا، فيكون الاستبداد نهجهم الغالب، ويكون الظلم
والتجهيل سيفهم المسلط على عقول المسلمين، لكي يبقوا في خانة الجهل،
ويبقى الحكام واتباعهم في خانة الترفيه والبذخ على حساب المجموع.
المسلمون وآفاق التجديد
لذا يتطلع المسلمون الى عالم أفضل، خاصة أننا نعيش الربيع العربي
الذي اطاح بعدد من العروش، وهو في طريقه للاطاحة بكل عروش التسلط
والطغيان والاستبداد الفردي، ولكن كل الطموحات صغيرة كانت أم كبيرة،
تتطلب خطوات او مستلزمات لتحقيقها، ومن أهمها ضرورة التجديد والتطوير
الفكري الذي سينعكس بدوره على التطور المادي، لذا يؤكد الامام الراحل،
آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، في كتابه القيم الموسوم
بـ (لنبدأ من جديد) على: (إن التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم
يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق
به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبيعي وغيرها).
وهكذا يتطلب الامر عملا متواصلا، وحثيثا لتغيير النفس واصلاحها،
بمعنى أن الانجاز الكبير في مجال تجديد حياة المجتمع نحو الافضل، يتطلب
سعيا متواصلا على كافة الصعد، ولن يتحقق من خلال التمنيات الفارغة التي
لا تجدي نفعا، لذا نلاحظ ان الكثير من المسلمين مصابون بداء التمني،
حيث لا يبدون الجهد المطلوب، ولا يجهدون عقولهم او أنفسهم وفي ذات
الوقت يريدون التقدم والتطور، لكن هذا الامر لن يتحقق بالتمني بل
بالعمل المتواصل، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (من الأخطاء:
الأماني الفارغة ـ حتى في أصغر الأشياء ـ إن ثمن بيضة حمام فلسان ـ
مثلاًـ ولكنك إذا تمنيت البيضة بدون أن تبذل الفلسين أو أن تطلبها ممّن
يعطيك إياها مجاناً، كنت على غير صواب، أليس هكذا؟).
دور الاصرار على التغيير
وهكذا يتطلب التجديد نوعا من الاصرار، من اجل تحقيق الاهداف
المطلوبة، وهذا ما تحقق للمجتمعات المتقدمة حاليا، ومها الغرب الذي
يتسيَّد العالم بقوته وتطوره، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:
(إن أعداء المسلمين في أعلى مراكز القوة، وإن المسلمين في أحط مراكز
الضعف، فهل يمكن ـ والحال هذه ـ أن يرتفع المسلمون إلى مستواهم ، بله
أن يتفوقوا عليهم بمجرد الأماني؟. إن الأولين يملكون الحياة ـ الكثير
منهاـ والمسلمين لا يملكون أيّ مقوّم للحياة، فهل ـ والحال هذه ـ يمكن
تقدم المسلمين؟).
كلا بطبيعة الحال لا يمكن للمسلمين التقدم، من دون السير في
المسارات الصحيحة للتقدم ومن أهمها إصلاح النفس، فقادة البلد اذا
اصلحوا أنفسهم، اولا سيصلح أفراد المجتمع تباعا، لهذا يركّز الامام
الشيرازي على جانب الاصلاح الفردي الذي يؤدي بدوره الى تحقيق الاصلاح
المجتمعي.
لذلك يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه: (إن أوّل التغيير
إلى الصلاح أو الفساد هو الإنسان، فمن يجعل من المعلم والمهندس والطبيب
والعالم والخطيب ونحوهم بهذه الصفات غير أنفسهم؟. ومن يجعل مَن هجر
العلم وابتعد عن التقوى والفضيلة والخصال الحميدة، متحلياً بهذه الصفات
غير ذواتهم ؟. نعم لا إشكال في أن كثيراً من التقدم والتأخر له عوامل
أخرى غير ذات الإنسان، لكن الكلام في الأساس).
رفض المنهج التبريري
ولا يصح أن نضع التبريرات الجاهزة، التي تمهد للقبول بما نحن عليه
من أوضاع مزرية، فكثير منا يبرر جهلنا وتخلفنا واستبداد حكامنا بأسباب
لا علاقة لها بالحقائق، بل تأتي لكي تدفع المسؤولية عن الافراد
والجماعات التي لا تؤدي واجباتها كما يجب، يقول الامام الشيرازي في هذا
المجال: (إن بلاد الإسلام وقعت ضحية التخلف والفساد والجهل والمرض
والفقر والفوضى والرذيلة، لماذا؟ الغالب أن يكون الجواب: انه من صنع
الغرب، لكن لنتذكر انه لولا إرادة نفس المسلمين وضعفهم لم يستطع الغرب
من النفوذ إطلاقاً).
ولو لا الثروات التي تكتنزها ارض المسلمين كالنفط مثلا، لبقي
المسلمون يعيشون في العصور الحجرية، بسبب السياسات البائسة في الاقتصاد
وسواه، وحينما ينفذ النفط وهو في طريقه الى النفاد في يوم ما، فإن
المسلمين سيعودون الى ما كانو عليه من فقر مدقع، إذ يقول الامام
الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه: (إن البلاد النفطية تأكل ذخائرها
حتى تستنفدها وتعود مرة أخرى إلى الفقر المدقع كما كان بعضهم قبل ظهور
النفط، وأما البلاد غير النفطية فالناس يعيشون فيها في فقر ومرض
وتخلّف، حالها حال القرى المتخلفة في القرون الوسطى، تجتاحها الأوبئة
ويموت فيها الأطفال، وتنتشر فيها الأمراض الفتاكة وغير ذلك).
أهمية الاجواء المتحررة
ولابد أن يتنبّه المعنيون بالسياسة وتطور البلد من نخب وغيرهم، الى
أهمية خلق الاجواء المتحررة من اجل الابداع والتطور، وانقاذ المجتمعات
الاسلامية من فقرها وجهلها وعذاباتها، يقول الامام الشيرازي بخصوص
الحرية: (الحرية هي أوّل متطلبات العمل للإنقاذ، وحيث أراد الغرب تحطيم
بلاد الإسلام فعل أوّل ما فعل: أن سلّط حكاماً دكتاتوريين على هذه
البلاد فسلبوا من الشعوب الحرية، وبذلك سلبوا منهم كل شيء).
لذلك اذا اراد المسلمون التجديد، عليهم بقوة الارادة وتأسيس الخطوات
اللازمة لتحقيق التطور السليم في عموم مجالات الحياة، والمشكلة أن
الجميع يدّعي العمل من اجل المجتمع وتطوره ولكن حين نأتي الى واقع
الحال نجد ما يخالف ذلك تماما، فالتشرذم يأكل من جرف وحدة المسلمين،
والكل يريد الفرقة والحصول على حصة الاسد، في كل شيء، لذلك لابد من
وحدة الكلمة والموقف والتوجه، من أجل رفعة المسلمين وتجديد حياتهم نحو
الافضل، اذ يبقى الامل قائما مع كل عام جديد بتجديد الفكر والسلوك
والتوجه نحو تحقيق مستلزمات العيش الرغيد، مع الالتزام بالضوابط
الدينية والاجتماعية المتعارف والمتفق عليها، لذلك يقول الامام
الشيرازي في هذا الخصوص بكتابه نفسه: (لا نجاة، حيث لا إرادة للأمة،
ولا كلمة جامعة لهم، وكل يدّعي وصلاً بليلى، ولكن لا يمشون في طريقها.
أليس أول الطريق: توحيد الكلمة والتجمع والمؤتمرات و…؟). |