بعد ثمان سنوات على تغير نظام الحكم في العراق ما تزال البلاد منهكة
من عملية سياسية باتت غير قادرة على الخروج من الأزمات العديدة المحيطة
والمحدقة بالعراق من كل جانب. فالإرهاب الداخلي والخارجي وتناحر القوى
والأحزاب السياسية والفساد المالي والإداري كلها أعباء تثقل كاهل الشعب
المسكين وتزيد من مصاعبه.
والمراقب للأوضاع السياسية في العراق يدرك أن كل ما يجري هو أحد
اثنين فإما أن تكون العملية السياسية الحالية والقائمة على المحاصصة
فاشلة من الأساس أو أن تكون شخصيات القائمين عليها غير قادرين على
إدارة البلاد.
أما المحاصصة فقد كانت وما تزال كالغصة في حلق أي مسؤول أو رئيس
حكومة تسلم مسؤولياته في العراق منذ العام 2003. وقد عبّر عن ذلك
السياسيون أنفسهم. وقد تكون هذه المحاصصة مبرراً للفشل والعجز عن إدارة
أمور العراق وثرواته وملفاته. وهذا يقودنا للحديث عن عدم القدرة على
قيادة دفة البلاد والخروج من حقول الألغام السياسية والأزمات المصطنعة
التي تغرق العراق وتعطل أي مقومات للتنمية الحقيقية لأبنائه.
ويبدو الأمر للكثير من الباحثين عن حل ومخرج من هذه الأوضاع كمن
يدور في حلقة مفرغة. فالسياسيون اليوم هم من أدخل العراق في هذا النفق
المظلم وهم من وضع الأساس لهذه العملية التي شاركوا فيها جميعاً ومنذ
البداية. ولا يمكن لنا في ظل هذه التعقيدات اليوم أن نعود بعقارب
الساعة إلى الوراء فعراق 2011 هو ليس عراق 2003، فالوجود الأمريكي (المباشر)
قد انتهى وقد أدّت هذه العملية السياسية إلى حدوث شرخ كبير بين
السياسيين أو قد يكون هم من تسبب فيه إلى أن تحول إلى حالة من عدم
الثقة.
من هذا المنطلق فإن البحث عن حلول يجب أن يكون من خارج دائرة هؤلاء
السياسيين. ولا نقصد هنا الاستعانة بالخارج لأن العراق أصلاً يعاني من
تدخلات الخارج وتعقيداته وتداخلاته في الحياة السياسية العراقية سواء
أكان هذا على الصعيد الإقليمي لدول الجوار أو على مستوى المصالح
الدولية المتضاربة. لكننا نعني هنا البحث عن حلول مبتكرة من قبل
العراقيين أنفسهم.
من الناحية النظرية قد يبدو الأمر ممكناً لكن من الناحية العملية
فالأمر في غاية الصعوبة، خاصة وأن الأزمة السياسية الحالية تفاقمت
وأخذت أحياناً كثيرة أبعاداً جنائية وصلت إلى اتهامات بتلطيخ أيدي
هؤلاء المسؤولين بدماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي.
الأمر إذاً يتطلب توسيع دائرة المشاركة لاستيعاب وإشراك أكبر قدر
ممكن من القوى السياسية على الساحة العراقية سواء أكانت هذه القوى
تجمعات شعبية أو منظمات مجتمع مدني ومثقفين وفنانين وأدباء. ولا مانع
من تشكيل مجلس إنقاذ أعلى يضم جميع القوى والأحزاب والكتل سواء أكانت
هذه الكتل والأحزاب مشاركة في العملية السياسية الحالية وفائزة فيها أو
غير مشاركة أو لم تحظ بمقعد في البرلمان الحالي. والهدف يجب أن يكون
البحث المعمق والجدي والوطني عن آلية جديدة تؤسس لخطوط عريضة تعيد
تصحيح هذه العملية السياسية الحالية بعيداً عن المحاصصة وتعتمد مبدأ
الكفاءة كمعيار للمشاركة في البناء والإعمار والتنمية.
لقد أثبتت معظم المشاركين في العملية السياسية الحالية أنهم يضعون
مصالح كتلهم وأحزابهم في مقدمة العربة في حين يبقى العراق وشعبه في
الخلف يدفعون بهؤلاء المتثاقلين حتى ينجزوا ما وعدوا به ناخبيهم طيلة
ثمان سنوات عجاف.
إن اعتماد مجلس إنقاذ أعلى لا يتعارض مع العديد من المبادرات
الرائدة كميثاق الشرف الذي طرحه سماحة السيد مقتدى الصدر ولا يعتبر
بديلاً للنظام السياسي الحالي ذلك أنه سيكون أساساً لانطلاقة جديدة في
مرحلة تحتاج لاعتماد مبدأ العراق أولاً بعيداً عن التحزب للمذهب والعرق
والدين.
لقد كان الجميع وما يزال يعوّل على العراق كمنافس جديد على الساحة
العربية وكعضو فاعل في المحافل الدولية لأهميته الاستراتيجية
والاقتصادية وعمقه الحضاري والثقافي خاصة وأن المنطقة العربية برمتها
تغلي على صفيح ساخن وملتهب. لكن يبدو أن الصراع السياسي في العراق قد
وقف في وجه كل هذه الطموحات حتى أن العراق بات مهدداً بالعودة إلى
المربع الأول لينتقل من نشرات الأخبار الاقتصادية متصدراً نشرات
الأخبار السياسية والأمنية.
وهنا يجب الإشارة إلى عامل الوقت فالبعض من أعداء العراق يعوّل على
التغيرات الإقليمية وانعكاساتها على الداخل العراقي في حين أن العراق
ما زال يترنح هنا وهناك من دون سياسة قادرة على قيادة دفة السفينة. لذا
فالحل يقضي أن نجلس جميعاً إلى طاولة الحوار ونبحث عن مخرج لما نحن فيه
وإلا فإننا سنكون جميعاً ضحايا لمركب يغرق وسيبقى العراق رهينةً لأزمة
الإدارة وإدارة الأزمة.
sadekalrikaby@gmail.com |