مصر تجدد ثورتها... سقطت الحكومة والمجلس العسكري يماطل

 

شبكة النبأ: نقلت التقارير المتواترة من مصر ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر قبل استقالة مجلس الوزراء الذي يرأسه الدكتور عصام شرف. وفي وقت سابق نقلت وكالة أنباء الشرق الاوسط الرسمية قول متحدث ان مجلس الوزراء وضع استقالته تحت تصرف المجلس العسكري وسط احتجاجات عنيفة في ميدان التحرير بوسط القاهرة.

ويبدو ان تلك الخطوة لن تهدأ من تفاقم الاوضاع في تلك الدولة، خصوصا ان مطالب المحتجين تصب في الحد من سلطات المجلس العسكري المهيمن على الحكم منذ الاطاحة بنظام مبارك قبل شهور، في موجة من العنف لم تشهدها البلاد منذ تولي العسكر للحكم، في مشهد يظهر فقدان المجلس العسكري للشعبية التي تحلى بها في السابق، وفقدان المصريين للثقة التي كانوا يولها له، مما دفع بالمحتجين الى عصيان اوامره، والاصرار على عدم الامثال لقراراته.

ينقلبون ضد المجلس

فقد اكتسبوا جرأة واشتدوا بأسا حين نجحوا في الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك منذ عدة اشهر فشجع المحتجون المصريون الذين يتمتعون بالخبرة بعضهم البعض على التمسك بميدان التحرير بوسط القاهرة فيما أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع الواحدة تلو الاخرى.

وصاح أحد المحتجين في اخرين فروا من وابل من القنابل "لا تركضوا... هذا يستفزهم لاطلاق المزيد." وهتفت مجموعة حاصرها الدخان الخانق "ارحل ارحل يا مشير خلي مصر تشوف النور" موجهين غضبهم الى المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع في عهد مبارك لعقدين والذي يرأس الان المجلس الاعلى للقوات المسلحة.

بدا الوضع وكأنه مشهد متكرر من الثورة التي أسقطت حكم مبارك الذي دام 30 عاما فيما أقام محتجون حواجز في أنحاء الميدان. وحين تقدمت الشرطة دق نشطاء على أسطح معدنية كاشارة تحذير للدفع بعناصر الى الخطوط الامامية للدفاع عن الميدان.

لكن هذه المرة أصبح الجيش وقادته الذين يديرون مصر الان على خط النار. وكان أشيد بهم حين تسلموا المسؤولية الامنية بعد أن فقدت الشرطة السيطرة على الشوارع في عهد مبارك والان يخشى نشطاء من أن الجيش يرغب في التشبث بالحكم.

وقالت اميرة خليل وهي عائدة الى التحرير "الجيش متوحش. أنا خائفة. مرعوبة. لم أشعر بهذا القدر من الخوف منذ بداية (الثورة). ولكن فات أوان الانسحاب. فات أوان التنازل. سأذهب مجددا."

بدأت الاحتجاجات يوم الجمعة بقيادة التيارات الاسلامية التي شعرت بالغضب من طرح الحكومة المدعومة من الجيش وثيقة مباديء حاكمة للدستور الجديد تعفي الجيش من الرقابة عليه.

واعتبر ساسة هذه محاولة مستترة للتمسك بزمام الحكم حتى بعد الانتقال الى حكم مدني. وقالوا ان هذا سيقوض البرلمان الذي ستبدأ انتخاباته يوم 28 نوفمبر تشرين الثاني. ومن المتوقع أن يحقق الاسلاميون نتائج جيدة في الانتخابات. بحسب رويترز.

وقال محمود ياسين وهو سائق في التحرير "منذ تنحى مبارك خدعنا. اعطينا شرعية لمن لا يتمتعون بها وتمسكوا بالسلطة." وفيما امتدت الاحتجاجات على مدى يومي السبت والاحد تغيرت أطياف المحتجين ايضا. تراجع الاسلاميون ليفسحوا الطريق للنشطاء الشبان الذين أطلقوا شرارة المظاهرات في 25 يناير كانون الثاني ضد مبارك.

وقال محمد جمال (24 عاما) وهو مدرس مساعد بجامعة القاهرة "نفس الاجواء. لا انتماءات سياسية. الاختلاف هو أن الجيش انضم للشرطة في ضربنا. حتى بيانات الحكومة وتجاهل الجيش.. نفس ما كان يفعله مبارك."

ولجأت قوات الامن لنفس الاساليب. حاولت الشرطة استعادة السيطرة على الميدان للمرة الاولى يوم السبت لكنها لم تحتفظ بنجاحها طويلا. اشتعلت معارك في الشوارع على مدار الليل. وأصبحت وزارة الداخلية القريبة مرة أخرى هدفا للمحتجين.

وبحلول صباح الاحد ساد هدوء نسبي في الميدان وقدم الباعة الشاي للمحتجين المنهكين الذين بدا الارهاق على عيونهم وكانوا يتثاءبون في طقس بارد. اشتعلت الحرائق في وسط الميدان الذي خلا الان من السيارات. وبدأت لعبة القط والفأر مرة أخرى حين حاولت الشرطة ابعاد المحتجين عن وزارة الداخلية.

على مسافة قريبة تذمر بعض المصريين من الاحتجاجات. لقد ضاق كثيرون ذرعا بالاضطرابات التي ألحقت اضرارا بالاقتصاد. وقال علاء مصطفى وهو يعمل بمتجر للاجهزة الالكترونية قرب الميدان "لا أدري من على حق ومن على باطل. أريد أن تعود الامور الى طبيعتها... الشرطة تركت الميدان. لماذا يتجهون الى الوزارة.. انهم يثيرون المشاكل."

ويواصل ألوف النشطاء المصريون لرابع يوم على التوالي احتجاجاتهم المطالبة بأن يسلم المجلس الاعلى للقوات المسلحة السلطة الى مجلس مدني. وقتل عشرة محتجون يوم الاحد واصيب 324 اخرون في هجمات الشرطة والجيش على المحتجين في ميدان التحرير بوسط القاهرة لكن ألوف النشطاء واصلوا اعتصامهم في الميدان في تحد لمساعي الحكومة المتواصلة لانهاء الاعتصام.

وقال المجلس الاعلى للقوات المسلحة في بيان ليلة الاحد انه يعبر عن "أسفه الشديد" لما الت اليه الاحداث وانه يكلف مجلس الوزراء باتخاذ ما يلزم من "اجراءات عاجلة للوقوف على أسباب هذه التداعيات والعمل على انهائها ومنع تكرار ذلك مستقبلا." وأضاف أن ذلك يكون "من خلال حوار ايجابي من كافة القوي والتيارات السياسية وائتلافات الشباب على أن ينتهي ذلك في أسرع وقت ممكن."

لكن مشاورات الحكومة مع الاحزاب وائتلافات الشباب خلال الشهور الماضية لم تفض الى اتفاقات تنال تأييدا شعبيا. ووسط مخاوف من أن تتسبب الاحتجاجات في تقويض خطة المجلس العسكري لنقل السلطة والتي يمكن أن تنتهي أوائل عام 2013 قالت الحكومة انها تلتزم باجراء الانتخابات التشريعية التي ستجرى بعد أسبوع.

وطاف نشطاء الميدان بجثة قتيل ملفوف في غطاء ليلة الاحد وهم يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا شهيد" و"لا اله الا الله المشير عدو الله" في اشارة الى رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي.

ويتهم المتظاهرون الجيش بأنه يحاول الاحتفاظ الحكم من وراء ستار من خلال اشرافه على عملية نقل السلطة التي يمكن أن تستمر الى أوائل عام 2013. وينفي المجلس الاعلى للقوات المسلحة ذلك ويقول انه يسرع بعملية نقل السلطة.

وخلال الهجمات على المحتجين وقفت مجموعة محتجين في صف كما لو كانت تركع في الصلاة خلال الاقتحام كما ظهر في لقطات تلفزيونية. وألقت الشرطة العسكرية القبض على عشرات الاشخاص خلال اقتحام الميدان بحسب شاهد عيان.

وقال رجب الشميخي "الجيش أرسل جنوده الى التحرير لمساعدة أمن الدولة في تفريق المحتجين. انهم يضربوننا بقسوة." وقالت أمل المهندس التي تبلغ من العمر 31 عاما "المجلس العسكري يصم اذانه ويتجاهلنا. انهم لا يريدون أن يحركوا ساكنا تجاهنا ونحن سنستمر في احتلال الشوارع والمطالبة بحقوقنا. في النهاية العدل سيسود."

وهبط مؤشر البورصة بنسبة 2.5 في المئة يوم الاحد في الوقت الذي شعر فيه المستثمرون بالقلق ازاء نتيجة الاشتباكات. وذكرت وكالة أنباء الشرق الاوسط أن المرشح المحتمل للرئاسة عبد الله الاشعل أدان العنف ضد المحتجين ودعا الى تشكيل حكومة انقاذ وطني.

وحثت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي كاترين أشتون المجلس العسكري على وقف العنف.

وقالت في بيان "أحث على الهدوء وضبط النفس وادين استخدام العنف بأقوى العبارات... ما من شك في ان العملية الانتقالية صعبة وتمثل تحديا.

"أؤكد أن السلطات المؤقتة وكل الاطراف المعنية تتحمل المهمة الحاسمة التي تتعلق بالاستماع للناس وحماية طموحاتهم الديمقراطية." وأدان وزير الخارجية البريطانية أليستير بيرت الاشتباكات وقال ان الوفيات "مدعاة للاسف الشديد."

وخلال المواجهات ردد النشطاء هتافات تقول "الشعب يريد اسقاط النظام" و"يسقط يسقط حكم العسكر". كما رددوا هتافات تصف ضباط وأفراد ومجندي الشرطة بأنهم بلطجية.

وقالت جماعة الاخوان المسلمين التي يتوقع أن تكون أكثر المستفيدين من الانتخابات في موقعها على الانترنت يوم الاحد انها لن تقبل أي تحرك لتأخيرها. وقالت في بيان "ليعلم الجميع أن شعبنا الواعي ونحن معه لن نسمح بالغاء أو تأجيل الانتخابات مهما كان الثمن." وأضافت أن أي تأجيل للانتخابات "يعد انقلابا على الثورة والحرية والديمقراطية واعادة للاستبداد والفساد والاستعباد."

ورفض اسلاميون من بينهم الاخوان الاشتراك في الاحتجاج. وقال المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للاخوان ان الموجودين في الميدان لا ينتمون لاي حزب. وأضاف أن هذا مشهد جديد وأن المشاركين فيه لا يريدون للشعب المصري أن يشق طريقه الى الانتخابات.

ويثير موقف الاخوان الحريص على اجراء الانتخابات غضب نشطاء تمنوا أن تدعمهم الجماعة بشباب منها يشاركونهم الاعتصام. وقال مدحت فوزي وهو أحد المتظاهرين "لسنا أحزابا سياسية ونحن نكره الاخوان المسلمين الذين تخلوا عن الثورة وعن الشعب... نحن شبان مصريون." ورفع يده مشيرا بعلامة النصر.

وقال اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الاعلى للقوات المسلحة لقناة تلفزيونية "المطالبون بتغيير الحكومة عليهم الصبر حتي نهاية الانتخابات القادمة لان المطالبة بتغيير الحكومة الحالية يعني اسقاط الدولة ولن نسمح بذلك." وأضاف أن الانتخابات ستجرى في موعدها وأن الجيش ووزارة الداخلية سيحفظان الامن.

وقال أيضا ان الجيش يهدف الى العودة لثكناته بحلول نهاية 2012 كما أعلن سابقا وان من الممكن ان تجرى انتخابات رئاسية في غضون ذلك الوقت.

ونال الجيش تأييدا شعبيا خلال الاطاحة بمبارك لحفظه النظام وتعهده بتسليم السلطة الى حكومة منتخبة لكن التأييد انحسر بسبب لجوئه للمحاكمات العسكرية للمدنيين والاعتقاد أنه يريد الاستمرار في السيطرة على البلاد بعد أن تؤدي حكومة جديدة اليمين.

وفي مدينة المنيا جنوبي القاهرة تظاهر مئات النشطاء بينهم سلفيون أمام مديرية الامن في المدينة مرددين هتافات تقول "يا داخلية يا داخلية انتو شوية بلطجية" و"يا داخلية يا داخلية انتو شوية حرامية".

وقالت حركة شباب 6 ابريل ان وزير الداخلية لابد أن يستقيل لانه أصدر أوامر باستخدام القوة ضد الاحتجاج السلمي.

المقترحات الدستورية

وكان استفتاء أجري على إعلان دستوري بعد أسابيع من إسقاط مبارك تضمن أن يختار الاعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد. لكن مخاوف ثارت من أن يحقق الاخوان المسلمون وإسلاميون آخرون الأغلبية في المجلسين فيكون من شأن ذلك تشكيل جمعية تأسيسية تضع دستورا يجعل مصر التي يعيش فيها ملايين المسيحيين دولة دينية تطبق الشريعة الاسلامية.

وقال البيان ان المجتمعين شكلوا لجنة متابعة سيكون من واجباتها "الاعداد لاحتجاجات شعبية كبرى والاعداد لمليونية 18 نوفمبر (تشرين الثاني) اذا لم يتم سحب هذه الوثيقة."

وطالب البيان المجلس العسكري بالتعهد بتسليم السلطة في موعد "غايته ابريل 2012" والا نظمت مظاهرات 18 نوفمبر تشرين الثاني.

وبعد الاطاحة بمبارك انسحب الاخوان المسلمون من احتجاجات الشوارع الامر الذي جعل سياسيين يقولون انهم توافقوا مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة على أن يساندوه وينتخبوا مرشحا للرئاسة يقدمه المجلس مقابل أن تتاح لهم فرصة الفوز بنحو نصف مقاعد مجلسي الشعب والشورى. ونفى المجلس والاخوان وجود مثل هذا الاتفاق غير المعلن.

وشارك في اجتماع حزبا الوسط والأصالة وهما حزبان إسلاميان وأحزاب أخرى بينها حزب غد الثورة الذي يتزعمه السياسي المعارض البارز أيمن نور. كما شارك ممثل عن الامين العام السابق للجامعة العربية المرشح المحتمل للرئاسة عمرو موسى وبضع مرشحين اخرين محتملين للمنصب. وليس واضحا على الفور ان كان من شأن النزاع تهديد الانتخابات التشريعية المقبلة وبرنامج نقل السلطة للمدنيين.

ويقول محللون ان الجدول الموضوع لانتخابات مجلسي الشعب والشورى والذي يتكون من مراحل يمكن أن يكون من شأنه اجراء انتخابات الرئاسة أواخر العام المقبل أو أوائل عام 2013 بعد نحو سنة من الموعد الذي أصر عليه المشاركون في اجتماع يوم الأربعاء.

المجلس العسكري يقتل الامل

جهتها قالت أول مرشحة محتملة للرئاسة في مصر إن المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد يخنق الامل في التغيير ولا يمكن الوثوق به لادارة انتقال البلاد إلى الديمقراطية. وقالت ايضا انها قلقة جدا من خوض احد قيادات الجيش لسباق الرئاسة.

وقالت بثينة كامل لرويترز عبر الهاتف "أعلنوا في البداية أن الانتخابات الرئاسية ستكون في أبريل 2012. والان يعلنون أنها ستكون في 2013." وقالت بثينة التي تقود حملتها الانتخابية ببرنامج لمحاربة الفساد والحد من الفقر "لا يمكننا الوثوق (بالمجلس العسكري)... انهم يقتلون كل أملنا."

وكانت بثينة تتحدث من ستراسبورج حيث حضرت جلسة استماع في البرلمان الاوروبي بشأن التقدم في مصر بعد الاطاحة بحسني مبارك الذي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود.

وقال كبار قادة الجيش في البداية انهم سيتخلون عن السلطة بعد ستة اشهر من الانتفاضة الشعبية لكنهم قاموا بتمديد الفترة الانتقالية لاتاحة الفرصة للاحزاب السياسية لحشد التأييد قبل الانتخابات.

ومن المقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشعب يوم 28 من نوفمبر تشرين الثاني على مراحل وان تجرى الانتخابات الرئاسية اما في نهاية عام 2012 أو 2013.

وعبرت المرشحة المحتملة للرئاسة عن قلقها من خوض المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة لانتخابات الرئاسة. وقالت "الان لدينا حملة لهذا في مصر... حملة المشير طنطاوي رئيسا." وكانت حملة يديرها شباب تسمى "مصر فوق الجميع" قالوا انها تهدف الى جمع مليون توقيع لدعم طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يتألف من 24 عضوا. ولم يعلق المجلس العسكري على هذه الحملة.

وقبل خوض غمار السياسة كانت بثينة مذيعة تلفزيونية واذاعية شهيرة. وقدمت في السابق برنامج "اعترافات ليلية" في الاذاعة الذي حظرته الحكومة لاسباب دينية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تشرين الثاني/2011 - 25/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م