التنافس الإستراتيجي الأميركي الإيراني في الشرق

 

شبكة النبأ: إن للولايات المتحدة وإيران مصالح جيوسياسية مختلفة وليس من السهل مقارنة أسبابهما بشأن الإرتباط مع المنطقة. فالولايات المتحدة قوة عظمى عالمية عملت بجد لتشكيل ديناميكيات تجارية، إقتصاديةـ إجتماعية، وسياسية إقليمية في الشرق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أقل تقدير. بالمقابل، فإن مستويات إرتباط إيران وأهدافها أكثر محدودية بكثير؛ هذا يعود، والى حد كبير، الى الحقائق الجغرافية والقيود العالمية الحقيقية على قدرة إيران بنشر النفوذ وتشكيل أحداث تتخطى نطاق النفوذ الخليجي.

المصالح الأميركية

يقول كلا من الكاتبين في بقلم آرام نرغزيان/ أنطوني ه. كوردسمان في تقريرهما المشترك المنشور في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. حين لا تعتبر الجهود الأميركية لدعم التطور الديمقراطي بالأمر الثانوي، فإن المصالح الأميركية تظل متركزة، الى حد كبير، على مصالح القوة التقليدية الشديدة. وهذه المصالح تتضمن أمن الطاقة، المحافظة على شراكة إستراتيجية مع حلفاء إقليميين أساسيين ودعم إستقرار إيجابي مناسب في منطقة لها تجارب في عدم الإستقرار العميق ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبحت عملية السلام العربية – الإسرائيلية، أكثر فأكثر، في صلب المصلحة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، ليس أقله نتيجة جهود الإنخراط العسكري الأميركي في المنطقة والرغبة بإعادة تشكيل التصورات العربية والإسلامية حول الولايات المتحدة في الشرق الأوسط العربي والإسلامي الكبير.

لقد بدأت الولايات المتحدة مهتمة، بشكل متزايد، بالدور الذي تلعبه حركات إسلامية مسلحة غير حكومية في السياسة الأمنية الإقليمية – بما فيها حماس الفلسطينية وحزب الله في لبنان . بإختصار، يُتوقع من المصالح الأميركية دعم القوى الجيوسياسية التي تفضل إستقراراً طويل الأمد وحماية المصالح الأميركية في الشرق.

العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية الإستراتيجية وإيران

إن قسماً كبيراً من النموذج الحالي المتعلق بالتنافس الأميركي والإيراني متأثر بواقع إسرائيل وكونها إحدى أهم حلفاء أميركا في الشرق الأوسط. هناك بلدان قليلة واجهت ما واجهته إسرائيل من عدد من الأزمات العسكرية ـ الوجودية في التاريخ الحديث. هذا الأمر أدى الى سباق تسلح مستمر حيث طورت إسرائيل وحافظت على ميزة عسكرية نوعية حاسمة (QME) تتفوق بها على جيرانها العرب مع دعم أميركي مستمر. كما أوضحت الولايات المتحدة لدول إقليمية أيضاً بأن الدعم الأميركي لجهود السلام العربية – الإسرائيلية يرتكز على الحفاظ على أمن إسرائيل وبأن الإلتزامات الأميركية بحماية إسرائيل ضد تهديد نووي إيراني لا تزال قوية.

سعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة، في الشرق، لتأمين نظام أمني لصالح أمن إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة تفضل بقوة أن يكون لدى إسرائيل علاقات ثنائية إيجابية ومرضية مع دول إقليمية – وليس السلام البارد الموجود حالياً بين إسرائيل والبلدين العربيين التي لديها معهما إتفاقيات سلام، تحديداً مصر والأردن. وقد سعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الى دعم السلطة الفلسطينيةـ بطرق مختلفة وأحياناً عند تقاطع الأهداف – بظل قيادة فتح كمتراس ضد مجموعات فلسطينية مصطفة مع إيران وسوريا، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. ففي بداية خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، كانت إسرائيل تستحسن بروز قوى سياسية في بيروت ذات علاقات وثيقة بالولايات المتحدة والغرب بأمل أن يتم خفض مستوى التهديد الذي يشكله الحليف القيادي لإيران في لبنان، جماعة حزب الله الشيعية؛ وبذلك تقويض الميزة اللا متماثلة لإيران في الشرق. في النهاية، تتقاسم كل من إسرائيل والولايات المتحدة مصلحة في بروز سوريا – بظل القيادة الحالية أو خلافها – تتحمل رهانات جدية تتعلق بروابطها مع إيران، حزب الله، وحماس بالإضافة الى دورها كدولة مواجهة ضد إسرائيل.

فالمفاهيم والتصورات الأميركية والإسرائيلية عن إيران تختلف فعلاً بالتفاصيل وبكل تقييم موجود لنطاق وحجم التهديد الإقليمي الذي تشكله إيران. ففي الوقت الذي من المرجح فيه أن تمثل الثورات الأخيرة في العالم العربي تحدياً واضحاً وحاضراً للسياسة الأميركية في الشرق، لم يكن لهذه الثورات تأثير كبير يقلل من المفهوم الموجود في إسرائيل حول تطوير إيران لقدرات نووية وما يمثله كأهم تهديد إستراتيجي لإسرائيل اليوم. وبحسب إحدى التقييمات الإسرائيلية، تملك إيران الآن الوسائل لصنع منظومة سلاح نووي، رغم أنها لا تزال، في كل الأحوال، تفتقر الى طريقة تسليم قابلة للتطبيق.

لا تزال الولايات المتحدة مهتمة بشأن الخطر الذي تشكله إيران على "إسرائيل"، إلا أن الرؤية الأميركية للتهديد الذي تشكله الجمهورية الإسلامية مركز أكثر على التهديد الذي تشكله إيران على الخليج وعلى صادرات الطاقة العالمية، وعلى التهديد الذي تشكله على الإستقرار والأمن عبر الشرق من قبل حلفاء إيران الإقليميين، أي سوريا، حزب الله وحماس. أما على مستوى الشرق الأوسط الكبير، فقد سعت الولايات المتحدة الى إحتواء النفوذ الإيراني وطموحاتها بالهيمنة بدلاً من مواجهة طهران مباشرة من خلال عمل إستباقي وقائي.

حماية أمن الطاقة والبنية التحتية الإقليمية

للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية واسعة في الشرق، رغم أن تأثير التنافس الأميركي والإيراني على هذه المصالح كان محدوداً حتى الآن. هذه المصالح تشمل أمن التجارة الإقليمية والبنية التحتية للطاقة والحفاظ على علاقات طاقة ثنائية ومتعددة الأطراف في المنطقة.

كانت مصر تصدر الغاز الطبيعي الى لبنان، الأردن وسوريا عبر " أنبوب الغاز العربي" (AGP) منذ منتصف العقد الماضي. كما بدأت مصر أيضاً بتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي في العام 2009 – تحرك بدا أن عدداً من المصريين لا يوافقون عليه وظل، وبشدة، من دون شعبية.

إن قناة السويس وخط الأنابيب المتوسطي – السويس المتاخم ( SUMED)هما جزء هام من البنية التحتية المتوسطية للطاقة. فالقناة لديها قدرة وسعة كافيتين لإستيعاب نقل حوالي 2.2 مليون برميل يومياً من النفط، في حين أن خط أنابيب SUMED بإمكانه الدعم بكمية من النفط تصل الى 2.3 مليون برميل يومياً لتصل القدرة الكاملة مجتمعة الى 4.5 مليون برميل يومياً. وفي حين كان حجم النفط الذي يمر من خلال الخطين أقل بكثير من السعة القصوى لهما في السنوات الأخيرة – جزئياً، بسبب الإقتطاعات في الإنتاج من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) – فإن أمن قناة السويس وإيجاد تدفق حر للتجارة من خلال مياهها يظل أمراً حاسماً للإستقرار في أسواق الطاقة والسلع العالمية. وحيث أن القناة تتيح مرور حوالي 8 بالمئة من التجارة العالمية المنقولة بحراً فإن ذلك يعتبر أمراً حساساً وخطيراً على حد سواء.

مكافحة تهديد المجموعات المسلحة الغير حكومية

لعبت إيران دوراً أخطر بكثير في تعاملها مع حزب الله وحماس، وكذلك مع سوريا. فالتهديد من قبل فاعلين غير حكوميين أو بديلين وطنيين ليس بالأمر الجديد. إذ لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دوراً سياسياً وأمنياً مزعزعاً للإستقرار في كل من الأردن ولبنان. وشهدت القوات العسكرية الأميركية مباشرة ما يمكن أت تفعله مجموعات مسلحة غير حكومية بداية عام 1993 وذلك في تفجير ثكنات المارينز في بيروت من قبل عناصر شكلت فيما بعد ما يُعرف بحزب الله.

أما حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى فليس لديها الموارد أو مستويات المساعدات الخارجية من قبل إيران وسوريا لتشكل تهديداً خطيراً لإسرائيل، نظراً، بشكل خاص، للجهود الإسرائيلية المدعومة أميركياً في خلق تدابير مضادة فعالة ضد الصواريخ.

في كل الأحوال، يعتبر حزب الله تهديداً متنامياً. إذ لديه الدعم من أكثرية المجتمع السكاني في لبنان، الشيعة، ويتمتع بشبه إستقلال ذاتي في مناطق عملياته في جنوب لبنان. ويمتلك حزب الله قدرات صاروخية قصيرة وطويلة المدى وهي قدرات بإمكانها منافسة معظم القوات العسكرية العربية كما يملك المال والتدريب التنظيمي الكافي ليمثل بذلك تهديداً منظماً أشد خطورة، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل وإنما لطموحات الهيمنة الإقليمية الأميركية.

ينبغي إبقاء هذا التهديد في الحساب بما يتناسب معه. فإعتزاز حزب الله بهزيمة إسرائيل في صراع مستقبلي هو مجرد خيال، وليس حقيقة. فإسرائيل، الولايات المتحدة والحلفاء الإقليميين الأساسيين لا يواجهون تهديداً وجودياً حقاً من قبل مجموعات مسلحة تعتمد في النهاية على صراع لا نهاية له كوسيلة لشرعنة أدوارهم ووجودهم المستمر. في كل الأحوال، تشكل هذه المجموعات خطراً على أولويات الولايات المتحدة المتعلقة بالإستقرار الإقليمي وتطوير مسار السلام العربي – الإسرائيلي، ما يطلعنا بدوره على الهواجس الأميركية بخصوص تطور الولايات المتحدة مستقبلاً وأدوارها في السياسة الأمنية الإقليمية.

تأثير المساعدات العسكرية الأميركية الى مصر، إسرائيل، الأردن ولبنان

سعت الولايات المتحدة لجعل مسألتيْ المساعدات العسكرية وتحويلات الأسلحة عنصراً هاماً بالكيفية التي تنافس بها الولايات المتحدة إيران بحيث تدعم وتحافظ على إستمرار النفوذ في دول عربية في الشرق. لقد إستخدمت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لإرساء الدعم في عواصم عربية أساسية، كالقاهرة، والأردن، في الوقت الذي تعزز فيه الدعم في دول وساحات إقليمية تعتبر ساحات معارك، بما فيها لبنان والأراضي الفلسطينية. فإيران لم ولا تستطيع منافسة الولايات المتحدة مباشرة في دعم شراكات عسكرية كهذه في المنطقة.

إن العلاقات العسكرية الأميركية مع مصر، الأردن وإسرائيل تعتبر مركزية لحرمان إيران من النفوذ، وكان على الجمهورية الإسلامية اللجوء الى دعم فئات فلسطينية ولبنانية مسلحة كوسيلة لإزعاج حلفاء أميركا في المنطقة.

إستخدمت الولايات المتحدة أيضاً المساعدات العسكرية الخارجية لدعم العلاقات العربية – الإسرائيلية، كما هو الحال في قضيتيْ مصر والأردن، في الوقت الذي تسعى فيه أيضاً الى تعزيز الروابط الأميركية مع دول أخرى في المنطقة يعتبرها صناع السياسة دولاً معتدلة وبأنها مصدر نفوذ مما يخدم عدم التشجيع على سباق التسلح الإقليمي غير المنضبط.

إن دعم شراكة عسكرية قوية وعلاقات المساعدات هي أيضاً وسيلة لضمان حرمان لاعبين دوليين وإقليميين آخرين معادين للولايات المتحدة من فرصة تقويض المصالح الأميركية أو زعزعة إستقرار الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة.

من الصعب قياس التأثير المستقبلي للمساعدات العسكرية الأميركية بخصوص الدفع قدماً بالمصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. فالمساعدات العسكرية لا تتم من دون إنتقادات. فإذ يلقي المراقبون الإقليميون الضوء على رؤية تقول بأن المساعدات الأميركية لإسرائيل يمكن أن تساهم بطريقة غير مباشرة بالوفيات الفلسطينية في الصدامات الجارية بين جيش الدفاع الإسرائيلي والفلسطينيين.

إنتقادات أخرى تشير الى تأثير المساعدات العسكرية الخارجية على دعم أنظمة سلطوية محافظة أو على تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة. في كل الأحوال، هناك إجماع عام واسع بخصوص المساعدات العسكرية الأميركية وبأنها دعمت، بشكل بارز وهام، الأمن الإسرائيلي، ضمنت الإستقرار المصري ومتنت علاقات الصداقة بين أميركا والأردن. وقد ساعد الوعد بتقديم تمويل عسكري خارجي بالدولار ( FMF) بتحرك مصر والأردن لتوقيع إتفاقيات سلام مع إسرائيل.

كانت مصر، إسرائيل والأردن دولاً حليفة للولايات المتحدة وكان لديها إمكانية الوصول لأولية تسلم مواد دفاعية زائدة ( برنامج EDA التابع لوزارة الدفاع الأميركية)، فالقدرة على شراء الدروع المضادة للدبابات من اليورانيوم المستنفد أمر ممكن بقروض المواد من دون كلفة دعماً لبرامج الأبحاث التعاونية والتطويرية مع الولايات المتحدة بالإضافة الى مكاسب أخرى. أما سوريا فهي البلد الإقليمي الوحيد الذي ليس له علاقات أمنية أو عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية.

التحويلات والمساعدات الى "إسرائيل"

كانت إسرائيل على رأس المتلقين للمساعدات الأميركية منذ العام 1967 والمتلقية التراكمية التصاعدية الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. تملك إسرائيل أيضاً إمكانية الوصول الى عدد من المكاسب الأخرى والتي لا تملك بلدان أخرى في المنطقة، مثل القدرة على إستخدام أموال المساعدات العسكرية الأميركية للأبحاث والتطوير في الولايات المتحدة أو إستخدام 26.3 % من تمويل المساعدات السنوية بإتجاه شراء تجهيزات عسكرية من الصناعة الإسرائيلية. كما تقدم الولايات المتحدة كل المساعدات المخصصة لإسرائيل خلال الثلاثين يوماً الأولى من سنة مالية مفترضة، على خلاف بلدان أخرى تتلقى أقساطاً مترنحة من المساعدات في أوقات مختلفة.

إسرائيل معتمدة بشدة على تمويل المساعدات الخارجية ( FMF )الأميركية والتي تمثل 21 الى 22 بالمئة من الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي. ففي العام 2007، أعلنت إدارة بوش بأن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل سوف تزداد بحدود 6 مليار دولار على إمتداد العقد المقبل، لتصل الى مساعدات سنوية بمستوى 3.1 مليار دولار بحلول السنة المالية 2018. إضافة الى موازنة تعويض نهاية تمويل الدعم الإقتصادي الأميركي للسنة المالية 2007، من المتوقع أن تتيح تلك المستويات المتزايدة لـ FMF تمويل عمليات شراء أميركية معقدة، مثل مبيعات محتملة للمقاتلات الحربية Fـ 35 ( Joint Strike Fighter, JSF) .

التحويلات والمساعدات الى مصر

كانت مصر الثانية فحسب بعد إسرائيل بما يتعلق بالمساعدات السنوية ونماذج مبيعات الأسلحة منذ العام 1979. فالوعد بمساعدات عسكرية (وإقتصادية) كان حاسماً لإستجلاب مصر ما بعد ناصر بشكل أقرب الى الولايات المتحدة وساعدت المؤسسة الحاكمة بظل الرئيس حسني مبارك على تمتين إتفاقية السلام مع إسرائيل.

وقد إستقرت المساعدات العسكرية المصرية بأسلوب متماسك ومنسجم نسبياً، مع طلبات للسنة المالية2011 وصلت الى 1.3 مليار دولار بسندات مالية لـ FMF على نفس مستوى التمويل المقدم الى مصر في السنة المالية 2010.

تألفت المساعدات العسكرية الأميركية بظل FMF، بشكل رئيس، من إمتلاك منظومات جديدة، تحديث منظومات عسكرية موجودة ومتابعة هذه المنظومات وصيانتها. وتأمل مصر، عموماً، الحصول على مخصصات سنوية تصل الى 30 % من التمويلات العسكرية الخارجية السنوية FMF)) وصولاً الى إقتناء منظومات جديدة لإستبدال ما تبقى من التجهيزات العسكرية من العهد السوفياتي، عموماً، بتجهيزات أميركية. إضافة الى تلقي منظومات أسلحة – كما هو الحال والتي تساوي مئات ملايين الدولارات من خلال برنامج المواد الدفاعية الزائدة (EDA) التابع لوزارة الدفاع الأميركية، ويشارك الجيش المصري أيضاً في برامج التعليم والتدريب العسكري الدولي الأميركي (IMET).

وقد ضغطت مصر في السنوات الأخيرة على الولايات المتحدة كي تزيد التمويل العسكري الخارجي الأميركي (FMF) في محاولة لموازنة الكلفة المتصاعدة المرتبطة بعقود الدعم والصيانة.

حتى الآن، لم يتم تعطيل المساعدات العسكرية الأميركية، بشكل هام، بسبب الثورة الأخيرة في مصر وطرد الرئيس حسني مبارك، الحليف القديم لأميركا. أما أحد المؤشرات التي تدل على إستمرار العلاقة العسكرية المتبادلة بين الولايات المتحدة ومصر بنفس الزخم فهو الإشعار المقدم الى الكونغرس بتاريخ 5 تموز، 2011 بخصوص المبيعات المحتملة والإنتاج المشترك لمعدات دبابة 125 MIAI Abrams، دعم منظومات الأسلحة، التجهيزات العسكرية والصيانة، والتي تساوي بمجملها 1.3 مليار دولار.

التحويلات والمساعدات الى الأردن

كان الأردن، حليف إقليمي آخر، بلداً متلقياً للمساعدات العسكرية الأميركية منذ العام 1951. فأموال المساعدات الأميركية هي إعتراف بموقع الأردن كحليف معتدل أساسي ولمساعدته بإستمرار الحفاظ على معاهدة سلام رسمية مع إسرائيل دامت عقدين من الزمن تقريباً. وكما هو الحال مع مصر، تزايدت مخصصات FMF الأميركية للأردن بشكل هام بداية توقيع إتفاقية السلام عام 1994، لتقفز من 7.3 مليون دولار في السنة المالية لعام 1995 الى 200 مليون دولار في السنة المالية 1996، بمستويات متصاعدة منذ ذلك الحين.

لقد ساعدت المساعدات الأميركية الأردن على تحديث قواته الجوية من خلال شراء وتحديث مقاتلات Fـ16، منظومات صواريخ جوـ جو، بالإضافة الى تجهيزات رادارية. كما سمح التمويل العسكري الخارجي (FMF) للأردن القيام بتحديث الأنظمة اللوجستية لديه بالإضافة الى أسطوله من طائرات الهليكوبتر الناقلة للجند. هذا الأمر يسهل عمليات إدارة الحدود الأردنية ويدعم المساهمات الأردنية في قوات حفظ السلام الدولية.

التحويلات والمساعدات الى لبنان

تلقى لبنان حوالي 268 مليون دولار في شكل التمويل العسكري الخارجي (FMF) من الفترة الممتدة من العام 1949 وحتى العام 2005. وفي حين أن حجم تلك التمويلات كان مخصصاً في العام 1983، زمن المصلحة الأميركية المتصاعدة في لبنان، لم يستتبع ذلك إلا نماذج مساعدات محدودة جداً في الفترة الزمنية الممتدة من العام 1985 وحتى العام 2005، مدفوعة بشكل رئيس من قبل IMET.

بالمقابل، قدمت الولايات المتحدة، وبشكل بارز، مستويات أعلى من المساعدات الى لبنان بداية الإنسحاب السوري من البلاد في العام 2005، بحيث نال لبنان ما يتجاوز الـ 660 مليون دولار بشكل مساعدات عسكرية أميركية للسنة المالية 2006 وحتى السنة المالية 2010، مدفوعة من قبل FMF و تمويل مكافحة الإرهاب تحت الفصل 1206 من القانون.

هذه زيادة مهمة نظراً لموقع لبنان الإقليمي الهش، وجود حزب الله وحالة الحرب التقنية المستمرة بين لبنان وإسرائيل. وعلى خلاف مصر، إسرائيل، والأردن، لم يدخل لبنان حتى الآن في نموذج مساعدات مستقر من الولايات المتحدة. فالتحديات المتعلقة بالمساعدات العسكرية الطويلة الأمد الى لبنان ستتم مناقشتها بالتفصيل أكثر في هذا الفصل.

المساعدات الأمنية للفلسطينيين

إن المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية تعتمد على تمويلات "السيطرة الدولية على تهريب المخدرات وحساب إنفاذ القانون" (INCLE)، التي خصصت حوالي 545.4 مليون دولار للسلطة الفلسطينية للسنة المالية 2007 وحتى السنة المالية 2011، مع إضافة 113 مليون دولار مطلوبين للسنة المالية 2012. كان المقصد من تمويل INCLE، التدريب والتجهيزات، مساعدة القوى الأمنية هو أن تكون موالية للرئيس عباس (في الضفة الغربية ، بشكل رئيس) في جهودها لمكافحة النشطاء المنتمين الى مجموعات تصنفها الولايات المتحدة منظمات إرهابية، كحماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني.

كان القصد أيضاً من المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية تعزيز سيادة القانون وتعزيز قطاع القضاء الجنائي لأجل دولة فلسطينية مستقبلية. لم تكن الجهود الأميركية المتعلقة بتدريب وتجهيز قوات الأمن الفلسطينية مهمة سهلة وقد تعثرت بسبب تحديات دعم الشرعية المحلية المتأصلة، التصور المفهوم عن الولايات المتحدة وإسرائيل كراعيين للسلطة الفلسطينية، والفصل بين صلاحيات المساعدات الأميركية والوقائع الأمنية الفلسطينية. هذا الأمر أيضاً سنتطرق إليه بتفصيل أكبر في هذا الفصل لا حقاً.

لا تزال الولايات المتحدة أهم مصدر لمبيعات الأسلحة بالنسبة للمنطقة، مع وجود إسرائيل ومصر كزبائن في القمة. أما مبيعات الأسلحة الى الأردن ولبنان فتهيمن عليها الواردات من الولايات المتحدة. وبالنسبة لسوريا، المستمرة بعلاقة مواجهة متبادلة مع الولايات المتحدة، فقد إعتمدت، تقليدياً، على روسيا للحصول على السلاح وتحديث حاجاتها العسكرية. كما لعبت الصين دوراً متنامياً عندما يتعلق الأمر بواردات السلاح السوري.

التنافس والدعم الأميركي لعملية السلام العربية ـ الإسرائيلية

لمنع حصول تحول كبير في المنطقة، ستستمر إيران بإستخدام المسألة الفلسطينية كوسيلة لإحباط المصالح الإقليمية الأميركية طالما أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي لا يزال من دون حل. هذا سيعزز دور إيران كمدافع قيادي عن الفلسطينين – بشكل رئيس من خلال مجموعات كحماس وحزب الله.

هذا الأمر، مع اللا إستقرار والتظاهرات الشعبية الأخيرة في العالم العربي، تعطي الولايات المتحدة مصلحة أكبر حتى في مسألة إزالة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني (إن لم يكن الصراع الإسرائيلي ـ العربي الواسع) كساحة تنافس بين الولايات المتحدة وإيران.

تمسكت الإدارات الأميركية المتعاقبة بموقف يقول بأن من مصلحة الولايات المتحدة الفضلى ومصلحة الشرق الأوسط الكبير وجود سلام عربي – إسرائيلي دائم. لقد إختلفت وجهات النظر بمرور الوقت حول ما إذا كانت عملية السلام سياسة أميركية – سياسة ما تريده بدلاً من سياسة ما تحتاجه. ما هو واضح هو أنه بالرغم من التظاهرات الإقليمية في العام 2011 عبر العالمين العربي والإسلامي، فإن الإفتقار الى دولة فلسطينية تبقى القضية الجوهرية بالنسبة للشعوب عبر المنطقة و عدسة ثابتة يُنظر من خلالها الى النوايا الأميركية وحلولها.

هناك عدد من الجماعات المهتمة تراهن على تشكيل الكيفية التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع عملية السلام العربية – الإسرائيلية، لكن موقف الجيش الأميركي ورؤيته للقضية أصبحا حاسمين بالنسبة للجدل الدائر. وهذا ليس بالأمر البسيط ويعود الفضل بذلك الى خبرة الجيش في العراق بالتعامل مع العوامل المحلية والإقليمية التي تقود عملية اللا إستقرار وإستمرار الصراع.

يعتبر عدد من كبار ضباط الجيش الأميركي بأن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بخطر طالما أن ليس هناك سلاماً دائماً في الشرق الأوسط. ففي كانون الثاني 2010، أكد الجنرال دايفيد بيترايوس – رئيس USCENTCOM ـ في تقرير له الى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايكل مولن، بحسب ما قيل، هواجس الجيش من أن جرجرة القدم الإسرائيلية المتعلقة بجهود السلام مضرة بالنسبة للولايات المتحدة. وتابع مؤكداً بأن الصراع هو المصدر الجوهري لعدم الإستقرار الإقليمي، أي أن الإفتقار الى تحرك ما بخصوص مسار السلام كان مؤذياً للموقف الأميركي في العالمين العربي والإسلامي، وبأن سلاماً عربياً ـ إسرائيلياً أمر حاسم للأمن القومي والمصالح الإستراتيجية الأميركية.

أي إنتقاد من هذا النوع ينبغي وضعه بالتصور. فالضباط والمسؤولين الأميركيين يفهمون بأن إسرائيل ليست وحدها المسؤولة عن الإفتقار للنجاح في عملية السلام. فهناك فاعلون إقليميون وفاعلون آخرون غير حكوميين، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، سوريا، حزب الله، وحماس الذين ساهموا بكثير من هذه الإخفاقات على مدى سنوات، على أقل تقدير. في كل الأحوال، ما ينبغي أن يكون واضحاً هو أن الحواجز والمتاريس الموجودة في طريق عملية السلام قد تم إستغلالها ومفاقمتها من قبل إيران مدة ثلاثة عقود تقريباً.

المصالح الإيرانية في الشرق ومصر

خرجت إيران ما بعد الثورة من كونها لاعب الوضع القائم الى لاعب يسعى بقوة ونشاط الى توسيع نفوذه. لقد نافس النظام الإيراني شرعية بعد الدول العربية في المنطقة، عزز الموقع الجيوسياسي للجمهورية الإسلامية وحصل على إمكانية الدخول الى مجالات كانت مقفلة على إيران بظل حكم الشاه.

وفي حين أن البعد الإيديولوجي أمر بارز وهام نظراً لدعم إيران لجماعات شيعية في لبنان والعراق، فإن الإيديولوجية قد يتم إخضاعها للمصالح الأكثر تقليدية أو الأكثر براغماتية للدولة.

بحث أوسع حول الميزة الجيوسياسية

سعت إيران الى تعميق تحالفها مع سوريا في الوقت الذي كانت تبني على زيادة تسييس المجتمع الشيعي في لبنان. إن إستغلال الصراع العربيـ الإسرائيلي يخدم إيران كوسيلة تكسب طهران قوة جاذبة أكبر في الشرق الأوسط العربي. هذا الأمر كان يعني أولاً إستغلال المواجهة الإسرائيليةـ السورية في لبنان في فترة الثمانينات، وثانياً، التركيز على الشكاوي العربية والفلسطينية ضد إسرائيل. كلا الأمرين خدما طهران بإبعادها عن إرث التحالف الإسرائيلي – الإيراني القوي أثناء حكم الشاه في الوقت الذي عمقت فيه طهران الروابط الإيرانية مع جماعات إسلامية أصولية إقليمية – إما شيعية أو سنية؛ في كل الأحوال، لقد تم هذا الأمر مع إبقاء العين مفتوحة على تجنب عزلة سوريا الأسد، الحليف العربي الوحيد في فترة ما بعد الثورة. وبعد ما يقرب من 30 عاماً على حصول الثورة الإسلامية، متنت إيران روابطها مع سوريا، المجتمع الشيعي في لبنان ودعمها لمجموعة فلسطينية أصولية ومن المرجح أن تستمر بتقديم رافعة لدور مخربها الإقليمي طالما أن ذلك يضمن جهود طهران بزيادة مكاسبها الجيوسياسية الإقليمية.

إسرائيل، إيران، والصراع العربي ـ الإسرائيلي

كما ذكر سابقاً، تمتعت كل من إيران ما قبل الثورة وإسرائيل بعلاقات إيجابية قوية لعقود. فالروابط بين إيران – الشاه وإسرائيل كانت تسيرها المصالح والتهديدات المشتركة، بما فيه شراكة تجارية مفيدة متبادلة يقودها، جزئياً، حاجة إسرائيل الى موارد طاقة غير عربية وعداوة متبادلة مع العراق ومصر خلال فترة الستينات والسبعينات. وكان كلا البلدين داعميْن شجاعيْن للولايات المتحدة والغرب.

وقد إنقلبت السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل بشكل جذري بعد الثورة الإيرانية عام 1979. بالنسبة للبعض، كانت السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل متوقعة بالعقيدة الإيديولوجية أكثر منها بمصالح الدولة الإستراتيجية. وتتمسك وجهة النظر هذه برؤية تقول بأن مقاربة إيران لإسرائيل لا تزال متجذرة في حكاية ثورية حيث بإمكان دور القيادة الإيرانية للمعسكر الإقليمي المعادي لإسرائيل أن يعمل على الدفع قدماً بأوراق إعتماد الجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية وإسلامية كبرى.

إن دعم إيران للمسلحين الإسلاميين الفلسطينيين، من بينها حماس بشكل أساسي، وقوى إقليمية أخرى معارضة لإسرائيل، بما فيها حزب الله، لا يزال توصية تعود بالنفع الإقليمي الثابت على موقف إيران الإقليمي المعادي لإسرائيل.

إن المنفعة السياسية الإيرانية المعادية لإسرائيل لها حدود.إذ ليس لدى إيران وحلفائها الإقليميين قدرة كبيرة، أو لا قدرة لديهم، في العالم الحقيقي على تغيير الوقائع على الأرض بخصوص وجود إسرائيل ومأزق الفلسطينيين. وكما لاحظ دايفيد ميناشري، هناك بعض الإيرانيين ممن يشكون بجدوى أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين. إذ تبدو وجهات نظر إيران بخصوص إسرائيل لينة خلال فترة رئاسة خاتمي، بوجود مسؤولين يشيرون علناً الى أن إيران قد تكون بحاجة الى التأقلم مع الطموحات الفلسطينية المتعلقة بالسلام مع إسرائيل.

في كل الأحوال، ومنذ عهد رئاسة خاتمي، أعاد الرئيس أحمدي نجاد التركيز على سياسة إيران الخارجية حول رواية واضحة معادية لإسرائيل، محدداً دور إيران في الصراع العربي ـ الإسرائيلي بمصطلحات المواجهة الواسعة مع الغرب. إن مواصلة إيران المستمرة للقدرات النووية – السلمية أو غيرها ـ عمل أيضاً على تعميق التصور بأن نضال إيران ضد إسرائيل ومعارضة المصالح الإسرائيلية مسألة لا تزال مترسخة بعمق. أما مدى ما تمثله سياسة إيران من معارضة حقيقية لوجود إسرائيل مقابل كونها وسيلة لخدمة طموحاتها الأقليمية فمسألة فيها نقاش. ما هو واضح هو أن إيران قد إستخدمت جيداً نزاعها مع إسرائيل لدعم موقفها. فالشرق الأوسط العربي السني بشكل رئيس لا يزال معارضاً بشكل واسع لإسرائيل، ولا يعود الفضل بذلك لبى الإفتقار للزخم بشأن عملية السلام والتصور بأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون حكماً محايداً في الصراع. فالدعم الإيراني لحماس وحزب الله، خاصة حزب الله في سياق الجماعة الغير مهزومة في نزاع عسكري مفتوح مع جيش الدفاع الإسرائيلي في العام 2006، كان مصدر شرعية ونفوذ.

أما الأمر الأقل وضوحاً فهو مقدار قدرة إيران على إستغلال الوضع في المستقبل، خاصة خلال فترة من الثورات في العالم العربي. فالإنبعاث المحتمل لقوى إقليمية عربية نائمة – أو غائبة ـ ذات أوراق إعتماد وطنية قوية وشرعية إقليمية، كمصر، يمكن أن يقلل من قدرة إيران على إعطاء رافعة لسياستها المعادية لإسرائيل. هذا الأمر ينطبق أيضاً على تركيا المتقدمة التي قد تصنع دورها الإقليمي، وإذا ما كان هناك من أي تحرك دولي وإسرائيليـ عربي نحو حل دائم للشكاوى العربية – الإسرائيلية الإقليمية.

" شراكة" إيران مع سوريا

تعود علاقات إيران الحالية مع سوريا الى الأيام الأولى للثورة. فقد قابلت سوريا إستيلاء الموالين للخميني على السفارة الأميركية في طهران بإعلان الدعم للتحرك، التي تابعت ودعت الى دعم عربي أوسع لإيران الجديدة.

وقد مضى وزير الخارجية آنذاك عبد الحليم خدام ليضيف قائلاً، " لقد قدمت الثورة الإيرانية مساعدة ملموسة للقضية الفلسطينية وأن من الطبيعي مساندة إيران من قبل الدول العربية. اليوم، لا يزال المحور السوري ـ الإيراني جزءاً أساسياً في جهود إيران الإقليمية لكبح المصالح الأميركية، الغربية والإسرائيلية في الشرق.

تشكيل العلاقة

تشكل المحور السوري – الإيراني بداية بسبب العزلة الإقليمية والمصالح المشتركة لكلا البلدين. وكانت إحدى دعامات هذا التحالف المبكر التهديد المشترك الذي كان يشكله صدام حسين في العراق. هذا الأمر قاد الى تعاون إستخباراتي هام والى تنفيذ عمليات سرية من قبل البلدين في العراق في مجهود لتقويض نظام صدام حسين. بالإضافة الى كراهيتهما المتبادلة للعراق، سعت سوريا أيضاً الى تعزيز روابطها مع إيران كي تلعب دوراً أكبر في السياسات الأمنية العربية في الخليج، نظراً للحالة البائسة التي كانت عليها علاقات الإيرانية – الخليجية خلال الثمانينات. ظلت سوريا متشددة بخصوص إحباط أي جهد، بقيادة السعودية، للترويج لتسوية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي بناء على قراريْ مجلس الأمن رقم 242 و 338 – تسوية لا بد وأن تكون على حساب موقع دمشق ومصالحها.

إعتبر نظام الأسد وجود محور سوريـ إيراني بمثابة وسيلة لفرض رافعة في تعامله مع العراق، العربية السعودية، وإسرائيل من موقع قوة نسبية. وقد وفرت بدورها الشراكة في سوريا لإيران وسيلة جيوسياسية وسياسية تزيد من خلالها نفوذها في الشرق ومن دورها في الصراع العربيـ الإسرائيلي. لم تكن العلاقة من دون عوائق، المتجذرة بشكل رئيس في جهود كلا اللاعبين لإستغلال الشراكة الإستراتيجية لصالحه.

وقد أثبتت الفترة الممتدة من العام 1985 وحتى العام 1988 بأنها أكبر تحد للعلاقة السورية – الإيرانية، وذلك يعود، الى حد كبير، الى المصالح السياسية الخارجية والأولويات المتباعدة أكثر فأكثر. فسوريا وإيران قلصت بفعالية الجهود الأميركية والسورية لنقل لبنان الى المعسكر الموالي للغرب في ربيع عام 1985.

في كل الأحوال، كان البلدان يواصلان العمل على أهداف متضاربة الى حد كبير في مجال السياسة الخارجية. إذ أرادت سوريا إستقرار لبنان بجلبه الى نطاق نفوذها الخاص بلا جدال ومواصلة القيام بدور أكثر بروزاً في السياسة العربية الإقليمية. في هذه الأثناء، وبتأثير دورها في إحباط الطموحات الأميركية والإسرائيلية في الشرق، أملت إيران ليس فقط بنشر نموذجها الثوري، وإنما بأن يوفر لها ذلك القدرة على مضايقة وضرب إسرائيل بإسم فلسطين. في النهاية، إنفجرت الفئتان الشيعيتان اللبنانيتان المتنافستان، أمل الموالية لسوريا وحزب الله، المتشكل حديثاً، الموالي لإيران.

في منتصف الثمانينات، أمل كل من الإتحاد السوفياتي والدول العربية بإصلاح العلاقات مع سوريا المشجَّعة للبقاء على مسافة مع إيران. وفي حين أن فرص البقاء جزءاً من التيار السياسي السائد عربياً، تخفيض مخاطر المواجهة مع إسرائيل، وإمكانية أكبر للوصول الى موارد مالية وإقتصادية أموراً تعتبر مساعدة وواعدة، فإن العلاقة السورية ـ الإيرانية أثبتت بأنها أكثر مرونة بكثير. وهذا يعود الى أن البلدان كانا يتقاسمان مصالح إستراتيجية طويلة الأمد قائمة على السياسات الأمنية، وعلى وجهات نظر عالمية إيديولوجية مجانية مجاملة برغم أنها متميزة ورغبة بالإلتزام بتوجهات سياسة خارجية لم تعتمد على سياسات قوة عظمى ما (أو خضعت لها).

جو الغموض الحالي

اليوم، لا تزال الشراكة الإستراتيجية بين إيران وسوريا حجر الزاوية للسياسة الإيرانية في الشرق، وطهران متحمسة للحفاظ على التحالف ولو بكلفة عالية. وفي الآونة الأخيرة من العام 2011، ذكرت تقارير بأن الحرس الثوري الإيراني كان يدعم القوى الأمنية للرئيس بشار الأسد في قمع دورة التظاهرات الشعبية وقمع العصيان المدني المستمر منذ أشهر.

إن خسارة سوريا كشريك وكقيمة إستراتيجية في الشرق يمكن أن يشير الى إنتقاص هام بالمصالح الإيرانية والمكانة الإستراتيجية لها في الشرق الواسع. وفقاً لذلك، فإن الدعم الإيراني لنظام الأسد مرجح للزيادة فحسب في الوقت الذي تحاول فيه طهران جلب الإستقرار لحليفتها المريضة. إن تقييم النموذج الحقيقي للدعم الإيراني الى سوريا مسألة صعبة وغير دقيقة تحت أي ظرف من الظروف. في كل الأحوال، يوجد مصدر مفتوح كاف للمعطيات والحقائق لإستقراء أجزاء مما تقوم به إيران سياسياً، إقتصادياً وعسكرياً لدعم حليفها الإقليمي الرئيس الوحيد في الشرق الأوسط. إن التسلسل الزمني التالي مبني في جزء منه على الأقل على معطيات وحقائق ذات صلة جمعها برنامج " تعقب إيران" التابع لـ "معهد المشروع الأميركي" (American Enterprise Institute):

15 آذار، 2011 ـ ضبطت البحرية الإسرائيلية سفينة تحمل أسلحة بما فيها صواريخ أرض ـ بحر من نوع Cـ704 الصينية الصنع. وتكهنت التقارير بأن الصواريخ كانت مرسلة لنشطاء فلسطينيين. في كل الأحوال، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فقال بأن الأسلحة جاءت من إيران وكان القصد منها تسليمها إلى سوريا، على أقل تقدير.

23 آذار، 2011 ـ ضبطت تركيا شحنة إيرانية مرسلة الى سوريا. وفي حين ظلت التفاصيل محدودة، فقد ذكرت التقارير بأن الشحنة تضمنت 60 بندقية هجومية من نوع AKـ47، 14 مدفع رشاش من نوع BKC / Bixi ، 8000 طلقة عيار 7.62 ملم، 560 قذيفة مورتر من عيار 60 ملم، و 1288 قذيفة مورتر من عيار 120 ملم. فإذا كانت الوجهة المقصودة للشحنة هي نظام الأسد وقواته الأمنية، فإن هذا سيشكل إنتهاكاً للعقوبات الدولية التي تضع حظراً على صادرات الأسلحة الإيرانية.

23 حزيران، 2011 ـ أظهر أعضاء في لجنة خبراء الصادرات التابعة لمجلس الأمن الدولي، التي تراقب العقوبات ضد إيران، قلقهم من أن تكون إيران تنتهك حظر الأسلحة بثلاثة أمثلة تتعلق بتحويلات غير قانونية لأسلحة تشمل سوريا. لم يكن واضحاً فوراً أين كانت تلك الإنتهاكات تماماً، أو ما إذا كانت سوريا أم لا مستفيدة من عمليات تحويل الأسلحة الفعلية من إيران.

15 تموز، 2011 ـ ذكرت التقارير بأن القائد الأعلى في إيران آية الله الخامنئي يدعم تحويلات مقترحة بقيمة 5.8 مليار دولار بشكل مساعدات الى سوريا. وذكرت وكالة رويترز بأن القصد من التمويل دعم إقتصاد سوريا وبأن حزمة المساعدات تضمنت 1.5 مليار دولار بشكل مساعدات نقدية مباشرة. كما ذكر أيضاً بأن إيران قد تكون قدمت لسوريا ما يصل الى 290000 برميل من النفط يومياً خلال شهر آب. لا يمكن التأكد من صحة أي من التقريرين بشكل حاسم.

25 تموز، 2011 ـ وقعت كل من إيران، العراق، وسوريا إتفاقية حول الغاز الطبيعي بقيمة تقدر بـ 10 مليار دولار. والإتفاق سيشهد بناء البلدان الثلاثة لخط أنابيب يمتد من حقول الغاز الطبيعية الإيرانية وصولاً الى سوريا لينتهي في البحر المتوسط عبر لبنان. وبحسب الإتفاق، سينال العراق مبدئياً 20 مليون متراً مكعباً من الغاز يومياً، وستنال سوريا من 20 الى 25 مليون متراً مكعباً من الغاز يومياً.

2 آب، 2011 ـ حذر رامين مهمانباراست الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية الإيرانية الدول الغربية من مغبة التدخل بالشؤون المحلية السورية، مضيفاً بأن على الغرب التعلم من أخطائه السابقة وتدخله في شؤون بلدان مختلفة وعدم الدخول بقضايا جديدة لتعقيد المشاكل في المنطقة.

12 آب، 2011 ـ وافقت إيران على أن تقدم لسوريا مبلغ 23 مليون دولار لبناء مركز عسكري في مدينة اللاذقية الساحلية الواقعة على البحر المتوسط. وكانت الإتفاقية نتيجة إجتماع حزيران،2011 بين نائب الرئيس السوري محمد ناصيف خيربك وقائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في طهران. ومن المنوي بناء القاعدة العسكرية مع نهاية العام 2012 ويقصد بها ، بحسب ما قيل، إيواء ضباط تابعين للحرس الثوري الإيراني وموظفين لتنسيق عمليات نقل وتحويل الأسلحة من إيران الى سوريا. ونظراً للصعوبة المتزايدة بنقل الأسلحة الإيرانية الى سوريا عبر تركيا، فإن بناء الموقع العسكري الجديد سيوفر للاذقية، بحسب ما قيل، ما هو أكثر من البنية التحتية الضرورية لتلقي كميات أكبر من الأسلحة والتجهيزات عن طريق الجو.

9 أيلول، 2011 – إقترح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إستضافة إجتماع للدول الإسلامية لمساعدة سوريا على حل أزمتها السياسية. وفي حين إستمرت الجمهورية الإسلامية بتوفير الدعم المادي والبياني لحليفتها، فقد ذكر بأن الرئيس الإيراني دعا سوريا الى إيجاد حل مع قوى المعارضة – من خلال الحوار وليس العنف.

حزب الله والمجتمع الشيعي اللبناني

إستفادت إيران من واقع التهميش المستمر للشيعة من قبل الإئتلاف السني – الماروني في حقبة لبنان ما بعد الإستقلال والذي عمل على ترسيخ الهويات الطائفية وفشل الشيعة بالإيمان والثقة بهيكليات الدولة. هذا الأمر ترك الشيعة أيضاً – أكبر فئة في سكان لبنانـ في وضع يبحثون فيه عن آليات سياسية، مذهبية، وأمنية يمكنها أن تدفع قدماً بالمصالح المجتمعية الشيعية – حتى ولو كانت هذه المنصات إيديولوجية بطبيعتها، إن لم تكن راديكالية.

وقد حافظت إيران على علاقات وثيقة مع المجتمع الشيعي اللبناني حتى خلال عهد الشاه. في كل الأحوال، رأت الجمهورية الإسلامية الجديدة بلبنان الممزق جراء الحرب وبالمجتمع الشيعي اللبناني المتطرف بمثابة أرض مثالية لتصدير الثورة.

وقد سهل الغزو الإسرائيلي آنذاك لجنوب لبنان عام 1982 وجود دور إيراني أكثر بروزاً في لبنان، ووسع نفوذ طهران في أوساط شيعة البلد. وقد خلق الغزو وما أعقبه من إحتلال واقعي للجنوب العداء المتنامي تجاه إسرائيل وتجاه الحكومة الذي كان الموارنة مهيمنين عليها. وأعطى ذلك أيضاً رافعة إضافية على حساب سوريا وساعد على قلب التأثيرات المدمرة للغزو العراقي لإيران وعلى قلب الموقع القوي لدمشق في مقابل طهران.

وفي حين كان لدى سوريا تحفظات بشأن غض الطرف عن العمليات الإيرانية والروابط مع مجموعات شيعية في البقاع، فإن هزائم سوريا على أيدي جيش الدفاع الإسرائيلي ترك سوريا من دون بدائل ما عدا السماح لإيران بالحصول على نفوذ أكبر. ومع الموافقة الضمنية لسوريا، حافظت إيران على وجود حوالي 1500 رجل من جنود الحرس الثوري الإيراني في سهل البقاع في العام 1982. وقد عملت هذه القوة بشكل وثيق مع مجموعات شيعية محلية، بما فيها مجموعة أمل الإسلامية التابعة لحسين الموسوي ومع حزب الله، الذي كان آنذاك بقيادة عباس الموسوي والشيخ صبحي الطفيلي.

إضافة الى الدعم المعنوي والإيديولوجي، قدمت إيران لحزب الله الدعم السياسي، الإقتصادي، والعسكري كوسيلة للحفاظ على موطئ قدم لها في الخاصرة الشمالية لإسرائيل وللحفاظ على دورها في السياسات الأمنية المشرقية.

فترسانة حزب الله (الموصوفة بتفصيل أكبر في قسم خاص من هذه الدراسة يصف التوازن الإقليمي اللامتماثل) هو في جزء كبير منه النتاج الثانوي لأكثر من 25 عاماً من الدعم الثابت الذي لا ينضب للمجموعة. أما التشبيه الإقليمي الأقرب للمساعات الأمنية الإيرانية لحزب الله فهو الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل: لم يتلق أي لاعبيْن آخريْن في المنطقة ما ناله هذان من الدعم الثابت والمستمر على إمتداد فترة طويلة من الزمن.

ومنذ ذلك الحين وحزب الله ينمو ويزداد قوة ليتطور ويصبح واحداً من أقوى القوى السياسية والعسكرية الهائلة في البلد. فبالرغم من التوجه السياسي لحزب الله وحكاية الدعم الإيديولوجي المصرح عنه من قبل الحزب للنموذج السياسي الإيراني، لم يكن هناك من مجهود علني لتأسيس حكم ديني في لبنان. وذلك بفضل الحقيقة الواقعة الكبيرة وهي أن لدى المجتمع الشيعي اللبناني ما يكسبه بواسطة تحريك السياسات المذهبية بشكل منهجي أكثر مما يكسبه من محاولة إبعاد لبنان عن هيكلية السلطة الطائفية بشكل علني.

في كل الأحوال، من المهم الإشارة الى أن قرار حزب الله بمواصلة الحياة السياسية ضمن النظام الحالي للحياة السياسية اللبنانية يحد من نفوذ إيران على المستوى الوطني. إذا على إيران الإعتماد بشكل متزايد على حزب الله كوسيلة للتأثير على المنطقة. في هذه الأثناء، يعتبر حزب الله الآن بديلاً لسوريا أو إيران بنسبة أقل بكثير عن السابق، وأكثر إستقلالية بكثير في لبنان وأكثر تجذراً بكثير في البيئة اللبنانية المحلية مما يتوقعه آخرون كثر أو يبدو بأنهم يدركونه. هذا الأمر يعقد قدرة كل من إيران وسوريا على توزيع المجتمع الشيعي في جهودهما للتأثير على السياسات الأمنية الإقليمية.

إن قدرة إيران على الإعتماد على حزب الله كمصدر للدعم والمكانة الإقليمية مسألة غامضة بشكل متزايد بسبب عوامل أخرى. فالإنقسامات الفارسيةـ العربية والسنية – الشيعية ذات صلة متزايدة وحتمية في منطقة هزها عدم الإستقرار.

علاوة على ذلك، فإن هالة الشجاعة العسكرية لحزب الله خلال حرب 2006، ورغم أنها لا تزال هامة، فإنها لم تفعل الكثير لترسيخ نموذج دعم عربي سني على الأمد الطويل. ويقال أن إيران إستثمرت كثيراً جداً ورأت في المقابل الشيئ العظيم من حزب الله، وبأن دعم طهران للجماعة عرضة لأن يبقى في صلب المصلحة السياسية الخارجية الإيرانية لوقت طويل حيث أن جهوداً كهذه تعتبر مستدامة ومحتملة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الثاني/2011 - 24/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م