منطقة اليورو... عشرة أعوام متذبذبة

 

شبكة النبأ: ادى اليورو منذ اعتماده قبل عشر سنوات الى تحفيز التبادل التجاري بين الدول التي تبنته وساهم في احتواء التضخم، لكن انعكاسه على النمو لم يكن بمستوى التوقعات، نظرا لقلة التنسيق بين السياسات الاقتصادية لمختلف الدول بحسب مايراه خبراء اقتصاد.

وبدأ التداول بـ "اليورو" عام 1999 في الأسواق المالية، وظهرت في الحياة اليومية لمواطني 12 دولة أوروبية في الأول من كانون الثاني/يناير 2002 مع سحب العملات الوطنية مثل الفرنك الفرنسي والمارك الالماني وغيرها من التداول.

واليوم باتت منطقة اليورو تشمل 332 مليون شخص في 17 دولة بلغت فيها الكتلة النقدية قيد التداول في منتصف 2011، 14,2 مليار ورقة مالية و95,6 مليار قطعة نقدية بقيمة تقارب 870 مليار يورو، بحسب أرقام البنك المركزي الأوروبي، وفرض اليورو نفسه على ملايين الاوروبيين منذ اعتماده دون ان ينجح في الفوز بقلوبهم ولا في اثبات نفسه على الاسواق التي باتت اليوم تشكك في وجوده حتى.

وتثني الاوساط السياسية والاقتصادية الاوروبية على فوائد اليورو، فتذكر المفوضية الاوروبية على موقعها الالكتروني انه اتاح "خيارات اوسع واسعارا اكثر استقرارا للمستهلكين والمزيد من الامان والفرص للشركات والاسواق" فضلا عن كونه "مؤشرا ملموسا الى هوية اوروبية".

لكن مع اندلاع ازمة اليورو التي انطلقت من اليونان عام 2010 قبل ان تمتد تدريجيا الى منطقة اليورو برمتها، عادت المآخذ القديمة الى الظهور فغلب التشكيك في جدوى اليورو والاتحاد الاوروبي وازدادت مشاعر الارتياب ما بين بلدان شمال منطقة اليورو وبلدان جنوبها لتصل الى حد غير مسبوق.

وبالرغم من فوائد العملة الموحدة في مجالات مثل السفر،الا ان المستهلكين لم يكونوا يوما مرتاحين كثيرا لليورو وبقيت لديهم تلك الفكرة التي ظهرت منذ بدء اعتماده بانه يعني زيادة في الاسعار.

بعد عشر سنوات

فقد حرص البنك المركزي الاوروبي على حفظ استقرار الاسعار مع بقاء نسبة التضخم بحدود 2% سنويا منذ 1999، الا ان تركيز المستهلكين انتباههم على اسعار مواد الاستهلاك اليومي مثل الخبز والبنزين اثار ظاهرة تضخم شعر بها جميع سكان الدول التي انتقلت الى اليورو.

واوضح اندري سابير الخبير الاقتصادي في مركز بروغل للابحاث حول السياسات الاقتصادية في اوروب ان الذين ما زالوا يقارنون الاسعار باليورو مع الاسعار بعملاتهم الوطنية السابقة "يقومون بتلك (المقارنة) حتما مع الاسعار قبل عشر سنوات" ما يولد ذلك الانطباع بحصول تضخم قوي الذي ما زال منتشرا لدى العديد من الاوروبيين.

اما الهوية الاوروبية التي كان يفترض ان يرسخها اليورو، فقد تلقت ضربة قوية مع ازمة الديون الاوروبية والمفاوضات الشاقة والمطولة بحثا عن حل لها والتي واكبتها مشاعر ريبة ونقمة اذ اتهم الالمان اليونانيين ب"الخمول" فيما بدرت عن بعض الايطاليين والفرنسيين مؤخرا مواقف تنم عن عداء للالمان.

الشركات من جهتها تثني على فوائد اليورو، ولا سيما في المانيا حيث يشير يورغن بيبر المحلل في مصرف ميتسلر الالماني الى ان قطاع صناعة السيارات الذي يحتل حيزا مهما من الاقتصاد الالماني حقق مدخرات تتراوح بين 300 و500 مليون يورو في السنة على صعيد كلفة التعاملات المصرفية منذ اعتماد العملة الموحدة.

لكن سابير يلفت الى ان اليورو لم يكن سوى "عامل من بين عوامل عديدة" حركت الاقتصاد الاوروبي الذي حقق اساسا اندماجا واسعا منذ معاهدة ماستريشت واسقاط الحدود بين دول فضاء شينغن عام 1993، ثم توسيع الاتحاد الاوروبي الى اوروبا الشرقية اعتبارا من 2004، فضلا عن العولمة.

وقال فيليب وايت الباحث في مركز الاصلاح الاوروبي في لندن ان "كل شيء كان يسير على ما يرام حتى قيام الازمة المالية التي كشفت عن الثغرات المؤسساتية في منطقة اليورو". وادى انعدام الاندماج المالي وقلة الرقابة على النظام المصرفي مع الوقت الى نقاط خلل كبرى.

وقال الباحث البريطاني ان التدني الشديد في نسب الفوائد في اوروبا الجنوبية الذي واكب الانتقال الى العملة الموحدة، حث الحكومات وكذلك المؤسسات والاسر على الاسراف في الاقتراض في حين ان العديد من دول الشمال "اساء تقدير المخاطر".

واتفقت دول منطقة اليورو على تعزيز الانضباط المالي من خلال ارسائه في المعاهدات الاوروبية، لكن بدون ان تصل الى عتبة الفدرالية. لكن بالرغم من هذه المشاكل، الا ان احدا لا يفكر جديا في العودة الى العملات الوطنية السابقة، رغم ظهور حنين اليها ولا سيما لدى الالمان الذين كانوا متمسكين بالمارك لكونه رمز معجزتهم الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية والذين يتهيأ لهم انهم يدفعون دائما ثمن ازمات الدول المجاورة لهم.

ويحذر الخبراء الاقتصاديون من ان الخروج من اليورو سيكون له وقع الكارثة بالنسبة للمصارف الاوروبية اذ سيترافق على الارجح مع تدني قيمة عملات دول جنوب اوروبا المقترضة منها. اما المانيا التي ستسجل في مثل هذه الحالة ارتفاعا كبيرا في سعر عملتها، فسوف تخسر الكثير من قدرتها التنافسية ما سينعكس على صادراتها وسيتسبب بفقدان الكثير من الوظائف. بحسب فرانس برس.

وهزأ رئيس البنك المركزي الالماني ينس فيدمان مؤخرا من شائعات سرت حول اعادة طبع العملة القديمة للجمهورية الفدرالية سرا، فقال "ليس هناك خطة بديلة، ولا طابعات في اقبية البنك المركزي الالماني". 

افتقار التنسيق

في سياق متصل، يطرح سؤال: ما هي فوائد العملة المشتركة بالنسبة لاقتصادات دول منطقة اليورو؟ ذلك السؤال المطروح يبدو للوهلة الاولى مثيرا للسخرية في ظل ازمة الديون الحالية. ويقول رئيس قسم الاقتصاد في مصرف كومرتسبانك الالماني يورغ كريمر ساخرا ردا على هذه النقطة "فوائد؟ أجل، لا بد ان تكون هناك فوائد" وتضيف انياس بيناسي-كيري مديرة مركز الدراسات الاستقصائية والمعلومات الدولية في فرنسا "انها لا تظهر بشكل جلي اليوم". والواقع ان الاحداث التي نشهدها تندرج ضمن حصيلة اليورو، لا سيما وانها سلطت الضوء على الثغرات في الاتحاد النقدي وابرزها الحوكمة والاندماج الاقتصادي، فاعتماد العملة الاوروبية لم يكن بحد ذاته خطوة سيئة.

وقالت انياس بيناسي-كيري استنادا الى دراسات اجريت مؤخرا ان اليورو "حفز حركة التبادل بين الدول التي اعتمدته، ليس بشكل هائل ولكن بمستوى 6%"، كما ان الانتقال الى العملة الموحدة كان له تاثير على التضخم.

واشار الخبير الاقتصادي في جامعة بوكوني في ميلانو فرانشيسكو جيافاتزي الى انه في مرحلة اولى "استفادت الشركات في القطاعات التي لا تتمتع بقدرة تنافسية كبيرة من الانتقال الى اليورو لرفع اسعارها"، لكن انياس بيناسي-كيري لفتت بهذا الصدد الى ان اسعار مواد الاستهلاك اليومي مثل القهوة والخبز هي التي سجلت ارتفاعا وليس المواد الاخرى، ما اعطى الناس "الانطباع الخاطئ بان اليورو ادى الى ارتفاع الاسعار". والواقع بحسب الخبيرة الاقتصادية الفرنسية انه "من معيار استقرار الاسعار، فان الحصيلة ايجابية للغاية" حيث بقي متوسط التضخم بمستوى 2%.

وقال زميلها الالماني ان "دول جنوب اوروبا استفادت بتسجيلها تضخما ضعيفا بالمقارنة مع توجهها التاريخي، وهذا تقدم كبير"، كما ان زوال مخاطر تقلب اسعار العملات عزز اندماج السوق الاوروبية.

وبموازاة ذلك، سجلت معدلات الفائدة انخفاضا كبيرا بفضل تثبيتها لجميع دول منطقة اليورو بمستوى الفوائد الممنوحة للدول الاكثر ملاءة من بينها مثل المانيا، بما في ذلك بالنسبة للدول التي كانت تقترض بنسب عالية، وهو ما كان ضمن اهداف اقرار اليورو. وقال يورغ كريمر ان معدلات الفوائد الفعلية بعد تصحيحها على ضوء نسبة التضخم "تراجعت بشكل اكبر".

اما في الدول التي احتفظت بنسب تضخم اعلى بقليل من المعدل نتيجة حيوية اقتصادية مثل اسبانيا، فقد ادت هذه الظاهرة الى نسب فوائد فعلية سلبية شجعت على الاقتراض وادت الى "فورة عقارية".واوضحت انياس بيناسي-كيري "كنا نتوقع هذا التباين" مضيفة "بما ان السياسة النقدية  هي نفسها للجميع، فان معدلات الفائدة الاسمية تكون متساوية غير ان معدلات الفائدة الفعلية تتفاوت".

ومن فوائد اليورو الاخرى بنظر فرانشيسكو جيافاتزي انه جعل من المستحيل على الحكومات التي كانت تنتهج تخفيض سعر عملتها الاستمرار في هذا النهج. وقال ان "ايطاليا تخلت اخيرا عن فكرة ان في وسعها التعويض بشكل مصطنع عن قصورها في مجال القدرة التنافسية من خلال تخفيضات متعاقبة في سعر عملتها".

وبذلك اضطرت الدول والشركات نفسها بحسب الاستاذ الجامعي الايطالي الى التعامل مع "انتاجيتها الحقيقية" ما جعل اي اخطاء في السياسة الاقتصادية "اكثر جلاء واعلى كلفة" لان الدول "لم تعد تملك امكانية تخفيض سعر عملتها". وكان يجدر بذلك بحسب الخبراء الاقتصاديين ان يحض الحكومات على اجراء اصلاحات بنيوية لتحرير اسواق المنتجات والعمل، غير ان ذلك لم يحصل على الدوام. وقال يورغ كريمر ان "النقاط التي تم تعدادها هي بطبيعتها مؤاتية للنمو، غير ان السياسيين لم يحترموا روحية الاتفاقيات، فسمحوا لدول مثل ايطاليا واليونان لم تكن تستوفي المعايير بالدخول الى اليورو". بحسب فرانس برس.

اما زميلته الفرنسية فرأت انه "ان لم يكن اليورو حقق كل المكاسب التي كنا نتوقعها منه، فهذا يعود بجزئه الاكبر الى الحكومات" موضحة ان "السنوات العشر الاولى تلك سجلت فشلا في تنسيق السياسات الاقتصادية" ما يعتبر من المسببات الرئيسية للازمة الحالية.

استعداد لنهاية اليورو

فيما ذكرت صحيفة وول ستريت جُرنال ان مصرفين عالميين على الاقل اتخذا اجراءات لعقد صفقات بالعملات السابقة لدول في منطقة اليورو مع تصاعد ازمة الدين الاوروبي. وقالت الصحيفة المالية نقلا عن مصادر قريبة من الملف ان هذين المصرفين حاولا وضع انظمة للتمكن من القيام بصفقات باللير الايطالي او الدراخما اليونانية لكنهما واجها صعوبات. بحسب فرانس برس.

واتصل مسؤولون فنيون في المصرفين بالشركة البلجيكية سويفت التي تدير شبكة تستخدم للصفقات المالية الدولية من اجل الحصول على مساعدتها التقنية ورموز العملات للاعداد لانظمة انقاذ في حال تفكك منطقة اليورو، حسبما ذكرت هذه المصادر. لكن الشركة رفضت اعطاء اي معلومات خوفا من ان يغذي ذلك التكهنات ويزيد من ضعف منطقة اليورو. وقالت الصحيفة ان المصارف تدرس كل جوانب تأثير خروج دولة او اكثر من منطقة اليورو، بدءا من اتفاقات القروض وانتهاء بامن موظفيها في هذه الدولة.

مواجهة الازمة

الى ذلك، تعهد الاتحاد الاوروبي تقديم اكثر من 150 مليار يورو لصندوق النقد الدولي ودعا باقي دول العالم الى حذو حذوه كي يتمكن الصندوق بدوره من مساعدة منطقة اليورو لتعزيز قدرة درعه الواقي من ازمة المديونية.

واعلن رئيس مجموعة "يوروغروب" التي تضم وزراء مال منطقة اليورو جان كلود يونكر في بيان ان "الاتحاد الاوروبي سيقدر عاليا قيام الاعضاء الاخرين في مجموعة العشرين (منتدى الدول الغنية والصاعدة) اضافة الى دول اخرى اعضاء في صندوق النقد الدولي واقتصاداتها متينة بدعم الجهود الرامية الى المحافظة على الاستقرار المالي العالمي كم خلال المساهمة في زيادة موارد صندوق النقد الدولي".

ويوضح البيان الذي نشر عقب اجتماع عبر الهاتف لوزراء مال منطقة اليورو ان بلدان منطقة اليورو اتفقت على تقديم نموذج للدول الاخرى من خلال تقديم 150 مليار يورو لصندوق النقد الدولي "على شكل قروض متبادلة". ومع ان هذا الهدف هو الذي سبق ان حددته منطقة اليورو خلال القمة الاوروبية، فان الهدف كان التوصل الى مبلغ اجمالي قدره 200 مليار يورو مع احتساب مساهمات دول اوروبية اخرى خارج منطقة اليورو.

وتراقب وكالات التصنيف العالمية، مثل وكالة فيتش التي حذرت من انها قد تخفض قريبا تصنيف ست دول من بينها ايطاليا واسبانيا، من كثب جهود الاتحاد الاوروبي. وردا على سؤال حول ما اذا كان البنك المركزي الاوروبي يمكن ان يتدخل ويعمل على غرار البنك المركزي الاميركي كمقرض في اللحظات الاخيرة، قال رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي "المهم هو استعادة ثقة الناس --المواطنين والمستثمرين- في قارتنا .. ولن نحقق ذلك بتقويض مصداقية البنك المركزي الاوروبي". وفي القمة، وافق 26 من بين 27 من قادة الاتحاد الاوروبي على تطبيق "معاهدة مالية" جديدة طالب بها دراغي لجعل مسالة تحقيق ميزانيات متوازنة امرا الزاميا.

وقبل ان يحاول الوزراء احداث تغييرات للحؤول دون تكرار ازمات مالية في المستقبل، وفي اطار محاولاتهم معالجة الازمة الحالية، قرر الوزراء الاستفادة من مصداقية صندوق النقد الدولي في محاولة لاستقطاب الدعم الضروري من الاقتصادات العالمية الاخرى التي ترغب في استقرار دول اليورو لمنع حدوث ركود في العام 2012.

ولم تبد اي دولة استعدادها لتقديم مساهمة باستثناء روسيا التي اقترحت مبدئيا انها يمكن ان تقدم 20 مليار دولار على شكل قروض واستثمارات، بينما لم تتقدم الصين والهند والبرازيل بعد باي اقتراحات. وسعى قادة الاتحاد الاوروبي على مدى اشهر لزيادة القدرة الاقراضية لصندوق انقاذ منطقة اليورو البالغة قيمته 440 مليار يورو. وقالت وزيرة الميزانية الفرنسية فاليري بيكريس "صندوق النقد الدولي وحده الذي لديه القدرة على اعادة الاوضاع المالية العامة الى مسارها الصحيح".

الا ان المشاكل تتراكم في وجه جهود جمع تلك المبالغ. وقال المتحدث باسم المفوضية الاقتصادية الاوروبية اوليفييه بيلي ان المهلة النهائية هي "مهلة سياسية وليست قانونية".

اليونان في خضم ازمتها

على الصعيد نفسه، وبعد عشر سنوات على انضمامها الى منطقة اليورو تجد اليونان نفسها على شفير الافلاس وتعاني من منافسة دول البلقان وتركيا، غير ان الغالبية العظمى من اليونانيين يعتبرون العودة الى الدراخما كارثة حقيقية. ويردد القادة السياسيون ان اليونانيين عازمون على البقاء في منطقة اليورو، وهو ما تؤكده ايضا استطلاعات الرأي.

واعلن رئيس الوزراء لوكاس باباديموس مؤخرا ان "موقعنا في اوروبا غير قابل للتفاوض". واضاف باباديموس الذي كان حاكما للمصرف المركزي اليوناني لدى اعتماد اليورو، قبل ان يعين نائبا لرئيس البنك المركزي الاوروبي ان "اليونان هي وستبقى جزئا من اوروبا الموحدة ومن اليورو". وظل اليونانيون على دعمهم للعملة الموحدة الذي وصل الى نسبة 80% في استطلاعات الراي، بالرغم من التضحيات الكبرى التي فرضتها الجهات الدائنة على هذا البلد منذ سنتين والتي تسببت لليونان بانكماش اقتصادي حاد وارتفاع كبير في معدل البطالة وصولا الى حوالى 50% من الشباب.

لكن رغم ذلك لم تعد فرضية الخروج من منطقة اليورو من المواضيع المحرمة. ونظمت مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية مؤخرا مؤتمرا حول هذا الموضوع في اثينا، وهي التي توقعت منذ فترة تعثر اليونان في سداد مستحقاتها.

حتى الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان الذي يلقى تقديرا كبيرا في هذا البلد بعدما ساعده على الانضمام الى الاسرة الاوروبية، وصف قرار اشراك اليونان في اليورو بانه "خطأ جسيم"، منددا ب"الادارة الديماغوجية" التي انتهجتها الحكومات اليونانية المتعاقبة. وقال المؤرخ نيكولا بلودانيس "ثمة واقع خلف الدين، وهو ان القادة اليونانيين لطالما خلطوا ما بين مفهومي الاقتراض والدخل".

واوضح ان الانتماء الى منطقة اليورو سمح لهذا البلد بالاقتراض بمعدلات فوائد متدنية ما اتاح للطبقة السياسية تعزيز قاعدتها الانتخابية من خلال توظيف اعداد من الاشخاص في الادارات العامة.

كما لفت سافاس روبوليس استاذ الاقتصاد في جامعة بانثيون في اثينا الى ان اليونان لم تستخدم الاموال الاوروبية التي منحت لها منذ الثمانينات من اجل "تطوير نظامها الانتاجي ورفع انتاجية قطاعها الصناعي". وتابع روبوليس القريب من الاوساط النقابية انه "لا يمكن ان تعتمد مليون شركة في استمراريتها على الاسر اليونانية ال3,7 ملايين، بل عليها ان تعتمد على التصدير"، مبديا خشيته من ان تقع البلاد في "سوء التنمية" في حال عودتها الى الدراخما. غير ان التوجه الحالي يشير الى انتقال الشركات الى بلدان خارج منطقة اليورو مثل بلغاريا حيث الضرائب مؤاتية للشركات وكلفة الانتاج اكثر تدنيا.

في المقابل، يعتبر كوستاس لابافيتساس استاذ الاقتصاد في المعهد الشرقي والافريقي في جامعة لندن ان اليورو بحد ذاته "اشكالي" حيث اتاح ل"دول وسط" اوروبا مثل المانيا الاثراء على حساب دول "الاطراف"، وهو من الاقتصاديين النادرين بما في ذلك في اقصى اليسار، الداعين الى التخلي عن العملة الموحدة.

وهو يرى ان اليونان لا خيار لديها سوى التخلف عن سداد ديونها والخروج من اليورو مع فرض رقابة على الرساميل. ويواجه الذين يلوحون بالكارثة في مثل هذه الحالة محذرين من انهيار النظام المالي وهبوط قيمة موجودات الاسر وقيام تضخم زاحف وهروب مكثف للرساميل، مشددا على الكلفة "الفظيعة" التي سيتحملها المجتمع اليوناني نتيجة الاستمرار في سياسة التقشف. غير ان الخبير الاقتصادي يانيس فاروفاكيس من جامعة اثينا والذي يعتبر مثله يساريا، يرى على خلافه ان الخروج من اليورو سيكون اسوأ من البقاء فيه. بحسب فرانس برس.

ويحذر فاروفاكيس من ان التخلي عن اليورو سيؤدي حتما الى تدني قيمة الدراخما ما سيقود الى "انتقال مكثف للسلطة" من الاكثر فقرا الذين لن تعود مدخراتهم ذات قيمة، الى الاكثر ثراء الذين وضعوا اموالهم باليورو في مأمن.

 البرتغال

على صعيد ذو صلة، اعلن صندوق النقد الدولي انه اقر دفعة بقيمة 2,9 مليار يورو للبرتغال وهي ثالث دفعة من قرض بقيمة 28 مليار يورو منحه الصندوق للبرتغال. واوضح الصندوق في بيان ان مجلس الادارة اعطى موافقته على تقديم هذا المبلغ لترتفع معه المبالغ التي دفعت للبرتغال الى ما مجموعه 13,6 مليار يورو.

وكان الصندوق اعلن في بيان في حينه ان مجلس ادارته اعطى موافقته على هذا القرض الذي يندرج ضمن اطار خطة مساعدة دولية بقيمة 78 مليار يورو على ثلاثة اعوام بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي. وستحصل البرتغال ايضا على حوالى خمسة مليارات يورو من شركائه الاوروبيين. ويفترض ان تتيح هذه القروض للبرتغال ان تسدد حوالى سبعة مليارات يورو من الديون والفوائد.

وفي مقابل هذه المساعدة المالية، تعهدت البرتغال بتطبيق خطة موازنة تقشفية ومجموعة من الاصلاحات البنيوية الرامية الى اعادة عجزها العام الى 3% من اجمالي الناتج المحلي في 2013 واعادة التنافس الى اقتصادها.

نجاح الاقتصاد الالماني

من جهة اخرى، المستشارة الالمانية انغيلا ميركل هي اول من اقر بمنافع العملة الاوروبية وقالت في خطابها الاخير امام النواب الالمان في البرلمان "ان المانيا كونها دولة مصدرة استفادت بشكل كبير من اليورو. وذلك لا ينطبق فقط على الشركات الكبرى بل ايضا على الشركات المتوسطة والصغيرة".

وتبيع المانيا العالم اجمع سلعا مصنعة ذات قيمة مضافة مرتفعة مثل الالات والمنتجات الكيميائية والشاحنات الكبيرة والسيارات. وفي منطقة اليورو التي تشكل سوقها الاساسية، تخلصت المانيا من اقساط التامين على تقلبات اسعار الصرف التي كانت غطاء واقيا من الخسائر في حال تدني اسعار العملات.

وقال هنريك اوترفيدي المدير المساعد لمعهد لودفيغسبورغ الفرنسي الالماني انه "في منطقة ذات وحدة نقدية آمنة يتبدد اي ارتياب بشأن اسعار الصرف". وقال فرديناند فيتشنر الخبير الاقتصادي في "دي اي دبليو" احد مراكز الدراسات الاقتصادية الستة الكبرى في برلين "ان حوالى 40% من صادراتها مخصصة لمنطقة اليورو و20% لبقية الاتحاد الاوروبي حيث تملك بعض الدول عملات مرتبطة باليورو" مثل اللاتس في لاتفيا والكورون في الدنمارك.

وتعتمد حوالى ثلاثة ملايين وظيفة في المانيا على الصادرات الى منطقة اليورو و4,4 ملايين على الصادرات الى مجمل الاتحاد الاوروبي بحسب دراسة لمعهد الابحاث بروغنوس نشرتها صحيفة هاندلسبلات مؤخرا.

واكد مكتب الاستشارات ماكينسي ان التداول بالعملة الموحدة شكل حافزا للتجارة، وعزا ثلثي النمو الالماني خلال السنوات العشر الاخيرة الى اعتماد اليورو. الى ذلك فان بلدان جنوب المنطقة الاكثر عرضة عادة للتضخم، استفادت بفضل معدل الفائدة الموحد الذي يحدده المصرف المركزي الاوروبي من شروط اقتراض افضل مما يدفعها لشراء سلع المانية.

ففي حين كان المارك الالماني من العملات المرجعية مثل الفرنك السويسري حاليا، فان اليورو اقل قابلية للارتفاع بشكل كبير في سوق الصرف. و"بالنتيجة فان المنتجات المصدرة تحظى بمزايا تنافسية" كما قال فرانك ماترن مدير ماكينسي في المانيا.

لكن الاقتصاد الالماني لا يدين بكل شيء لليورو. والدليل على ذلك ما جاء على لسان رئيس اتحاد المصدرين الالمان انتون برنر بقوله مؤخرا "هل هناك حياة لالمانيا بعد اليورو؟ اجل هناك حياة". كذلك خفف معهد ايفو في ميونيخ من اهمية اليورو بالنسبة لاول اقتصاد في القارة الاوروبية، وراى ان المانيا التي لا تملك نظاما معمما بالنسبة للحد الادنى للاجور، استفادت خصوصا من جهودها لاحتواء الرواتب. بحسب فرانس برس.

وقد وافقت النقابات على ابقاء الاجور بحدود معتدلة لحماية الوظائف المهددة خصوصا بعمليات نقل مقار الشركات الى الخارج. كما ان الاصلاحات التي بدأها المستشار الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر في 2003 للحد من البطالة التي طالت انذاك 9% من اليد العاملة انعشت القدرة التنافسية لبلد كان يعتبر حينها بمثابة الرجل المريض في اوروبا. ومن خلال رفعها تدريجيا سن التقاعد وتخفيض تعويضات البطالة والاعانات الاجتماعية قلصت المانيا من تكاليفها وتجاوزت جيرانها الذين لم يعتمدوا النهج المؤلم نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/كانون الثاني/2012 - 7/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م