لما أن الحديث كثر عن الأيادي الخارجية، رأينا التذكير بما يلي حتى
لا ينسى البعض أو تضيع القضية.
نظام مبارك وفلوله هم من فتحوا البلاد للتدخل الأجنبي عسكريا
وسياسيا واقتصاديا على مدى أكثر من ثلاثة عقود حيث رهنوا الداخل لرضا
الخارج بما في ذلك إسرائيل وباتت مصر إحدى أهم دول المنطقة واحدة من
أضعفها وأهونها على الناس.
قيادات الجيش المصري – وهو أحد أهم ركائز البلاد – فتحوا الباب
للتدخل الأجنبي على مدى أكثر من ثلاثة عقود حين اعتمدوا على سلاح
وتدريب وأموال أميركا (أكثر من مليار دولار سنويا) حتى بتنا اليوم نسمع
- من المصادر الأميركية نفسها - عن علاقات صداقة تربط جنرالات أميركا
بنظرائهم المصريين، وضغوط يمارسها جنرالات أميركا على نظرائهم المصريين
إذا تطلب الأمر.
هذا إضافة إلى اعتماد عسكري ومالي على أميركا لا نعرف حجمه ولا وزنه
وأهميته لأننا لا نعرف حجم ميزانية الجيش المصري أصلا ولا مصادر
تمويلها.
المجلس العسكري فتح البلاد للتدخل الأجنبي بسبب سوء إدارته للمرحلة
الانتقالية سياسية واقتصاديا، فسوء الإدارة السياسي فتح الباب للصراع
وعدم الثقة والانتهاكات وقتل مزيد من الثوار، وهي قضايا باتت العنوانين
الرئيسية لوسائل الإعلام والدوائر السياسية الغربية عن مصر، كما أن
اقتصادنا بات أكثر ضعفا ومن ثم أكثر اعتماد على قروض ومساعدات الخارج.
بعض القوى الليبرالية والعلمانية في مصر تفتح الباب للتدخل الأجنبي
لمصر بسبب رعونتها السياسية وعدم قبولها بالديمقراطية وقواعدها
وللانتخابات ونتائجها، ولاستخدامها التيارات الدينية كفزاعة إلى حد أن
أحد زعمائها طالب بكل رعونة في حديث مسجل له الغرب بدعمه ماليا ولو سرا
كما يدعم العرب "الخليجيون" التيار الديني (في اعتقاده)، وهذا يعني أن
الاستقلالية ليست الأولوية، فالأهم هو السيطرة على الداخل ولو اعتمادا
على نفوذ وأموال الخارج.
بعض التيارات الدينية - وخاصة السلفية قليلة الخبرة السياسية - تفتح
الباب للتدخل الأجنبي بسبب خطابها الايدلوجي المتشدد، والذي يتجنب -
وربما يخشى - الحديث عن القضايا الهامة التي تمس مصلحة البلاد الرئيسية
كالعلاقة مع المجلس العسكري وسبل حل مشاكل الأمن والاقتصاد ويركز في
المقابل على فزاعات الغرب والأقباط والنساء والليبرالية والعلمانية
والتي تعكس مخاوفه الايدلوجية النظرية أكثر من وقائع على الأرض حتى بعد
أن صعد في الانتخابات وبات يشكل القوة السياسية الثانية في البلاد.
وكان البعض منا يقبلون على مضض هذا الخطاب قبل الانتخابات بدعوى أن
التيار الديني وخاصة السلفي عانى العزلة وضغوط هائلة، ولكنه خطاب لم
يعد مقبولا بعد أن صار التيار نفسه القوة السياسية الثانية في البلاد،
وهو ما ينفي عنه صفة الضحية ويضعه في موضوع المسئولية الكاملة عن خطابه
وافعاله.
بعض زعماء أقباط المهجر الطائفيين - الذين وضعوا أيديهم في أيادي
بعض قيادات لوبي إسرائيل والإسلاموفوبيا في الغرب بشكل علني وموثق في
وسائل الإعلام الغربي ويبغضه الغرب نفسه قبل الشرق - يفتحون الباب
للتدخل الأجنبي بل ويستدعونه أحيانا ويتفاخرون بمساعيهم لتعبئته.
الإخوان المسلمون بسريتهم وازدواجيتهم وتصريحاتهم المتناقضة وعجزهم
عن احتواء الشباب وعن تقديم بديل سياسي كبير يشغل البلاد ويتماشى مع
حجمهم وثقلهم السياسي ودورهم الحالي في قيادة البلاد يفتحون الباب
للتدخل الأجنبي.
الفقر وانتشار الفساد وتراجع قيمة القانون واحترامه وانتشار الفوضى
ومعاناة المصريين اقتصاديا وصحيا وتعليميا وتكنولوجيا يفتحون جميعا
الباب للتدخل الأجنبي كل يوم وكل ليلة.
ونحن هنا لا ننفي وجود أطماع لدى الخارج وسعي القوى الأجنبية
للتأثير على مجريات المرحلة الانتقالية لمصلحتها، فهي نوايا ومساعي لا
ينفيها الأجنبي نفسه والذي يعتز بسعيه لتحقيق مصالح ابناء وطنه
والتأثير على الأخرين واستخدام نفوذه المالي والسياسي والعسكري إذا
تطلب الأمر.
ولكن قبل إتهام الخارج بالتدخل في شئوننا وبلادنا، علينا أن نفتش
عمن يفتحون له الباب بقصد أو بغير قصد، وعلى الجميع تحمل مسئولياتهم،
والله أعلم. |