شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن الانسان
يهدف الى الخلود، وطالما حاول ذلك، كما ورد في بعض الأساطير والملاحم
الاغريقية او السومرية أو غيرها، كما نقرأ في رحلة كلكامش وبحثه
المستميت عن عشبة الخلود، لكن الانسان بقي مقيدا بعمر محدد، هذا العمر
محسوب عليه بالدقائق والساعات، لذا عليه أن يستثمر ساعات عمره الى أقصى
حد ممكن في العمل الجيد والمفيد، كونه وسيلته الأهم نحو الرقي الفردي
والمجتمعي في آن.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (اغتنام الفرص): (إن الإنسان في هذه
الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى،
فلكل منهما قيمة لا تقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم بعمله).
قيمة الزمن الكبرى
وهكذا تتضح قيمة الزمن الكبرى لنا جميعا، ولعل النجاح الذي حققته
الامم والشعوب الاخرى على الاصعدة كافة، يرجع بالدرجة الاولى الى اعطاء
الزمن قيمته الحقيقية، وهذا يؤدي بدوره الى الاستثمار الأمثل للفرص
التي تعترض مسار الانسان، او تلك التي يخلقها بنفسه، بمعنى أن
الاستثمار الافضل للفرص يعني بدوره إستثمار أمثل لساعات العمر، وهو ما
يحث عليه الفكر الانساني السليم في جميع الطروحات الفلسفية او
الاجتماعية او غيرها، ناهيك عن التعاليم السماوية المقدسة التي نزلت في
كتب الله تعالى، وأولها تركيزا وتأكيدا على اهمية صلاح الانسان ونجاحه
في العمل الصالح، هو القرآن الكريم كما يشهد الجميع بذلك، لذا لابد أن
يستثمر الانسان حياته المحددة بزمن محدد في الانتاج السليم على الصعد
كافة، وبعكسه، فإن إهدار الفرص تمثل إهدارا لعمر الانسان، وضياعا
لجهوده وقدراته الكبيرة التي منحها له الخالق العظيم سبحانه.
في هذا الصدد يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على: (أن تقدم
العمر بالإنسان عبارة عن قرب نهاية وجوده على هذه البسيطة، وخاتمة عمره
في هذه الدنيا، والدنيا ـ كما في الحديث الشريف ـ مزرعة الآخرة-، فلا
بدّ للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه: فالساعات التي يضيّعها الإنسان
هنا وهناك، بلا استثمار ولا استغلال، فإنه إنما يضيع بها جزءً من وجوده،
ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره).
الساعات تنهب النهار
إن الزمن قد لا يخضع لاداء العمل الجيد اذا فقد الانسان قدرته على
التحكم به، وطالما أن الانسان على قيد الحيات فإن ساعات عمره تحترق
باستمرار، بمعنى يبقى عمر الانسان في تنازل مستمر، كما يقول الامام علي
عليه السلام في كتاب غرر الحكم ودرر الكلم ص159 ق1 ب6 ف5 ح3042: (الساعات
تنهب الأعمار)، لذا من الواضح أن الانسان مطالب باستغلال العمر بالصورة
التي تليق بمنحه فرصة الحياة، وذلك من خلال تحويل الزمن الى منتج فكري
أو عملي يساعد على تطور الانسان فردا كان أو جماعة، علما أن الاستثمار
السليم للزمن يساعد في إطالة عمر الانسان، لأن النجاح سيكون دافعا لأن
يعيش الانسان في وضع مادي ومعنوي جيد جدا، وهذا ما أثبتته بعض الدراسات
الحديثة المتخصصة، أي كلما كان الانسان ناجحا في حياته كلما كان عمره
أطول من غيره، وهذا ما أكده الامام الشيرازي سابقا، في كتابه نفسه إذ
يقول سماحته: (لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر
ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر
الإنسان).
السعادة في العمل الصالح
ويبدو أن الترابط بين العمل الصالح وطول العمر واضحا لمن يبحث عن
الاسباب، فحين يقوم الانسان بعمل جيد يخدم فيه نفسه والآخرين معا، فإنه
سيشعر بحالة من السعادة والابتهاج، كونه قدم شيئا يساعد الناس في
حياتهم او قضاء حوائجهم الماسّة، لذا تجد أكثر الناس سعادة هم المنتجون
الفاعلون في المجتمع، حيث يقدم ذروة أفكاره وأعماله لصالح الآخرين،
فيشعر بحالة من السعادة والسمو الروحي الذي ينعكس على مجمل حياته ماديا
ومعنويا.
لذا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (إن الإنسان عندما يؤدي
العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يرى
أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه
سوف لا يتحسر يوم القيامة على هذه اللحظات والساعات.. على العكس من
الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب، فإنه يندم على كل لحظة لم
يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية).
النجاح واحترام الزمن
لذا فإن نجاح الانسان مرتبط في الغالب بأفكاره وأعماله، وبالفرص
الناجحة التي يستثمرها قبل أن تمضي من دون هدف أو طائل، كما يحدث مع
أناس كثر في مجتمعنا، وهكذا تبدو العلاقة تصاعدية بين النجاح وبين
احترام الزمن، واستخدامه بطريقة صحيحة من لدن الانسان، يقول الامام
الشيرازي في هذا المجال: (إن الذي يقدّر الزمن ويعمد إلى صالح الأعمال،
إنما يزيد لروحه ومعنويته معنوية وكمالاً مضاعفاً، ومضافاً إلى طول
عمره عندما يأتيه الموت تراه فرحاً مستبشراً؛ لأنه يشعر أنه غير مقصر
في أمره، فلا يندم ولا يتحسر كما يتحسر من ضيع عمره، فبهذا الاهتمام
والاغتنام وبفضل الله تعالى يضمن نجاته من أليم العذاب).
لذلك لابد أن يتنبّه الانسان الى أهمية الزمن، وضرورة استغلال الفرص
في العمل الجيد، فهما كفيلان برفع الانسان الى درجات عليا من السمو
والترفّع على الصغائر، ناهيك عن الفوائد الجمة المتمثلة بارتفاع
المعنويات، مع المكاسب المادية التي تشكل مردودا متواصلا للاعمال
الناجحة، على أننا يجب أن نفهم أن الانسان الذي يستغل زمنه في استثمار
الفرص للعمل الصالح، هو ذلك الذي يتمتع بالذكاء حتما، وخلاف ذلك لابد
أن الانسان يعاني من خلل في الفهم والذكاء والادراك الامثل، في هذا
الخصوص يقول الامام الشيرازي في كتابه القيّم نفسه: إن (الزمن مجموعة
ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها،
والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبداً). |