بما أن السياسة هي فن الممكن حسب تعريف الواقعيون أي دراسة الواقع
السياسي موضوعياً وليس تطويعاً للواقع السياسي المفروض بحسابات القوة
والمصالح, والسياسة الناضجة لأي مجتمع هي التي تخضع الى وجهات نظر
وتصورات متجددة تساهم بتغيير الواقع السياسي برؤى جديدة.
والخوض في مفهوم السياسة بين ثنائية الفضيلة والرذيلة يذهب بنا
القول للإشارة الى بعض ثنائيات الفكر البشري ونشاطه السياسي, وتلك
الثنائيات تتحرك بنسب متفاوتة حسب المصلحة والواقع الذي تتحرك فيه,
كثنائيات كالخير والشر وكلاهما يولد الآخر فلايوجد ظل ثابت تحت الشمس.
وبما أن السياسة هي عملية صنع القرارات الملزمة للمجتمع لكون تلك
القرارات تتناول قيم مادية ومعنوية, وتمارس بضغوط سياسية وقانونية على
المجتمع من أجل تحقيق أهداف السلطة الحاكمة في أي نظام سياسي ديمقراطي
او دكتاتوري.
ومن أهم ثنائيات الفكر البشري والعقل السياسي التي يعقد عليها
الانسان همومه وتطلعاته هي "النظرية والتطبيق" وهي ما تمثل "القول
والفعل", وما أحوج الناس اليوم أن ترى أقوال الساسة ووعودهم تطبق عمليا
على أرض الواقع وللاسف نرى الكثير ممن يقولون ما لايفعلون في ميدان
السياسة. وقد حذر الله في كتابه الكريم المؤمنون من ثنائية القول
والفعل بقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر
مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون."
وفي الحياة السياسية لايوجد خط فاصل بين تلك الثنائيات سالفة الذكر
ومنها الفضيلة والرذيلة وعندما تطبق المقاييس الميكافيلية على ممارسة
سياسية معينة فنرى كفة الرذيلة تغلب كفة الفضيلة, لكون مصلحة الحاكم
تستوجب ذلك أكثر من مصلحة المحكوم في الانظمة الدكتاتورية.
والعكس صحيح عندما تكون في الانظمة الديمقراطية وهنا لانريد أن نضرب
مثالا لتلك الممارسة لان النظرية بالتأكيد تختلف عن التطبيق ولكن
الفارق كبير بين المثالين. ففي السياسة كل شيء قابل للتغير فالظلم يمكن
أن يتحول عدلاً كما الأعداء يصبحون أصدقاء والعكس صحيح عندما تلتقي أو
تفترق المصالح.
ولكن عندما تزيد كفة الرذيلة وتسمح السياسة لصاحبها أن يمارس سلوكا
خارج حدود العقل البشري ويتحول كاسر بكل ما تمتلك الكلمة من قوة في
الارهاب والبشاعة. بهذا السلوك تصبح السياسة أداة هدم وأداة ألغاء
وإبادة, وهذا يجعل المرء خارج نطاق البشرية ويجعل الحياة كشريعة غاب
تخضع الى ميزان القوة وليست الى ميزان العقل البشري الذي يؤمن بالطرف
الآخر رأياً وفكراً وكياناً.
وعندما تستمر الفجوة بين الرذيلة والفضيلة في الحياة السياسية
أصبحنا أمام نظرية ميكافيلية تمارس عملياً في صياغة النظام السياسي وفي
حكم الشعب والعمل الأخلاقي. ومع ما في هذا القول نرى هناك صور تنطبق
على الواقع السياسي العراقي. حيث نرى يومياً مشاهد تدمى لها القلوب
البشرية من قتل وتفجير وتفخيخ وقتل بأسلحة كواتم الصوت تطال الصغير
والكبير, وللأسف تمارس من قبل جهاز الدولة وعناصر حمايته.
ولكننا نتسائل كيف يمكننا نعت الرذيلة أو تصنيفها ونحن أمام
ممارسات تصل الى مستوى الاستبداد والاستهتار بالسلطة والنفوذ والمال.
لايمكن ان نتصور أن هناك جهة أو شخص يبرر أو يخرج ذلك الواقع بمخرج
شرعي أو قانوني أو أخلاقي.
وهل نحن أمام إشكالية في تحديد الظلم والكشف عن الظالم أم أن الظلم
متداخل بجنبات العدل, والظالم يريد أن يخفي بين حناياه قبساً من العدل
حتى وأن كان باهتاً. فالظالم والمظلوم مسؤولان أمام الله والمجتمع مهما
تكن صفة الظالم السياسية او الاجتماعية, ومسؤولية كليهما تحددها
المنظومة القانونية والأخلاقية في المجتمع. وللأسف نرى هناك من يمارس
الرذيلة السياسية بسلوكيات تافهة من خلال تسييس الملفات القضائية وطرح
عبارات وجمل على وسائل الاعلام يراد بها تذويب الضمير الإنساني بعبارات
باهتة لا تحقق الحق وهي مجرد دعامات للرياء, وهذا الخلل سببه هو غياب
وانعدام الثقافة السياسية والتقاليد القانونية والوسائل الدستورية. |