الانتخابات المصرية القادمة وفشل الجيش في حماية الثورة

واشنطن واقحام الثورة في نظرية الموازنات السياسية

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: تتجه مصر الأسبوع القادم الى انتخابات يمكن ان تضع البلاد في مأزق كبيرا، حيث توجد هناك أسباب قدد تجدد العنف وتهز شرعية الحكومة العسكرية، فأن إعلان حكومة إنقاذ وطني قد يهدئ الأوضاع حاليا لكنه لن يقود إلى ديمقراطية مستقرة.

القوانين التي وضعها قادة الجيش والتي رجح محللون سياسيون أن البرلمان المنتخب لن يعكس أصوات الشعب. ربما ستفشل الانتخابات بسبب تغييب أصوات بعض المصريين الذين كانوا في طليعة الثورة قد تم كتمها أثناء المشاورات السرية التي جرت أثناء التحضير للانتخابات.

يقول المحلل السياسي أندرو رينولدز، وهو أستاذ مشارك للعلوم السياسية بجامعة نورث كارولينا، عن هذه النظرة القاتمة، إنه في مناسبات كثيرة كانت الأحزاب تذهب إلى المجلس العسكري للاعتراض على مشروع القانون الانتخابي لكنها كانت تحصل على تغييرات أشبه بالفتات.

أما أعضاء المجتمع المدني التي كانت مشغولة بتمثيل المرأة والأقليات فلم تحصل على كرسي واحد أمام طاولة الحوار لإسماع صوتها، كما أن الأمم المتحدة التي شاركت بقوة في المساعدة للتحضير للانتخابات التونسية لم يُسمح لها بالوصول إلى مسؤولي التحضير للانتخابات في مصر.

وتوقع خبراء نتيجة تتضخم فيها حصة الأحزاب الكبيرة وتنعدم فيها أصوات الأطراف الصغيرة، وتُهمش الأقباط لأن المصريين سيجدون أنفسهم يصوتون في نظام معقد يجمع بين التمثيل النسبي مع الأغلبية ونظام الحصص العتيق.

اما توزيع المقاعد ستكون كالتالي الـ498 ثلثها سيتم اختياره من مناطق يجب أن يحصل الفائزون فيها على أغلبية الأصوات (وبالاقتراع على دورين إذا اقتضت الضرورة) وفي هذه المناطق تُعطي الأسماء الكبيرة دورا لسماسرة السلطة، وهم الأقوياء المحليون الذين كانوا أصحاب نفوذ قبل الثورة.

وحتى إذا كان معظم المرشحين المنتخبين ليسوا من أصحاب المناصب العليا الموالين للنظام القديم، أو الفلول كما يسميهم المصريون، فمن المحتمل أن كثيرين منهم تأثروا بمخالب آلة الفساد التي حكمت مصر عقودا طويلة.

أما الثلثان الآخران فسيتم اختيارهما عبر الاقتراع النسبي الذي من المرجح أن يهمش القوى الليبرالية والعلمانية لفقدانها الانتشار الكافي بين الناس، وهذا عكس ما حدث في تونس التي اتبعت نظاما نسبيا بسيطا أتاح التمثيل للجميع.

ويرى مراقبون إن الخوف من الهزيمة دفع بعض الليبراليين إلى التعاطف مع محاولة الجيش في استيلائه على كتابة الدستور، كما أن خوفهم من سيطرة الإخوان المسلمين يجعلهم يفضلون وجود رجال أقوياء في السلطة على حكومة إسلامية منتخبة ديمقراطيا.

وقد يكون صحيحا أن الجيش يفضل برلمانا عاجزا، لكن عندما يؤيد الليبراليون الأساليب الدكتاتورية فإن مستقبل مصر سيكون قاتما.

أما الاشتباكات التي تشهدها القاهرة منذ يومين قد حددت شكل المأزق السياسي الذي تواجهه واشنطن في تعاملها مع الربيع العربي, فقد أصبح جليا أن الولايات المتحدة الأميركية تجد صعوبة في الجمع بين دعمها للتغيير الديمقراطي، ورغبتها في الاستقرار من جهة وبين توجسها من الإسلاميين الذين أصبحوا قوة سياسية فعالة.

ويرى الكاتب سكوت شين أن المواجهات العنيفة بين قوات الأمن وآلاف المحتجين على حكم العسكر في ميدان التحرير وسط القاهرة تشبه ما جرى في شهر شباط عندما أطيح بحسني مبارك, غير أنها تبدو بصورة أدق إرهاصات لمناوشات مبكرة في ما يحتمل أن يكون صراعا طويلا وفوضويا على السلطة لا يمكن التنبؤ بنتائجه ويمثل تحديا هائلا لصانعي السياسة الأميركية.

فالقلق الحالي يكمن في أن هذه الاحتجاجات قد تخرج عن نطاق السيطرة وتواجه بقمع عسكري يمكن أن يشكل خطرا على أول انتخابات برلمانية بعد سقوط مبارك التي من المقرر أن تبدأ 28 تشرين الثاني الحالي.

ويرى المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في واشنطن ستيفن مكينيرني أن ما شهدته مصر من أعمال عنف خلال عطلة الأسبوع يجب أن يكون مدعاة لقلق كبير جدا في واشنطن.

ويضيف مكينيرني أن المحتجين في ميدان التحرير يتهمون الإدارة الأميركية بدعم المجلس العسكري الحاكم رغم أني لا أعتقد أن ذلك من الإنصاف تماما ولكن هذا هو التصور السائد.

ولا شك أن ما ستتمخض عنه الاضطرابات السياسية في مصر سيكون ذا أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة. وسيشكل سابقة بالنسبة للبلدان الأصغر نفوذا في المنطقة، كما سيكشف مدى توافق جماعة الإخوان المسلمين مع الديمقراطية ويقرر مستقبل علاقات مصر مع إسرائيل.

وعلى المدى البعيد، ثمة قلق من أن جماعة الإخوان المسلمين، التي أظهرت نفوذها من خلال حشد عشرات الآلاف من المتظاهرين، يمكن أن تشكل في نهاية المطاف تهديدا خاصا للقيم الديمقراطية وحقوق الأقليات من خلال فرض حكم ديني محافظ.

وفي هذا الصدد, يقول بريان كاتوليس من مركز التقدم الأميركي، إن الإدارة ما فتئت تتواصل بنشاط مع جماعة الإخوان المسلمين للحفاظ على الاتصالات مفتوحة بين الطرفين ولتشجيع قادتها على بعث رسالة تطمئن الناس بشأن احترامهم لحقوق الإنسان الأساسية.

ودعا هذا الفريق الإدارة الأميركية إلى مطالبة المجلس العسكري بتخفيف قبضته على السلطة كشرط لاستمرار المساعدات العسكرية الأميركية، والبالغة اليوم 1.3 مليار دولار سنويا، وتوفر ما يقرب من ربع ميزانية مصر العسكرية.

وحسب بول جيه سوليفان، المتخصص في شؤون الجيش المصري بجامعة جورج تاون، فإن كبار ضباط الجيش المصري ينظرون بهلع إلى المنافسة السياسية الصاخبة التي تشهدها مصر والتي تشمل جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة السلفية والليبراليين العلمانيين من مختلف المشارب, فهم يخشون من الفوضى.

ويرى خبراء أن المساعدات العسكرية الأميركية والعلاقات الشخصية بين القادة العسكريين الأميركيين والمصريين تمنح نفوذا كبيرا للولايات المتحدة كما أن الجانبين على اتصال يومي رسمي وغير رسمي.

وهناك تحذيرات لواشنطن من أن تبدو وكأنها منهمكة في محاولة حل ما ينجم من مشاكل في مصر, إذ إن معظم المصريين سيكونون حساسين للغاية من ذلك.

وتواجه سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه مصر وتجاه الربيع العربي عموما انتقادات شديدة من بعض المرشحين المحتملين للرئاسة, بل إن أحدهم ذهب لحد القول إن باراك أوباما كان "على الجانب الخطأ في كل حالة تقريبا في العالم العربي.

ودعا مراقبون الإدارة الأميركية إلى ربط مساعداتها لمصر بمدى التقدم في تحولها الديمقراطي, مرجعة سبب الاشتباكات التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا بالقاهرة منذ السبت الماضي إلى فشل الحكام العسكريين في إلزام أنفسهم بشكل لا لبس فيه بجدول زمني محدد لتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا.

واستبعد محللون سياسيون أن يؤدي تطمين المجلس العسكري الأعلى للمصريين بأن الاقتراع سيمضي قدما، أو إعلان الحكومة عن استقالتها، إلى معالجة سخط آلاف المواطنين الذين تجمعوا في وسط القاهرة ومدن أخرى، ويهددون بتكرار الثورة.

وهناك سبب في ذلك وهو رفض الجيش الموافقة على تشكيل حكومة جديدة تقوم على الانتخابات، التي لن تكتمل حتى مطلع العام المقبل. فالجيش يحاول كبح جماح سلطة البرلمان الجديد في تعيين مجلس لكتابة دستور جديد, في حين يفرض مبادئه الخاصة به بشأن الاستفتاء على الدستور الجديد. والأسوأ من ذلك كله، أنه قام بتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى ربما بوقت متأخر من عام 2012 أو 2013, فاتحا الباب أمام احتمال استمرار الحكم العسكري لمدة عام آخر على الأقل.

وبما أن الولايات المتحدة توفر جزءا كبيرا من الميزانية العسكرية المصرية، وبما أن إدارة الرئيس باراك أوباما جعلت من التحول الديمقراطي أولوية عليا للسياسة الخارجية الأميركية, فإن محللون سياسيون اتهموا الإدارة بتكرار الخطأ الذي اقترفته في كانون الثاني الماضي، عندما ترددت في الضغط من أجل تنحية الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وأضافت أنه  بدلا من استخدام نفوذها الكبير، فإن الإدارة تتساهل مع المجلس العسكري، وهذا ما عكسه التصريح الضعيف للمتحدث باسم البيت االأبيض جاي كارني تعليقا على ما تشهده مصر من اضطرابات منذ السبت الماضي، إذ اكتفى بالدعوة إلى ضبط النفس من جميع الأطراف.

وعندما سئل عما إذا كان على الجنرالات أن يحددوا موعدا للانتخابات الرئاسية، أجاب كارني لا أريد أن نملي على مصر.

ويرى مراقبون ان الحشود في التحرير تريد أن ترى تغييرا جوهريا، والآن توجد فرصة للحصول عليه. هذا لا يعني تعيين حكومة جديدة مع تفويض مبهم من أجل التغيير، وهو ما يعني ببساطة توفير غطاء للمجلس العسكري للاستمرار في الحكم.

إن ما تحتاج إليه مصر حقا هو تشكيل فوري لحكومة مدنية تتمتع بسلطة حقيقية، مع انسحاب المجلس العسكري من الحكم، ومع التزامات قوية بإجراء انتخابات رئاسية بحلول منتصف العام المقبل. وهذه الحكومة الانتقالية يجب أن تضمن تمثيلا كبيرا لكافة الاتجاهات بمن في ذلك الإسلاميون.

وهناك  لوم فيما يجري حاليا فأنه لم يعد الجيش حاميا الثورة, بل فقد جاذبيته لدى الطبقة السياسية وعليه الآن الإنصات لصوت المحتجين وترك مجال للديمقراطية.

فثمة شح في عدد المصريين الذين عانوا من تحول جيش بلادهم من حام للثورة إلى خصم لدود لها، فالمدونون زج بهم في السجون والمحتجون قتلوا والمدنيون حوكموا في محاكم عسكرية وحالة الطوارئ لم ترفع والأقباط تعرضوا لإطلاق النار ومحاكمة حسني مبارك تراوح مكانها.

غير أن السيل بلغ الزبى عندما حاول هذا الجيش ضمان إفلات أفراده من العقاب واحتفاظهم بامتيازاتهم في أي دستور مقبل, فتدفقت الجموع إلى ساحة التحرير, وتولت قوات الأمن التي أرسلت لإزالة خيام المعتصمين بقية الأمر, مما أدى ذلك إلى مقتل 33 شخصا وجرح أكثر من 1500.

وهذا ما قالت غارديان إنه يشكل أخطر تحد لاحتفاظ الجيش بالسلطة منذ تنحي مبارك ولا يبدو أنه سينقشع قريبا.

ولا شك أن بذور الاستياء الحالي قد زرعت بالأسابيع الأولى للثورة عندما قبل المحتجون بسبب نشوة النجاح أو الخوف أن يتولى الجيش تسيير المرحلة الانتقالية.

ولم يغب عن الأذهان وجود خطر استعادة الجيش اكتشاف طعم السلطة، أو احتمال اتخاذه من أي فشل في تسريع عملية تطوير المؤسسات الجديدة والإجراءات الانتخابية ذريعة ليتمسك بالسلطة بوصفه الحصن الحصين ضد الفوضى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الثاني/2011 - 1/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م