العراق والسيادة وعلمنا الغالي!

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: السيادة حسب تصور احد الباعة في سوق الشورجة هو العلم العراقي بعبارة (الله اكبر) التي ابدعتها مخيلة القائد الضرورة في حربه الخليجية الثانية.. ويقول هذا البائع مازحا: لو ان النجوم الثلاثة لازالت باقية في العلم العراقي لبعت الكثير منه لكثرة البعثيين في العراق.. وعلى ذمة البائع نفسه فان جهة سياسية ما طلبت من اصحاب المحلات التجارية في منطقة المنصور في كرخ بغداد تعليق العلم على محلاتهم يوم 31 من الشهر الجاري تزامنا مع الانسحاب الامريكي النهائي.

ما هي السيادة؟... هي خاصية وشرط لوجود السيد.. وهو المتفوق او البارز في ميدان معين.. اشهر استخدام لها هو في ميدان السياسة.. حيث تشير الى القدرة القانونية والعملية لدولة من الدول على فرض حكمها على سكان معينين وارض معينة.

والسيادة القانونية، تعني السلطة القانونية المطلقة التي تملك –دون منازع- الحق (القانوني) في مطالبة الآخرين بالالتزام والخضوع على النحو الذي يحدده القانون.

اما السيادة السياسية، فتعني القوة السياسية غير المقيدة أي القادرة على فرض الطاعة،وهو ما يستند غالبا إلى احتكار قوة الإرغام.

كما يستخدم المصطلح ايضا لتاكيد الحق او ادعاء قدرة لا يمتلكها المرء في الوقت الحاضر، كما في حالة تأكيد الصين سيادتها على تايوان، وادعاءات كثير من الشعوب الاصلية في السيادة على الاراضي التي انتزعت منها، كما في حالة الاسكندرونة وفي حالة كركوك والمناطق المتنازع عليها بين العرب والاكراد ولو ان الاكراد لا يمتلكون دولة.. ويعني اطلاق مثل هذه الدعاوى انكار شرعية من يمارسون الحكم حاليا على الاراضي المتنازع عليها.

يستخدم مصطلح السيادة بصورتين مختلفتين -وإن ظلتا مترابطتين- للإشارة إلى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية، ففي حين ترتبط الثانية بوضع الدولة في النظام الدولي ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل(مفهوم السيادة الوطنية أو الدولة ذات السيادة)، فإن السيادة الداخلية تشير إلى القوة أو السلطة العليا داخل الدولة ممثلة في الهيئة صانعة القرارات الملزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة. وترتبط السيادة الداخلية بهذا المعنى الداخلي بمفاهيم مثل (السيادة البرلمانية) و(السيادة الشعبية)..

لقد تطورت النظرة الحديثة التي ترى ان الدولة يجب ان تمتلك السلطة ذات السيادة القادرة على تخطي جميع السلطات المعتادة والتابعة، تطورت بالاضافة الى الدولة نفسها من محاولات احتواء الحروب المدمرة في اوربا الحديثة الاولى.. ومنذ ذلك الحين الحين اصبحت السيادة مكونا مركزيا في نظام الحكم الدولي الذي يعتمد على العلاقات بين الدول وعلى قدرات الدول في حكم سكانها.

ظهر مفهوم السيادة في القرنين السادس عشر والسابع عشر كنتيجة لتطور الدولة الحديثة (القومية) في أوروبا.فمع تراجع سلطة المؤسسات عبر القومية ممثلة في الكنيسة الكاثوليكية والإمبراطورية الرومانية، تمكنت الملكيات المركزية الطابع في فرنسا وإنجلترا وأسبانيا وغيرها من إدعاء امتلاك القوة المطلقة على أقاليمها تحت مسمى (السيادة).

وفي المراحل الاولى من هذا التطور راى جان بودن ان الامة المنظمة لابد ان تمارس سلطة محددة واحدة وسيادة قادرة على فرض القوانين (على الرعايا بصورة عامة دون موافقتهم).. ويوافق توماس هوبز على ضرورة السلطة ذات السيادة لكنه يحاجج بان من غير المعقول الادعاء ان السيد يجب ان يخضع لمثل هذه الشروط: واذا كان السيد مضطرا الى تلبيتها فلابد ان يخضع الى سلطة اعلى منه ومن ثم لايكون سيدا فعلا.

كما يرى هوبز ان الافراد يخضعون الى السلطة ذات السيادة لحمايتهم في اخر الامر: ومن ثم تظل السيادة في مكانها مادامت الدولة السيدة تمارس السلطة لحماية رعاياها.

وقد ظهرت تصورات أخرى للسيادة في فترات لاحقة: فمثلا طرح روسو تصورا للسيادة (الشعبية) ممثلة في فكرة الإرادة العامة وهو ما يعني ربط السيادة بالديمقراطية.كما قدم جون أوستن مذهب السيادة البرلمانية أو (البرلمان صاحب سلطات الملك)، أي ربط السيادة بالدستورية.

ان الادعاء بان الدولة لكي تكون ذات سيادة حقيقية ينبغي ان تكون لديها القدرة على فرض سلطتها القانونية على سكانها واراضيها تضع سيادة كثير من الدول المعاصرة موضع السؤال.. خلال القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين كثيرا ما أضطرت الدول غير الغربية الى القبول بمعاهدات واتفاقيات مجحفة اعطيت فيها منزلة أقليمية للقوانين المدنية لدى الدول الغربية القوية، مما كان يشكل نقضا لدعوى السيادة المستقلة.

وهذا ما يكشف ان سيادة الدولة ليست وظيفة العلاقات داخل اراضيها وسكانها وحسب، بل ايضا وظيفة الظروف الدولية: اي ان سيادة الدولة تنشأ في تفاعلاتها مع الدول الاخرى والجهات القوية التي ليست بدول.. واليوم تبدو سيادة كثير من الدول مهددة بالعولمة وبالتاثير العالمي للولايات المتحدة واليابان والتاثير الاقليمي للقوى الاصغر وبسلطة الاتحاد الاوربي على الدول الاعضاء فيه ومطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والجهات العالمية الاخرى وسلطة الشركات الكبرى العابرة للقومية والقدرات المدمرة للاسواق المالية الدولية.

احيانا تتعرض سيادة الدولة للتهديد ايضا من لدن القوى الداخلية القوية التي تمدها الشبكات الدينية من لدن تجارة السلاح المحظورة والمخدرات والاحجار الكريمة ومن الدعم المادي الخارجي... هل ان العراق سيتمتع بالسيادة التي كثر الحديث عنها وفقا لهذه المعطيات؟ ام ان البائع للاعلام العراقية كان مصيبا في فهمه للسيادة الوطنية؟.. القادم من الايام سيخبرنا بالكثير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/كانون الأول/2011 - 16/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م