أديان... بين مذاهب التطرف ودعوات التسامح

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يحتاج العالم -في الوقت الحالي- الى "التسامح الديني" اكثر من أي وقت مضى، سيما وان الخوف المتبادل وانعدام الثقة من الاخر قد تجذرت في النفوس وورثت الى الابناء، الامر الذي ادى الى تنامي العداء بين اتباع الديانات المختلفة وولادة النهج التطرفي القائم على التعصب والتشدد الديني المقيت، وقد تحول هذا التطرف المزمن -بفعل عوامل مختلفة- الى عنف مسلح تمثل في بعض الحركات والتيارات المسلحة ذات الصبغة الدينية.

فيما مورست ضغوط من نوع اخر قامت بها الدول تجاه الاقليات من اتباع الديانات الاخرى بعد ان وصل المد الديني المتشدد الى اورب، وهذا ما يلاحظ من حزم القوانين الجديدة والتصريحات المتكررة لقادة اورب، اضافة الى ما يجري من مضايقات وافعال على ارض الواقع الاوربي، يذكر ان العديد من المنظمات الدولية المهتمة بنشر التسامح ونبذ التعصب الديني، وفي مقدمتها الامم المتحدة، قد طالبت المجتمع الدولي الى نبذ الخلافات الدينية والتنديد بالتعصب والتمييز الديني الذي يخل بالموازين البشرية وينتهك حقوق الانسان.

الامم المتحدة تندد بالتعصب

فقد نددت الجمعية العامة للامم المتحدة للمرة الاولى منذ أكثر من عقد من الزمن بالتعصب الديني دون أن تحث الدول على تجريم "التشهير بالاديان" وهي الصيغة التي قال منتقدون انها فتحت الباب امام قوانين "ازدراء الاديان" التي تنطوي على انتهاكات، وكانت دعوة الدول الى تجريم "التشهير بالاديان" تصدر في قرار غير ملزم بشأن مكافحة التعصب الديني تصدره سنويا الجمعية العامة التي تضم 193 عضو، ويقول القرار الذي صدر مؤخراً ان "التمييز على اساس الدين أو الاعتقاد يشكل انتهاكا لحقوق الانسان"، كما عبر عن القلق بشأن التحريض على الكراهية الدينية وتقاعس بعض الدول "عن محاربة هذا التوجه المتنامي"، وتبنت الجمعية العامة القرار بالاجماع بدون تصويت، وكانت الصيغ التي صدرت في السنوات الماضية تحصل على تأييد أقل بشكل متزايد في تصويت الجمعية العامة بسبب معارضة دول غربية ومن امريكا اللاتينية لفكرة "التشهير"، وحصل القرار على أغلبية بالكاد في التصويت الذي جرى عام 2010، ورحبت منظمة هيومان رايتس فيرست ومقرها نيويورك بالقرار قبل تبنيه ووصفت الصيغة الجديدة بأنها "انفصال تام عن التركيز الذي ينم عن استقطاب في الماضي على التشهير بالاديان". بحسب رويترز.

وقال تاد ستانكي من المنظمة "يجب على الحكومات الان التركيز على اجراءات ملموسة لمكافحة العنف لدوافع دينية والتمييز والاشكال الاخرى من عدم التسامح مع الاعتراف بأهمية حرية التعبير"، وفي وقت سابق من العام الحالي انضمت دول غربية ومن امريكا اللاتينية الى دول اسلامية وافريقية في تأييد نهج جديد حول التركيز من حماية المعتقدات الى حماية المؤمنين، وادى هذا النهج الجديد الى تبني القرار، ومنذ عام 1998 حصلت منظمة التعاون الاسلامي على موافقة بالاغلبية في المنظمات الحقوقية التابعة للامم المتحدة في جنيف والجمعية العامة للامم المتحدة على قرارات سنوية بشأن "مكافحة التشهير بالاديان"، وقال منتقدون ان هذا المفهوم يتعارض مع القانون الدولي وحرية التعبير ويترك الباب مفتوحا أمام قوانين "ازدراء الاديان" مثل تلك العاملة في باكستان والتي استلهمها هذا العام قتلة اثنين من السياسيين المعتدلين هناك، وأضافوا أنه يسمح للدول التي يهيمن فيها دين واحد بابقاء الاقليات الدينية تحت سيطرة صارمة أو حتى يتركها عرضة للاضطهاد أو التحول عن الدين قسرا.

تشديد القيود على الاديان

فيما قالت مجموعة أبحاث امريكية خاصة ان نحو ثلث سكان العالم يعيشون في دول يصبح فيها من الصعب بدرجة متزايدة ممارسة الدين بحرية، وذكر منتدى الدين والحياة العامة بمركز بيو للابحاث ان القيود الحكومية والعداء الشعبي الذي يتعلق بالدين تزايد في بعض من أكبر الدول تعدادا للسكان في الفترة من اواسط 2006 وحتى اواسط 2009، وجاء في التقرير الذي يحمل عنوان (زيادة القيود على الدين) أنه "أثناء فترة السنوات الثلاث التي غطتها الدراسة فان مدى العنف واساءة المعاملة فيما يتعلق بالدين زاد في أماكن أخرى أكثر مما تناقص"، وقال التقرير ان واحدا في المئة فقط من سكان العالم يعيشون في دول شهدت مزيدا من التسامح الديني أثناء تلك السنوات، ووجدت الدراسة التي أجراها مركز بيو لاوضاع 198 دولة ان تلك الدول التي تعتبر مقيدة لممارسة الاديان أو عدائية في التقرير السابق أصبحت أكثر تعنتا عن ذي قبل بينما وجد ان العكس هو الصحيح في تلك الدول الاكثر من حيث التسامح الديني، كما وجدت الدراسة ان هناك زيادة كبيرة في العداء الشعبي نحو الجماعات الدينية في الصين ونيجيريا وتايلاند وفيتنام وبريطانيا بينما زادت القيود الحكومية بدرجة كبيرة في مصر وفرنس، ودرس مركز بيو القوانين أو السياسات الحكومية الاخرى التي تستهدف حظر معتقدات معينة أو تحد من التبشير وتعطي أفضلية لديانات معينة أو تحظر اعتناق أديان أخرى، ومن أجل قياس العداء بحث المركز العنف الطائفي والمضايقات بشأن الزي الديني أو أنواع الترهيب الاخرى، ووجد ان أكثر الدول التي تفرض قيودا على ديانات معينة تشمل الهند وباكستان واندونيسيا ومصر وايران والصين وميانمار وروسيا وتركيا وفيتنام ونيجيريا وبنجلادش وان كانت معظم هذه الدول لم تظهر تغييرا يذكر في السنوات الثلاث. بحسب رويترز.

وقال التقرير ان اشخاصا تعرضوا للقتل والاعتداء الجسدي والاعتقال والسجن والنزوح من ديارهم أو تعرضت ممتلكاتهم للتدمير لاسباب دينية من جانب الحكومات في 101 دولة في العام الذي انتهي منتصف 2009 مقارنة مع 91 دولة قبل عام، ووقع عنف الغوغاء الذي يتعلق بالدين في 52 دولة حتى منتصف 2009 مقارنة مع 38 في العام السابق، وأدت الكراهية الدينية أو الانحياز الى أعمال عنف من جانب جماعات مواطنين خاصة في 142 دولة أي 75 في المئة من 198 دولة شملتها الدراسة ونفس العدد تقريبا في اواسط عام 2008، وقال مركز بيو "الجماعات الارهابية التي ترتبط بالدين كانت نشطة في 74 دولة" ووقعت أعمال عنف في نصف هذه الدول في العام حتى منتصف 2009، وتعرض المسيحيون والمسلمون وهما أكبر ديانتين في العالم لمضايقات في معظم الدول، وتعرض الذين ينتمون لديانات اخرى لمضايقات أيضا لكن اليهود الذين يشكلون أقل من واحد في المئة من تعداد سكان العالم تعرضوا لقيود أو مضايقات في 75 دولة، وفي خمس دول اوروبية هي بريطانيا والدنمارك وروسيا والسويد وبلغاريا تركز التوتر الديني على العدد المتنامي بسرعة للمسلمين لكن هناك مزيد من عداء السامية والعداء نحو أقليات مثل شهود يهوه.

متطرفون مسيحيون

من جهته دان وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران تحرك متطرفين مسيحيين ضد مسرحية للكاتب المسرحي روميو كاتيلوتشي بعنوان "حول مفهوم وجه ابن الله"، وقد تسبب افراد من الجمعية المتطرفة اينستيتوسيفيتاس" في توقف عرض المسرحية موقتا في "تياتر دو لا فيل" حاملين لافتات كتب عليه "اوقفوا كره المسيحية!"، واوضح مدير المسرح ميكايل شاز ان هؤلاء الناشطين "وزعوا منشورات خارج المسرح قبل ان يتسببوا بتوقف المسرحية التي استؤنفت بعد ذلك، من خلال صعودهم الى الخشبة وهم يرتلون ويدينون كره المسيحية من خلال لافتات حملوها"، وقد قامت الشرطة باجلائهم بطلب من ادارة المسرح، واوضح المدير ان افرادا من منظمة "اكسيون فرانسيز" (مؤيدون للنظام الملكي وقوميون) حاولوا الدخول الى المسرح بالقوة، ورغم الاجراءات الامنية المعززة تمكن ناشطان من التيار المسيحي المتطرف من رشق الجمهور الذي كانت ينتظر امام المسرح للدخول "بالبيض والزيت"، وقد رفعت ادارة المسرح حيث ستعرض المسرحية ثماني مرات بحلول 30 تشرين الاول/اكتوبر، شكوى "للدفاع عن نفسها بكل الوسائل من هذا المساس غير المقبول بالحرية". بحسب فرانس برس.

وسبق للمسرحية ان عرضت في مهرجان افينيون (جنوب) للمسرح، وتتناول مسرحية روميو كاستيلوتشي رجلا وابنه يواجهان معا اضرار الشيخوخة امام صورة عملاقة للمسيح، واعتبر وزير الثقافة الفرنسيبة ان ما حصل "يمس بمبدأ جوهري يحميه القانون الفرنسي ويتمثل بحرية التعبير"، وقال انه "يفهم ان تكون بعض مقاطع المسرحية تثير الصدمة" الا ان ذلك "لا يبرر باي حال من الاحوال اللجوء الى الوسائل العنيفة المخالفة للديموقراطية، فالمسرح مكان لحرية التعبير وهي حرية يجب الحفاظ عليها"، وقالت وزارة الثقافة ان القضاء سبق ان رفض شكوى تقدمت بها جمعية كاثوليكية متطرفة اخرى "التحالف ضد العنصرية ولاحترام الهوية الفرنسية والمسيحية" (اغريف) التي طالبت بالغاء عرض المسرحية، وسبق لجمعية "اينستيتوسيفيتاس" ان هاجمت في نيسان/ابريل معرض صور للفنان الاميركي اندريس سيرانو في افينيون تضمن صورة "ايميرشن بيس كرايست" الشهيرة، وقد دمرت هذه الصورة الكبيرة الحجم التي تمثل صليبا يخرج من حوض بول، بواسطة مطرقة.

الاساءة للإسلام

على صعيد اخر ذكرت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان حكما صدر بحبس مصري ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمة الاساءة للدين الاسلامي على صفحته على فيسبوك، واعتبرت المحكمة في القاهرة في حكمها ان ايمن يوسف منصور "تعمد المساس بكرامة الدين الاسلامي ووضعه موضع سخرية واستهزاء، ونال منه بالسب والازدراء والتحقير من خلال حساب خاص به على فيسبوك"، وقالت المحكمة ان "العبارات التى ذكرها المتهم انصبت جميعها على القرآن الكريم والدين الاسلامي الحنيف ونبي الاسلام وأهل بيته والمسلمين، بشكل شائن ومقذع عن علم منه وإرادة"، غير ان المحكمة لم تقدم تفاصيل عن كتابات منصور التي اعتبرتها مسيئة، وكانت الشرطة قد قبضت على منصور في اب/اغسطس بعد ان تعقبته عبر عنوانه الالكتروني، ويحظر القانون المصري ما يصفه بازدراء الاديان، وهو القانون الذي استخدم في الماضي لمحاكمة مسلمين شيعة، ولم تذكر وكالة الشرق الاوسط ديانة منصور او معتقداته ولكنها نقلت عن المحكمة قولها ان "الاديان السماوية المختلفة لها مكانة واحدة في نظر القانون الجنائي"، و"تعيش فى ظل من الوحدة الوطنية"، ومن ثم "فقد بات واجبا على كل أبناء تلك الاديان أن يتحمل بعضهم وجود البعض الاخر"، وتتبع مصر، كبرى البلدان العربية من حيث تعداد السكان، نظاما قضائيا يتبنى النهج الفرنسي، غير ان دستورها، الذي توقف العمل به منذ تولي المجلس العسكري الحكم في اعقاب الاطاحة بمبارك في شباط/فبراير، نص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. بحسب فرانس برس.

وكانت محكمة قضت في 2007 بحبس المدون كريم عامر بالسجن لاهانته نبي الاسلام والرئيس حسني مبارك انذاك، وافرج عنه العام الماضي، كما تضم مصر ايضا اكبر تجمع مسيحي في الشرق الاوسط من حيث العدد، اذ ربما كانت نسبة المسيحيين في مصر 10 بالمائة من تعداد السكان البالغ 80 مليون، ويأتي حكم ادانة منصور في وقت تتصاعد فيه المخاوف من اجتياح الكتل الاسلامية اول انتخابات برلمانية في البلاد منذ الاطاحة بمبارك، وهي الانتخابات المفترض ان تبدأ في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، ويطالب الاسلاميون بضمان الا يتم الغاء المادة الثانية من الدستور التي تقضى بان الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع وذلك حينما تنظر لجنة في تعديل الدستور الحالي، وتعد تلك المادة مسألة حساسة لا يجرؤ اغلب السياسيين العلمانيين على تحديها علن، وقالت هبة مرايف الباحثة في القاهرة التابعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الانسان "انه امر جد خطير"، وتابعت القول ان القانون الذي استخدم لادانة منصور "يستند الى مادة فضفاضة وملتبسة جدا، وطالما طالبت جماعات حقوق الانسان بالغاء تلك المادة"، وقالت "الحكم على اي شخص على اساس مادة بهذا الاتساع سيخلف اثرا مريعا على ساحة الجدل السياسي، اذ كان قد دار الكثير من النقاش حول دور الدين في الدولة"، ورغم صدور الحكم من محكمة مدنية الا ان توقيته يأتي مع مواجهة الجيش، الذي يتولى السلطة منذ الاطاحة بمبارك، اتهامات متزايدة بفرض قيود على الصحافة واضطهاد المدونين، وقالت مرايف "يأتي هذا كانتهاك اخر لحرية التعبير".

من اجل السلام

بدوره جمع البابا بنديكتوس السادس عشر في اسيزي بوسط ايطاليا 300 زعيم روحي يمثلون الاديان كلها بهدف نبذ "العنف الذي يرتكب باسم الرب" في وقت يذكي فيه متطرفون مسيحيون ومسلمون ويهود وهندوس نار النزاعات في العالم، وعقد "يوم التأمل والحوار والصلاة من اجل السلام والعدالة في العالم" تحت شعار "حجاج الحقيقة، حجاج السلام"، وكان البابا يوحنا بولس الثاني اطلق العام 1986 اول لقاء للحوار بين الاديان في اسيزي، وكان هذا اللقاء اثار تحفظ الكاردينال يوزف راتسينغر (الذي اصبح اليوم البابا بنديكتوس السادس عشر) الذي كان يخشى تمازجا للديانات في مذهب مشترك غير واضح المعالم، وكان الكاردينال راتسينغر، الذي خلف البابا البولندي في سدة البابوية، رئيسا لمجمع العقيدة والايمان ولم يحضر يومها هذا اللقاء التاريخي، وبعد 25 عاما على اللقاء الاول، تشدد المصادر في روما على ان الهدف الاساسي للقاء هو "مسيرة روحية مشتركة" وانه اذا كانت من صلاة فكل يصلي بمفرده وفقا لمعتقداته، وقد لبى رجال دين من اكثر من 50 دولة النداء للاجتماع في مسقط رأس القديس فرنسيس، ممثلو الديانة الاسلامية الذين كانوا 11 فقط في العام 1986 سيكونون اكثر من خمسين هذه المرة وهم يأتون من دول كثيرة بينها المملكة العربية السعودية وايران، وسيتحاورون مع حاخامات ومسؤولين روحيين هندوس وبوذيين وسيخ وبهائيين وممثلي عن الديانات اليانية والزرداشتية والتاوية والكونفوشية فضلا عن ديانات تقليدية من القارتين الافريقية والاميركية، وستتمثل المذاهب المسيحية الرئيسية بشكل واسع ولا سيما الارثوذكسية واللوثرية والمعمدانية والانغليكانية، والجديد في لقاء اسيزي هذه السنة اتى بدفع من بنديكتوس السادس عشر ويتمثل بانضمام اربع شخصيات ملحدة الى هذا الحوار. بحسب فرانس برس.

لكن الغائب الاكبر هذه السنة سيكون شيخ الازهر الذي رفض تلبية الدعوة ردا على التضامن الذي ابداه البابا حيال الاقباط ومسيحي الشرق الاخرين المهددين بالتطرف الاسلامي، وينتقد متطرفون كاثوليك الاجتماع بقوة ايضا اذ لا يمكنهم تصور ان تقيم الكنيسة حوارا مع اديان اخرى، وقال المتطرف الفرنسي ريجيس دي كاكوراي انه ينبغي احياء الف قداس "لتعويض ضرر اسيزي"، ولكن الكاردينال روجيه ايتشغاراي الرئيس السابق للمجلس الحبري للعدالة والسلام وهو مهندس اللقاء الاول في العام 1986، يرد على ذلك مشددا على الاستمرارية بين يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر، ويقول لوكالة فرانس برس "حتى يوحنا بولس الثاني كان لديه هاجس تجنب التلفيقية (المزج بين المذاهب)"، واكد انه في غضون 25 عاما "تكاثر الحوار بين الاديان وتعمق" وبنديكتوس السادس عشر يعتبره "ارثا مشتركا لا رجوع عنه في الوعي المسيحي"، واوضح احد المقربين من البابا ان الفكرة الرئيسية للحبر الاعظم هي حمل المشاركين على "التزام مشترك لرفض استغلال الدين واستخدام العنف باسم الرب"، وتطرق المسؤول الثاني في المجلس الحبري للحوار بين الاديان المونسينيور بيير لويجي سيلاتا الى المشاكل "التي تسترعي انتباه" الاديان المختلفة، وهي الهجرة والتنوع الثقافي وحرية المعتقد والدفاع عن العائلة والحياة، واوضح ان "كل هذا يحمل المؤمنين من الديانات المختلفة على البحث عن عناصر حل"، وفي نهاية اللقاء سيجدد المشاركون الرئيسيون في ساحة كاتدرائية القديس فرنسيس التزامهم العمل من اجل السلام، وستسلم شعلة مضاءة رمزيا الى الوفود، املا في ان تحمل هذه الرسالة الى مجتمعاتها.

البابا يقبل شيخ الازهر

الى ذلك وبضغط من الفاتيكان اعلنت مجموعة بنيتون الايطالية انها سحبت من حملتها الدعائية صورة مركبة يظهر فيها البابا بنديكتوس السادس عشر وهو يقبل شيخ الازهر في القاهرة لكنها ابقت على صور اخرى بينها صورة قبلة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل، واعربت مجموعة الملابس الايطالية المعروفة بحملاتها الاستفزازية عن "اسفها لكون استخدام هذه الصورة قد جرح مشاعر المؤمنين" معلنة عن "سحب الصورة فورا من الحملة الدعائية"، واعلن متحدث باسم المجموعة التي نشرت صورا مركبة يظهر فيها ايضا نيكولا ساركوزي يقبل انغيلا ميركل ومحمود عباس يقبل بنيامين نتانياهو "نذكر بأن معنى هذه الحملة هو حصرا التصدي لثقافة الكراهية بكل اشكالها"، وكان الفاتيكان هدد المجموعة "بتحرك امام السلطات المختصة" منددا "بقلة احترام خطيرة للبابا وبجرح مشاعر المؤمنين"، وانتقد المتحدث باسم الفاتيكان الاب فيدريكو لومباردي في بيان ايضا "الاستخدام غير المقبول لصورة الحبر الاعظم التي تم التلاعب بها واستخدمت في اطار حملة دعائية لاغراض تجارية"، واوضح الفاتيكان ان "الصورة تشكل قلة احترام خطيرة للبابا واهانة لمشاعر المؤمنين ودليلا واضحا على طريقة انتهاك ابسط قواعد الاحترام الواجب للشخص للفت الانتباه عبر الاستفزاز الاعلاني"، وقد بثت مجموعة بنيتون صورة دعائية مركبة يظهر فيها البابا يقبل شيخ الازهر السني احمد الطيب على فمه باسم مكافحة "الكراهية" مما اثار انتقاد الاوساط الكاثوليكية، وهذه الصور المركبة تدخل في اطار حملة دعائية جديدة لمجموعة بنيتون تحت عنوان "لا للكراهية" عرضها في باريس اليساندرو بنيتون نائب رئيس المجموعة، وكان يفترض ان تعلق في متاجر المجموعة في كافة انحاء العالم. بحسب فرانس برس.

وقال اليساندرو بنيتون "انها صور رمزية تتضمن التماسة رجاء ساخرة واستفزازا بناء لتحفيز التفكير في الطريقة التي تمكن السياسة والايمان والافكار حتى لو كانت متعارضة ومختلفة من حمل الناس على الحوار والتأمل"، وصورة البابا وشيخ الازهر رفعت لفترة وجيزة على يافطة من قبل اربعة شبان على جسر قرب الفاتيكان، وعرضت صورة اخرى مثيرة للصدمة امام كاتدرائية ميلانو تظهر الرئيس الاميركي باراك اوباما يقبل نظيره الصيني هو جينتاو، وبعيد بث الصور على الانترنت في ايطاليا، طالبت جهات كاثوليكية بتعليق هذه الحملة الدعائية، وتساءل لوكا بورغوميو رئيس هيئة مشاهدي التلفزيون الكاثوليك الايطاليين "هل من المعقول الا تتمكن بنيتون من تصميم اعلان افضل من هذا؟"، وتشمل الحملة الدعائية ايضا صورة لقبلة بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبين ساركوزي وميركل وبين اوباما والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وكانت بنيتون ومصورها اوليفييرو توسكاني اشتهرا بصورهما المركبة الاستفزازية في التسعينات والمصور توسكاني ملتزم التوعية بقضايا مرضى الايدز وعموما مكافحة التمييز حيال المجموعات او الاعراق او الثقافة، والعلاقات بين البابا وشيخ الازهر صعبة خصوصا منذ ان عبر بنديكتوس السادس عشر عن تضامنه مع ضحايا الاعتداء الذي استهدف كنيسة القديسين في الاسكندرية واسفر عن 21 قتيلا في اول كانون الثاني/يناير الماضي، وقد اعتبر شيخ الازهر ذلك التضامن تدخلا.

كاميرون والقيم المسيحية

في سياق متصل قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان بريطانيا بلد مسيحي ولا ينبغي ان تخشى من الدفاع عن القيم المسيحية لمواجهة ما وصفه بـ"التدهور الاخلاقي" للبلاد، ففي تصريح نادر لرئيس وزراء بريطاني يتحدث عن الدين قال كاميرون ان مبدأ "عش ودع غيرك يعيش" كثيرا ما تحول إلى "افعل ما يحلو لك" في بريطاني، وقال ان "التسامح اللامبالي" ازاء السلوك اللاخلاقي ساعد في تغذية ظواهر مثل اعمال الشغب التي شهدتها بريطانيا في اب/اغسطس والتجاوزات من جانب المصارف وارهاب الحركات الاسلامية المتنامية في الداخل، وقال كاميرون في خطاب ألقاه في مدينة اوكسفورد بجنوب انكلترا بمناسبة مرور 400 عام على صدور طبعة كينغ جيمس للانجيل المقدس "نحن بلد مسيحي، ولا ينبغي ان نخشى الجهر بذلك"، وتابع "لقد ساعد الكتاب المقدس في اعطاء بريطانيا مجموعة من القيم والاخلاقيات جعلت بريطانيا ما هي اليوم، وهي القيم والاخلاقيات التي يتعين علينا ان نقف الى جانبها وندافع عنها بجد"، واضاف ان "خيار الحياد الاخلاقي لا ينبغي ان يكون مطروحا"، ووصف كاميرون نفسه بأنه عضو ملتزم بكنيسة انكلترا وان كان "يمارس العبادة في الكنيسة دون فهم كامل"، قائلا ان "شكوكا تملؤه" بشأن قضايا لاهوتية كبرى. بحسب فرانس برس.

واضاف "علينا ان ندافع عن قيمنا ان اردنا مجابهة التدهور الاخلاقي الذي يتبدى شيئا فشيئا في البلاد وقد شهدته بلادنا خلال الاجيال الثلاثة الماضية"، واضاف "الحياد الاخلاقي والتسامح اللامبالي لن ينفع فيما بعد" وان "عدم الاصداع بالحق فيما يتعلق بالسلوك وبالاخلاق تسبب في الوقوع في مشكلات اجتماعية" في بريطاني، وقال كاميرون انه اضافة الى اعمال ويليام شكسبير تعد ترجمة كينغ جيمس للكتاب المقدس باللغة الانكليزية "عملا ادبيا متفردا"، واضاف "لقد اسهم الكتاب المقدس في تشكيل القيم التي كونت بلادنا"، وتابع "المسؤولية، والعمل الجاد، والعمل الخيري، واللطف، والتواضع، وبذل الذات، والمحبة والافتخار بالعمل من اجل نفع الجميع دون تمييز واحترام الالتزامات الاجتماعية تجاه بعضنا البعض، تجاه اسرنا ومجتمعاتنا -هذه هي القيم التي نثمنها، نعم هي قيم مسيحية، ولا ينبغي ان نخشى الاقرار بذلك"، وتابع "وهي ايضا قيم نتعلم منها جميعا- يتعلم منها الجميع من كل دين وممن لا دين لهم، واعتقد انه يتعين ان نهب جميعا للدفاع عنها"، واضاف ان الذين يقولون ان في ذلك "ضيم للاديان الاخرى" هم "خاطئون تماما".

حظر كتاب هندوسي مقدس

من جانب اخر فض نواب هنود غاضبون جلسة للبرلمان الهندي مؤخراً وتجمع متظاهرون أمام قنصلية روسية للاحتجاج على دعوى قضائية مُقامة في سيبيريا لإدراج أحد أكثر الكتب قداسة في الديانة الهندوسية في قائمة للأدب المحظور تضم كتاب كفاحي للزعيم النازي أدولف هتلر، وتقول وسائل الاعلام المحلية في روسيا انه ورد في صحيفة الدعوى التي اقامها الادعاء العام في مدينة تومسك السيبيرية أن ترجمة للكتاب باجواد جيتا تتسم بالتطرف لانها تهين غير المؤمنين بالديانة الهندوسية، وظل نواب في البرلمان الهندي يهتفون "لن نقبل إهانة الاله كريشنا" الى ان رفع رئيس البرلمان الجلسة عدة ساعات، ويتخذ الكتاب باجواد جيتا شكل حوار بين الاله الهندوسي كريشنا وأمير يدعى أرجونا قبل معركة ويمثل أساسا للعقيدة الهندوسية وسبق أن أبدى ألبرت أينشتاين اعجابه بما يحويه من تأملات فلسفية، وتتمتع روسيا والهند بعلاقات دبلوماسية وعسكرية وثيقة وعاد رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ من زيارة سنوية لموسكو، وقال شاهد عيان ان عشرات من اعضاء حركة هاري كريشنا تجمعوا امام القنصلية الروسية في مدينة كولكاتا بشرق البلاد مرتدين أثوابا برتقالية حيث رددوا هتافات وأدوا رقصات للاحتجاج، وتعترف روسيا بحرية العقيدة وتعتبر المسيحية الارثوذكسة الروسية والاسلام والبوذية واليهودية ديانات رئيسية في البلاد، أما متبعو الاديان الاخرى وخصوصا الطوائف الصغيرة أو الجماعات التي تحاول اجتذاب أتباع من أصحاب الديانات الاخرى فيتعرضون في بعض الاحيان لضغوط مثل الدعاوى القضائية وجهود لحل جماعاتهم وتقييد اجتماعاتهم. بحسب رويترز.

مسلمون ويهود في امستردام

من جهة اخرى فبعضهم مسلمون وبعضهم الاخر يهود وهم يرممون معا مقبرة يهودية مهجورة في امستردام في اطار مبادرة تهدف الى التقريب بين المجموعتين بعد احداث معادية للسامية، ويقول آلفي دي فريز الى صديقيه يوناس بولمان وماكس زيغيريوس "هيا بنا سننطلق بالعمل"، الفتية وهم في الثالثة عشرة يمسكون الرفوش والمجارف وينضمون الى نحو ثلاثين شابا يعملون في ارض خلاء، وتحت اشراف احمد بو الرويس (21 عاما) يقتلعون العليق والاشواك ليظهر عندها قبر حفر عليه نجمة داود وكتابات بالعبرية، ويصرخ احد الصبيان "هذا قبر جديد"، آلفي دي فريز وصديقاه هم يهود اما احمد بو الرويس فهو ابن مهاجر مغربي اتى للعيش في هولندا في سبيعنات القرن الماضي، ويقول الحاخام لودي فان دي كامب ان "فكرة تنظيف مقبرة يهودية قديمة مهجورة من قبل شباب يهود ومسلمين اتتنا العام الماضي بعدما عرضت مشاهد مصورة لتصرفات معادية للسامية"، فبث التلفزيون لمشاهد تظهر شباب مغربي يضايقون مراهقين يهود يعتمرون القلنسوة اليهودية (كيبا) او يلقون عليهم التحية على الطريقة الهتلرية اثار ردود فعل شاجبه في هولندا والقلق من تنامي الشعور المعادي للسامية، واقترح نائب من اصل مغربي حتى ان يعتمر عناصر من الشرطة بلباس مدنن القلنسوة اليودية ليتمكنوا من القبض على مرتكبي الاعتداءات المعادية للسامية في الجرم المشهود، الا ان هذه المشاهد صدمت ايضا الجالية المغربية ودفعت سعيد بن سالم احد وجهاء هذه المجموعة الى الاتصال بالحاخام لودي فان دي كامب. بحسب فرانس برس.

وقد وضعا معا مشروعا لترميم مقبرة زيبورغ اليهودية المهجورة في حي شعبي في شرق امستردام يسكنه الكثير من الاجانب، ويوضح بن سالم "اردنا ان نثبت ان هذه السمعة السيئة عائدة الى اقلية صغيرة، اردنا ان نظهر تضامنا مع اليهود"، ويقول احمد بو الرويس باسف "عندما تقوم بشيء جيد يقال عنك انك هولندي من اصل مغربي وعندما تأتي بعمل سيء يقال انك مغربي فقط"، ويضيف يوناس بولمان "معا يمكننا القيام بالكثير، يضاف الى ذلك اننا نستلطف جدا هؤلاء الاشخاص"، من حوله يتبادل المراهقون النكات والمزاح ولا يمكن التفريق بينهم في بزات الشغل الرزقاء وحدها القلنسوة اليهودية يمكن ان تشير الى انتماء الشخص الديني، ويقول احمد "انه مشروع رائع ومفعم بالتاريخ"، فقد افتتحت مقبرة زيبورغ العام 1714 وهي تضم الاف القبور المغمورة الان بالاعشاب العشوائية والاشجار، وهي تعتبر من اقدم مقابر امستردام واحدى كبرى المقابر اليهودية في اوروبا على ما يؤكد الحاخام لودي فان كامب، واستمر الاهتمام بهذه المقبرة حتى العام 1944 عندما اقتيد غالبية يهود امستردام الى معسكرات الاعتقال النازية، ويضيف الحاخام "لم يعودوا منها ولم يعد احد يهتم بهذه القبور"، وعلى مدى خمسة ايام احاد سيعمل الشباب معا لاعادة بعض الحياة الى المقبرة المهجورة، ويختم الحاخام فان دي كامب قائلا "بطريقة ما فان اموات الماضي هم الذي ينيرون الان طريق المستقبل".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/كانون الأول/2011 - 6/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م