البيئة السياسية والإعلام السياسي

 في الجزائر

أ. عبدالله سي موسى

وسائل الإعلام انعكاس للبيئة السياسية ومرآة الصراعات والتفاعلات على الصعيد السياسي، وبدون هذه الوسائل لا يستطيع أفراد المجتمع خارج الحلقة السياسية الاطلاع على مجريات الأحداث السياسية، فالبيئة السياسية تبنى من قبل وسائل الإعلام وفي الوقت نفسه هذه البيئة السياسية هي التي تحكم طبيعة عمل ووظائف وسائل الإعلام خاصة في الوظيفة السياسية منها، من خلال مجموعة التشريعات القانونية التي تنظم نشاطها وعليه أصبحت في المجتمعات الديمقراطية العلاقة بين والاتصال بصفة عامة والبيئة السياسية بمجمل مكوناتها التي تمثل نسقا سياسيا تعرف شكلا تكامليا وتفاعليا عكس المجتمعات التي تتبنى أنظمة سياسية استبدادية نجد وسائل الإعلام بها عبارة عن متغير تابع خاضع لسلطة النظام السياسي السائد ومدافعا عن مصالحه بهدف الحفاظ على الاستقرار، ومن هذا المنظور ارتأينا أن يكون هذا الفصل المعنون بالبيئة السياسية والإعلام السياسي محاولة لرسم وتشخيص حالة الجزائر من خلال استعراض مكونات البيئة السياسية في الجزائر خاصة بعد أحداث أكتوبر 1988 وإلى غاية يومنا هذا بما فيها وسائل الإعلام التي تعتبر جزءا من هذه البيئة وإفرازات أحداث عرفتها الجزائر في فترة التعددية السياسية والإعلامية، حيث جاء هذه الدراسة مقسمة على ثلاثة مباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: ماهية البيئة السياسية؛

المبحث الثاني: البيئة السياسية والاتصال السياسي؛

المبحث الثالث: المنظومة الإعلامية والنظام السياسي في الجزائر.

المبحث الأول: ماهية البيئة السياسية

 يتناول هذا المبحث مجموعة من المتغيرات التي تطبع الساحة السياسية في المجتمعات المعاصرة وبالخصوص المجتمع الجزائري إذ سنقوم بتسليط الضوء عن النسق السياسي ومكوناته والعناصر المساهمة في تشكيلة وهذا نظرا لأهمية البيئة السياسية في تحديد نوعية الإعلام السياسي.

تعريف البيئة السياسية:

 يقصد بالبيئة في مفهومها العام ذلك الوسط والمجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان ويتأثر به ويؤثر فيه، وقد يتسع هذا الوسط ليشمل منطقة كبيرة جدا، وقد يضيق فلا يتضمن سوى مساحة بسيطة لا تتعدى رقعة المنزل الذي يسكنه، فالبيئة كل ما تخبرنا به حواسنا فقد أكد مؤتمر ستوكهولم عن البيئة عام 1972 أنها "كل شيء يحيط بالإنسان"[1]

ويرى علماء الاجتماع أن مفهوم البيئة لا يقف عند البعد الطبيعي فقط، بل يتضمن أيضا البعد الاجتماعي، السياسي فالبيئة بالمعنى المحدود تشير إلى ذلك المحيط الطبيعي- الحيوي الذي يدعم الإنسان والكائنات الحية الأخرى من أجل البقاء، فهي بهذا المعنى تتضمن الجانب العضوي Organic الذي يشمل مختلف الكائنات الحية، والجانب غير العضوي Inorganic الذي يتضمن المناخ والتربة والضغط... أما البيئة بالمعنى الواسع تشير إلى المحيط الاجتماعي الذي يتضمن النظم الاجتماعية والايدولوجيا والرموز Symboles والتقنية Technologg. [2]

فالبيئة السياسية نظام ديناميكي معقد ذومكونات متشابكة ومتعددة وهي إحدى وسائل الاتصال السياسي من خلال التأثير على الاتصال الشخصي وانعكاسه على السلوك السياسي للفرد والأحداث والأزمات السياسية في بيئة سياسية فاعلة ومؤثرة على ممارسة وسلوك الأفراد وتساعدهم على المشاركة السياسية مع الأحداث والأزمات نتيجة متابعتهم للأخبار والأحداث والتحليلات عبر وسائل الإعلام المتنوعة وكذلك الناخبين يكتسبون معلوماتهم السياسية من بيئتهم المحيطة بهم في الحملات الانتخابية؛ من خلال الاتصال السياسي عن طريق اختيار الرسائل الإعلامية التي تلبي رغباته الذاتية كما أن الجمهور مسؤول عن اختيار ما يناسبه من وسائل الإعلام المتنافسة على مصادر الإشباع المعلوماتية التي تحقق له اكبر قدر ممكن من الإشباع الذاتي ويأتي هذا المبحث في ثلاثة مطالب على الشكل الآتي:

المطلب الأول: طبيعة البيئة السياسية في الجزائر؛

المطلب الثاني: التنمية السياسية؛

المطلب الثالث: مسؤولية وسائل الإعلام والمثقف في التنمية السياسية.

المطلب الأول: طبيعة البيئة السياسية في الجزائر

 ظلت الجزائر محكومة بنظام الحزب الواحد مدة سبعة وعشرون سنة إلى أن تم التصويت على الدستور التعددي في 23 فبراير 1989 ونصت فيه المادة 42 على أن حق إنشاء الأحزاب السياسية مضمون بشرط عدم تأسيسها على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي[3].

وكان القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية قد صدر في مارس 1997 ليحدد المسلكيات التي يجب على كل حزب التقيد بها في مادته الثالثة، ليعطي القانون دورا هاما لوزارة الداخلية والجماعات المحلية في علاقتها بالأحزاب اعترافا أو تعليقا أو حلاً.

أغلب الأحزاب السياسية الجزائرية الموجودة والمناهزة للثلاثين لم يسبق ميلادها عام 1989 وان كان أقلها وجد قبل هذا التاريخ، حيث تنقسم هذه الأحزاب بحسب توجهها الفكري إلى إسلامية مثل حماس والنهضة ووطنية مثل جبهة التحرير الوطني، وعلمانية كحزب العمال والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وتنقسم أيضا بحسب برامجها الاقتصادية إلى أحزاب ليبرالية وأحزاب الوسط وأحزاب الإسلامية وأخرى يسارية.

ومنذ إعلان التعددية السياسية المصحوبة بالتعددية الإعلامية عرفت الجزائر سبع تجارب انتخابية أربعة رئاسية وثلاث تشريعات، حيث يكفل القانون العضوي المتعلق بقانون الانتخاب الصادر في مارس 1997 حق الاقتراع لجميع الجزائريين البالغين 18 سنة رجالاً ونساء.

والتسجيل في القوائم الانتخابية إجباري لكل مواطن جزائري توفرت فيه الشروط المطلوبة قانونيا كما في المادة 08 وتنص المادة 16 وما بعدها على أن مراجعة هذه اللوائح تتم في الثلث الأخير من كل سنة على مستوى كل بلدية من طرف لجنة فنية. ولكن مواطن الحق في الاطلاع على القائمة الانتخابية التي تعنيه.

تشرف على الانتخابات في كل ولاية لجنة ولائية مكونة من ثلاثة قضاة يعينهم وزير العدل كما في المادة 88 ويتساوى المرشحون في استغلال وسائل الإعلام الرسمية أثناء الحملات الانتخابية كما في المادة 175.

تنص المادة 74 من دستور عام 1989 التعددي على أن مدة العهدة الرئاسية خمس سنوات، ويمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة وهذا يعني أن ولاية الرئيس الجزائري لا تتجاوز عشر سنوات، غير أن البرلمان الجزائري قد أقر بغالبية ساحقة في نوفمبر 2008 مشروع تعديل الدستور، وهو تغيير سمح بولاية ثالثة لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أفريل 2009.

 يهيمن على الخريطة السياسية الجزائرية بالجزائر ما يعرف بالتحالف الرئاسي المكون من ثلاث أحزاب هي: التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة أحمد أو يحي وحركة مجتمع السلم بزعامة أبو جرة سلطاني وحزب جبهة التحرير الوطني بزعامة عبد العزيز بلخادم.

وتوجد أحزاب المعارضة ذات وزن سياسي مثل حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون وحركة الإصلاح بقيادة عبد الله جاب الله والتجمع من أجل الثقافة الديمقراطية بزعامة سعيد سعدي، فضلا عن جبهة القوى الاشتراكية بزعامة حسين آيت أحمد التي قاطعت تشريعات 2002 و2007. وفي آخر إنتخابات تشريعية جرت يوم 17 ماي 2007 تصدر حزب جبهة التحرير الوطني المرتبة الأولى حاصدا 136 مقعدا من أصل عدد مقاعد المجلس الوطني الشعبي (البرلمان) الـ 389 أي نسبة 23% كما فاز حزب جبهة التحرير الوطني في تجديد المقاعد في المجالس البلدية والولائية التي جرت يوم 29 نوفمبر بنسبة 30% من المقاعد.

وجاء في الترتيب بعد حزب جبهة التحرير الوطني حليفها حزب التجمع الوطني الديمقراطي حاصلا على 61 مقعدا من أصل 389 مقعدا أي نسبة 10.3%.

الأحزاب السياسية:

 تعد دراسة الأحزاب السياسية أحد الفروع التخصصية الأكثر تطورا في علم الاجتماع السياسي، فتطور هذا الفرع خلال الفترة (1900-1914) يعود إلى مؤلفين مهمين فتحا مجالات واسعة في هذا الميدان، يتمثل أحدهما في التحليل القيم (لأستروجورسكي ostrogorski 1903) عن الديمقراطية والأحزاب السياسية، ويتمثل الثاني في العمل المكثف (لروبرتو ميشلز Roberto Michels 1913) عن الأحزب السياسية.

تعريف الحزب السياسي:

 يقصد بالحزب (Parti) في اللغة (قسم أو جزء) [4] وهو يحتوي على مجموعة من الناس، أما كلمة سياسة فتعطي معاني كثيرة أقربها أنها تتعلق بالسلطة.

وجاء في قاموس علم الاجتماع (لايميليو ويلامز) "أن الحزب السياسي يعني جماعة من الأفراد قد تكون قوية أو ضعيفة الترابط لها هدف مراقبة السلطة، والتوسط عن توزيع الواجبات المتبادلة بين الحكام والمحكومين"[5]، وأما المصالح السياسية التي تؤدي إلى تكوين الأحزاب السياسية فلا تكون بمعزل عن تلك المصالح السياسية التي تؤدي بجماعات أو طبقات اجتماعية أخرى فالتنافس والصراع والكفاح الطبقي، كلها تعبر عن إيديولوجيات تميز الأحزاب السياسية إلى جانب كونها تميز النظام السياسي لمجتمع كلي.

ويقول (أوستن رافي) بأن الحزب هو عبارة عن مجموعة من الناس منظمة ذات استقلال ذاتي، تقوم بتعيين مرشحيها، وتخوض المعارك الانتخابية على أمل الحصول على المناصب الحكومية والهيمنة على الأنشطة الحكومية وخططها"[6]

أما (بنيامين كونستان) فيعرف الحزب السياسي بأنه " إتحاد أشخاص يعتنقون المبادئ السياسية نفسها، وهي تلك المنظمات التي تجمع بين رجال ذوي رأي واحد لتضمن لنفسها تأثيرا حقيقيا وفعالا في إدارة الشؤون العامة. [7]

الأحزاب السياسية في الجزائر:

الأحزاب السياسية المعتمدة رسميا في الجزائر بعد مطابقتها لقانون الأحزاب مرسوم 67/09 بتاريخ 06 مارس 1997 المادة 43. [8]

- التجمع الوطني الديمقراطي RND

-الحركة الوطنية من أجل الطبيعة والديمقراطيةMWWD

- حركة مجتمع السلم MSP

- عهد 54

- جبهة التحرير الوطني FLN 

- جبهة الجزائريين الديمقراطيين PAD

- حركة النهضة MV

- التجمع الوطني الجمهوري RPR

-جبهة القوى الاشتراكية MN   

الحركة من أجل الشبيبة الديمقراطية Mjd

-التجمع من أجل الثقافة الديمقراطية RCD

الحزب الوطني للتضامن والتنميةPnsd

-حزب العمال PT

الحزب الاشتراكي للعمال Pst

-الاتحاد من أجل الديمقراطية والحرياتUDL

حركة الوفاق الوطني Men

-الحزب الجمهوري التقدمي PRP

التجمع من أجل الجزائر Rpa

- التحالف الوطني الجمهوري ANR

-التجمع من أجل الوحدة الوطنية Run

- حزب التجديد الجزائري Pra

-التجمع الوطني الدستوري Rnc

-الحركة الوطنية للشبيبة الجزائرية MNJA

-الحركة الوطنية للأمل Mne

-التجمع الجزائري RA

الأحزاب السياسية في الجزائر لا تعرف دوران سلس ومرن للنخبة والمثقفين، فبقاء القيادات واستمرارها، غياب التناوب على السلطة هي الخصائص الغالبة في معظم الأحزاب السياسية المهمة. توجه بنية الأحزاب السياسية نحو اتخاذها طابع الاحتكار، فالأحزاب السياسية تفتقر إلى المرونة والتغيير والمراجعة في خطاباتها السياسية وفي تحليلها للوضع العام للمجتمع الجزائري.

 فهناك واقع أوليجاركي للأحزاب السياسية في كل طموح ديمقراطي وطموح التغيير على مستوى القواعد الحزبية، ونتيجة لعدم المرونة في التناوب وطموح التغيير فقد عرفت الأحزاب السياسية أزمات سياسية عشية انعقاد المؤتمرات الخاصة بتجديد هياكل الحزب، فقد عرف هذا النوع من الأزمات كل من حمس في سنة 2008، والنهضة والإصلاح وجبهة التحرير الوطني في 2003 حيث بات من المألوف على الساحة الحزبية أن يحدث الانشقاق بين تيار تصحيحي والآخر موالٍ للقيادة الحزبية الحالية. والكيفية الثانية لحدوث أزمات التناوب تتم عن طريق الانقلابات داخل الأحزاب السياسية كما حدث مع عبد الحميد مهري في حزب جبهة التحرير الوطني، و عبدالله جاب الله مع حزبه الأول النهضة وحزبه الثاني حركة الإصلاح.

إن السبب الرئيسي يرجع إلى عدم تفكير الأحزاب السياسية في تحديد آليات تنظيمية واضحة للتناوب على السلطة أو عدم العمل بها. والسبب الثاني يرجع إلى النشأة الحديثة للأحزاب السياسية، إذ أن الديمقراطية الداخلية للأحزاب لم تكن من بين الأولويات أمام اعتبارات انتخابية وسياسية أخرى، حيث أن بروز قيادات سياسية غير معروفة للحزب سيكون له ثمن انتخابي باهظ على حساب شعبية الحزب التي تتمحور حول القيادات السياسية المؤسسة لها. والسبب الثالث يكمن في الطبيعة الأوتوقراطية للأحزاب السياسية في الجزائر حيث تنحصر معظم الصلاحيات في رئيس الحزب من الناحية الفعلية، فالنمط السائد للأحزاب السياسية هو النمط الرئاسي.

 يبقى تساؤل جدير بالطرح عن سر بقاء التصلب التنظيمي والهيكلي داخل الأحزاب السياسية الجزائرية مع ما يحمله التجديد التنظيمي وإفساح المجال أمام المشاركة السياسية الحزبية من تجديد لدماء الحزب ودخول فئات شابة وتوسع قاعدة الحزب الاجتماعية، ومثال ذلك لماذا لا تفكر الأحزاب السياسية في فتح المنافسة السياسية داخليا عبر تنظيم انتخابات أولية، تمكنها من ترشيح المنتخبين الأكثر شعبية وتسمح للأحزاب بتوسيع قاعدتها الشعبية بانفتاحها على الجماهير.[9]

البرامج الحزبية الجزائرية:

 إن البرامج الحزبية التي تقدمها الأحزاب في الجزائر عادة غير واضحة كما أخذ النقاش البرامجي يفقد أهميته لدى الأحزاب السياسية ولدى الرأي العام، وذلك لعدة أسباب؛ افتقاد لرؤية واضحة حول التنمية بمختلف أبعادها، وتفتقر إلى وضوح للرؤية حول الخروج من الأزمة الأمنية والسياسية وحول مواجهة المشاكل الاجتماعية.

ومن نتائج ذلك خفوت النقاش الإيديولوجي والسياسي بين الأحزاب السياسية، وتراجع الحماس للعمل الحزبي في أوساط المواطنين والسلوك النضالي. فتأييد برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حول السلم والمصالحة الوطنية ومشاريع التنمية على سبيل المثال يمثل علامة فشل الأحزاب السياسية في بلورة برامج للتنمية ولحكم البلاد ومعالجة الأزمات، فبدلا من سعي الأحزاب السياسية لتقديم برامج واقتراحات بديلة ومثرية حول مشروع المصالحة وكيفية إنجاحه إن كانت فعلا تسعى لتأييده وإنجاحه، وتقديم برامج واقتراحات حول الأولويات التنموية والموقف من الاستثمارات الأجنبية، ومسألة العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والسياسية الضريبية وغيرها. وبدلا من ذلك اكتفت معظم الأحزاب بالتأييد أو بالتركيز على جوانب أخرى من القضايا السياسية. لذا ينتقد الكثير من الباحثين والملاحظين غياب القضايا الجوهرية والأساسية من برامج الأحزاب السياسية الجزائرية، مثل تقييم العملية الديمقراطية، الفساد السياسي، علاقة السلطات المدنية مع العسكرية.

هذه المواضيع تعكس أزمة البرنامج عند الأحزاب السياسية، هذا المشروع الذي طال البحث عنه طيلة عشرين سنة من الدخول في عهد التعددية السياسية والإعلان عن الإصلاحات والدخول في مرحلة انتقالية لم يتحقق الخروج منها بعد، فقد فشلت الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب السلطة من الخروج من المرحلة الانتقالية من النهج الاشتراكي إلى رأسمالية أو إلى نظام سوق لم يتحقق بعد، ولازال هناك تردد في الكثير من التفاصيل وأخطاء يمكن أن ترهن الأجيال اللاحقة خصوصا في مجال المحروقات والاستثمارات الأجنبية والسياسات المالية.

كما أن الأحزاب الإسلامية تفتقر في برامجها إلي رؤية في كيفية الحكم، وكيفية المخرج من الأزمة الاقتصادية، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والتي تقف البطالة في صدارة هذه المشاكل. أما أحزاب الإدارة أو الأحزاب الوطنية الممارسة للسلطة فلم يتغير خطابها وتصورها حول الإصلاح الاقتصادي والسياسي في إطار خطاب تقليدي لا يخاطب الأغلبية الساحقة للجماهير، والأحزاب المسماة بالديمقراطية توصف بأنها برامج اوتوقراطية تحديثية، تحاول في برامجها فرض حداثة قسرية على المجتمع. والعامل المشترك الغائب هو النقاش حول التحول الديمقراطي[10].

علاقة الأحزاب السياسية بالمجتمع:

 نتيجة ما سبق عرضه، فان انعكاسات الواقع التنظيمي والسلطوي داخل الأحزاب السياسية سينعكس بدوره علي العلاقة بين الأحزاب والمجتمع، والتي هي علاقة محدودة وأصبحت تبنى على أسس مصلحيه وانتخابية، من خلال ممارسات القبلية والجهوية والزبائنية في الانتخابات. ونتيجة لذلك فقَدَ المجتمع خصوصا في أوساط المدن عالية الكثافة الأمل من الأحزاب السياسية والتغير عبر صناديق الاقتراع من خلال الارتفاع المتواصل في نسب المقاطعة الانتخابية في أوساط المدن، والإقبال على النشاطات السياسية. وقد تبلورت توجهات بديلة في المجتمع تنفر من العمل الحربي والسياسي باللجوء إلى العمل في جمعيات المجتمع المدني، ضعف الصلة بين الأحزاب السياسية والمجتمع جعل الأحزاب السياسية تبتعد عن أداء وظيفتها الأساسية المتمثلة في الوساطة بين المجتمع المدني والسلطة أو ما يسمى بالوظيفة المنبرية للأحزاب السياسية لإيصال الأصوات المحتجة والمعارضة إلى السلطات، وبدل ذلك أصبحت امتدادا للإدارة الحكومية وامتداد للسلطة، مما افقدها الكثير من المصداقية أمام الناخبين والمتعاطفين. هذا يبرز من خلال خروج الأحزاب السياسية وتجاوز الأحداث لها أو عدم قدرتها على الاستجابة للمطالب التي يعبر عنها المواطنون في العديد من المناسبات، من خلال مظاهر الاحتجاجات الاجتماعية والتي اتسمت بالعنف التلقائي، بل إن هذا العنف والسخط أتجه بدوره إلي الأحزاب السياسية مثل ما حدث من مقرات أحزاب الارسيدي والافافاس في منطقة القبائل رغم أنها تمثل معقلا لها.

المشاركة السياسية:

 تعرف المشاركة بأنها " تلك الأنشطة السياسية التي يساهم بمقتضاها أفراد المجتمع في اختيار حكامه وفي صياغة السياسية العامة بشكل مباشر أو غير مباشر، أي أنها تعني اشتراك الفرد في مختلف مستويات النظام السياسي[11].

فالمشاركة السياسية للموطنين تشكل النشاطات السياسية المباشرة (الأولية) والنشاطات غير المباشرة (الثانوية)، ومن أمثلة المشاركة في النشاطات السياسية المباشرة (تقلد منصب سياسي، عضوية الحزب أو الترشيح في الانتخابات، التصويت، مناقشة الأمور العامة، الاشتراك في المظاهرات....الخ)

أما النشاطات غير المباشرة فهي تمثل المعرفة بالمشاكل العامة والعضوية في هيئات التطور وبعض أشكال العمل في الجماعات الأولية.

 المشاركة السياسية تعني في أوسع معانيها، حق المواطن في أن يؤدي دورا معينا في عملية صنع القرارات السياسية وفي أضيف معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب هذه القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم.

ويميز جلال عبد الله معوض بين المشاركة والاهتمام والتفاعل أو التجاوب، فالاهتمام يعني عدم السلبية، بحيث يشعر المواطن العادي أن الدولة والشؤون العامة والقرارات السياسية ترتبط بحياته ووجوده الذاتي تأثيرا وتأثرا، وسواء أدى ذلك إلى استخدام حق معين في عملية إتخاذ القرار السياسي أو لاَ؛ فإن الإهتمام يظل مفهوما مستقلا عن المشاركة، أما التفاعل فانه يعني التجاوب، بحيث ينسى المواطن ذاته في نطاق الوجود السياسي، هذا التفاعل يشكل حلقة تتوسط الاهتمام والمشاركة، فالاهتمام قد يؤدي إلي التفاعل، وكذلك المشاركة تفرضه. وتكون عملية المشاركة السياسية من خلال نشاطات سياسية مباشرة كأن يتقلد الفرد منصبا سياسيا أو يحظى بعضوية حزب أو يكتفي بمجرد التصويت أو مناقشة قضايا عامة في المجتمع، كما يمكن أن يحقق المشاركة السياسية من خلال نشاطات سياسية غير مباشرة كأن يقتصر الفرد على مجرد المعرفة والوقوف على المسائل والقضايا العامة[12]

المشاركة السياسية في الجزائر بعد 1989

 عرفت المشاركة السياسية في الجزائر بعد التحول الديمقراطية وإقرار التعددية السياسية منحى جديد يتجلى في اهتمام النظام السياسي بهذا الموضوع من خلال وضع صيغ دستورية وقانونية تمس المشاركة السياسية و حقوق الإنسان[13]

حيث نصت المادة 40 من دستور 1989 على الحق في إنشاد الجمعيات ذات الطابع السياسي المعترف به.

تدعم هذا الانفتاح السياسي باتجاه التعددية بصدور القانون رقم 89 – 11 المؤرخ في 05 جويلية 1989 الخاص بالجمعيات ذات الطابع السياسي الذي حدد المبادئ والشروط اللازمة لتأسيس هذه الجمعيات السياسية وقواعد عملها، وتمويلها وإيقافها.

خصص دستور 1989 فصلا مركزيا هاما للحقوق والحريات، لأنه يتحدث على ضمانات واعترافات هي جوهر الديمقراطية ذاتها، فقد نص على أن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة (المادة 35) " وحرية الإبداع الفني والعلمي " (المادة 36) "حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وعقد الإجتماعات"(المادة 39).

 تعززت (المادة 39) بقانون الإعلام الصادر في 23 أفريل 1990 بصدور جرائد جديدة (النهار، العقيدة، الاوراس...)، ونشأة الصحف الخاصة.

الاعتراف بتأسيس الجمعيات غير السياسية بصدور قانون 4 ديسمبر 1990 والمتعلق بالجمعيات أين عرفت الحركة الجمعوية من خلال عددها وميادين نشاطاتها انفجارا منعدم النظير.

أزمة المشاركة السياسية في الجزائر:

 أظهرت المواعيد الانتخابية التي عرفها تاريخ الجزائر في العقدين الأخيرين بعض مظاهر وأشكال السياسية التي يجمع علماء السياسة والإعلام والمهتمين أنها ترجع لبعض الأسباب:

- توجد مشاركة سياسية لكنها شخصية وموسمية غير فعالة من قبل القوى السياسية حيث لا تظهر الأحزاب السياسية إلا أثناء العملية الانتخابية لهدف تأدية أدوار معينة أو الحصول على الريع الانتخابي؛

- عرفت المشاركة السياسية شكل التعبئة بغرض خلق مساندة دون أن تعبر عن مشاركة حقيقية نابعة من الإهتمام بمجريات المجتمع السياسي؛

- ضعف مشاركة التشكيلات السياسية في أوجه النشاط الاجتماعي وفي مجالات غير السياسية للحياة الاجتماعية، ذلك أن مثل هذه المشاركة تؤثر في اتجاهات الأفراد نحو النظام السياسي والعملية السياسية؛

- الحفاظ علي الوضع القائم سواء في المؤسسات غير الرسمية كالأحزاب والجمعيات غياب التداول علي السلطة علي المستوى الداخلي وفي المؤسسات الرسمية؛

- سيطرة الشيوخ على المناصب القيادية وبالتالي غياب التجديد والحيوية لتحريك العمل السياسي في غياب الشباب؛

- المقاطعات الانتخابية المتكررة؛ - ضعف الحراك الاجتماعي وعزوف المثقفين عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر لتأدية الدور المنوط بهم[14].

المطلب الثاني: التنمية السياسية

للإحاطة بموضوع التنمية السياسية كعنصر مهم لإنجاح التجارب الديمقراطية حاولنا في هذا المطلب أن نقدم بعض المفاهيم الخاصة بالتنمية السياسية آخذين بعين الاعتبار حداثة هذا المفهوم في العلوم الاجتماعية بالإضافة إلي تقديم الدلالة النظرية والميدانية له وبعض التوجهات العلمية المعتمدة في دراسته، كما تطرقنا إلى المعارضة السياسية في الجزائر باعتبارها أحد دعائم التنمية السياسية.

مفهوم التنمية السياسية

للتنمية السياسية تعاريف متعددة فقد عرفها روبير بركنهام Robert Berghinham حسب خمس مدلولات[15]

- مدلول قانوني: يهتم بالبناء الدستوري للدولة، بمعنى الأسس الديمقراطية بكل أبعادها؛

- مدلول اقتصادي: يعني تحقيق نمو اقتصادي يتوافق وتطلعات الشعب الاقتصادية؛

- مدلول إداري: ضرورة وجود إدارة مواطنة ملتزمة باحترام مبادئ المشروعية الإدارية والقانونية مع تحقيق شروط الفعالية والكفاءة العقلانية؛

- مدلول سياسي: تحقيق الانصهار في منظومة مجتمعية والمشاركة في الحياة السياسية؛

- مدلول ثقافي: التنمية عبارة عن تحديث يأتي نتيجة لثقافة سياسية معينة.

و هناك من يعرف التنمية السياسية على أساس مؤشرات معينة[16]:

- تحقيق المساواة بين جميع مواطني بغض النظر عن اختلاف الأصول؛

- مشاركة الجماهير في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال النظم البرلمانية و المؤسسات الدستورية والقانونية (توفر قنوات شرعية تمكن الجماهير من المشاركة)؛

- عدم تركيز السلطة في يد هيئة واحدة وتحقيق الفصل بين السلطات؛

- قيام السلطة على أسس عقلانية رشيدة؛

- نمو قدرات الجماهير على إدراك مشكلاته الحقيقية والتعامل معها تعاملا رشيدا؛

- تحقيق الوحدة والتكامل السياسي بين أفراد المجتمع من خلال كفاءة نظم التنشئة السياسية؛

- ووجود حد أدني من الاتفاق حول القيم السياسية، مع وجود ولاء سياسي للسلطة المركزية[17].

يرى كل من (غابريل ألموندو وبنكام باول) أن التنمية السياسية تمثل استجابة النظام السياسي للتغيرات في البيئة المجتمعية والدولية، وبالذات استجابة النظام لتحديات بناء الدولة وبناء الأمة والمشاركة السياسية.

وقد وضع (لوسيان باعا) قائمة شاملة تضمن تعريفات مختلفة ومركزة لمفهوم التنمية السياسية إنطوت على عشرة تعريفات رئيسية من بينها[18]:

التنمية السياسية هي التحديث السياسي، التعبئة السياسية، بناء الديمقراطية، تحقيق الاستقرار، التغير الاجتماعي....الخ

وفي ضوء ما تقدم من تعريفات يمكن القول أن التنمية السياسية هي عملية سياسية تستهدف تعبئة الجماهير وزيادة وعيهم لرفع مستوى مشاركتهم في الحياة السياسية لتدعيم المؤسسات الديمقراطية وتحقيق الاستقرار والتكامل.

الدلالة النظرية والميدانية للتنمية السياسية

 يرتبط مفهوم التنمية السياسية من نظام يقال عنه تقليدي إلى نظام سياسي حديث، أي إذا كان هناك من الناحية الاقتصادية أنظمة في طريق النمو، فان هناك أنظمة سياسية في طريق التحديث. وهو يشير إلى مسار عملية التطور في النظام السياسي التي تعزز الاستقرار. ولكن تبرز العديد من الأسئلة حول هذا المفهوم من حيث مكونات وعناصر التنمية السياسية وكيف نقيس التنمية السياسية؟

ففي مجال التعاريف حول التنمية السياسية، يعرفها جابريل الموند بأنها[19]: الزيادة في مستوى التمايز البنيوي والتخصص الوظيفي في النظام السياسي، والذي يمكنه من الاستجابة لمختلف الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. ويعرف لوسيان باي التنمية السياسية بأنها:(1) "زيادة النظام السياسي في قدراته، من حيث تسير الشؤون العامة وضبط النزاعات وتلبية المطالب"- (2) الزيادة في التوجه نحو المساواة من خلال المشاركة السياسية والانتقال من ثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة، سواء من خلال طرق ديمقراطية (توسيع الاقتراع العام)، أو من خلال زيادة التعبئة السياسية وعلاقة هذا المفهوم بمفاهيم التحديث، التصنيع، الدمقرطة، التطور.

 لذا يرى صموئيل هنتنغتـون S Huntingtonأن مفهوم التنمية السياسية يختلف عن بقية المفاهيم الأخرى مثل التحديث والتصنيع، ويضرب على ذلك بمثال الهند، فهي من جهة مجتمع تقليدي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية في قسم كبير جدا من سكانها، ومن جهة أخرى هي بلد متطور من الناحية السياسية، باعتبارها أكبر بلد ديمقراطي في العالم.ويقصد هنتنغتون بالتنمية العملية التي بمقتضاها يزداد ترشيد السلطة Rationalization of Authority، والتباين في الهياكل والابنية والمؤسسات السياسية، وزيادة المشاركة السياسية. ويقصد هنتنغتوت من ترشيد السلطة إحلال سلطة قائمة علي أسس دينية أو عائلية وراثية إلى سلطة سياسية موحدة وذات طابع قومي وطني، ويقصد بالتباين في الهياكل والابينة السياسية فصل المجال السياسي عن بقية المجالات المجتمعية الأخرى أما المشاركة السياسية فيقصد بها ازدياد انخراط المواطنين في الشأن السياسي.

التوجهات النظرية في دراسة التنمية السياسية:

1- الاتجاه الكمي:

 وهو مجموعة الأبحاث و الدراسات المتأثرة بالموجه السلوكية في اعتمادها على الطرق الكمية، ويحاول هذا الاتجاه ربط التغير السياسي والنزعة إلى الاستقرار والتطور في الأداء السياسي إلى النمو الاقتصادي وما يؤدي إليه من تغيرات اجتماعية وسياسية فعالجت هذه الدارسات النظرية مسألة التنمية السياسية كناتج لتطورات اقتصادية واجتماعية.

2- الاتجاه الكيفي:

هذا الاتجاه يدرس تطور الأنظمة السياسية من منطلق التحولات النوعية التي تحدث فيها، فانطلاقا من الدراسات الانثروبولوجية يرى مشيل فوكو بأن هناك علاقة بين مصدر المعرفة وأنظمة الحكم،أو أن أنظمة الحكم تأثرت بتطور الوعي الإنساني والمعارف العلمية، ففي عصر الخرافة والاعتقاد بأن الآلهة هي مصدر المعرفة كان الحكم ثيوقراطيا، وحين ساد أن مصدر المعرفة هم الأبطال كان الحكم أرستقراطيا، وحين ساد الاعتقاد بالإنسان سادت النظم الجمهورية[20].

 المعارضة السياسية في الجزائر:

 لم تتراجع المعارضة السياسية في الجزائر عن لعب دورها في تنشيط الحياة السياسية ومراقبة أداء السلطة فحسب، بل فقدت صوتها المبحوح بعدما انتقلت من الفعل إلى مجرد رد الفعل خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية أفريل 2009، رغم ما عرفته الجزائر من أحداث هامة من تغيير لقانون الانتخابات إلى تعديل الدستور، حيث أصبحت أحزاب المعارضة مهددة بالانقراض مقابل سيطرة أحزاب التحالف الرئاسي على الإعلام الثقيل ومختلف المؤسسات المنتخبة، ولم يترك المجال لبروز حياة حزبية تعددية لتطوير الفعل الديمقراطي.

 فوزارة الداخلية والجماعات المحلية لم تمنح أي إعتماد منذ عشرة سنوات، وقامت بتحديد قائمة تسعة أحزاب فقط للمشاركة في رئاسيات 2009 وغلقت الباب عن الآخرين لتعيد ترتيب الخريطة الحزبية، فلم يبق من ستين حزب مع بداية ظهور التعددية مع دستور 23 فبراير 1989 سوى عشرون حزبا فقط[21].

المعارضة من مبادئ الحركة الاجتماعية إذ بدون معارضة لا يمكن للحركة الاجتماعية أن تظهر، وإذا تحولت هذه الحركة إلى حزب سياسي أو مؤسسة سياسية ولهذه الأسباب بقيت:

الانتخابات في الجزائر منذ 1962 وإلى الأن تسيرها الإدارة وتوجهها ولا وزن في ذلك للرأي العام وظلت الديمقراطية خطابا بعيدا عن الممارسة وعن وضع الطبقة المثقفة والمفكرين والنخبة أو الأنتلجنسيا بصورة عامة بعد الاستقلال تفتحوا على وضع اجتماعي خاص، وقد انخرطت شريحة كبيرة داخل النظام السياسي، حتى ولو لم تكن موافقة على المسار والتوجه العام، وبقيت الديمقراطية مجرد مسألة تقنية يحلها النظام السياسي وفقا لأهدافه وتطلعاته الخاصة وعليه كان من الصعب على النخبة المثقفة أو المفكرة الخروج من بوتقة النظام والتوجه إلى الجماهير أو الجمهور بل ما كان مقبولا هو الانتقاد أو المعارضة داخل النظام لا خارج الدائرة، لكن برزت معالم الرفض أو المقاومة من خلال الصحافة والمحامين أساسا[22].

تعتبر المعارضة في الجزائر من أسوأ المعارضات بسبب ضعفها وعدم قدرتها على تفعيل نفسها أمام طروحات النظام، حيث أنها موجودة فقط في الأوراق وحاضرة في وسائل الاعلام بشكل مناسباتي، فنظرة بسيطة عن السلع السياسية المعروضة بشأن اللاعبين من معارضة في المشهد السياسي تجعلنا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن العقلانية غائبة تماما عن تفكير الطبقة السياسية التي تمتطي حصان المعارضة شكلا لكنها في الواقع تقوم بتقديم خدمات جليلة للنظام، بحيث لولا دورها السلبي، لما استطاعت السلطة أن تبقى في الحكم لكل هذه الفترة، كما يمكن أن نشير إلى أن الجزائر عرفت معارضة مع بداية الاستقلال وتميزت هذه الأخيرة بالفاعلية لكن تدخلت ظروف وعوامل ساهمت في تراجعها، ودخلت مرحلة الحزب الواحد لكي تقصى نهائيا، من أجندتها ما يسمى بالمعارضة ومن يخرج عن النسق العام هو واقع في دائرة الاعتداء على الوطن، وقد تواصل هذا النهج إلى غاية اليوم مع تغير جوهري في عمل المعارضة بغياب الشخصيات الكارزماتية عن الشهد وبات واضحا بأن من ينشطون في حقل المعارضة لا يمثلون إلا أنفسهم دون قاعدة قوية أو قدرة على التأثير[23].

المطلب الثالث: مسؤولية وسائل الاعلام والمثقف في التنمية السياسية

 لا ينبغي أن نتجاهل دور وسائل الاعلام والمثقف في أي مجتمع في المجال السياسي نظرا لأهمية وعظمة المسؤولية الملقاة على عاتقهما فكل من الاعلام والمتقف باعتبارهما من مكونات الرأي العام المستنير، لهما وزن في المجتمع لانجاح التنمية السياسية حيث أكدت عديد البحوث الإمبريقية قدرة وسائل الاعلام في عملية التنشئة السياسية وتأثيرها على نسبة المشاركة السياسية وفي نفس الوقت لم تتجاهل أهمية تأثير الاتصال السياسي الشخصي في الجماعة وانتقال المعلومات على مرحلتين بالاضافة إلى الوعي الاجتماعي والسياسي الذي من الشأن المثقف نشره إذا أشركناه في العملية الاتصالية بصفة عامة، وعليه نقدم في هذا المبحث مسؤولية كل من وسائل الاعلام والمثقف في التنمية السياسية.

المسؤولية السياسية لوسائل الاعلام:

 تمثل الوسائل الاعلامية دورا حضاريا ناقدا، من خلال التفاعل الايجابي مع الحراك الاجتماعي والحركة الثقافية فتتفاعل وتتعايش مع مشاكل وتناقضات المجتمع عن قرب بما يتناسب مع ظروف المجتمع الذاتية والموضوعية على ضوء منظومته القيمية ونسقه الثقافي.

يعرف الاعلام السياسي بأنه المضمون السياسي لوسائل الاعلام الذي له أثر، ويقصد أن يكون لهذا المضمون أثر في توزيع أو استخدام السلطة في المجتمع، كما يعرف بأنه العملية التي تقوم من خلالها قيادة الأمة وإعلام مواطنوها لإضفاء معنى على الوسائل المتعلقة بسير السياسة العامة[24]

وارتباط الاعلام بالسياسة ليس جديدا ومسؤولية الاعلام في هذا المجال ليست وليدة هذا العصر، إذ يعود إلى السوفسطائيين، واسهامات أرسطوا في كتابيه "السياسة" و"الخطابة" لكن كحقل أكاديمي له تقاليده الخاصة وأنظمته المتعددة يعد ظاهرة حديثة ويشير انيمون وساندرز Nimmon Et Sandres إلى أن أول ذكر للاتصال السياسي كمجال مستقل كان في عام 1956 حيث ظهر كتاب بعنوان "السلوك السياسي" Political Behavior يناقش تبادل التأثيرات السياسية بين الحكومة والمواطن[25] وقد حدثت تطورات مهمة في أعقاب هذه المعادلة شملت المجال التطبيقي البحثي مثل آثار وسائل الاعلام في الانتخابات السياسية وآثار الدعاية وتحليل اللغة السياسية، ومن بين مجالات البحث الحالية: الخطابة السياسية، المناظرات السياسية التنشئة السياسية، الحملات الانتخابية، الحركات السياسية، العلاقة بين الحكومة ووسائل الاعلام...الخ، ويستخدم الباحثون عددا من الأساليب المنهجية مثل نظرية ترتيب الأولويات ونظرية الاستخدامات الاشباعات لكن هناك اتجاه جديد يرفض اعتبار الحملة الانتخابية نموذجا أساسيا للاتصال السياسي، ويقول أصحاب هذه النظرية التي عرفت بالنقدية، انه من الخطأ السماح لسياق الحملة الانتخابية أن يقرر جدول أعمال حقل علمي، فقصر الدراسة على تأثير الاتصال في قرارات التصويت التي يتخذها الجمهور أثناء الانتخابات يعمي الأبصار عن حقيقة مهمة وهي أن "تصوير وسائل الاعلام للانتخابات يمثل طقوسا مسرحية تصفي الشرعية على السلطة في الديمقراطيات الليبرالية" فالحملات الانتخابية كما تعرضها وسائل الاعلام توهم أن الشعب يمكنه الاختيار حقا، بينما لا تمثل الفروق بين البدائل الموجودة اختلافا حقيقيا. ولهذا فالانتخابات تساعد على تعزيز أسطورة الديمقراطية النيابية"[26]

ولهذا فوسائل الاعلام تقوم بدور لها مسؤولية متعددة الأبعاد[27].

- إمداد الأفراد الجماعات بالمعلومات والحقائق التي تقنعهم بالحاجة إلى التنمية والكيفية التي تحدث بها التنمية والوسائل المتاحة لحدوثها وما سوف ويترتب عليها من نتائج وآثار؛

- تعميق الإقناع بضرورة التغيير وقبول حدوثه، ومساعدة الأفراد والجماعات على اتخاذ القرارات السليمة.

والمسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الاعلام خاصة في المجال السياسي كبيرة، ذلك أنها لا تقوم بمجرد نقل الواقع أو جزءا منه. بل انتقاء المحتويات، وحتى يتحقق لهذه الوسائل أداء دورها بفاعلية وكفاءة لابد من وجود سياسية اتصالية بإشراك عناصر من المجتمع تجعل العمل في هذا المجال بعيدا عن الارتجال العشوائية.

الدور السياسي لوسائل الاتصال:

 أكد ماكلويد McLeod 1968-1969: أن ثمة علاقة ارتباط بين التطور الضخم لوسائل الاتصال الجماهيري وبين المعرفة السياسية.

 تفترض الدراسات الخاصة بوسائل الاتصال أن الاتصال ليس مجرد وظيفة للنظم السياسية وليس مجرد نظاما يرتبط بعلاقات متبادلة مع النظم السياسية والثقافية والاجتماعية... وانما هو في الأساس عل حد تعبير ولبرشرام "المادة التي تتكون منها العلاقات الانسانية ومن هنا يصبح لوسائل الاتصال الجماهيري دور وظيفي في اطار العملية السياسية والاجتماعية"[28]

- اهتم علماء السياسية والاتصال السياسي والاجتماع السياسي بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السياسي والعملية السياسية بصفة عامة وأكدوا على اهمية العلاقة الجوهرية بينهما. بل أنهم نادوا باعادة دراسة وتحليل العلوم السياسية بالاعتماد على نظرية الاتصال، فعالم السياسة صعب أن يوجد دون اتصال لأنه حلقة الوصل بين الجماهير والنخبة الحاكمة صانعة القرار.

- يتضح موقع الاتصال في النظام السياسي في ضوء تحليل ألموند "البنائي الوظيفي الذي ركز على فكرة الوظيفة، أو ما يعبر عنها بالوظيفة التحويلية: كل شيء في السياسة اتصال".

- نظام الاتصال هو إحدى القنوات الرئيسية لتدفق المعلومات من النخبة السياسية إلى الجماهير وكذا نقل مشاكل وطموحات الجماهير وتصوراتهم علم إلى النخبة[29].

وسائل الاتصال والتنمية السياسية:

 الاستخدام الأمثل لوسائل الاتصال الجماهيري يدعم التنمية السياسية فالإنسان بطبعه حيوان سياسي يبحث عن اشباع حاجاته السياسية ووسائل الاتصال قادرة على تدعيم الوعي الجماهيري السياسي بنقل الحدث السياسي بدقة ومصداقية؛ وهذا هو المناخ الملائم للتنمية السياسية وبالتالي تأهيل الجمهور بالشكل الملائم للمشاركة السياسية وأيضا المشاركة في عملية اتخاذ القرارات والتعبير السياسي.

فكلما زاد التعرض لوسائل الاتصال كلما زاد النقاش السياسي وبالتالي المشاركة السياسية.

وجدير بالذكر التأثير المدعم Reinforcement Effect لوسائل الاتصال أكبر من التأثيرات المحول Conversion Effect بمعنى أنها تدعم الاتجاهات والمواقف لدى المتلقي بشكل كبير عندما تكون مضامين الاتصال متماشية مع اتجاهاته وموافقة وهذا هو التأثير المدعم حيث يمكن لوسائل الاتصال بتسيس Politicizing العامة[30].

المسؤولية السياسية للمثقف:

 المثقف هو الشخص الذي يبدع ويختلق الجديد من الأفكار وذلك بعد أن تختمر المواد الفكرية المكومة في خزانة تفكيره، من جراء السعي الدؤوب في مطالعة أفكار وإبداعات الآخرين، وهو الانسان الذي يضع نظرة شاملة لتغيير المجتمـع، أو هو المفكـر المتميز المسلح بالبصيرة كما يقـول ماكس فيبر، ويمتلك قدرة النقد الاجتماعي والسياسي.

وعلى ضوء ذلك لا أتفق مع سارتر حينما يعرف المثقف بأنه الانسان الذي يدس أنفه فيما لا يعينه بل أتفق تماما مع المفكر أنطونيو جرامشي الذي ميز بين نوعين من المثقف وهما: المثقف العضوي والمثقف التقليدي.

فالمثقف العضوي (أو الحزب بالمعنى الجمعي) عند جرامشي وهو الذي يعمل على انجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من العمال والفلاحين والفقراء، أما المثقف التقليدي فهو الذي يوظف أدواته الثقافية للعمل على استمرار هيمنة الطبقة أو الكتلة التاريخية السائدة.

كما يحدد جرامشي مسؤولية المثقف تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه سواء في انتاج المعرفة السياسية أو المواقف، وفي هذا السياق لا يختلف الدكتور هشام شرابي مع المفكر الايطالي انطونيو جرامشي فهو يرى أن للمثقف صفتين رئيستين:

الأولى: الوعي الاجتماعي الكلي بقضايا المجتمع من منطلق بناء فكر محكم.

الثانية: الوعي الاجتماعي يقودنا إلى القيام بدور اجتماعي إذ لا دور سياسي فعال بدون وعي إجتماعي ووعي بالواقع.

 يقوم المثقف بإظهار الأفكار المشيرة إلى الوجود أو التنوير، والتنوير كما عرفه (اوغست كانت) هو: "خروج الانسان من حالة القصور التي هو المسؤول عن وجوده فيها، والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر خارج قيادة الآخرين والانسان القاصر مسؤول عن قصور لأن العلة ليست في غياب الفكر، وانما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته دون قيادة الآخرين، ذلك و شعار عصر التنوير.

وهناك مجالات متعددة لتناول موضوع المسؤولية السياسية للمثقف كون السياسة من الناحية العملية هي الاهتمام بالشأن العام، والشأن العام في المجتمع الجزائري يتمثل في مسائل عدة أهمها ادارة مؤسسات الدولة بمفهومها الحديث والتحديث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والثقافي، وجدنا أن المثقف يهتم بهذه القضايا بصورة وثيقة ولم يكن بمعزل عنها وهذا ما جعل المثقف في الجزائر يكون في صلب المسألة السياسية، ما يستدعي توضيح بعض النقاط[31]

- الأولى: ليس "بالضرورة أن يكون السياسي هو من يكون في السلطة، فقد يكون السياسي منتخب لحزب أو تنظيم سياسي أو معارض ونحو ذلك ويمارس السياسة، فالسياسة تتعلق بسائل الدولة بصورة أشمل عن أنها تتعلق بمسائل السلطة الحاكمة.

- الثانية: هناك حالتين أساسيتين لكيفية النظر لمسؤولية المثقف السياسية، الأولى هي نظرة مثالية وهي تفترض أن تكون هناك علاقة طبيعية لا تخلو من الصراع وكل طرف بحاجة إلى الأخرى، وأن المفروض أن يتعايشا ويتعاونا لتحقيق الصالح العام بما فيه صالح الطرفين (السلطة السياسة والمثقف) والنظرة الثانية واقعية وهي ترى أن ما هو واقع هو عدم وجود توافق بين اهتمامات أولويات المثقف وبين أولويات السلطة السياسية؛ والأحداث تشهد أن كثيرا من المثقفين في معارضة السلطة.

- الثالثة: قد يكون المثقف في السلطة، يتميز بعدم ممارسة النقد بصورة واسعة تجاه السلطة التي ينتمي إليها أو يبرر ممارستها، وإن وجدت فعادة ما تكون داخل أروقة السلطة ذاتها لا تخرج عنها، حيث يقوم بالدور التبريري لأفعال وتوجهات هذه السلطة.

وفي سياق مجموعة التحولات الذي تشهدها المجتمعات العربية والمجتمع الجزائري قام بعض المفكرين العرب باعادة الاعتبار للمثقف ومسؤوليته على جميع الأصعدة، بما فيها الصعيد السياسي كما يرى إدوارد سعيد في "صور المثقف"[32] والذي يتمتع بصورة شخصية مستقلة محبة للاستكشاف والتحري وذات نزعة نقدية اجتماعية تشتغل باسم حقوق الروح كما يقول محمد أركون والذي ينتظر من المثقف العربي مهام محسوسة لان الحال العربية لا تحتمل التأجيل، وهذا ما يدعو إليه حليم بركات في كتابه(المجتمع العربي في القرن العشرين،2001) كانت إعادة الاعتبار للمثقف، تصدر عن رؤية ودور المثقف الفدائي كما يسميه قسطنطين زريق أو المثقف المبدع كما يسميه حليم بركات.

مسؤولية المثقف في المشروع النهضوي الجدير الذي راح يبشر به ناصيف نصار وحسن حنفي وهشام شرابي والذي بالضرورة هو مشروع سياسي يرمي إلى إصلاح الدولة وتحديث المجتمع العربي ويلقي بكاهله على عاتق المثقف.

مفهوم المثقف ليس مفهوما مجردا بل هو ملخص منظومة فكرية مكتملة تحققت تاريخا عبر ممارسة في المجتمع خلال مراحل تطوره المختلفة، وأسهمت في تغيير العديد من الأنماط والأنظمة السياسية عبر دور فعال في نشر مبادئ العقلانية والتنوير والحداثة.... وهذا ما يتوجب أن يمارسه –وبوعي- المثقف الجزائري الملتزم بقضايا العقلانية والتقدم والعدالة الاجتماعية في بلادنا.

وغياب المثقف ابقاءا للوعي العفوي لأفراد المجتمع في حالة من الجهل والتخلف بما يضمن استمرار مصالح الطبقات الحاكمة، وهنا تتبدي أهمية تفعيل واستنهاض دور المثقف في تغيير الواقع، لأنه الحامل لرسالة وموقف ورؤية نظرية مستقبلية من ناحية، وهو أيضا المثقف العضوي -الملتزم تنظيميا- الداعية الاختصاصي، صاحب الأيديولوجية المدافع عن قضايا الحقوق والحريات الملتزم بالدفاع عن قضية سياسية بأفكاره ومواقفه تجاه الرأي العام، هذه هي مسؤوليته نحو عملية التغيير.

المبحث الثاني: ماهية الاتصال السياسي

 مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ظهرت دراسات الاقتدار السياسي بجامعة ميتشغان علي يد (كامبل Camp Bell) وزملائه الذي يعد أول من عرف مفهوم الاقتدار السياسي بأنه " إحساسا بالفعل السياسي الذي يمكن أن يكون له تأثير على العمليات السياسية، ويحمل التعريف إمكانية حدوث التغيير الاجتماعي والسياسي وأن المواطن الفرد يمكن أن يشارك في هذا التغيير"[33] وهذا ما يفترض في المثقفين عقل الأمة ومنه تحولت الدراسات من الجوانب الاقناعية إلي لجوانب المعرفية إذا يقول (كلابرklapper 1960 وماكوم MC combs 1972) أن " الدراسات الخاصة بالآثار الاقناعية انتهت إلى نتائج مخيبة للآمال، فالتعرض إلى وسائل الإعلام يدفع إلي بلورة وتعزيز الاتجاهات والسلوكيات القائمة وليس تغييرها، أما المعارف السياسية وعلى وجه الخصوص إدراك القضايا البارزة فيبدو أنه الاستثناء الوحيد لقانون التأثير المحدود لوسائل الإعلام، ومن هنا ظهرت البوادر الأولى لدراسة وضع الأجندة"[34] وعلى هذا الأساس نخص ا المبحث المعنون بماهية الاتصال السياسي بثلاثة مطالب على النحو الآتي:

المطلب الأول: تعريف الاتصال؛

المطلب الثاني: الاتصال والعملية السياسية؛

المطلب الثالث قطاعات الإعلام السياسي في الجزائر.

المطلب الأول: تعريف الاتصال: Communication

 يعود أصل كلمة Communication إلي الكلمة اللاتينية communis التي تعني الشيء المشترك ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة commune التي كانت تعني في القرنين 10و11م الجماعة المدنية قبل أن تكتسب هذه الكلمة المعني السياسي والإيديولوجي فيما يعرف بكومونة باريس.

اتصال الإعلام إرسال خبر إلى شخص أو جماعة أو مجتمع كبير أو صغير بكل الوسائل الممكنة وكل اتصال يشترط فيه مرسل ومستقبل أو مجموعة أفراد متلقين وتكون هذه العملية هادفة[35]

الاتصال كعملية:

 مكونات الاتصال ليست أشياء ثابتة ولكنها تتفاعل بشكل ديناميكي والنظر للاتصال كعملية (Process) يأخد في الاعتبار التفاعلات والتغيرات التي تحدث بين المرسل والمستقبل أثناء وبعد العمليات الاتصالية، ويقول (كارل هوفلاند Carl Hovland): " الاتصال هو العملية التي ينقل بمقتضاها الفرد (القائم بالاتصال) منبهات (عادة رموز لغوية) لكـي يعدل سلوك الأفراد الآخرين (مستقبل الرسالة)[36]

الاتصال كتفاعل:

 تتسم العملية بالدينامية ولذلك يدخل فيها التفاعل، يرى جورج لندبرج George Lundberg أن كلمة الاتصال تستخدم للإشارة إلي التفاعل بواسطة العلاقات والرموز وينظر روبرت وينر Robert Weaner إلى الاتصال بشكل يتضمن التفاعل بين الآلات أيضا، حيث يقول وينر أن الاتصال يتضمن كل الإجراءات التي يمكن بمقتضاها أن يؤثر عقل بشري على عقل بشري آخر أو جهاز علي جهاز آخر[37].

ويؤكد علماء الاتصال أن التفاعل الاجتماعي والاتصال الانساني لهما نفس المدلول فلا يمكن أن يكون تفاعل في غيبه من الاتصال، كما لا يقوم اتصال بدون تفاعل، ويذهب (تيودور نيوكمب T. Newcomb) ليقول "أن عمليات التفاعل الانساني هي تقريبا عمليات الاتصال"[38].

الاتصال الاجتماعي:

 يدل الاتصال الاجتماعي علي اتجاه للأشخاص أو الجماعات المتبادل، كل نحو الآخر، وهو ضروري سواء لنشأة التفاعل الاجتماعي أو لبقائه واستمراره، والعناصر الهامة التي يتضمنها الاتصال الاجتماعي أو التفاعل الاجتماعي، هي المواقف التي يتخذها الفرد إزاء الأفراد الآخرين وتلك التي يتخذها الآخرين إزاءه، وهذه المواقف هي التي تؤدي إلى إيجاد الاتصال أو عدم إيجاده إلى ما يؤدي إلي العزلة[39].

الاتصال هو المرحلة الأولى للتفاعل الاجتماعي والمرحلة الإعدادية للمرحلة اللاحقة، أي يشكل المراحل الاحقة للتفاعل الاجتماعي ويضبطها.

تعريف الاتصال السياسي:

 لقد تعددت المفاهيم ولكن بقي الإجماع على تعريف موحد للاتصال السياسي غائب وهذا نظرا لعدم إجماع الباحثين في حقل الاتصال السياسي من حيث المضمون والحدود وكذلك لاعتباره نمط جديد من أنماط الاتصال يحتاج للكثير من الاجتهادات نختار البعض منها:

تعريف سكدسون Schudson:

الاتصال السياسي هو: " أية عملية نقل لرسالة يقصد بها التأثير علي استخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع "[40].

تعريف ميدوMeadow:

الاتصال السياسي هو: " الرموز والرسائل المتبادلة المتأثرة بالنظام السياسي أو المؤثرة فيه"[41].

تعريف دينتون وودوارد Denton and Woodward:

الاتصال السياسي هو: " المناقشة العامة حول السلطة ومصادر الدخل في المجتمع "[42].

الإعلام السياسي Political Media:

 هو أحد فروع الإعلام الذي يُعني بأنماط الاتصال السياسي ويؤدي إلي وظيفة سياسة للقائمين عليه سواء على المستوى الوطني أو الدولي وتقتصر أهدافه ودوافعه على احداث تأثيرات واقعية أو محتملة علي عمل وسلوكيات الاخرين وهو يؤثر ويتأثر بالسياسة تبقا لحجم الدفع والجدب بينهما في اطار البيئة والظروف القائمة[43].

تظهر أثناء الممارسة صعوبة ترتيب وسائل الاتصال السياسي، فهي تتخد أشكالا متعددة فقد تكون مباشرة وغير مباشرة، ثنائية وفورية اذا لم تأت مجتمعة كلها، لكن الترتيب المادي للدعائم والركائز يقودنا الي التمييز بين الوسائل الشفهية (انتشار الخبر بين المواطنين) والمكتوبة (الصحافة، المطبوعات...) ثم الوسائل الالكترونية (السمعية البصرية) والوسائل المنظماتية (أحزاب، جماعات الضغط...).

 الاتصال الشخصي بين الموطنين هام ويشكل امتداد منطقي لكل خبر سياسي، ويكون التدفق في مستويين:

- تيار مباشر: عمودي من منبع إرسال الرسالة نحو مرشدي (قادة) (Guides) الرأي وهم أفراد يشاركون بشكل في قيم الجماعة، ثم وعبر هؤلاء القادة لدينا تيار غير مباشر؛

- تيار غير مباشر: أفقي لإعادة النقل بواسطة الشخصية المتبادلة في الجماعة الاجتماعية[44].

تعريف الاتصال باعتباره مجموعة من التقيات:

 كان الاتصال في البداية يتحدد في اتصال الحكومات مع الهيئة الناحية ثم تحدد في تبادل الحوار السياسي بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة، بعد ذلك توسع المجال الى دراسة دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام، ثم الاهتمام باستطلاعات الرأي على الحياة السياسية، وأصبح الاتصال السياسي في الوقت الحاضر يشمل دراسة الاتصال في الحياة السياسية بمعناها العام الذي يضم وسائل الإعلام، استطلاعات الرأي، التسويق السياسي والدعاية مع الاهتمام بشكل خاص بالفترات الانتخابية. يتميز هدا التعريف الواسع بكونه يأخذ بعين الاعتبار خاصيتين أساسيتين للسياسة في العالم اليوم وهما: - التوسيع المتزايد للدائرة السياسية والمكانة المسداة للاتصال السياسي وتزايد قدرة وسائل الإعلام والرأي العام من خلال تأثيرهما في الساحة السياسة[45]

مما يمكن أن يطلق عليه اتصال سياسي يقترن بداية بحملة من التقنيات المستعملة من طرف الحكام والمحكومين من أجل الاتصال وهذه التقنيات غالبا ما تكون مستعارة من التسويق، سبر الآراء العلاقات العامة، الإشهار وهو ما يؤكده (جاك جير ستلي Jacques Gerstlé) " الاتصال السياسي هو مجموعة التقنيات والإجراءات التي يمتلكها الفاعلون السياسيون، الحكام في الغالب من أجل إقناع وتسير الرأي العام"[46].

فحسب جيرستلي هناك من يماثل الإتصال ويخلطه بالتسويق السياسي ويعتبرون أن الإتصال السياسي الحديث ما هو إلا نتاج لتطور ثلاث تقنيات هي: التلقزيون، سبر الأراء والإشهار، وحقيقة الأمر أن موضوع الإتصال السياسي يعتمد بصورة كبيرة على هذه التفنيات بهدق جلب رجال السياسة والجمهور العام على حد سواء.

في الوقت نفسه لا يمكننا انكار أن الدوافع الرئيسية لظهور دراسات الاتصال السياسي تكمن في تطور هذه التقنيات وقد حصرها (برنارد مياج Bernard miège) في كتابة " La société conquise par l’infonmation" في مايلي:

- جلاء الدور الحقيقي لوسائل الإعلام والاتصال في تكوين الرأي العام وخلق الفضاء العمومي، حيث أكد أن مبدأ الإشهار تاريخيا من طرف الطبقة البرجوازية المثقفة في الدولة، ومع تطور المجتمعات أصبخ الإشهار في وسائل الإعلام الحديثة وسيلة لخلق الفضاء العمومي والاتصال بين الحكام والمحكومين؛

- بروز وسائط اتصال في الحملات الانتخابية من قبل الاحزاب والمترشحين والدور الكبير الذي تلعبه هده الوسائل في اختيار الشخصيات السياسية مع بروز كذلك مستشاري الاتصال لدى السياسيين؛

- تطور عمليات سبر الآراء والاحصاء في النشاطات الاقتصادية دعا الى اللجوء لاقتباس هذه التقنيات وتوظيفها في المجال السياسي، وتوسيع استخدامها أدى الى بروز للبحوث والدراسات التي تنظر وتؤسس لعلم الاتصال السياسي[47]

تعريف الاتصال باعتباره منظومة من العلاقات:

 قد يكن الاتصال السياسي مجموعة من الآليات التي يعتمدها الفاعلون للتعبير عن أدائهم ومواقفهم السياسية أو لمعرفة مواقف بعضهم تجاه قضايا المجتمع، أو من أجل اقناع الأفراد بتبني سلوك مختلف عن الذي كانوا يتبعونه بصفة عضوية من خلال ما يصدرونه من خطابات متعارضة أو متوافقة تحدد مكانتهم في الساحة السياسية وفي هذا الاطار يعرف " دومينيك والتون Dominique Weltonالاتصال السياسي "ان الاتصال السياسي هو فضاء واسع يتم فيه تبادل الخطابات المتعارضة من طرف ثلاث فاعلين يملكون جزء من الشرعية السياسية والديمقراطية هم رجال السياسة الصحفيون والرأي العام من خلال سبر الأراء[48].

يركز هذا التعريف على فكرة التفاعلات التي تحدث بين خطابات الفاعلين السياسيين الذين يختلفون في المواقع والمستويات وفي المشروعية السياسية، والذين يمثلون من منطلق موقعهم في الساحة السياسية شرطا أساسيا لتفعيل ديمقراطية الجماهير.

تعريف الاتصال باعتباره جملة من الرسائل:

 في هذا المقام يكون الاتصال السياسي مجموعة من الرسائل المبثة من طرف الحكام إلى المحكومين، قد تكون خطابات، مقابلات ومنشورات ورسائل أو غيرها، وأيضا الرسائل المبثة من طرف المحكومين إلى الحكام والتي تستند بدورها إلى بعض الدعائم المتمثلة خاصة في الانتخابات، الأحزاب السياسية ووسائل الاعلام، ويقر (جون ماري كوتري) بأن "الاتصال السياسي هو تبادل للمعلومات بين الحكام والمحكومين عبر قنوات ارسال مهيكلة او غير رسمية وهو يلبي مطالب ويستجيب على وجه الخصوص لحاجة معينة وهي تأمين الرابط بين الحكام والمحكومين، ذلك أن كل حاكم يريد أن يجعل قراراته مقبولة، وكل محكوم يسعى لأن يشكل ويصوغ حاجاته ويجعل الآخرين يوافقون عليها، وهذا لن يتم إلا بالاتصال؛ أي التبادل"[49].

بهذا يتبين أن "كوتري" قد عرف الاتصال السياسي بطريقة أكثر تحديدا وعمقا بتركيزه على النتائج التي تحققها عملية الاتصال، وهي النتائج التي تميز أنواع الاتصال الأخرى غير سياسية وخاصة ذلك التلاقي الذي يحقق تبادل الرسائل بين الحكام والمحكومين قصد تحويل العلاقات الاجتماعية إلى علاقات سياسية.

 كما يعتبر الاتصال السياسي سلوك يسمح بتحقيق مجموعة من الأهداف لخصها الباحث (ريمي ديفلRémy Diefel) في التعريف التالي:

"الاتصال السياسي سلوك جديد يساعد في تحديد المشاكل والقضايا الراهنة بسهولة كبيرة، وكذا مناقشتها في الساحة العمومية أمام أعين الجميع، والعمل على ايجاد وافراز الحلول التي يجب تبنيها، فهو يجنب انغلاق النقاش السياسي على نفسه، وذلك بفسح المجال أمام الشعب قصد اظهار معارضة أو عدم قبوله"[50] كما أن الاتصال السياسي يساهم في دعم مايلي:

1- يساهم في دعم النظام السياسي وزيادة كفاءته وفعاليته ويتيح امكانية تدفق المعلومات منه إلى الجماهير، كما يعمل على نقل اهتمامات الجماهير إلى النخبة وصانعي القرار وبالتالي امكانية خلق مجتمع ونظام ديمقراطي قائم على الحوار؛

2- يساهم في اتصال الجماهير ببعضها البعض وتكوين مواقف متقاربة حول محيطهم السياسي، ومنه امكانية انتهاج سلوك توحد سواء أكان سلبي أو ايجابي اتجاه النظام السياسي حسب ديمقراطية وعدالة النظام أو فساده؛

وبالتالي فالاتصال السياسي يؤدي دورا هاما في التنشئة السياسية والثقافة السياسية، فما يؤثر تأثيرا بالغا في ممارسة حرية الرأي والتعبير، ويتيح فرصة للنظام للتعريف ببرامجه وهذا ما يؤدي إلى امكانية طرح بدائل.

المداخيل النظرية المعاصرة لدراسة الاتصال السياسي:

هناك نوعان من النظريات:

1- النظريات المتعلقة بالجمهور وأبرزها:

أ- نظرية الاستخدامات والاشباعات؛

ب- نظرية المعالجة المعلوماتية.

2- النظريات المتعلقة بالقائم بالاتصال وأهمها:

أ- نظرية انتقل المعلومات عبر مرحلتين؛

ب- نظرية وضع الأجندة (ترتيب الأولويات)[51].

المطلب الثاني: الاتصال والعملية السياسية

 نظرا لأهمية الاتصال في الحياة السياسية أصبحت الأنظمة الديمقراطية وشرعيتها مرتبطة بقدرتها على الاتصال إلى درجة اعتباره رهانا حقيقيا لكل من يريد ممارسة السلطة وعليه لا توجد حكومة ولا حزب في مجتمعات الاتصال لا يستثمر في هذا المجال الذي تطور بصفة معتبرة وأصبح أكثر تعقيدا بسبب التطور التكنولوجي والقدرة المتزايدة للجمهور على تفكيك مضامين الرسائل السياسية.

 رغم أن البدايات الأولى للاتصال السياسي والدراسات الامبريقية في امريكا خلال اربعينات القرن الماضي اهتمت بالعملية الانتخابية وعلاقة المرشح السياسي بالمواطنين وتأثير الاعلام على السلوك الانتخابي، إلا أنه ومع تطور وسائل الاتصال الجماهيري أصبح الاتصال السياسي يهتم بكيفية توظيف واستغلال وسائل الاتصال في العملية السياسية متجاوزا دراسة العملية الانتخابية بترتيب الأولويات وتحليل الخطاب وأوعية بثه والجمهور المستهدف واتجاهات الراي وقادة الرأي وتحليل المضمون وتداخل مجموعة عوامل اجتماعية ونفسية في العملية الاتصالية ذات المضمون السياسي.

فالاتصال والعملية السياسية علاقة لزامية، أي أن مفهوم وتاريخ الديمقراطية الحديثة التقاء كل من السياسة بوسائل الاتصال مما جعل كل ما هو سياسي يتحول إلى اتصال سياسي، وفي هذا السياق يضم الاتصال السياسي مجموعة متكاملة من المظاهر لأقصى ما يمكن أن يصل إليه الخطاب السياسي والاعلام السياسي فهو يتأسس على كون التجمع البشري مكون من أفراد أحرار متساوين، كما أنه يحيل إلى وسائل وآليات الاتصال التقنية التقليدية والحديثة، وعلى كل الوسائل والقنوات التي قد تجعل من تمثيل المجموعات ومن فعالية الفعل السياسي شيئا ممكنا.

الانتخابات:

 يعتبر جون ماري كوتري أن الانتخابات أصبحت تعد تجمعا اتصاليا تتم خلالها المواجهة العلنية الحقيقية بين الحاكم والمحكوم في المجتمع الديقمراطي التعددي مثل المجتمع الجزائري بعد دستور 23 فبراير 1989، حيث تخصص في الفترة التي تسبق الانتخابات فضاءات لتبادل الاتصال بين المواطنين والمرشحين، يعرض فيها هؤلاء برامجهم على الناخبين عبر مختلف وسائل الاتصال المتاحة، وانطلاقا من هذه الخيارات يستطيع الناخب اتخاذ قرار المشاركة الانتخابية، واختيار المرشح أو الحزب الذي يرى أن برنامجه يتوافق وتوجهاته الأساسية.

إذا كانت الانتخابات تمثل مرحلة واحدة من الاتصال السياسي وهي مرحلة العودة (الاتجاه الصاعد)، فان ذلك يعني أنه بامكانها أن تكون وسيلة للناخبين من أجل سماع أصواتهم وللاجابة على سياسية يقوم بها فريق معين موجود في السلطة أو في الأجهزة الحكومية والادارية، فهي إذن تلك اللحظة التي يواجه فيها مجموعة من الحكام المحكومين في حوار حقيقي ومفتوح[52].

ويعد الانتخاب أداة التداول السلمي على السلطة وقناة يمر عبرها تيار المعلومات من القاعدة إلى القمة وفي هذا الصدد يؤكد الباحث (جورج بيردوGeorge Burdeau) أن الانتخاب هو وسيلة اتصال وأداة سياسية في الوقت نفسه وقد ربطه بالديمقراطية عند ما قال أن الديمقراطية نظام حكم يقوم على الاتصال المنجز أو المحقق عن طريق الاقتراع بين الحاكم والمحكومين بشكل يؤدي إلى أن يكون علم هؤلاء موجها من طرف رغبات أولئك[53].

وسائل الاعلام:

 تلعب وسائل الاعلام دورا حيويا في المجال السياسي في المجتمعات المعاصرة فهي أداة فاعلة وهامة لا تقوم بنقل الرسائل والمعلومات من المنظمات والمؤسسات السياسية إلى الجمهور فقط، بل تحول هذه المعلومات من خلال صناعة الأخبار وترتيبها في أجهزة لتحقيق غايات منشودة.

طبيعة العلاقة بين وسائل الاعلام والعملية السياسية علاقة جدلية، إذ أن وسائل الاعلام تعمل على نقل وتحليل النشاط السياسي وفي نفس الوقت تعد جزءا من العملية السياسية، فهي من المصادر المتاحة أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات والبيانات، وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم، مما يساعد في كل العمليات والخطوات المصاحبة لصنع القرار السياسي فضلا عن اعتماد الجمهور عليها في تكوينه واعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به.

فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة في مجال الاتصال السياسي وعلم السياسة أن الوسائل الاعلام قوة مستقلة في المجتمع، وانها تقوم بأدوار أساسية على الصعيد السياسي من خلال ما تقدمه من مواد اتصالية كما تلعب دور مهم ومتزايدا في الحياة السياسية سواءا على المستوى الداخلي أو الخارجي، ليس فقط لأن محترفي السياسة يهتمون عند تحضير استراتيجياتهم بالاتصال وبما تبثه ونشره هذه الوسائل، ولكن أفراد المجتمع أيضا وبنفس الاهتمام يكتسبون أهم معلوماتهم الأساسية بفضل المضامين التي تعرضها[54]، تؤثر وسائل الاعلام على باقي الوسائل والقنوات الأخرى ولها دور فعال في تنشيط العملية السياسية حيث تأخذ المناقشات والمواقف الخاصة بالمسائل السياسية مؤشراتها من عرض وسائل الاعلام لهذه الرسائل، فهي إلى جانب تأثيراها على الأراء السياسية للفرد تؤثر على الطريقة التي تدار بها السياسة وعلى تنظيم نشاطاتها الرئيسية[55].

المثقف العضوي:

 المثقف العضوي هو الذي يسعى دوما إلى تغيير الوضع الراهن وفرض الرؤية الشرعية الجديدة، وبذلك تكون وظيفته الأساسية داخل البنية الاجتماعية هي كونه عن طريق عمله هذا اسمنتا يربط البنية التحتية بالبنية الفوقية ويكون بذلك الكتلة التاريخية من خلال خلق الانتاج وتوزيع ونشر الايدولوجيا من جهة وضمان انسجامية الوعي للطبقة التي يرتبط بها عضويا من جهة أخرى، ثم على مستوى ثاني يقوم بنشر وتعميم تصور العالم وسط الطبقات الاجتماعية الأخرى[56].

بهذا الطرح يزيح أنطونيو جرامشي* الأطروحات المثالية القائلة بعزلة واستقلالية المثقف عن الطبقات الاجتماعية، فالمثقفون لا يوجدون هكذا معلقين في الفراغ ومعتكفين في الأبراج العاجية يتفرجون من وارء قلاعهم الفكرية على معارك وصراعات المجتمع بعيدا عن شظايا الحروب الاجتماعية ودياليكتيك التناقضات وتصورات الناس.

هذا لا ينفي تمتعهم بإستقلالية نسبية عن هذه الطبقات، فهم يرتبطون بها من خلال نشاطاتهم في أجهزة البنية الفوقية كالتنظيمات في المجتمع المدني ومؤسسات الهيمنة الاجتماعية كالمدرسة والجامعة ومؤسسات السيطرة والإكراه وتتبلور حرياتهم في النقد والممارسة الفكرية الحرة.

ويقول جرامشي (891-1937) الوعي الذاتي النقدي يعني سياسيا وتاريخيا خلق نخبة من المثقفين، فالكتلة البشرية لا تتميز ولا تصير مستقلة من تلقاء ذاتها من دون أن تنظم نفسها بالمعنى الواسع ولا تنظيم بدون مثقفين وبدون قادة يمثل المثقف العضوي في هذا الصدد صانع التجانس في المجتمع وباعث الوعي ليس فقط في الميدان الاقتصادي ولكن في الميدان السياسي والاجتماعي أيضا مساهما في العملية السياسية[57]، ومن البديهي أن المثقف في أي مجتمع كان يمتلك المقومات التي تؤهله لقيادة المجتمع. وهذا ما تجلى منذ دعوة أفلاطون لأن يكون الفيلسوف على رأس السلطة السياسية وهي أول دعوة تذكرها كتب التاريخ.

ومن تم الدعوة الواقعية لأرسطوا للعمل التكاملي بين المثقف والسلطة ذلك لأن المثقف يمتلك رؤى ثاقبة ولديه مقدرة هائلة تؤهله للقيام بالتحليل والتركيب إزاء أي ظاهرة أو حدث. ورؤاه تتسم على الغالب بقوة البصيرة ومقاربة الموضوعية في القضايا السياسية التي يعيشها مجتمعه.

والمثقف العضوي يقدم معرفة منظمة عقلانية للواقع الانساني بما يملكه من ادوات تحليل متطورة وايجاد مواطن الخلل التي تعتري النسق الاجتماعي ويحاول صياغة انكسارات الواقع بصورة علمية تحليلية.

الفعل السياسي يغلب عليه اليومي الآني على خلاف الفعل الثقافي (ونقصد به تعامل المثقف مع معطيات الواقع في معالجة البيانات المدخلة، بحيث تخرج عن هذه المعالجة نتائج) فهو يجرد اليومي في معطيات الواقع من يوميته فيستخرج عن طريق التجريد الكلي من الجزئي ويقدم للسياسية فرصة معرفة نتائج عملها ووضعها في صورة شاملة وكاملة.

أوضح المنظرين الفرنسيين بياربورديو ومشيال فوكو ما للمثقف من سلطة وذلك في مسارات متنوعة فقد اهتم فوكو بأهمية المعرفة بوصفها نمطا من أنماط الهيمنة التي تتخلل العلاقات البنائية بين الطبقات داخل المجتمع ورأس المال الثقافي Capital Culturel وأعطى وزنا للهيمنة الثقافية الرمزية[58].

المطلب الثالث: قطاعات الاعلام السياسي في الجزائر بعد دستور 1989.

 بعد استقلال الجزائر سنة 1962 اندلع صراع حاد على السلطة بين مختلف الأقطاب المشكلة لحزب جبهة التحرير الوطني موضوع الصراع حول الكيفية التي يجب أن تقاد بها البلاد لكن قطاع الاعلام لم يشهد تغيرات كثيرة عما كان عليه قبل الاستقلال فقد استمر في العمل بالقوانين التي صدرت عن عهد الاستعمار منه قانون حرية التعبير 1881 الذي كان ينص على حرية العمل الاعلامي وانشاء مؤسسات اعلامية[59] الذي أقره فيما بعد دستور 10 سبتمبر 1963 في مادته 19 حيث نص على: "تضمن الجمهورية الجزائرية حرية الصحافة والوسائل الاعلامية الأخرى، حرية الجمعيات، حرية الكلمة والتدخل عموما وحرية الاجتماعات"[60] ولمعرفة طبيعة الاعلام في المجال السياسي بالجزائر، يجب التمييز بين قطاعين اختلفت علاقتهما بالسلطة السياسية خاصة بعدما عرفت الجزائر التعددية السياسية أقرها دستور 23 فيفري 1989، هذان القطاعان هما الصحافة المكتوبة والاعلام السمعي البصري.

الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد الاستقلال لم توليها السلطة السياسية اهتماما بغياب اطار قانوني للعمل الصحفي ووضع سياسي غير مستقر، جعلا من الصعب على الصحافة المكتوبة النهوض بالمهام المنوطة بها في نشر الوعي الاشتراكي في أوساط المجتمع الجزائر، خاصة وان الصحافة المكتوبة (اعلام مقروء) لم تكن لتشكل وسيلة ذات انتشار واسع مقارنة بالتلفزيون الاذاعة باعتبار أن نسبة كبيرة من الشعب كانت تعاني الأمية، وعليه كانت تتوجه فقط إلى فئة نخبوية تحسن القراءة وعلى حد تعبير الدكتور زهير إحدادن: "هذه الظاهرة أدت بالحكومة الجزائرية إلى تجميد هذه الوسيلة ريثما تنتج المدرسة الجزائرية من يستطيع قراءة هذه الصحافة "وعليه سنتعرض إلى طبيعة الإعلام السياسي في الجزائر بعد دستور 1989 أين عرفت ثلاثة قطاعات على الشكل التالي:

1- صحافة القطاع العام؛

2- قطاع الصحافة المستقلة؛

3- الصحافة الحزبية.

1- صحافة القطاع العام:

 يأخذ قطاع الاعلام في الجزائر مفهوم ملكية الدولة للمؤسسات الإعلامية والإشراف عليها بشكل مباشر ولم يتغير هذا الوضع كثيرا بعد دستور 1989 الذي أشار صراحة إلى حرية إنشاء قنوات تلفزيونية ومؤسسات إعلام، فقد بقي القطاع العام في هذا الميدان متواجدا إلى جانب القطاع الخاص، وقد تأكد ذلك رسميا عن طريق إعلان رئيس الجمهورية لقناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط حيث صرح: "الدولة هي التي تمول الراديو والتلفزيون وهما موجودان للدفاع عن سياسة الدولة، ولم تنشأ هذه الإذاعات وهذه التلفزة لمنحها لأولئك الذين يهاجموا الدولة ويتسببون في نكبة شعبهم وعلى أية حال فهناك صحافة حرة ومجال لحرية التعبير فمن أراد التعبير فله ذلك، لكن وسائل الدولة ملك للدولة[61].

السلطة السياسية في الجزائر ليست مستعدة للانسحاب من المسرح الاعلامي حتى ولو كانت تحتكر الوسائل السمعية البصرية ووكالة الأنباء الجزائرية، فهي متواجدة عبر بعض العناوين الصحفية، ما يطرح اشكالية هذه الصحف ونوعها، إذا ثمة تجارب قليلة في العالم توجد بها صحف السلطة أي بتمويل وتوجيه منها مباشرة، وقد يعود ذلك إلى طابع العمل السياسي، الذي تريد السلطة من خلاله أن تكون طرفا منعزلا عن المجتمع وتحمي وجودها بأساليب قد تبدو للبعض أنها من مخلفات العهود السابقة، وأنها لا تتماشى وتطورات الممارسة السياسية الحديثة، لكن هيمنتها على وسائل الاعلام الجماهيرية والعمل على البقاء وحيدة في الساحة هذه الحالة لا تتطابق والنية في التوجه نحو التعدية الاعلامية بمفهومها الديمقراطي[62].

فهي الوقت الذي كانت تكتسح فيه هذه الصحافة المجال الاعلامي لوحدها عملت على تكريس الخطاب الرسمي وتعمدت الصمت على سلبيات النظام السياسي واستحدثت كيفيات الدفاع عن منطق السلطة وان واصلت صحافة القطاع العام خاصة الصحافة المكتوبة نشاطها الاعلامي إلى يومنا هذا فان ذلك ليس بالضرورة ناتج عن نشاطها الاقتصادي والتجاري لأن تحريرها واستقلالها المالي لم يصبحا يمكناها من التكفل بكل النفقات الاجتماعية –العمال- والاعلامية.- اصدار الصحيفة- وليست هذه المؤسسات في منأى عن ظاهرة الإفلاس وعليه ما زال هذا النوع من الصحافة إلى يومنا هذا منذ رحلة الاستعمار الفرنسي لاحكام الدولة سلطتها على قطاع الاعلام.

2- قطاع الصحافة المستقلة:

استعمال مصطلح الصحافة المستقلة يتطلب بعض الحذر من حيث الشكل الذي اخذته هذه الأخيرة في اطار التعددية الاعلامية التي انطلقت فعلا بعد صدور المنشور الحكومي 04/90 تسمح على اثره للصحفيين بتشكيل صحف مستقلة لأن الانفتاح التشريعي والقانوني لم يواكب الانفتاح الفعلي في اطار الممارسة بانشاء صحف جديدة مستقلة بوسائلهم الخاصة والتحق بعض صحفي القطاع العام بالصحف الحزبية لأداء مهام اعلامية وسياسية في آن واحد في نفس الفترة وتحت سلطة رئيس الحكومة مولود حمروش تم الغاء وزارة الاتصال التي كانت تعد وصية على القطاع وتعتقد أنه لم يصل إلى النضج الذي يسمح له بادارة شؤونه.

كما طرحت على الصعيد السياسي مفاهيم جديدة على الصحافة المستقلة مثل مفهوم المساس بأمن الدولة والاخلال بالنظام العام فبعد اعلان حالة الطوارئ في 09 فيفري 1992 تم ايقاف عدة صحف عن الصدور وبهذا تم ابعاد الصحافة المستقلة عن القضايا الاستراتيجية الكبرى المتعلقة بطبيعة النظام وقضية التداول على السلطة، فوُصفت هذه الصحافة بالهشاشة بذريعة التحريض على العنف وتعطيل عمل قوات الأمن[63]

 من خلال المنشور الحكومي رقم 626 المؤرخ في 19 أوت 1992 والذي يفرض على مؤسسات الدولة والادارات المركزية والمؤسسات العمومية بمنح اعلاناتها الاشهارية إلى الوكالة الوطنية للنشر والاشهار ANEP والتي توزعها بدورها على مختلف الجرائد دون الأخذ بعين الاعتبار اختيارات المعلنيين، فقد شكل موضوع الاشهار نقطة حساسة بين السلطة السياسية والصحافة المستقلة لأنه يعتبر الركيزة الأساسية لحياة الجريدة، فالصحف التي لديها أقل من ثلاثة صفحات من الاشهار من الصعب أن تجد توازنها[64].

كما تعد المطابع من الوسائل الأكثر استعمالا من طرف السلطة السياسية لمراقبة الصحف المستقلة ومضمونها رغم وجود تشريع قانوني ينص على حرية انشاء المطابع والشركات الخاصة بالتوزيع إلا أنه بقيت كل المطابع عبر التراب الوطني محتكرة من قبل الدولة إلى غاية سنة 2001 أين تم انشاء مطبعة خاصة بجريدتي EL Watan والخبر، وهذا يعني فقدان السلطة السياسية إحدى أدوات الضغط على هذه النوع من الصحافة.

3- الصحافة الحزبية:

الصحف الحزبية هي التي تعبر عن فكر سياسي معين أو اتجاه أو مذهب ايديولوجي وتتجلى وظيفتها في الاعلام بالدفاع عن الحزب ليغلب عليها طابع صحافة الرأي[65].

تعود الجذور التاريخية للصحافة الحزبية في الجزائر إلى فترة الاستعمار الفرنسي لتستمر إلى ما بعد الاستقلال حيث اختفت لأسباب سياسية والبعض منها تم احتوائها للنظام السياسي وهذا منذ 1964 مثل جريدة Alger République التي تم ادماجها مع صحيفة Le peuple التي تأسست في أوت 1962، ثم أدمجت الصحيفتان في جريدة واحدة تحت اسم El Moudjahid التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني وبقيت الساحة الاعلامية خالية من الصحف الحزبية الأخرى إلى غاية التعددية الحزبية التي أقرها دستور 23 فيفري 1989[66].

بعد صدور مرسوم 3 أفريل 1990 ظهرت العديد من العناوين الحزبية:

- الجبهة الاسلامية للانقاذ أصدرت اسبوعيتين وهما المنقذ والفرقان الأولى صدرت باللغة العربية والثانية صدرت باللغة الفرنسية؛

- الحركة من أجل الديمقراطية أصدرت أسبوعية البديل باللغة الفرنسية العربية؛

- جبهة القوى الاشتراكية أصدرت جريدة الجزائر الحرة؛

- حركة التحدي أصدرت Alger Repu وأصدرت صوت الشعب.

حيث وصلت عدد الصحف الحزبية سنة 1990 إلى 37 عنوانا إلا أن سنة 1997 سجلت اختفاء الصحافة الحزبية بصفة شبه كلية[67].

ويعود هذا التراجع الذي عرفته الصحافة الحزبية في الجزائر إلى قلة الاعانات التي تقدمها الدولة وحصتها من الاشهار الذي تحتكره الوكالة الوطنية للنشر والاشهار ANEP وهذا بعد المسار الذي عرفته هذه الصحافة، أحدهما سياسي تقوم به في اطار المعارضة السياسية وبالتالي يدخل في اطار العمل السياسي المحض والآخر اعلامي توجيهي تحاول من خلاله هذه الأحزاب الاقتراب من الرأي العام لتوضيح النهج السياسي الذي يتبعه الحزب المنتمية إليه.

وما زاد الطينة بلة، ضعف الثقافة السياسية لدى الرأي العام الذي يعرف حالة من التوجس من الظاهرة الحزبية عموما والاعلام الحزبي على وجه الخصوص ولم يصبح الرأي العام معيارا يقاس به النشاط الديمقراطي أو مساهما في تنوع الطرح السياسي أو اثراء الصحافة كما تقتضيه الثقافة السياسية ما دفعنا إلى الاهتمام بالمثقف العضوي في الجزائر وعلاقته بالإعلام السياسي لتنوير الرأي العام وجعله فعال.

المبحث الثالث: المنظومة الاعلامية والنظام السياسي في الجزائر

طبيعة النظام السياسي الذي ساد المجتمع الجزائري خلال فترة الحزب الواحد وتركيز السلطات في فئة القيادة السياسية جعل وسائل الاعلام في الجزائر مجرد قناة ناقلة لخطاب السلطة السياسية نظرا لاحتكار السلطة الحاكمة لقطاع الاعلام وفرضها الرقابة على الأخبار وهو ما أدى إلى غياب ثقة الجمهور في المؤسسات الاعلامية في الجزائر.

كان من المفروض على وسائل الاعلام أن تقوم بنقل المدخلات وهي مختلف المطالب والمواقف والأراء والمظالم التي يعبر عنها أفراد المجتمع للحكام من جهة، كما تقوم في الجهة المقابلة بنقل المخرجات (وهي تمثل مختلف القرارات التي تصدرها السلطة) إلى المواطنين بحيث تعد خير قناة يعتمد عليها الحكام لشرح سياستهم وقراراتهم، لكن الواقع اظهر عكس ذلك إذ أنه في هذه الفترة كان النظام السياسي يصدر مخرجات ليست ناتجة عن المطالب التي يتقدم بها المجتمع وانما كانت نابعة من مطالب تمت صياغتها على مستوى جماعات في الأجهزة السياسية التي كانت تشكل النظام السياسي، فسياسة القيد والوصاية التي فرضتها السلطة على الصحافة جعلت دورها يقتصر فقط على الحركة النازلة وجردتها من دورها في الرقابة والنقد[68].

فمنذ ميثاق الصومام كان الاعلام يعني بالدرجة الأولى التعبئة والتوجيه قصد الوصول بالثورة إلى تجنيد الشعب والقوى المؤيدة والمساندة للقضية.

في ميثاق طرابلس 1962 وميثاق ودستور 1976 مفهوم الاعلام أصبح ملازما للسيادة الوطنية والخيار الاشتراكي.

دستور 1989 يضمن الحريات الفردية والجماعية وفي قانون الاعلام المرسوم التنفيذي رقم 90-7 والمؤرخ 3 أفريل 1980 المادة 14 يوضح نهاية للاحتكار وسيطرة الدولة، حيث يصبح من حق الجمعيات والأحزاب الامتلاك والنشر في قطاع الصحافة المكتوبة لكن النظام السياسي أبقي على التلفزيون والاذاعة تحت لوائه[69].

ظهرت في الجزائر بعد مرسوم الوزير الأول السابق مولود حمروش الصادر في أفريل 1990 اكثر من 100 عنوانا (يوميات، أسبوعيات، دوريات) أو جدت حالة استثنائية فريدة من نوعها في العالم العربي، لكن هذا الكم الهائل من الصحف تمير بمحدودية النشر والتوزيع واختفاء بعض العناوين، إلى غاية سنة 1996 أين عرفت بعض العناوين الاستقرار والانتشار والمحافظة على قاعدة من القراء.

وما يعاب على صحف القطاع العام بعد 1989 أنها تميزت بإعلام حكومي متذبذب حينما نعلم أن الجزائر شهدت 10 حكومات خلال مرحلة التعددية.

ولهذه الأسباب سندرج في هذا المبحث ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: الحقل الاعلامي والسياسي في الجزائر؛

المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة والرأي العام؛

المطلب الثالث: الدور الوظيفي للصحافة المكتوبة.

المطلب الأول: الحقل الاعلامي والسياسي في الجزائر

عرفت الساحة الاعلامية في الجزائر عديد التحولات مس بشكل كبير قطاع الصحافة المكتوبة دون قطاع السمعي البصري الذي بقي محتكرا من قبل السلطة وكانت ملكيته عمومية منذ الاستقلال 1963 إلى يومنا هذا. حيث عرفت في هذه الفترة الصحافة المكتوبة مجالا للحرية لذا سنتناول في هذا الشطر من الدراسة الصحافة المكتوبة والحقل السياسي خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى يومنا هذا وهي تتميز بالتعددية السياسية والاعلامية مقسمة هي الأخرى على أربعة فترات.

- الفترة الأولى: (1988 إلى غاية 1990) التمهيد للتعددية؛

- الفترة الثانية: (من أفريل 1990 إلى غاية 11 جانفي 1992) مرحلة القوة؛

- الفترة الثالثة: (من 11 جانفي 1992 إلى غاية 07 جوان 1994) المرحلة العصيبة؛

- الفترة الرابعة: (من جوان 1994 إلى يومنا هذا) تعددية مقيدة.

الفترة الأولى: (1988 إلى غاية 1990) التمهيد للتعددية:

تعد هذه المرحلة تمهيدية للتعددية وهي تعبر عن واقع جديد تجسد في بروز اطار تشريعي تأسيسي يتمثل في دستور 23 فيفري 1989 يختلف في اطاره العام عن مجموع الدساتير السابقة التي عرفتها الجزائر منذ للاستقلال، فقد جاءت المادة 35 من الدستور تتحدث عن حرمة المساس بحرية الرأي والمعتقد وتتبعها المادة 36 التي منعت كل المؤسسات من حجز أي مطبوع وأية وسيلة اعلامية، وتنص على أن الحرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن وحقوق المؤلف يحميها القانون، ولا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والاعلام إلا بمقتضى أمر قضائي[70].

هذا التحول في المجال السياسي تجسد باعلان العديد من الشخصيات السياسية تأسيس أحزاب سياسية يليه جرائد خاصة بها، فكانت أول صحيفة حزبية ظهرت في 05 أكتوبر 1989 هي المنقد للجبهة الاسلامية للانقاذ.

لكن بقي الدستور يحتاج على قوانين ونصوص تفسير الأحكام العامة وتحديد الضوابط العامة التي يسير عليها الاعلام، فصدر منشور 19 مارس 1990 الذي سمح بتشكيل رؤوس أموال جماعية واستثمارها في مجال الاعلام ثم تلاه صدور قانون اعلام جديد في 03 أفريل 1990[71].

الفترة الثانية: (من افريل 1990 إلى غاية 11 جانفي)1992 مرحلة القوة:

ساهمت الفترة التمهيدية للتعددية في تغيير الساحة الاعلامية الوطنية ووضع حد لاحتكار الدولة لوسائل الاعلام خاصة منها الصحافة المكتوبة فظهرت أول صحيفة مستقلة يوم 3 سبتمبر 1990 وهي يومية Le Soir D’Algérie وبدأت صحف القطاع العام تعرف مشاكل وتعيش هاجس الافلاس لعدم قدرتها على المنافسة وتكيفها مع المحيط السياسي التعددي الجديد مع آليات اقتصاد والسوق[72].

شهدت الصحافة المكتوبة بشكل عام ازدهار كبيرا في بداية هذه الفترة حيث ظهرت العشرات من العناوين بتطور نوعي وعدم وقوع اصطدام بين السلطة السياسية والصحف، حيث وصل عدد العناوين بداية ديسمبر 1991 إلى 103 عنوان من بينهم 16 يومية. لكن في أخر هذه المرحلة وبعد تولي سيد أحمد غزالي رئاسة الحكومة بدأ يظهر احتجاب عدد من الصحف عن الصدور، كما ظهر الصراع بين السلطة السياسية والصحافة الخاصة، اتخذ طابعا قضائيا بامتثال عدد كبير من الصحفيين أمام المحاكم بسبب محاولات السلطة الضغط على هذه الصحافة لتحقيق أغراض معينة[73].

الفترة الثالثة: (من 11 جانفي 1992 إلى غاية 07 جوان)1994 المرحلة العصيبة

بعد استقالة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد يوم 11 جانفي 1992 ليحل محله المجلس الأعلى للدولة يوم 14 جانفي من نفس السنة، والغاء نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية التي جرت يوم 26 ديسمبر 1992، واعلان حالة طوارئ يوم 09 فيفري 1992، واغتيال رئيس مجلس الأعلى للدولة يوم 29 جوان 1992 واصدار القرار المؤرخ في 07 جوان 1994 المتضمن قرار السلطات لاحتكار الأخبار الأمنية[74].

فهذه الفترة عصيبة في تاريخ الجزائر المعاصرة حيث تم تجميد العمل بالدستور 1989 وقانون الاعلام الذي كرس حرية الصحافة في 1990، وقد تأثر قطاع الصحافة سلبا باقرار حالة الطوارئ فني نفس السنة تم حل المجلس الأعلى للاعلام وهيمنت السلطة السياسية على الصحافة الخاصة بحجة استرجاع هيبة الدولة عن طريق اقحام عناصر الأمن إلى المقرات الصحفية واعتقال الصحفيين وتوقيف الصحف عن الصدور متجاهلين نصوص دستور 1989.

وفي هذه المرحلة أصبحت بعض الصحف منابر لبعض الأحزاب دونما ارتباط عضوي وهذا ما صعب على السلطة السياسية المساس بها لأنها بذلك تمس مصالح واتجاهات سياسية موجودة في الساحة السياسية فحاولت السلطة السياسية الضغط على هذه الصحف الموالية عن طريق الاشهار لتصبح هذه الصحف رهينة لشركات الطباعة ومؤسسات التوزيع.

وبعد القرار الوزاري المؤرخ في 07 جوان 1994[75] الذي بموجبه قررت السلطات احتكار الأخبار الأمنية وجملة من التوصيات المتعلقة بكيفية معالجة الأخبار الأمنية من قبل وسائل الاعلام تبرر التراجع الرسمي عن حرية الأداء الاعلامي في اطار مهني.

في خضم هذه الظروف وجدت الصحافة الخاصة نفسها في مشاكل مادية أثر على استقلالها الاقتصادي.

الفترة الرابعة (من جوان 1994 إلى يومنا هذا) تعددية مقيدة:

الطابع العام لهذه الفترة تدهور حريات التعبير وبروز الحذف الذاتي بعدة والركود التام لنشاطات الأحزاب السياسية ما أثر على النشاط الاعلامي للصحف فاختفت الصحافة الحزبية بصفة شبه كلية سنة 1997[76].

وتدهورت العلاقة بين المطابع والصحف برفع ثمن الطباعة وتخفيض السحب وتقليص عدد الصفحات دون مراعاة الطابع الثقافي للاعلام، بالاضافة إلى عدم التوزيع العادل للاشهار الذي أصبح محتكرا من طرف السلطات العمومية بمنشور حكومي.

وخلال هذه السنوات وبحجة صعوبة وخطورة الوضع الأمني عرفت القوانين التي أقرت حرية الصحافة تراجعا ملحوظا وبقي مشروع قانون الاعلام الجديد لسنة 1998 معلقا ومسكوتا عنه بعد الانتخابات الرئاسية لأفريل 1999 وإلى غاية يومنا هذا.

المطلب الثاني: الصحافة المكتوبة والرأي العام

أكد هارولد لازويل أنه من أجل تكوين رأي عام معبر عن كافة الأراء والاتجاهات الجماهيرية، وليس مقصورا عن اتجاهات وأراء فئة معينة لابد من وجود صحافة مهمتها التعبير عن هذه الأراء وتفسيرها[77]

- الرأي العام بتألف من لفظين:

(الرأي): أمر يقبل الشك أي عدم الجزم؛

(عام): الجماعة التي تشترك في الرأي؛

- يقسم الدكتور عبد اللطيف حمزة الرأي العام إلى ثلاث أنواع:

1- رأي العام مسيطر: رأي القادة والزعماء والحكومات؛

2- رأي عام منقاذ: رأي التابعين بغير تفكير أو ارادة؛

3- رأي عام مستنير: رأي الطبقة المثقفة من الجمهور.

فلهذا الأخير -الرأي العام المستنير- هو ما نقصده لكونه رأي طبقة مثقفة واعية وقادرة على الدرس والقراءة والمناقشة والاقناع، حيث أكدت هذا الباحثة (عزيزة عبده) حين قالت "الرأي العام في مجتمع، ما هو إلا رأي الأغلبية الواعية المثقفة التي تأخذ على عاتقها مسؤولية التفكير بعد الادراك ومن ثم ادارة الحوار والنقاش والجدل الفكري، وأخيرا اتخاذ القرار واعلان الرأي العام من خلال الاجماع الذي يمثل رأي الغالبية ويعبر عن رأي ومصلحة جماعة[78]،أما الصحافة بمعنى الوظيفة التي تؤديها في المجتمع تتصل بطبيعة الواقع الاجتماعي ونوعية النظام السياسي القائم وعلى هذا الأساس القائم نجد اليوم أربعة مفاهيم أساسية للصحافة هي:

المفهوم السلطوي للصحافة والمفهوم الليبرالي للصحافة، المفهوم الاشتراكي الديمقراطي للصحافة[79]

إذ يمثل المفهوم الرابع-الاشتراكي الديمقراطي للصحافة- محاولة للجمع بين ما يميز المفهوم الليبرالي للصحافة من جهة، مع العمل على تجاوز سلبيات كل من المفهومين الآخرين-السلطوي والاشتراكي- في نفس الوقت، حيث يتبع هذا المفهوم حرية الصحافة لكن في اطار الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، وقد عظم هذا المفهوم قدر الرأي العام بجعل مكانته فوق الصحافة، فالصحافة تكتب ما تشاء، لكن في اطار خضوع هذه الكتابة لرقابة الرأي العام عن طريق مواثيق الشرف الصحفية.

قامت عديد الدراسات بتحديد العلاقة بين الصحافة والرأي العام وذلك، بالتركيز على الدور الذي تقوم به الصحافة خاصة في تصعيد موضوعات معينة واثارة الاهتمام العام بها، حتى تصل إلى مصاف الاحتياجات الاجتماعية مرورا بمرحلة جذب الانتباه العام وصولا إلى مرتبة النقاش العام وهي المرحلة الأولى من مرحلة تشكيل الرأي العام[80]. حيث تقوم وسائل الاعلام بتكثيف الضوء عليها وابرازها كاحدى أولويات الرأي العام.

كما كان للصحافة المكتوبة السبق في المجال السياسي مقارنة ببنية وسائل الاعلام الأخرى وكان لها الخطورة والفاعلية من ناحية أخرى نظرا للروابط الوطيدة بين جمهور الصحافة والرأي العام، ذلك أن الرأي العام يتأثر في تكوينه أكبر التأثر بالمثقف والمستنير وهذه الشريحة تمثل في الوقت نفسه جمهور الصحافة وهكذا يتضح أن العلاقة بين الصحافة والرأي العام وطيدة فكلاهما يستمد قوته من الآخر، وكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، وهذا يعني مؤشرات السبق بينهما غير واضحة.

المطلب الثالث: الدور الوظيفي للصحافة المكتوبة

تقوم المواد الاعلامية المطبوعة التي لها أهمية في تطور المجتمع بسد حاجيات القراء مع مراعاة جملة معقدة من الميولات والانفعالات الكاملة في القراء إذ تؤدي هذه المواد بإختيار الظرف المناسب والنوع الصحفي الملائم مساهمة في دفع الوعي الاجتماعي للحركة في اتجاه تغيير الوجود الاجتماعي[81]

فلقد قامت الصحافة عبر التاريخ بأدوار ووظائف بلغت من التأثير ما أهلها لسلطة رابعة، خاصة على الصعيد السياسي بهدف خدمة الجمهور والعملية السياسية، ويتم ذلك في اطار عملية معقدة ومسؤوليات يطلق عليها في النهاية "الإعلام السياسي" فهي عملية شاملة كافة أدوار تأثيرات الصحافة على الجمهور والمثقف والمجتمع والسلطة.

فبالرغم من أن الصحافة تقوم بعدة وظائف إلا ان الوظيفة السياسية تأخذ الدرجة الأولى ومن هنا فالأدوار والمسؤوليات التي تقع على عاتق الصحافة من خلال وظيفتها السياسية ليست بالسهلة ولكنها صعبة وينبغي للصحافة أن تؤديها على أكمل وجه باشراك أهل الاختصاص والعارفين بالحياة السياسية والاجتماعية في الجزائر خاصة ما لقبه أنطونيو جرامشي بالمثقف العضوي، ومن جملة هذه الوظائف نجد:

أولا: التنشئة السياسية

 التنشئة السياسية في أوسع معانيها تشير إلى كيفية نقل الثقافة السياسية للمجتمع من جيل إلى جيل وعليه فهي تهتم بشخصية الفرد وتطويرها وفق نموذج معياري مسبق لتعميق التوجهات والقيم السياسية الشائعة والمستقرة في المجتمع كما تسعى إلى تنمية مدركات الفرد وتعزيز قدراته السياسية بحيث يستطيع التعبير عن ذاته من خلال سلوكات ينتجها في الحياة السياسية خاصة إذا كان النظام السياسي غير رشيد، ومنه امكانية خلق مجتمع مدني ولا يتأتى هذا إلا من خلال دور الصحافة في إكساب المواطن تفاصيل الحياة السياسية والقضايا الخاصة بالحملات الانتخابية والمرشحين وكل ما يخص النسق السياسي

ثانيا: التثقيف السياسي:

لا ينتج الوعي في حالة مصاغة ومتبلورة نهائيا بل يتبلور وفق ديناميكية خاصة تتجلى فيها عوامل داخلية وخارجية، كما لا يوجد وعي سياسي في حالة صفر، بل يشمل على تراكم التصورات والآراء والمفاهيم المكتسبة من قبل، فتساهم الصحافة في تثبيت البعض منها وتطور البعض الأخر، وتصنيف أفكار وأراء جديدة على أنقاض السالفة، كل هذا لدفع الوعي الاجتماعي بما فيه السياسي ليؤثر بفعالية في الوجود الاجتماعي[82] من خلال تزويد الأفراد بالمعارف والمفاهيم التي تتعلق بالأمور السياسية التي يحتاجها لبناء شخصيته السياسية وحركة السياسة في المجتمع.

ثالثا: التعبئة السياسية

تهيئة الأفراد نفسيا ومعنويا وذهنيا لإستقبال أحداث سياسية متوقعة مثلا يسبق بعض نتائج الانتخابات غير المتوقعة التي لا يستحسنها المواطن، فهده العملية تعتبر من وظائف الصحافة في التمهيد لتقبل شيء معين في إطار سياسات واستراتيجيات مرسومة من قبل، وعادة ما تكون هذه الوظيفة تسبق المواعيد الانتخابية بأنواعها.

رابعا: التطوير السياسي للأفراد:

لأن الصحافة المكتوبة وسيلة موجهة بالدرجة الأولى إلى فئة القراء الذين يشترط فيهم الحدد الأدني من الثقافة أو النخبة الممتازة من المجتمع القادرة على التفهم والتغيير والتأثير في الآخرين، فهي تسهر على توسيع أفق الجماهير (القراء) و (العامة) ودفعهم إلى الأمام، وتزويدهم برؤية جديدة للعالم المحيط بهم.

والصحافة من جهة أخرى تمثل معيار هام لصناع القرار في ترتيب أجنداتهم السياسية، وذلك بإعطائها الأولوية أو التركيز على مشكلة معينة لتضعها في مقدمة الموضوعات التي تجدب اهتمام صانعي القرار السياسي.

الصحافة المكتوبة والمشاركة السياسية:

أكدت العديد من الدراسات العلمية الامبرايقية قوة التأثير الذي تمارسه الصحافة المكتوبة في عملية المشاركة السياسية، بحيث احتلت هذه السلطة الرابعة المرتبة الأولى في تحديث المجتمع وبلورة ثقافة سياسية، وذلك بوضعها تحت نظر الموطن نماذج جاهزة لأنظمة وخبرات وأفكار مبرزة محاسنها ومساوئها تاركة له حرية الإختيار والمفاضلة مع تركيزها على محاسن الأحزاب والأنظمة والأفكار المتفقة معها خاصة خلال المواعيد الانتخابية أين تعمل على توجيه وتحديد السلوك الانتخابي للمواطن ومشاركتها بطريقة غير مباشرة في الحياة السياسية للمجتمع الذي تشتغل فيه.

ونظرا لأهمية الصحافة المكتوبة نجد القوى المتنافسة داخل الدولة الواحدة تسعى للسيطرة عليها وتوجيهها لخدمتها حتى تضمن الهيمنة على الرأي العام، اذ من شأنها انتاج ثقافة المشاركة السياسية أو ثقافة العزوف عن المشاركة السياسية من خلال اكساب الجماهير اتجاهات جديدة أو تعديل اتجاهاتهم القديمة[83] حسب إستراتيجية إعلامية مرسومة مسبقا.

كما نجد القوى المعارضة تهتم بوسائل الإعلام وخاصة الصحافة المكتوبة لدرجة تأثيرها ويسر التعامل معها وترى فيها وسيلة لتحقيق مأربها وغاياتها، ومن جهة أخرى يهتم النظام السياسي بهذه الوسيلة لدورها البارز في الحياة السياسية والاجتماعية ويعتبرها آلية من آليات ممارسة السلطة بالنسبة للحكام.

وتختلف طبيعة العلاقة بين الصحافة المكتوبة والمشاركة السياسية حسب درجة الديمقراطية التي تسود المجتمع، ففي الدول الديمقراطية تكون قوة سيطرة السلطة على الصحافة أقل مقارنة بالدول الأقل ديمقراطية فتصبح مساهمة الصحافة في تحديد نسبة المشاركة السياسية أكثر مقارنة بالوسائل الأخرى الفاعلة في المجتمع.

* قسم علوم الإعلام والإتصال/جامعة بشار

[email protected]

............................................

 الهوامش:

[1] - عبد المقصود زين الدين، البيئة والانسان: علاقات ومشكلات، دار البحوث العلمية، الكويت، 1981، ص 7.

[2] - Pederson Duncan, disease ecology at a crossroad: man made environement humain rights and peapetnal developement utopras,soc sciand med vol43, N° 5, 1996, p746.

[3] - دستور 1989 الجريدة الرسمية، مارس 1989.

[4] - جاء في لسان العرب لابن منظور أن الحزب يعني الصنف من الناس أو الجماعة أو الطائفة.

[5] - Willems Elilio, Dictionnaire de Sociologie, Marcel Rivière, Paris, 1970, p223.

[6] - طارق علي الهاشمي، الأحزاب السياسية، شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1986، ص 77.

[7] - محمد السويدي، علم الاجتماع السياسي ميدانه وقضاياه، مرجع سابق، ص 89.

[8] - رشيد بن يوب، دليل الجزائر السياسي، ط1، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1999، ص 59.

[9] - عبد القادر عبد العالي، الأحزاب السياسية والتنمية السياسية في الجزائر، ورقة مقدمة إلى الملتقى الوطني: التحولات السياسية واشكالية التنمية السياسية، جامعة الشلف، يومي 16 و17 ديسمبر 2008.

[10] - عبد القادر عبد العالي، الأحزاب السياسية والتنمية السياسية في الجزائر، مرجع سابق.

[11] - عبد الهادي الجوهري، علم الاجتماع السياسي: مجاله وتطوره، دار المعارف، مصر 1975، ص ص 290-293.

[12] - محمد عاطف غيث، مجالات علم الاجتماع المعاصر: أسس نظرية ودراسات واقعية، دار النشر للمعرفة، الاسكندرية، 1982، ص 16.

[13] - ناجي عبد النور، النظام السياسي الجزائري من الأحادية إلى التعددية السياسية، مديرية النشر، قالمة- الجزائر‘ 2006، ص 149.

[14] - ناجي عبد النور، أزمة المشاركة السياسية في الجزائر "دراسة تحليلية للانتخابات التشريعية 2007، دراسة غير منشورة، جامعة باجي مختار عنابة، 2008.

[15] - ناجي عبد النور، أزمة المشاركة السياسية في الجزائر، دراسة تحليلية للانتخابات التشريعية 2007، مرجع سابق.

[16] - أحمد وهبان، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2000، ص 106.

[17] - تامر كامل محمد الخزرجي، النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة: دراسة معاصرة في استراتيجية ادارة السلطة، دار مجدلاوي، عمان، ص 138.

[18] - ثناء فؤاد عبد الله، في آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997، ص 210.

[19] - ألموند جابريال، بنجام باول وروبرت مندت، السياسية المقارنة: اطارنظري، ترجمة محمد زاهي بشير المغيربي، جامعة قاريونس، لبيا 1990، ص 74.

[20] عبد القادر عبد العالي، الأحزاب السياسية والتنمية السياسية في الجزائر، مرجع سابق.

[21] - السلطة تضع أدوات الخنق، جريدة الخبر، العدد 93-58 ليوم 31/01/2010 (السنة العشرون)، ص 4.

[22] - محمد حربي، الانتخابات في الجزائر، جريدة الخبر، العدد 5609، 17 أفريل 2009، ص3.

[23] - اسماعيل معراف، المعارضة وخيار الانتحار، جريدة الشروق، العدد 2585، 15/01/2009.

[24] - M Sehudson, political communication: history international encyclopedia, of communication, vol3, new york: Oxfond university presse, 1989, p304.

[25] - Dan Nimmon and k.r sanders, handbook of political communication, beverly hilles: sage, 1981,p12.

[26] - أحمد بن راشد بن سعيد، دراسة في لغة الاتصال السياسي ورموزه، مجلة عالم الفكر العدد1، المجلد 132، سبتمبر 2003، ص 213.

[27] - سامي الشريف، دور الاعلام في التنمية الثقافية للمجتمعات النامية، مجلة الفن الاذاعي العدد 173،جانفي 2003، ص ص 29-30.

[28] - عزيزة عبده، الاعلام السياسي والرأي العام: دراسة في ترتيب الأولويات، ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة 2004، ص 19.

[29] - نفس المرجع، ص ص 20-21.

[30] - عزيزة عبده، الاعلام السياسي والرأي العام: دراسة في ترتيب الأولويات، ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة 2004، ص 23.

[31] - ادوارد سعيد، صور المثقف، ترجمة عنان غصن ومراجعة منى أنيس، دار النهار، بيروت، 1994، ص 21.

[32] - خالد الكركي، قراءة في الثقافة والسلطة والاعلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001، ص 59.

 [33] - بسيوني إبراهيم حمادة، العلاقة المتبادلة بين وسائل الإعلام والجماهير في إثارة وتحديد أولويات القضايا العامة في مصر: دراسة ميدانية وتحليل مضمون، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاعلام، جامعة القاهرة،1988،ص217.

[34] - عزيز السيد، البناء النفسي للناشطين سياسيا: دراسة ميدانية في مجال السلوك السياسي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1985 ص-ص 480 – 481.

[35] - Serge Calcaly (dir) dictionnaire de l’information , 2 éme Ed Armand Colin , PARIS , 2006, P48

[36] - محمود حسن اسماعيل، الاتصال ونماذجه، ط1، الدار العالمية للنشر والتوزيع، مصر، 2003، ص 57.

[37] - نفس المرجع السابق، ص 60.

[38] - فرج الكامل، تأثير الاتصال: الأسس النفسية والاجتماعية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980،ص 58.

[39] - أحمد محمد موسى، المدخل إلي الاتصال الجماهيري، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، المنصورة، 2008، ص11.

[40] - جمال عيفة، الاتصال الشخصي ودوره في العمل السياسي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الاعلام والاتصال، جامعةالجزائر،2008،ص106.

[41] - Nimmo and Sanders , handbook of political communication, Beverly hills , sage, pp 27 – 28

[42] - Denton Robert and Woodward Cary , Political Communication in America ea , New York: Preager , 1990 , p14

[43] - حمد علي الحونسي، اشكالية الاعلام السياسي في النظام الدولي الجديد (1990 – 2003) رسالة ماجستير غير منشورة، اشراف الدكتور غاري ربابعة، كلية الدراسات العليا في علوم السياسية، الجامعة الاردنية 2004 ص 16

[44] - الطاهر بن خرف الله، في وسائل الاتصال السياسي، مجلة الاتصال الجزائرية، جامعة الجزائر، م ع إ إ، العدد 05، شتاء 1991، ص 80.

[45]- Dominique Wolton, Ponser la communication, flammanion, Paris, p 376.

[46] - سليمة رابحي، الاحزاب السياسية وعملية الاتصال السياسي في الجزائر: دراسة وصفية مقارنة لدوره حزب جبهة التحرير الوطني و " حزب العمال " مذكرة ماجستير غير منشورة معهد علوم الاعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2008، ص 69.

[47] Bernard miège, la société conquise pas l’information, PUG, Gronoble, 1989, pp 105 – 111.

[48] - Dominique Wolton, op, p377.

[49] - سليمة رابحي، الاحزاب السياسية وعملية الاتصال السياسي في الجزائر، مرجع سابق، ص 71.

[50] - Jean Claude bertrand (Dir), média: introduction à la presse, la radio et la télévision, 2eme Ed, Ellipses, Paris, 1999, p211.

[51] - محمد بن سعود البشر، مقدمة في الاتصال السياسي، مكتبة العبيكان، الرياض، 1997، ص 30.

[52] - Jean Marie, Cotteret, Gouverner c’est Paraître, 3éme Ed. PUF, Paris, 2002, P80.

[53] - اسماعيل مرازقة، الاتصال السياسي في الجزائر في ظل التعددية السياسية والاعلامية، رسالة ماجيستير غير منشورة، جامعة الجزائر: معهد علوم الاعلام والاتصال، 1995، ص 75.

[54] - سليمة رابحي، الاحزاب السياسية وعملية الاتصال السياسي في الجزائر دراسة وصفية مقارنة لدوره حزب جبهة التحرير الوطني و " حزب العمال " مذكرة ماجستير غير منشورة، معهد علوم الاعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2008،ص 81.

[55] - Anne marie Gingars, l’impact des Communication sur les pratiques politiques, Revue Hermès: Communication et Politique, N° 17-18, CWRS, Edition 1995,P38.

[56] - عمار بلحسن، الأدب والايدولوجيا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1984، ص 54.

* - مفكر ايطالي اهتم بالمثقف العضوي ودوره في تغيير المجتمع قضى أكثر من عشرة سنوات في سجون الفاشية الايطالية وهو يدافع عن حقوق العمال متأثرا بالفكر الماركسي.

[57] - Antonio Gamsic textes, les Cahiers le la Prison (cahier 12) Realisée par Andrée tasel, traduction de Jean Bramant et autres social, Paris, 1983, p239.

[58] - عبد العالي دبلة، الدولة رؤية سوسيولوجية، ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص 130.

[59] - زهير احدادن، الصحافة الجزائرية المكتوبة(كتابات)، الجزائر: جامعة الجزائر، 1992، ص 132.

[60] - الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دستور الجمهورية 1963.

[61] - تقرير حول وضعية وسائل الاعلام وحرية الصحافة في الجزائر، الفيدرالية الدولية للصحافيين: مركز الجزائر، الجزائر، 1999، ص 4.

[62] - يوسف تمار، نظرية agenda setting دراسة نقدية على ضوء الحقائق الاجتماعية والثقافية والاعلامية في المجتمع الجزائري أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر: قسم علوم الاعلام والاتصال، 2005، ص 136.

[63] - M’hamed Rebah, La Presse Algérienne Journal d’un défi, Chihab Edition, Alger, 2002, p72.

[64] - يوسف تمار، نظرية agenda setting دراسة نقدية على ضوء الحقائق الاجتماعية والثقافية والاعلامية في المجتمع الجزائري، مرجع سابق، ص 139.

[65] - صلاح عبد اللطيف، صحافة متخصصة، ط1، مكتبة الاشعاع، لبنان، 2000، ص 7.

[66] - يوسف تمار، نظرية agenda setting دراسة نقدية على ضوء الحقائق الاجتماعية والثقافية والاعلامية في المجتمع الجزائري، مرجع سابق، ص 143.

[67] - رشيد بن يوب دليل الجزائر السياسي، مرجع سابق، ص ص 34-38.

[68] - قزادري حياة الصحافة والسياسة أو الثقافة السياسية والممارسة الاعلامية في الجزائر، مرجع سابق، ص 85.

[69] - رشيد بن يوب، دليل الجزائر السياسي، مرجع سابق ص ص 34- 35.

[70] - الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دستور 23 فيفري 1989، الدار المغاربية، الجزائر، ص 13.

[71] - قزادري حياة الصحافة والسياسة أو الثقافة السياسية والممارسة الاعلامية في الجزائر، مرجع سابق، ص ص 72-73.

[72] - نفس المرجع السابق، ص 73.

[73] - Thierrg, Bresilion, Presse Ecrite Aglérienne Interméde Libérale, Revue Medias Pouvoirs, 1992, N° 26,p45.

[74] - الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية: العدد 10، فيفري 1989، مرسوم 92-44 يتضمن اعلان حالة طوارئ.

[75] - رضوان بوجمعة، هوية الصحفي في الجزائر من خلال الخطابات والمواثيق الرسمية من 1962 إلى 1998، المجلة الجزائرية للاتصال، جانفي إلى جوان 1998، العدد 17، ص 145.

[76] - قزادري حياة الصحافة والسياسة أو الثقافة السياسية والممارسة الاعلامية في الجزائر، ص 77-78.

[77] - Harold Lasswel, Communication Research, Urbana: University of Uion Oispress ; p35.

[78] - عزيزة عبده، الاعلام السياسي والرأي العام: دراسة في ترتيب الأولويات، ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص 137.

[79] - فاروق أبوزيد، مذكرات في المدخل إلى الفن الصحفي، جامعة القاهرة: كلية الاعلام، 1986، ص 05.

[80] - Mccombs Maxwell, Agenda Setting Reedings on Media: Public Opinion and Poloy Making, Law Wrence Associate, New Cersy 1991, P2.

[81] - لعياضي نصر الدين، اشكالية العلاقة بين الصحافة والوعي الاجتماعي، مجلة دفاتر معا، معهد علوم الاعلام والاتصال، جامعة الجزائر، العدد 01، سنة 1984، ص ص 14- 15.

[82] - لعياضي نصر الدين، إشكالية العلاقة بين الصحافة والوعي الاجتماعي، مرجع سابق، ص15.

[83] - Paul LAZARSFEL and Robert MERTON , "Mass Communication , Popular , Taste , and Organised Social " Reading in Social Psychology, Revised Edition ny Handy , Hotland Company ,1952 p 74.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/كانون الأول/2011 - 5/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م