منذ انطلاق العملية السياسية الجديدة في جمهورية العراق الثانية بعد
سقوط النظام الفاشستي الصدامي, تم بناء النظام السياسي على أسس
المحاصصة والتوافق والشراكة الوطنية التي نحرت العراق وشعبه خلال تسعة
سنوات بعد أن جر الفرقاء السياسيين الشعب الى خندق الطائفية وإقامة
الحروب والتهجير الذي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من الاطفال والنساء
والشيوخ ورجال الامن.
وهذا الخطأ الجوهري يكمن في قبول الأطراف هذا المبدأ المقيت الذي
شكل بجدارة عالية أزمة سياسية وأمنية وخدمية مستعصية خلال السنوات
التسعة. فقد أصبح واضحا وجليا لكل داني وقاصي أن الاعمال الارهابية
تنطلق من قلاع المسؤولين المحصنة. أو تحظى بعضها بتغطية سياسية من داخل
الحكومة, لأن الأحزمة والمتفجرات والأسلحة الكاتمة لا يمكن لها أن تنفذ
إلا عبر اختراقات أمنية كبيرة تستند الى قواعد وركائز لها داخل مؤسسات
أمنية وسياسية.
فضلا عن مساوئ الشراكة والمحاصصة الاخرى التي تكمن في تفشي الرشوة
والفساد وخلق حالة الفوضى المرعبة في كل مؤسسات وزوايا الدولة العراقية,
تحت حماية ورعاية الاحزاب والقوى السياسية المشاركة في الحكم.
ولا يمكن لأي نظام سياسي جديد يعتمد الديمقراطية وصناديق الاقتراع
أساساً في بنيته السياسية أن يلجأ الى مفهوم الشراكة السياسية أو مبدأ
التوافق, لان في ذلك ينعدم التوازن داخل البرلمان, ويربك عمل الحكومة
في اختيار الوزراء والتعاطي مع الملفات الامنية والخدمية.
لأن نجاح الحكومة يكمن بوجود طرف معارض لها ومراقب لأدائها وهي ما
تسمى المعارضة داخل البرلمان. وهذا لم يتحقق في التشكيلة التي تعاطت به
الكتل والاحزاب السياسية العراقية بعد الانتخابات. فقد اختفت المعارضة
من تحت قبة البرلمان وأصبحت كل الاحزاب الفائزة حكومة فرهود تعتمد
الصراع ولوي الاذرع مبدأ أساسي في حواراتها وحراكاتها اليومية, وقد
يذهب البعض منهم الى أبعد من ذلك في انتهاج لغة الترويع والتصفيات
الجسدية, من خلال استغلال نفوذه ومكانته ومزاياه المالية.
وبعد مغادرة القوات المحتلة وتحديد أطر العلاقة بين الولايات
المتحدة الامريكية وجمهورية العراق على أسس العلاقات الدبلوماسية
والتعاون والتبادل والتجارة والتسليح. على القوى السياسية أن تجنح الى
تصحيح مسارات العملية السياسية وتؤمن بتنازل طرف لطرف آخر من أجل مصلحة
الشعب العراقي.
وبعد أن كشفت الاحداث الاخيرة للرأي العام العراقي مطبات سياسية
وأمنية خطيرة يجعل المراقب والمعني بالشأن العراقي أن يضع خطوط حمراء
تحت تلك العناوين التي جاءت بها الاعترافات التي أدلى بها حمايات نائب
رئيس الجمهورية طارق الهاشمي, التي أكدت شكوك المواطن والمراقب الى أن
السيارات التي تقوم بنقل المتفجرات والاسلحة الكاتمة وتقوم بتنفيذ
الاعمال الارهابية وتَنفذ بيسر من خلال مرورها بالخط العسكري الخاص
بسهولة من السيطرات هي سيارات حكومية ذات باجات وهويات حمراء وخضراء.
وهذه سابقة خطيرة تمر بها دولة تريد ان تؤسس نظاماً ديمقراطياً يتسع
للجميع, وهذا يدعونا الى التوقف والتأمل الى حجم المخططات والمؤامرات
الداخلية والخارجية التي تنسج ضد أبناء شعبنا.
هذه الاحداث تجعل المواطن يقلق بشدة على حاضره ومستقبله لأن الحكومة
بهذه الافعال تتجاوز حدودها الاخلاقية والانسانية والمهنية لانها تتحول
من حامي وراعي الى منتهك للامن والأمان.
اضافة الى تصريحات نائب رئيس الوزراء صالح المطلك التي أدان نفسه من
فمه بقوة, ونكث جميع التزاماته الاخلاقية والسياسية اتجاه العملية
السياسية ونسف كل المواثيق والتعهدات. فقد تمادى الرجل كثيرا في النيل
من سمعة الحكومة ورموزها والدولة العراقية والاستهزاء بالعملية
السياسية.
والقائمة العراقية عليها ان تتخذ موقفا شجاعا وتحزم أمرها من
الحكومة أما أن تسير بصورة واضحة تنسجم مع تطلعات الشارع العراقي أو
تجلس في مقاعد المعارضة وتترك الفرصة الزمنية المتبقية للقائمة الاكثر
عددا أو كتلة الائتلاف للسير في كابينة الحكومة. على أن تكون كتلة
العراقية مشاكسة داخل قبة البرلمان, ولايمكن أن تصحح مسارات العملية
السياسية إلا بجلوس طرف معارض تحت قبة البرلمان وهنا نقول للعراقية
عليكم الجلوس.
لان العراقية لم تستطع ان تؤسس تجمع حقيقي داخل البرلمان وتكون
أغلبية سياسية تسير بها الى شاطئ الحكومة. وبالتالي عليها ان تكون أكثر
برغماتية في التعاطي مع الاحداث والمواقف, لأن غالبية الشارع
والمراقبين يضعون اللوم على القائمة العراقية باعتبارها الجزء المعطل
للحكومة وهي كثيرة الادعاء والشكوى من قبل دولة القانون حتى أصبحت
الاخيرة عقدة سياسية للعراقية واقطابها.
وعلينا كمراقبين ان نطرح وجهة نظرنا لجميع الاطراف من أجل خلق حالة
توافقية تمنح للطرفين فرصة العمل والتعامل مع مهامها, من خلال اختيار
مكانها المناسب. لان العمل السياسي لاينحصر في زاوية معينة او مكان
واحد, بل العكس يمكن للقوى السياسية التي لم تفوز بالانتخابات ان تعيد
قراءة المشهد السياسي والتواصل مع جمهورها وتمنح الفوز بالانتخابات
المقبلة باعتبارها متفرغة وغير مرتبطة بمهام, فضلا عن خلو مسؤوليتها من
اي تبعات قانونية واخلاقية وسياسية يترتب عليها من قبل الشارع العراقي.
فنحن نرى أن تشكيل حكومة أغلبية سياسية تمنح فرصة مهمة وضرورية
لتصحيح المسارات السياسية الخاطئة, ومن هنا يتم تحقيق ثنائية المعارضة
والحكومة, فتصبح حكومة أغلبية ومعارضة أقلية داخل البرلمان. فلايمكن ان
تسير أي حكومة تريد أن تؤسس دولة مدنية ديمقراطية ذات اقتصاد متين وجيش
قوي ومجتمع واعي بهذا الشكل الكسيح الذي تسير به الحكومة العراقية
وبهذه السرعة البطيئة. فضلا عن التركة الثقيلة التي خلفتها السنوات
التسعة من سوء الخدمات الامنية والصحية والتعليمية والبيئية.
فعلى جميع الاطراف ان تقدم المصلحة العامة على المصالح الحزبية
وتحترم أرادة الناخب وعقلية المواطن العراقي, وأن تحافظ على ما تبقى من
ماء وجهها في الشارع.
ونحن ندرك جيدا ان تشكيل حكومة أغلبية سياسية تحتاج الى آليات عمل
قانونية ودستورية تتم داخل البرلمان من خلال كسب الثقة لتلك الحكومة,
وكن نطرح رأينا من باب النوايا لان النوايا والقناعات مهمة جدا في
الانطلاق لأي عمل. |