ريشة الفن... تقرب المسافات بين حقب تاريخية بعيدة

 

شبكة النبأ: تتنوع الالوان التي تتطرز سماء عالم اليوم، بين عتمة الصبغات الماضية المتجسدة في لوحات وجداريات، تحكي عن فترات زمنية متنوعة، وتجسد تفاصيل وقضايا مرحلة تاريخية معينة، تركت بصماتها على رحلة المسير الانساني في الارض، تظهر امامنا اليوم بلون يعلوه الغبار الماضي او رماد انقراض السنوات المنصرمة، اذا كانت تلك الالوان تزهو بلون الحياة يومها، وبين ابداعات ريشة الاحساس والذوق التي حفرت هذه الوقائع المؤثرة في قطع من الورق او القماش او الآجر شكلت لنا اليوم نصبا فينا تشرأب له الاعناق.

اذا باتت المحافل الدولية العالمية لا تحتفي فقط بعقد المؤتمرات لفك الخناقات العالمية، وانما تكرس جزءا كبيرا من وقتها وميزانيها المالية ايضا لاقامة معارض فنية تعكس تاريخا لدين معين، او تنصب مشغلا لاستعادة لون متميز.

كما اضحت وكالات الاستخبارات واجهزة التحقيق وخبراء كشف الحقائق معنيون ايضا بالشأن الفني، اذا لا تخلو هذه الساحة الرائعة من محاولات التقليد والنصب والاحتيال، وصار من المسلَم به الاستعانة بخبرات هؤلاء المختصين بكشف الحقائق للتمييز بين المزيف والفريد من تلك القطع الفنية التي قد يصل سعرها الى الاف بل ملايين الدولارات.

روائع الفن الاسلامي

حيث تعرض حوالى 1200 قطعة فنية تستعيد 13 قرنا من تاريخ الاسلام في نيويورك في قاعات جديدة مكرسة "للعوالم العربية" تفتح ابوابها امام الجمهور في متحف "متروبوليتان ميوزيوم" (ميت) بعد عملية ترميم استمرت ثماني سنوات. وكرست 15 قاعة موزعة بحسب المناطق الجغرافية من تركيا وايران وآسيا الوسطى الى شمال افريقيا واسبانيا وشبه القارة الهندية لتبرز "ان كل منطقة وثقافة عبرت بقوة عن هويتها الفنية خلال الحقبة الاسلامية رغم هذا الارث المشترك" على ما جاء في كتيب المتحف.

واختيرت القطع المعروضة من بين 12 الف قطعة متواجدة في مجموعات المتحف، وهي شاهدة على روعة الثقافة الاسلامية في قطاعات جمة. في العلوم مثلا من خلال اسطرلاب يعود الى القرن الثالث عشر وفي الهندسة من خلال مشربيات هندية خشبية وفي النحث مع تماثيل مصنوعة من الجص ارتفاعها 1,5 متر تعود الى القرن الحادي عشر ومصدرها ايران.

وتعرض ايضا نسخ قديمة جدا للقرآن مكتوبة بخط عربي رائع فضلا عن سيوف نصابها من العاج ومرصعة بالذهب والفضة والياقوت. يضاف الى ذلك سجاد رائع يزيد عرض القطعة منه على عشرة امتار مع رسوم هندسية كبيرة مثل سجادة "سيمونيتي" التي حيكت باليد في القرن السادس عشر فضلا عن عقد زواج مصنوع من الذهب مصدره الهند.

وتوضح احدى امينات متحف "ميت"، ميشتيلد باومايستر خلال زيارة نظمت للصحافيين "اظن ان هذه القاعات تسمح بفهم افضل للتفاعل والعلاقة المعقدة التي قامت بين الثقافات المختلفة والفن الاسلامي". وتتابع قائلة "اذا ما فكرنا بالفن في هذه القاعات فاننا نتكلم عن 13 قرنا. من المهم العودة بالزمن لفهم تطور ثقافة وتطور اسلوب والتفاعل بين الثقافات. فلا شيء يقوم بشكل منعزل".

ومن اروع القطع المعروضة في هذه القاعات الجديدة التي كلف ترميمها 50 مليون دولار، قاعة استقبال في دارة كبيرة في دمشق تعود الى القرن الثامن عشر وهي معروضة كما كانت في الاصل في العاصمة السورية، حيث الارضية رخامية مع رسوم هندسية واريكات حمراء مخملية رائعة موزعة هنا وهناك وجدران وسقف مكسوة بالخشب مع كتابات قرآنية وزخرفات عربية. وتؤكد باومايستر "انها احدى الروائع التي تحويها هذه القاعات" موضحة ان نقل القاعة التي كانت قبل ذلك معروضة في قسم مكرس للفن العثماني "شكل تحديا لوجيستيا فعليا". بحسب فرانس برس.

ويشكل صحن دار مغربية في القاعة المخصصة لاسبانيا وشمال افريقيا وغرب المتوسط احدى الروائع الاخرى التي تحويها هذه القاعات ويعطي الانطباع بزيارة قصر الحمراء في غرناطة (جنوب اسبانيا).

جداريات دييغو ريفيرا

في سياق متصل، عادت ثماني جداريات رسمها العام 1931 الفنان المكسيكي دييغو ريفيرا (1886-1957) لمتحف الفن الحديث في نيويورك (موما)، الى المتحف بعد ثمانين عاما في اطار معرض ويستمر حتى ايار/مايو 2012.

ويشكل المعرض تحية للمغامرة التي قام بها ريفيرا والمتحف في مطلع القرن العشرين، عندما رسم الفنان المكسيكي في المتحف وفي فترة زمنية قصيرة سلسلة من الاعمال المخصصة لتكون ذورة معرض استعادي للرسام. واوضح المتحف على موقعه الالكتروني حول المعرض الاستعادي الذي اقيم العام 1931 "كان يستحيل نقل جداريات الفنان وهي ثابتة منطقيا الى المعرض. ولحل هذه المشكلة استقدم المتحف ريفيرا الى نيويورك قبل افتتاح المعرض ووفرت له مشغلا".

كانت تلك المرة الثانية التي يخصص فيها متحف الفن الحديث معرضا استعاديا بعد ذلك الذي كرسه للرسام الفرسي هنري ماتيس. وتمكن ريفيرا يومها مع اثنين من مساعديه من انجاز خمس "جداريات نقالة" تحتفي بمراحل من تاريخ المكسيك. وبعد تدشين المعرض نجز الرسام ثلاث جداريات اخرى مستوحاة من نيويورك مع رسوم ضخمة للمدينة. ودام المعرض يومها خمسة اسابيع وسجل مستويات قياسية من الزوار على ما اوضح المتحف مشددا على ان دييغو ريفيرا "كان يتمتع يومها بسمعة دولية". بحسبر فرانس برس.

ومن بين الجداريات الخمس حول تاريخ المكسيك واحدة بعنوان "زاباتا ليدر اغراريو" تظهر القائد الثوري قرب جواد ابيض يقود مزارعين متمردين فيما كان ملاك الاراضي قتيلا عند قدميه. وكان دييغو ريفيريا الذي تزوج من الفنانة المكسيكية فريدا كالو معروفا مثلها بالتزامه السياسي اليساري.

ويتضمن المعرض وهو بعنوان "جداريات من اجل متحف الفن الحديث" رسوما وارشيفا مرتبطا بزيارة دييغو ريفيرا لنيويورك بين 1931 و1932.

اعمال فنية مزورة

من جهة اخرى، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان لوحات تباع احيانا بملايين الدولارات في غاليري فنية في نيويورك قد تكون مزورة موضحة ان السطات الفدرالية فتحت تحقيقا حول عمليات الاحتيال هذه المستمرة منذ عدة سنوات. واشارت الصحيفة خصوصا الى لوحات للفنانين التعبيريين التجريديين جاكسون بولاك وروبرت موذيرويل اشترى جامع بريطاني احداها بسعر 17 مليون دولار.

ووردت غالبية هذه الاعمال الى السوق عبر تاجرة فنون غير معروفة جدا من لونغ ايلاند تدعى غلافيرا روزاليس التي كانت تقول انها وصلتها من وريث جامع تحف فنية لا يريد الكشف عن اسمه.

وبعض هذه اللوحات بيع عبر آن فريدمان رئيسة غاليري شهيرة في نيويورك "نودلر اند كومباني" التي اغلقت ابوابها فجأة بعد 165 عاما من العمل في هذا المجال. وبيعت اعمال اخرى في قاعات عرض فنية اخرى عبر تاجر الفن المستقل المعروف جوليان فايسمان الذي كان يمثل موذيرويل عندما كان لا يزال على قيد الحياة.

وتقدم جامع التحف الفنية البريطاني بيار لاغرانج الذي اشترى لوحة "انتايتلد 1950" لبولاك بسعر 17 مليون دولار، بشكوى ضد غاليري نودلر وآن فرديمان مؤكدا ان اللوحة مزورة، فقد اظهر تحليل ان صباغين مستخدمين في اللوحة لم يكونا موجودين في ايام الرسام. ويشكك بعض الخبراء في صحة ما لا يقل عن 15 لوحة اتت الى السوق عبر روزاليس على ما اضافت الصحيفة موضحة ان تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي اي) بدأ في العام 2009.

مؤسسة ديدالوس التي انشأها موذيرويل عندما كان لا يزال قيد الحياة، اعتبرت بعد اجراء دراسات ان سبعة لوحات قدمت على انها للفنان هي بالفعل مزورة. وقالت آن فرديمان التي لا يشملها التحقيق ولا غاليري التي ترئسها او فايسمان، للصحيفة انها كانت تعتقد ان اللوحات التي اشترتها من روزاليس اصلية. وقد اشترت بعضها لنفسها.

وبدأت روزاليس (55 عاما) المولودة في المكسيك، تزويد السوق الفنية لوحات العام 1993 ومنها اعمال لموذيوريل وبولوك ورثكو وفرانز كلاين وكليفورد ستيل وفيليم دي كونينغ. لكن الشكوك بدأت تظهر على مر السنين بسبب قلة التفاصيل التي كانت توفرها عن مصدر هذه اللوحات.

وطلبت بعض الاطراف الشارية المحتملة تحاليل مستقلة كما حصل العام 2003 للوحة لبولوك كانت معروضة في غاليري نودلر. وتعذر على هذا التحليل تأاكيد ان اللوحة اصلية. بحسب فرانس برس.

واجري تحليل مستقل اخر بطلب من رجل ايرلندي على لوحة لموذيرويل، شكك هو ايضا ان تكون اللوحة التي بيعت بسعر 650 الف دولار، اصلية. وقد تقدم المشتري بشكوى ضد فايسمان قبل ان يتوصل الى اتفاق معه بالتفاوض.

لوحة رامبرانت

في سياق متصل، تأكد ان لوحة كانت تنسب الى "شخص من اوساط" الرسام الهولندي رامبرنت، رسمت بالحقيقة بريشة الرسام الكبير نفسه على ما اعلن متحف رامبرانتويس في امستردام. وقالت الناطقة باسم المتحف ليسلي شفارتز "نحن متأكدون 100 % ان بامكاننا الان ان ننسب اللوحة الى رامبرانت" موضحة الى ان اللوحة كانت تنسب حتى الان الى "شخص في اوساط" الرسام.

واللوحة الزيتية البالغ ارتفاعها 18,5 سنتمترا وعرضها 17 سنتمترا وهي بعنوان "العجوز الملتحي" رسمت قرابة العام 1630 في الفترة الاخيرة من اقامة الفنان في لايدن (غرب هولندا) على ما اوضحت الناطقة. واللوحة المعارة الى المتحف ملك لجامع اعمال فنية.

وقد اكد الخبير المستقل ارسنت فان دي فيتيرينغ المتخصص في اعمال رامبرانت نسب اللوحة الى الرسام الكبير كاشفا خصوصا عن "تشابه تقني في اسلوب الرسم" مع لوحات الرسام العائدة الى الفترة ذاتها على ما اوضح المتحف في بيانه. واضاف المصدر ذاته "اظهرت الابحاث التقنية ان هناك بورتريه ذاتيا غير مكتمل لرامبرانت تحت طبقة الطلاء". بحسب فرانس برس.

واللوحة معروضة في المتحف وستكون محور معرض 2012 الى جانب اعمال اخرى للفنان الهولندي. ويعتبر رامبرانت هارمسون فان رين (1606-1669) احد اكبر الرسامين في تاريخ الفن الباروكي الاوروبي.

سعر قياسي

من جانب اخر، بيعت لوحة "معركة الكرنفال والصوم" الزيتية للفنان بييتر الثاني بروغيل لو جون في مزاد علني نظمته دار كريستيز في لندن بحوالى سبعة ملايين جنيه اتسرليني وهو سعر قياسي لهذا الفنان الفلمنكي من عصر النهضة. بحسب فرانس برس.

واللوحة التي تمثل تعارضا بين شخصيات شرسة تشارك في كرنفال واخرى اكثر رصانة تصوم بيعت بسعر ستة ملايين و873 و250 جنيها استرلينيا (10,6 ملايين دولار). وقالت دار كريستيز في بيان ان "عمل بييتر بروغيل هو نسخة مفسرة من الاجمل عن لوحة والده بييتر بروغيل. واللوحة التي بيعت هي من بين خمس نسخ معروفة للوحة انجزها الابن".

لوحة بحيرة ليمان

في سياق متصل، بيعت لوحة للرسام السويسري فردينان هولدر (1853-1918) تمثل منظرا لبحيرة ليمان خلال مزاد في زيوريخ بسعر 7,13 ملايين فرنك سويسري (5,74 مليون يورو) على ما اعلنت دار سوذبيز للمزادات العلنية. وكان سعر هذه اللوحة التي رسمت في العام 1904 مقدرا بين ثلاثة وخمسة ملايين فرنك سويسري. بحسب فرانس برس.

من جهة اخرى بيعت لوحة للرسام السويسري البير انكر (1831-1910) المشهور ببورتريهات الاطفال، بسعر قياسي لهذا لفنان بلغ 6,13 ملايين فرنك سويسري (4,96 ملايين يورو). وبلغ مجموع عائدات مزاد سوذبيز المخصص للفن السويسري 17,41 مليون فرنك سويسري (14,10 مليون يورو).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/كانون الأول/2011 - 4/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م