اثارت تجاذبات ازمة الاتهامات الاخيرة التي تكللت بإصدار مذكرة
اعتقال قضائية بحق نائب رئيس الجمهورية؛ نتيجة اعتراف بعض عناصر حمايته
وما سبقها من سفره الى السليمانية واستقراره فيها.. وما تلاها بعد
يومين من خرق امني خطير بتفجيرات انتحارية بقلب العاصمة بغداد اودى
بحياة المئات من الابرياء جرحى وشهداء؛ موجة من التساؤلات تارة
والاستنكارات تارة اخرى حول..
هل هذه هي الاجواء الايجابية والمناسبة المطلوب توفرها او التي كنا
نتمناها لعمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بعد اتمام
الانسحاب الامريكي؛ سواء على المستوى السياسي الذي تعطل عمل برلمانه
التشريعي او على المستوى الامني الذي عجز عن حماية ارواح الابرياء في
اغلب مناطق العاصمة او حتى القضائي الذي اثار بإصداره مذكرة؛ القبض؛
الازمة الحالية وغاب تماما عن الساحة او التعقيب او التصريح حول ذات
الموضوع؟
ان سمو القانون وضرورة تطبيقه على الجميع امر لا يختلف عليه في اية
دولة تدعي الديمقراطية او تسعى لتطبيقها، بحيث لا يمكن لأي شخص داخلها
امكانية الحصانة من الجزاء في حال ارتكابه لأية اعمال تخل بالأمن العام،
خصوصا اذا كانت تلك الاعمال تتعلق باراقة الدم البريء.
لذا نحن مطالبون بتعزيز استقلالية القضاء واحترام قراراته والدعوة
الى تنفيذها، لانها جزء رئيسي من متطلبات تعزيز الديمقراطية وترسيخها
وسيادة القانون.. اذ من الخطأ الوقوع في مطب تسيس القضاء او الحكم على
قراراته مسبقا في قضية نائب الرئيس او في غيرها دون اتباع سياقاته
المعروفة والمتبعة. واذا كان من حل للازمة القضائية الحالية فلن يتم
الا من خلال ضرورة الاستجابة العاجلة لقرارات القضاء، لعدة اسباب منها:
• المتهم شخصية عامة (نائب رئيس جمهورية)، والاحرى به الاستجابة
للقانون والخضوع لقراراته اكثر من غيره.
• ضرب المثل من قبله؛ في ان ليس هناك اية شخصية فوق القانون مهما
كان منصبها او درجتها الوظيفية او السيادية.
• خطورة الموضوع لمساسه بالدم العراقي اولا وبالامن العام ثانيا، ما
يستدعي حسمه والوقوف على حقيقته واعلانها مهما كانت.
وان كان من مخرج لهذا الموضوع فان الاعتراض عليه عن طريق الطعون
القانونية وتقديم ادلة البراءة، بديلا منطقيا عن اية طرق اخرى او
اللجوء الى الاتفاقات او الصفقات السياسية، ويبدو ان السيد الهاشمي
سائر في هذا الاتجاه، وقد يكللها بحضوره امام القضاء في بغداد لإثبات
براءته كما يؤكد بتصريحاته منذ اعلان مذكرة الاعتقال.
لكن للازمة السياسية برمتها؛ بغض النظر عن موضوع مذكرة الاعتقال؛
جوانب متعددة للانفراج، منها:
- سياسي:
يدعو كافة الاطراف الى الحكمة والعودة الى طاولة الحوار البناء
والمثمر واستغلال المبادرات المطروحة من دعوة اجتماع القوى السياسية
الرئاسية؛ ميثاق الشرف الوطني؛ الطاولة المستديرة؛ وحتى دعوة رئيس
الوزراء لاجتماع وطني شامل.. وهو ما نحتاجه في هذا الظرف الحرج الذي
يلي خروج القوات الامريكية.
- امني:
يدعو الى اعادة النظر بالخطط الامنية المطبقة ومحاسبة المقصرين
واعتماد المعلومة والعمل الاستخباري بديلا عن التواجد العددي.. والبحث
الجدي عن مخرج يؤدي لتسمية الوزراء الامنيين حتى لو كان من طرف سياسي
واحد، وهو اهون من ان نبقى بلا وزراء امن او وزراء بالوكالة والمفخخات
تعصف بالابرياء دون تمييز.
- قضائي:
يستوجب من الجميع احترام القضاء وترسيخ استقلاله وعدم اقحامه في
الخلافات السياسية. وفيه مستويين:
اول: من جانب السياسيين والمواطنين: يحترم القضاء ويؤمن باستقلاله
ويخضع لقراراته.
ثاني: من جانب السلطة القضائية ذاتها: التي يجب ان تعمل وفق هذا
السياق وتثبت بالقول والفعل والتعامل والتنسيق الداخلي ما يظهرها امام
السلطات الاخرى بمظهر يمنحها تلك الاستقلالية والقوة والصلاحية.
ان استمرار الاطراف السياسية في تبادل الاتهامات عبر الساحة
الاعلامية او اللجوء الى توظيف قرارات القضاء لاغراض سياسية، او محاولة
اقحام الشارع في التحشيد او التأييد لقضية سياسية ما؛ على اية اسس كانت
او مبررات او حجج؛ له ما له من المخاطر والنتائج السلبية التي قد لا
تحمد عقباها على تنقية اجواء ما بعد الانسحاب.. ان حاضرا او مستقبلا. |