تحاول الورقة الاجابة على تساؤلات
تقف بين البعد السياسي والجانب القانوني من خلال تعريف ووظيفة الحزب
السياسي والاحزاب والنظام الديمقراطي، بقراءة متأنية لفقرات مسودة
قانون الاحزاب السياسية الذي عرضت مسودته قراءة اولى على البرلمان
بتأريخ 30 / 7 / 2011.
مقدمة
لماذا قانون الاحزاب السياسية؟
منذ انتقال العراق الى الديمقراطية وهو في حالة تحول مستمرة نحو
الايفاء بمتطلباتها وصولا الى الديمقراطية الدستورية، وهو يسير
استكمالا لهذا المطلب في ثلاث اتجاهات:
الاول: بناء المؤسسات الدستورية والعمل على ضمان حياديتها
واستقلاليتها.
الثاني: تنظيم العمل السياسي ومنه السعي الحثيث نحو تشريع قانون
للأحزاب، وتعديل قانون الانتخابات الحالي بشكل يبلور ارادة الجماهير من
خلال نظام انتخابي حقيقي.
الثالث: الانتقال بوعي الجماهير نحو دقة التصويب والاختيار في
الانتخابات باعتباره الضمانة الحقيقية للانتقال السلمي للسلطة وتداولها
بشكل ميسر، وذلك من صميم عمل الاحزاب السياسية ومن اهم اهدافها.
مما تقدم نفهم ان مسيرة الديمقراطية والتحول الديمقراطي الصحيح
تتطلب وجود احزاب سياسية تؤمن بالقيم والمبادئ الوطنية وتكون على اتفاق
تام بحرمة العنف والاحتكار السياسي؛ سواء في داخل الحزب نفسه او في
اطار السلطة؛ والقبول بالانتقال السلمي للسلطة في ظل آلية تسمح باجراء
انتخابات حرة ونزيهة، لذا كان لا بد من تشريع قانون في العراق ينظم عمل
هذه الاحزاب.
انطلاقا من هذه الرؤية تقوم الورقة على دراسة الحزب السياسي ومحاولة
قراءة مسودة القانون من خلال استعراض مفهوم ووظيفة الحزب السياسي
والاحزاب والديمقراطية.
وتهدف الورقة كذلك الى تقييم مسودة قانون الاحزاب السياسية المطروح
على البرلمان من الناحية السياسية ودورها في تعزيز الديمقراطية؛ من
عدمه، ومحاولة تلمس ثغرات قانونية ذات بعد سياسي، ان وجدت.
المضمون –
على مستوى تعريف الحزب السياسي افرزت مسودة قانون الاحزاب السياسية
في الفصل الاول باب السريان والتعاريف والاهداف حيزا في المادة (2) -
اولا... لتعريف الحزب السياسي بانه:
كل جماعة عراقية منظمة على اساس مبادئ واهداف مشتركة تساهم في تشكيل
الارادة السياسية على المستوى الاتحادي او الاقاليم والمحافظات غير
المنتظمة باقليم وتشارك في الشؤون العامة وتسعى الى المشاركة في
الانتخابات والاستفتاءات لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية او
الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية للدولة، وتمارس نشاطها بالوسائل
الديمقراطية بهدف تداول السلطة سلميا او المشاركة فيها.
والملاحظة على التعريف انه جاء مقتضبا وعاما تغاضى فيه المشرع عن
كثير من الحيثيات التي ظلت وما زالت مثار اهتمام واختلاف المفكرين
وفلاسفة السياسة من مسلمين وغربيين (مواضع الاختلاف: ماهية السلطة
الطرق والوسائط المؤدية اليها واختلاف الغايات... وغيرها)، كما ان
التعريف اغفل الرؤية الاسلامية للحزب السياسي؛ في ظل بيئة ووجود
وانتشار للاحزاب الاسلامية في العراق؛ معتمدا التعريف الغربي الذي
ذكرناه حصرا.
وبينما يذهب السيد محمد الشيرازي في كتابه (الشورى في الاسلام) الى
تعريف الحزب السياسي بانه شريحة او طبقة اجتماعية تكافح نظاما معينا من
اجل تأمين المصلحة حسب ما تراها واستلام السلطة وتطبيق مسلكها العقائدي،
فانه يعود ليميز بين الحزب الحاكم وحزب الحاكم، فالاول يصفه بانه الذي
وصل بالطرق الديمقراطية والانتخابات الحرة باكثرية الآراء، اما الثاني
فهو عكس الاول بالتمام... ديكتاتوريا يتبع هوى الحاكم ويأتمر بامره ولا
يسلك الطرق الديمقراطية ولا يمثل اغلبية آراء الشعب او الناخبين.
في حين يرى د- محمد عمارة في كتابه (الاسلام والتعددية الاختلاف
والتنوع في اطار الوحدة) ان الفرق الكلامية تنظيمات سياسية تميزت في
المقالات (اي النظريات) وهي الوسائل التي اعتمدتها (المقالات) في
الممارسة والتطبيق.
اما على مستوى وظيفة ومهام الاحزاب السياسية في العراق وبيئته
الحديثة العهد بالديمقراطية، لم يوفر القانون البيئة الملائمة لتعزيزها
ودوام ترسيخها، وبالعكس فان ما ورد في الفصل الاول المادة - 3: يهدف
هذا القانون الى ما ياتي:
اولا: تحديد وتنظيم الاحكام والاجراءات المتعلقة بتأسيس الاحزاب
السياسية وانشطتها.
ثانيا: تحقيق مبدأ التعددية السياسية والحزبية القائمة على الشرعية
الدستورية.
ثالثا: ضمان حرية المواطنين في تأسيس الاحزاب السياسية والانضمام
اليها.
هو في الاصل لا يحقق ايا من اهدافه، لا في التنظيم الذي ذهب به
بعيدا في الفصل الرابع الخاص بإجراءات التسجيل ليعيق الاحزاب عن اداء
وظائفها المتعارف عليها لتدخل في اجراءات تسجيل معقدة وروتينية لم يسبق
لها مثيل بتأريخ الانظمة الديمقراطية واجواء التعددية الحزبية، ولا في
حرية تشكيل التجمعات والاحزاب التي وردت في نص الدستور العراقي النافذ
في المادة 39 – اولا التي نصت (حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية،
او الانضمام اليها، مكفولة، وينظم ذلك بقانون).
وان كان القانون يحاول ضمان نوعا من التعددية السياسية والحزبية في
الاطار الدستوري كما ورد في الفقرة 2 من المادة 3 اعلاه، الا انه يعود
فيخالف ذلك عندما يضع قيودا على حرية المواطنين في تأسيس الاحزاب؛ (اعداد
الاعضاء المسجلين وتوزيعهم الجغرافي... المستمسكات...)؛ وطلبات التسجيل.
اما مستوى الاحزاب والديمقراطية، فاذا ما اعتبرنا ان المبادرة
ضرورية لسن قانون للاحزاب في العراق وتأتي في اطار السعي لهيكلة الحقل
السياسي في افق الانتقال من حالة الديكتاتورية الى الديمقراطية والتحول
الجاد والاستمرارية نحو مزيد من المكاسب الديمقراطية ليصبح مؤهلا
لانجاز وظائف الاحزاب المنشودة، فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كم من
الوقت سيتطلب امر تسجيل الاحزاب او اعادة هيكلة التي انشقت بعضها عن
بعض؟ وكم من الوقت سيلزم ليصاحب الاصلاح الذي تم على مستوى الاحزاب
اصلاحات اخرى خصوصا منها ما يتعلق ببنية السلطة وآليات صناعة القرار
الداخلي للاحزاب؟. ذلك ان تطوير اية ممارسة حزبية فاعلة وبناءة لتكون
قادرة على المساهمة ايجابا في انجاح مهام ترسيخ الديمقراطية؛ مرهون
اساسا بأسلوب الممارسة الداخلية للاحزاب من ناحية اختيار القيادات
وابداء الآراء بكل حرية من قبل الاعضاء، في مسعى لإنجاز التغيير
الديمقراطي الذاتي.
فلا يمكن تطوير المجتمع واصلاح الدولة بآليات تعاني قصورا ديمقراطيا
ذاتيا وداخليا، وهي ذاتها (اي الاحزاب السياسية بعضها وليس جميعها)
بحاجة الى اصلاح حقيقي وتقويم هيكلي.
والسؤال الاهم كم سيحتاج البرلمان لينجز قانون الاحزاب الحالي؟
ولماذا هذا التأخير غير المبرر في موضوع على درجة كبيرة من الاهمية
ونحن نقترب من استحقاقات انتخابية متعددة؟
الاستنتاجات والمقترحات
بعد ما تقدم وبعد قراءة متأنية لفقرات مسودة قانون الاحزاب السياسية
العراقي المطروح امام البرلمان، نؤشر الآتي:
1. اهمل القانون؛ موضوع الاحزاب الحالية التي حققت مشاركة فعالة في
المخاض الديمقراطي والانتخابي بعد 2003. وكان الاجدر بالقانون قراءة
وتبويب للمرحلة الماضية سواء التي سبقت التغيير في عام 2003 او مراحل
الانتخابات التي تلتها وتقييمها باطار موضوعي في ديباجة القانون من
خلال اعتماد سجلات المفوضية العليا للانتخابات الخاصة باسماء الاحزاب
المسجلة او التي شاركت في الانتخابات الماضية.
2. المادة (2) - الفقرة ثالثا – نصت على ان تكون دائرة شؤون الاحزاب
السياسية الجهة المسؤولة عن اجازة الاحزاب وهي مرتبطة بوزارة العدل، ما
يترتب علية موافقة وزارة العدل على الحزب السياسي، وهذا امر غير مقبول
كونها جهة غير محايدة وتابعة للسلطة التنفيذية (الحكومة). والمفروض ان
تكون الجهة التي تشرف على تسجيل الاحزاب في هذا المشروع هي نفس الجهة
التي وردت في مشروع قانون 2007 الذي اعطى الصلاحية الى جهة مستقلة
مخولة بالموافقات ومرتبطة بمجلس النواب.
3. المادة (8) - ثانيا – تنص على (تميز برنامج الحزب تميزا واضحا عن
برامج الاحزاب الاخرى...)، نلاحظ في هذه المادة وجود عبارة تميزا واضحا؛
بينما كثير من الاحزاب الحالية متشابهة في البرامج؛ بل ان قسم منها
انشطر او انقسم على نفسه ليتشكل حزبين مع بقاء ذات البرنامج او بعضها
بخلاف طفيف في قيادة الحزب، مثل حزب الدعوة تنظيم العراق والشيوعي
والشيوعي العمالي وغيرها، بذلك تكون هذه الفقرة ذريعة سهلة لعدم اجازة
الاحزاب المعارضة بحجة تشابه البرامج واجابت طالب التأسيس بان ينتمي
الى الاحزاب المشابهة لبرنامجه، وهذا يخالف احكام الدستور، في التقييد.
4. اجراءات التسجيل الواردة في الفقرة (اولا) من المادة (11)، جاءت
للقضاء على الاحزاب والتجمعات المحلية وتقييد لحرية تأسيس الاحزاب
الصغيرة او فرض شروطا عليها للاندماج مع غيرها.
المفروض تعديل هذه الفقرة بشكل يعطي القانون قيمة واهمية اكبر؛ اذ
الصحيح ان يقدم الحزب العدد المطلوب اينما كان هذا العدد يسكن في بغداد
او في غيرها من المحافظات الاخرى، دون الالتزام المتزمت بتقديم
المعلومات الكاملة والدقيقة عن كافة الاعضاء المؤسسين لان ذلك لا ينسجم
اصلا مع خصوصية الحزب او الاوضاع الامنية السائدة في البلاد التي ستعرض
وبلا شك اعضاء ومؤسسي تلك الاحزاب من كوادر وطنية ومخلصة للخطر.
5. المادة (52) وما تضمنته من تعبير عن النظرة الفئوية القاصرة تجاه
الاحزاب الاخرى اذا انها صيغت بطريقة الهدف منها الاستحواذ على اكبر
حصة من المساعدات المالية اذ هنالك احزاب لها تاريخ نضالي مشهود عبر
السنوات الطوال ويشير على ذلك تاريخها الطويل، ولكن بسبب التعسف
الانتخابي لم تحصل على مقاعد في مجلس النواب فهل يعني ذلك حرمانها من
التمويل او المساعدات؛ اذ كيف تم تحديد نسبة (30)% و (70) %، ووفق اي
معايير!!!.
المقترحات
• الدعوة الى تغيير اسم القانون من (قانون الاحزاب العراقي) الى (قانون
تنظيم العمل السياسي في العراق). وبهذا نكون قد حققنا مطلبا على درجة
عالية من الاهمية يتمثل في ان القانون سيكون شاملا للاحزاب والجمعيات
والمنظمات ومختلف التيارات السياسية.
• طرح مسودة القانون امام الاحزاب السياسية غير المشاركة في
البرلمان وللرأي العام والمستقلين لتأشير كافة الملاحظات ومناقشتها
بموضوعية مع اصحاب القرار من البرلمانيين قبل اقرار القانون.
• الاستفادة من تجارب الدول الاخرى التي سبقتنا في اقرار قوانين
مماثلة ودراستها بصورة وافية، وتأشير ايجابياتها لتطعيم قانوننا الخاص
والابتعاد عن سلبياتها في كتابة المسودة المقترحة او اعادة صياغتها.
• رغم ان الفترة الزمنية التي طال انتظارها للوصول الى اللحظة التي
يقر بها البرلمان قانونا ينظم عمل الاحزاب السياسية في العراق، الا انه
كان الاجدر بالبرلمان تمديد مدة المناقشات وفتح الورش مع كافة الاطراف
دون استثناء؛ لا السكوت المطبق والتأجيل غير المبرر الذي يحصل اليوم؛
حتى لا يصدر القانون بثغرة... ومن ثم نعود ونبحث طرق جديدة للتوافق على
تعديله مستقبلا.
• افساح المجال للنساء للدخول في عضوية الاحزاب والتنظيمات عند
التسجيل – من خلال كوتا او اي مدخل آخر يحقق ضمانا لمشاركة فاعلة
للمرأة في العمل السياسي.
• ان قانون الاحزاب اليوم، هو قانون الغد لذا يجب ان ننظر الى
فقراته لتلائم اليوم والمستقبل ومع احزاب غير ما موجود الآن.
اخيرا... كل ما تقدم توضيحه من ملاحظات وسلبيات كانت ام قصور
وثغرات؛ هي من اجل الاصلاح... وان الجهد والمحاولات التي يبذلها المشرع
العراقي في هذا المجال تحسب له لا عليه مهما كانت ومهما انتجت، لانه
يضع لبنة تؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي في العراق.
* ورقة مقدمة الى ندوة مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
التي أقامها بالتعاون مع وحدة أبحاث القانون والدراسات الدولية في
جامعة كربلاء تحت عنوان (قراءة في مسودة قانون الأحزاب السياسية في
العراق) وتحت شعار (الحياة الحزبية السليمة أساس الديمقراطية الصحيحة) |