ذاكرة الجنس في العراق

هادي جلو مرعي

تسير متعثرة، محنية الظهر، لا ترفع عينيها في حضرة الرجال، وإذا تكلموا سكتت، وإذا سألوها أمراً لا ترد، فيهتفون: السكوت علامة الرضا.

الجنس حين يتحول الى هستيريا تصيب جماعة الرجال، فعلى النساء في الغالب أن يكن على قدر من الهدوء العال ليقفن في وجه العاصفة، وفي حضارات العراق القديمة كان الجنس حاضرا في ذاكرة الناس، وسواء كانوا في بيوت من طين أو من البردي والقصب أم في القصور، فقد كانت الفكرة واحدة.

وفي زمان التحول من حال الكبت الى حال البوح بما يعتمل في النفوس والعقول تتفجر الرغبات، كما هو حاصل عندنا بعد عقود من الحرمان السياسي والإقتصادي والجنسي، ويكون الإعصار كاسحا وعلينا تقبله كما تقبلنا إطروحة (الفوضى الخلاقة) بإنتظار عودة الهدوء.

يبحث الرجال عن النساء في الأخبية والأقبية، ويلاحقونهن في العمل والسوق، وفي الجامعة والمشفى وفي أماكن التزاحم بين الجنسين، والبعض يستغل حاجتهن الى المال والعمل ليحقق رغبته. وفي الغالب تقع المرأة ضحية لسطوة الرجل (المدير، أو المسؤول) أو القادر على قضاء حاجة في وزارة أو دائرة، والنساء على أصناف، فمنهن من تمانع وسواها توافق، وأخرى تهرب من المكان،وفي حروب العراق وحصاراته وطائفيته وفرقته وصراعه السياسي ضحايا كثر من الرجال وملايين من المرملات من النساء الشابات اللاتي لا يجدن من يقضي لهن حوائجهن، وليس ضحايا الحروب والموت من النساء عرضة للإبتزاز والإستغلال، فحتى الشابات لهن حوائجهن، وليس ضحايا الحروب جمة في مواجهة المتوحشين من الرجال والمتعطشين للرغبة.

أحد الأصدقاء روى ليّ، وهو نافذ في وظيفته، إنه ساعد امرأة في معاملة مرت عليه وأعجبته فعرض عليها إقامة علاقة جنسية شرعية، وردت عليه بتهذيب عال: يا إستاذ معاملتي هذه تتطلب مروري بك وبغيرك من الرجال وكلكم تعرضون عليّ إقامة علاقة، فهل أوزع جسدي بينكم؟ وهل أستطيع الإيفاء بمتطلبات العلاقة مع أربعتكم (الرجل يرتبط بأربع من النساء، لكن ليس للمرأة أن ترتبط بأربعة من الرجال). ومثل هذه الحوادث لا تحصى.

بعض الصحفيات يشكين من ضغوط من زملاء العمل، ومن رؤسائهن، وبعضهن يتركن وظائفهن نتيجة ذلك الضغط وأنصحهن – عادة - أن يرمين بأحذيتهن في وجوههم. فالمرأة الضعيفة عادة ما تكون أسرع في الإستجابة. واحدة منهن ذكرتني بعادة درج عليها فئة من الهنود يقومون بإحراق المرأة مع زوجها المتوفى علامة الوفاء، ولا أدري أي وفاء، وهي قد تكون رافضة لمثل هذا الجنون. لكن كم واحد منا يرغب بموت زوجته قبل موته ليضمن أن لا تكون ضحية من بعده للمطاردين والصيادين الباحثين عن أرملة.

المرأة مظلومة حتى في طبيعة العقوبة، فالرجل حين يقيم علاقة معها لا يحاسب وإذا حوسب لا يتعرض الى القتل، فقط يمكن أن يدفع تعويضا، أو يسجن، لكن عقوبة المرأة تصل في الغالب الى الموت قتلا على يد الأخ أو أبن العم، وسواهما من الأقرباء. سألت رجلا: ماذا تفعل بإبنتك إذا زنت؟ قال: أقتلها. قلت وإذا زنا ولدك؟ قال: لا أقتله. ولهذا أقول: المرأة مثل زجاجة إذا كسرت فلا تعود لهيئتها السابقة والرجل مثل كوم من التراب لا يؤثر فيه الرصاص ولا القنابل.

hadeejalu@yahoo.com

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/كانون الأول/2011 - 15/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م