طنطاوي يطأطئ رأسه

كاظم فنجان الحمامي

ضرب المصريون الأفعى على ذيله، وعلى قفاه، وركبوا فوق ظهرها في ميدان التحرير، لكنهم لم يقتلوها من رأسه، وها هو رأس الأفعى يختزن السم بين أنيابه، ويشغل نفسه بالمماطلة والمناورة، ويكرس جهده كله في البحث عن الحلول الترقيعية التوفيقية..

لقد أمضى العم طنطاوي حقبة الوصاية العسكرية في ترميم أهرامات النظام السابق، والتفتيش عن الفرص المؤاتية لإعادة الأوضاع إلى سابق عهده، ولو على عربة الغراب العجوز (عمر سليمان)، عرّاب المنظمات السرية في المحروسة المنحوسة، فجاء خطابه الأخير متأخرا كثير، ولم يكن متناغما مع تفاقم حالة  الغليان والاحتقان في الشارع المصري، ولا منسجما مع تصاعد نبرة الغضب الشعبي، فكانت كلمته مخيبة لآمال الناس، خصوصا بعد انزلاق مصر إلى نفق المهاترات السياسية العقيمة، وتسارع خطواتها في ماراثون الاستحواذ على صولجان الحكم.

اتضحت النوايا الطنطاوية، وفاحت روائحها عندما سعى في قاعة المحكمة إلى تبرئة مبارك والعادلي من تهمة الأمر بطلاق النيران على الحشود الجماهيرية المعتصمة في الميدان، وسعى لتبرئتهما من تهمة اختلاس المال العام..

فكان الاعتصام السلمي هو الرد الرادع على نفاق طنطاوي، وعلى قرارات مجلسه العسكري، وكان هو الأسلوب الحضاري للإعلان عن رفض الجماهير الغاضبة لتلك القرارات البليدة، وتمزيقها في ميدان التحرير، وكانت مكبرات الصوت هي الحناجر المعبرة عن سخط أبناء مصر على رواسب ومخلفات الماضي البغيض، وهي المرآة التي ستعكس ملامح مستقبلهم الحقيقي، الذي سيعيد لهم حريتهم وكرامتهم المسلوبة، وهي المطرقة التي ستجبر طنطاوي ليطأطئ رأسه أمام الجموع الغفيرة التي خرجت لاسترداد حقوقها الضائعة منذ زمن بعيد.

لم يعتذر طنطاوي لشهداء مصر الذين سقطوا بأجنحة ملائكة الموت التابعة لتشكيلات وزارة الداخلية، ولم يشجب سياسة القمع والتنكيل، التي لجأ إليها بوليس الأنظمة السابقة، في المواجهات المفتوحة مع شباب مصر، وظهر طنطاوي بطيئا متكاسلا مترددا في معالجاته السلحفاتية للانتهاكات البوليسية المتكررة في الشارع المصري، ولم يكن متحمسا في ردع الجناة والمتهورين من قوات مكافحة الشغب، أو بالأحرى قوات (مكافحة الشعب)..

أتثبتت الأحداث أن المجلس العسكري كان يذود في الدفاع عن مراكزه القيادية الجديدة، التي هبطت عليه بعد انحسار سلطات العائلة المباركية، وظهر وكأنه يحاول المراوغة لترسيخ قواعد ثكناته العسكرية الحاكمة، وربما كان يخشى تهميش دوره القيادي بعد انتقال السلطة إلى مكاتب حكومة الإنقاذ الوطنية، التي يفترض أن تضم في تشكيلتها نخبة من علماء مصر ومفكريه، وهذا يعكس حقيقة التلميحات والتصريحات، التي أطلقها المشير طنطاوي في أكثر من مناسبة، وكشف فيها عن رغباته الدفينة بإجراء استفتاءات شعبية حول إشراك قواته المسلحة في قيادة البلاد والتحكم برقاب العباد.

 والانكى من ذلك كله أنه كان يجري اتصالاته السرية مع بعض أقطاب التيارات الحزبية الطامعة بالسلطة، في محاولة منه لتقاسم الكعكة الرئاسية مع القوى المتهافتة على الحكم، وكأنه لا يعلم بأبعاد دوره المرحلي المؤقت المقتصر على حماية الثورة المصرية المصيرية، التي أطاحت بأقوى الأنظمة العربية، واقتلعتها من جذوره، وهي الثورة التي ستجبر طنطاوي وجنوده على طأطأة رؤوسهم وأدمغتهم المشفرة بالمفاهيم العسكرية والبوليسية والمخابراتية الموروثة من الأنظمة السابقة، فالأغلبية العظمى من الشعب المصري الآن في حالة ترقب، ومنهم من اتخذ جانب الصمت المشوب بالحذر، فلا طنطاوي وجنوده يمثلون الشعب المصري، ولا الأحزاب المراهقة، التي راهنت على صناديق الانتخابات، تستطيع تمثيلهم وتلبية متطلباتهم..

ويبقى الشعب المصري وحده هو الذي يمثل نفسه في الداخل والخارج، وهو الذي يقرر مصيره، ويتعين على الجيش والأحزاب أن يحترموا إرادة الشعب، ويطأطئوا رؤوسهم لشيوخ المحروسة ورجالها وشبابها..

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/كانون الأول/2011 - 5/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م