دروس من العراق... بخصوص إيران وإسرائيل !

مهند حبيب السماوي

هل يمكن أن نستخلص دروسا، مما جرى للعراق من إحداث في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، يمكن أن تساهم في حل مشكلات ما يشهده العالم حاليا من صراع حاد بين المجتمع الدولي وإيران حول برنامج الأخير النووي خصوصا في ظل تداعيات ما رشح من تصريحات وإنباء عن نية إسرائيل توجيه ضربة عسكرية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية ؟

هذا السؤال المهم هو مضمون مقالة جديدة للباحث البروفسور مالفريد بروت وهو أستاذ في كلية الدفاع النرويجي في أوسلو، اذ كتب مقالة مهمة في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في الثامن والعشرين من الشهر الماضي ربط فيها بين تداعيات وأسباب ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 وبين نيتها الحالية القيام بضربة عسكرية ضد إيران كما بدا ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينما قال " أن الخطر الإيراني غير واضح للعيان حاليا... ولكن يجب علينا العمل قبل أن تُغلق نوافذ الحل الذي هو واضح، ويتمثل في توجيه ضربة عسكرية فورية لإيران... ومن غير الممكن تنفيذ مثل هذا الهجوم حينما يكون مفاعل فوردو الإيراني يعمل بصورة كلية".

في البدء نجد أنفسنا أمام حقيقة يختلط فيها التاريخ والسياسية وهي ما لاحظه البروفسور مالفريد بروت اذا وجد أن البرنامج النووي للنظام العراقي السابق مع البرنامج النووي الإيراني الحالي قد شكلا محورين مهمين من محاور الجدال السياسية لفترة ناهزت العقد، بل من وجهة نظري أكثر من العقد إذ استمر الجدل حول البرنامج النووي العراقي سنوات عديدة ولم ينته الا بعد احتلال العراق وإسقاط نظام..

 وها نحن الآن و منذ سنوات نرى بوضوح كيف اخذ الملف الإيراني النووي حيزاً كبيرا في الفضاء الإعلامي العالمي منتقلا بين قاعات الكونغرس الأمريكي الى أروقة الامم المتحدة ومجلس الأمن.

ويؤكد البروفسور بروت على أن الكثير ربما موافق على قرار ضرب ايران الذي يوصي به رئيس الوزراء الإسرائيلي لكن من جهة أخرى ان الادعاءات التي تُساق من اجل ضرب ايران، كما يقول بروت، قائمة على" تضليل تاريخي ومنطقي" ويبدأ بروت بفحص التضليل التاريخي أولاً..فيشير الى ان تصريحات نتنياهو الأخيرة حول البرنامج النووي الايراني تستنسخ الحجج التي سيقت حول ما فعلته إسرائيل مع البرنامج النووي العراقي المزعوم قبل غزو 2003.

وما اثار البروفسور بروت في الحقيقة هي تصريحات نتنياهو حول تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثامن من نوفمبر فيما يتعلق بإيران الذي تحدث عن مدى التهديد الإيراني حيث احتوى، برأي نتنياهو، على مجرد معلومات بسيطة تستطيع الوكالة تأكيدها على نحو مستقل. ولكن هذا التصريح، يتضمن في تحليل البرفسور بروت على حقيقتين، الأولى: أن حكم الوكالة الدولية I.A.E.A ليس جديراً بالثقة فبدلاً من هذا يجب ان نعتمد على تقديرات الاستخبارات التي تكون مصادرها غير موثقة، الثاني: ليس التهديد الإيراني الحقيقي هو في قدرتها على إخصاب اليورانيوم، وإنما في جهدها الواضح لإخفاء معلومات ودفن مؤسسات تحت الأرض تشكل دليل على التهديد المتنامي.

إما العامل المنطقي الآخر فقد لعب دورا مهما في دفع الولايات المتحدة لغزو العراق، حيث يشير البروفسور بروت الى انه بعد عملية اخفاء شامل لبرنامج اسلحة الدمار الشامل العراقية بين عام 1991 وعام 1995 بدأت الوكالات الدولية وأجهزة الاستخبارات بافتراض ان هنالك امراً غير مخفي وان كان على نحو لم يتم التأكد منه، وأكثر من ذلك، ان تحقيق الامم المتحدة حول ما يسمى آلية إخفاء العراق ساهم في طرد الأخير لمفتشي الأمم المتحدة في نهاية عام 1998.

وبعد حرب عام 2003 اكتشف العالم بانه لا يوجد اثر حقيقي لسلاح نووي ! وكما ظهر في تقرير الوكالة الدولية عام 1997 حيث تبين أن تقييمها كان صحيحا حول العراق فبرنامجه النووي قد تم تفكيكه بعد فتر قصيرة من حرب الكويت.

البروفسور بروت يؤكد على أن تقييم الوكالة الدولية الاخير حول برنامج ايران النووي قد أقر بان إيران قد درست عدة تطبيقات لبرامج اسلحة قبل عام 2004 واعترفت بان إيران تسير ببطء وتقترب من القدرة النووية لكن من جهة اخرى لم يقل التقرير بان لديها سلاحا نووياً !.

ويجد البروفسور بروت أن حل نتنياهو المفترض للتعامل مع ايران وهي الهجوم عليها ينبني على دروس تاريخية من العراق، ولسوء الحظ هي دروس خاطئة بامتياز، ففي عام 1981 دمر الطيران الاسرائيلي مجمع مفاعل العراق النووي بينما كان الأخير على حافة ان يصبح فاعلا، وكان قرار هذا الهجوم، وكما قال مؤخرا افانر كوهين الخبير في السلاح النووي لصحيفة هارتز، يرجع للتقديرات الخاطئة لاستخبارات رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وقد عارض القرار بشدة حينها شيمون بيرس ووزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء.

ويميل الإسرائيليون، كما يوضح البروفسور بروت، لتصديق حقيقة مفادها أن الهجوم الإسرائيلي كان يهدف لمنع العراق من أن تكون له قابلية لإنتاج سلاح نووي. لكن من جهة أخرى، وكما يلاحظ ذلك بدقة البروفسور بروت، أن الهجوم قد خلق إجماعا عراقياً غير مسبوق حول الحاجة لردع نووي، وقد أثار جهودا مكثفة لاكتسابها، وفي عام 1991 أصبح العراق على عتبة امتلاك سلاح نووي.

هذا بالنسبة للعراق وما جرى فيه وكيف كانت ردود الأفعال الشعبية حول الضربة العسكرية الإسرائيلية.. ويجد البروفسور بروت أن الهجوم على إيران ستكون له نفس النتائج والتداعيات، فالبرنامج النووي الإيراني الفريد الذي يتطور منذ عقد كامل لايكشف عن وجود اجماع حول اين ومتى يتم تطوير السلاح النووي، وبينما من الواضح انه ممكن أن تقوم إيران بتطوير مادة قابلة للانشطار تستخدم في السلاح النووي خلال اسابيع او اشهر، فانه مثل هذا الخطر والتهديد يحتاج لتحرك يقتضي إجماع غير موجود حاليا في ايران. وأي ضربة او هجوم ضد ايران سوف يخلق اجماعا في ايران على انه من الضروري ان نطور السلاح النووي عاجلا وليس في وقت لاحق.

وينتهي البروفسور بروت إلى توصية المجتمع الدولي باعتماد الأسلوب المنطقي للقيام بجهد يهدف لمنع إيران من الوصول الى عتبة السلاح النووي. فعدم توجيه ضربة عسكرية ضد ايران هو " افضل سياسة لاحتواء إيران" على حد تعبيره.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/كانون الأول/2011 - 8/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م