شبكة النبأ: ولد (محمد. م. ن) في
عائلة يعاني فيها والداه من الاختلاف في عناصر الدم، لكنهما بالرغم ذلك
لم يجرا الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، فكانت إن النتيجة إن يولد
(محمد م .ن) وهو معاق يعاني من العوق الذهني والبدني.
تقول والدته بعد إن امتلأت عيناها بالدموع إن ولدها (محمد م .ن) ليس
مجنونا او مشلولا، لكنها يعاني من بعض الاضطرابات العقلية والبدنية
التي تجعله أحيانا طريح الفراش.
وتضيف إن ما يؤذيني ويزيد من ألمي ومعاناتي عندما بلغ الان العشرين
من العمر، وهو يرى ابناء أعمامه واخواله قد تزوجوا جميعا، ولكن ليست
هناك من توافق على الزواج به من الفتيات.
وتلفت ام (محمد م .ن) خلال حديثها لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، الى
انه بدون أي شك إن رفض الفتيات الزواج من ولدي بداعي العوق البدني او
الذهني وان كان جزئيا ووقتيا، إلا انه يزيد من معاناة ولدي، اذ انه
يشعر انه إنسان غير سوي مرفوض من المجتمع، حيث ينظر له المجتمع نظرة
انتقاص وعنصر غير مرغوب به، ليس ن حق الانخراط مع المجتمع ويعيش حياته
شانه شأن اقرانه، وهذا بحد ذاته احساس مميت، يزيد من حالاته ونوباته
الصحية.
وتشكو شريحة المعاقين في محافظة القادسية من رفض أكثر العوائل
والنساء الديوانيات من الزواج منهم، معتبرين ذلك ظلما وتحقيرا لهم.
ويعتبر الزواج من أقدس الروابط الإنسانية والاجتماعية التي أقرتها
الشرائع السماوية ودعت لها باعتبارها العامل الأول لتعاقب الأجيال
واستمرار بقاء الجنس البشري حيا على وجه الأرض وكذلك يعمل على تنظيم
العلاقات بين الجنسين وتأطيرها بأطر اجتماعية لبناء الأسرة الصالحة
التي ينشأ منها الجيل الواعي، فضلا عما يحمله من ماهية الغريزة الجنسية.
وذكر رئيس جمعية المعاقين في الديوانية فرحان طالب حسون أن شريحة
المعاقين من اكثر الشرائح الاجتماعية المظلومة، كون اغلبهم لا يتمكن من
ممارسة حقه الطبيعي في الارتباط بأنثى يبادلها المشاعر والأحاسيس
والجسد، ويؤسسان بيتا زوجيا ينجبان فيه الاولاد ويكونان الاسرة شأنهما
شأن أي اسرة اخرى.
وقال لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، ان ما نواجهه مع الأسف رفض اغلب
الفتيات للزواج من المعاقين، وان صادف ان وافقت إحداهن لسبب او آخر فأن
ذويهن لا يوافقون، وبالتالي فأننا نعيش إحساسا مؤلما برفض الفتيات
وذويهن تزويجنا.
فيما يذهب المعاق مروان عباس شبانة/ 22 عاما، الى ان سبب رفض
الفتيات منا يكاد يكون سببا غير مقنعا بالنسبة لنا، وقال ان "المعروف
عن شروط الزواج تتمثل بأن كون الرجل بالغا وعاقلا ورشيدا ومعروفا
بالأخلاق ويملك القدرة المالية على توفير مستلزمات العيش السليم، اضافة
الى انه لا وجود لمانع يمنعه عن ممارسة حقه الجنسي وبالتالي لن يؤثر
على حق الفتاة في الجنس او الامومة.
ويعتقد شبانة ان الثوابت الاجتماعية لا تتقاطع إذا كان الراغب
بالزواج شخصا معاق"، متسائلا "فلماذا ترفض بعض العائل تزويجه من بناتها
وكذلك لا تقبل النساء أحيانا كثيرة طلب الزواج منه.
لافتا الى ان الرفض دائما لا لعيب في أخلاقه او قدرته المادية يخرجه
عن دائرة (الكفء) بل لأنه إنسان معاق لا غير، بالرغم من أنه قادر على
توفير كل متطلبات الحياة الزوجية"، ليتساءل مرة أخرى "فما ذنبه إن شاءت
الأقدار إن يفقد أحد أعضائه.
فيما يؤكد الباحث الاجتماعي عارف رسن انه لا مانع معقول من تزوج
المعاق، لان الزواج يعني فيما يعنيه تأسيس اسرة مستقرة وممارسة حقوق
شرعية، ولا أتصور ان العوق يحول دون ذلك اللهم إلا إذا كان العوق يصل
الى درجة كبيرة بحيث يمنع صاحبه من ممارسة حق الفتاة الشرعي في
المضاجعة وغيرها او انه يعيقه عن العمل وتوفير مستلزمات العيش.
مشيرا الى ان صور الحياة حافلة بكثير من التجارب التي اثبت فيها
الإنسان المعاق جدارة كبيرة في الاعتماد على النفس وبناء الشخصية
القوية والواعية التي تستطيع التعامل مع جميع الجوانب العلمية في
المجتمع حتى أفضل من أقرانهم الأصحاء في بعض الأحيان.
وهنا توقف رسن ليتساءل فما فائدة أن يكون الرجل قوي البنية صحيح
الجسم ولا يقدّر المرأة ويمنحها حقها كما ينبغي، أو انه لا يقدر الحياة
الزوجية ولا يحترمها ويهمل تربية أطفاله ويجعلهم عرضة للانحراف ولا
يعير أي اهتمام لأسرته ومستقبل عائلته ولا يستطيع إن يوفر لهم ابسط
المتطلبات الضرورية في حياتهم اليومية.
معتبرا ان معيار الزوج الحقيقي في انتقاء ذات الإنسان وجوهره الكامن
في أخلاقه وخلقه وأسلوبه في الحياة ومدى قدرته على خلق جو الألفة والحب
الكرامة لأسرته دون النظر إلى الجوانب الأخرى في جسمه ما دام قادرا على
أداء واجباته الشرعية والإنسانية.
أما الخريجة زهراء حسين 24 عاما فأنها تبرر رفضها الزواج من المعاق،
بقولها لم تعد الفتاة هذا اليوم على ما كنت عليه قبل بضعة عقود من
الزمن، فوعيها وطموحها وظروفها قد تغيرت تماما، فليست فتاة اليوم فتاة
الأمس.
وأوضحت لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، ان قبل بضعة عقود من الزمن كانت
الفتاة لا تعرف معنى التعليم والجامعة ثم التخرج والوظيفة شأنها شأن
الرجل، ولم تكن الوسائل الترفيهية كمدن الألعاب وحدائق الحيوان
والمتنزهات والسفر خارج العراق متاحا.
وتابعت بالقول ولذلك كان دورا المرأة يتجسد في الزواج ثم تولي مهام
المنزل بالطبخ والتنظيف ومنح الزوج حقه والإنجاب والتربية وربما العمل
في المزرعة اذا تزوجت من فلاح او رعي الاغنام، فهي لم تتصور ان تعيش
اكثر من هذه الحياة ولذلك ربما كانت الكثير من النسوة بالزواج من
المعاق.
لافتة الى انه بصفتي فتاة واستطيع ان اقول فتاة عصرية، فاني لم اخلق
لأن اكبر ثم أتزوج وأعيش بقية عمري اخدم زوجي وحسب وعليّ قبول كل
ظروفها رغما على انفي.
وأردفت حسين من حقي ان ارتبط بالإنسان الذي يمثل طموحي وقناعاتي
واحلامي، من حقي ان اخرج معه نسير معا في النزهات وقضاء اوقات الراحة،
من حقي ان اعيش مع الرجل الذي اشعر بأنه ارتبط بي ليعتني بي يغمرني
بعنايته وحبه وعطفه ورعايته، لا ان ارتبط برجل معاق اكون ملزمة بعنايته
ورعايته، بل ان عوقه يحرمني عن الكثير من الوسائل الترفيهية والأشياء
التي أتمناها.
من جانبه، نفى رجل الدين ابو محمد الطائي أن يكون "العوق" عاملا
ينقل الزواج من الحلية الى الحرمة، وقال يرتكز الزواج على أسس متينة
مبنية على جوانب إنسانية كثيرة ومتعددة منها المودة والرحمة بين
الزوجين وهذا ما أورده تعالى في قوله (هو الذي خلق لكم من أنفسكم
أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)".
ونقل الطائي ان التاريخ الإسلامي حافل بقصص فيها الكثير من العبر
بخصوص هذا النوع من الزيجات، ومنها زواج امراة فائقة في الجمال من رجل
قبيح، او زواج امرأة معافاة من رجل بصير.
موضحا لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، ان فحوى الروايات التي نقلت هذه
القصص، تؤكد ان الجنة كانت من نصيب الزوجين. مبررا ان تفسير النبي (ص)
لدخولهما الجنة، لأني الزوجة الجميلة صبرت على قبح وجه زوجها، بينما هو
حمد الله وشكره على النعمة التي انعم الله بها عليه بزواجه من هذه
المرأة الحسناء، وكما هو معروف ان جزاء الصابرين والشاكرين هو الجنة.
وأردف الطائي إن من هذه الروايات والقصص والعبر، نستنتج انه لا فقط
هناك إباحة لتزوجي الفتاة من المعاق بل هناك ترجيح إسلامي لجانب إنساني
ودافع الأجر والثواب. |