يُجمع أغلب العلماء في العالم الإسلامي، على أن القرآن الكريم
والسُنة النبوية المباركة هما المصدران الرئيسان في التشريع، والتشريع
هنا يتّسعُ ليكون ركيزةً محددةً ومنهجاً مُحكماً يحكم كل جوانب الحياة
التي عرفتها البشرية، من أجل صياغة متكاملة لكل ما تحتاجه، تطبيقاً
لقوله سبحانه وتعالى: (..ما فرطنا في الكتاب من شيء..)الأنعام: 38.
وللقرآن الكريم أثرٌ بالغ في تربية الرسول (ص) على المنهج الربّاني
وتلمذته على معاني آياته الكريمة، فنال بذلك الشرف الكبير والمنزلة
الرفيعة التي أهّلته لقيادة الأمة الاسلامية بمكارم أخلاقه، وحسن تصرفه،
ورجاحة عقله: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، (أنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق)، فصارت المُحصلة انبثاقاً آخرَ لمعينٍ ثانٍ في التشريع
الإسلامي ألا وهو السُنّة النبوية، ولتصبح شخصية الرسول (ص) المحتذى في
تجسيد تعاليم الله سبحانه وتعالى قولاً وعملاً وأداءً، في العبادات
والمعاملات، وليكون الناتجُ عن هذه الثنائية (القرآن الكريم والسنة
النبوية المشرفة) أسلوباً متفرداً في الاستقاء والإتباع وفي مختلف
المجالات.
يأتي الجانب التربوي في مقدمة تلك الجوانب التي أولتها مصادرُ
التشريع الأهمية القصوى في تربية النفس الإنسانية وتهذيبها (إن هذا
القرآن يهدي للتي هي أقوم) الاسراء: 9، بما يضمن أن يكون محوراً من
محاور المنهج الإلهي والدستور الرباني، للسعي من أجلِ صناعة الإنسان
وبنائه تربوياً وروحياً، بما يؤسس لخلق مجتمع متماسك يتحلى بكل العادات
والتقاليد الصالحة التي تكفل إعداد الإنسان المؤمن في كل جوانب حياته،
كما حدث لعرب شبه الجزيرة العربية إبان البعثة النبوية الشريفة، والتي
عملت على نقلتهم النوعية من جاهلية مقيتة إلى مجتمع متنوّر يسوده الأمن،
والأمان والسكينة.
فكلُّ ما جاء به الإسلام من أحكام وتشريعات قرآنية، وما جاء على
لسان الرسول محمد (ص) يمثل تراثاً فكرياً تربوياً ضخماً، يحمل المبادئ
والتشريعات المهمة في مجال التربية والفكر التربوي، يدعونا اليوم ويحتم
على المؤسسة التعليمية الأخذ بالسيرة العطرة للنبي محمد (ص) والتمعن
والتأمل، بفيض الفكر التربوي الذي استقاه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
وهم يتخذون منه منهجاً في الحياة.
نظرةٌ فاحصةٌ في مجمل ما موجود من فكر تربويٍ داخل المناهج التربوية
نجده لا يتعدى الموروث الثقافي، ولا يخرج عن كونه مجرد اجتهاداتٍ
أملتها الكثير من الظروف والعوامل التي صنعها الإنسان مؤثراً تارةً
ومتأثراً مرات أُخر، لذا علينا أن لا نقبل بكل ما جاء في هذا التراث
على إطلاقه، والسعي جهد الإمكان للإفادة مما كان منه صالحاً ومتفقاً مع
الكتاب والسنة، للاعتبارات التي مرت بنا سابقاً.
ومن هذا المنطلق وجدنا إن على المؤسسة في هذا المجال أن تراعي
مجموعة أمور للنهوض بالواقع التربوي من اجل إحداث نهضة فكرية قادرة على
بناء جيل مؤمن يستطيع تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقة مستقبلا، ومن
هذه الأمور:
على المؤسسة التعليمية أن توظف كل ما قاله الرسول من أحاديث
وأدعية، واتخاذه كوسيلة ليس لأجل التخضّع لله سبحانه وتعالى فحسب،
وإنما لأجل تلمس المنهج التربوي القادر على تصحيح مسيرة الإنسان في
الدنيا لإعلاء رصيده في الآخرة، وتكريس الدور التربوي في العبادة بما
يؤسس لصياغة الشخصية الرسالية الناجعة تربوياً واجتماعياً، وهذا ما لم
نلحظه – ولشديد الأسف- في أغلب المناهج التربوية التي تُدرّس في
مدارسنا اليوم، إذ أننا نجد أن التلميذ في مادة القراءة مثلاً يدرس
حديثاً نبوياً واحداً فقط طيلة السنة الدراسية، وكأن المسألةَ تجميليةٌ
يراد الإتيان بها لإسقاط فرض ليس إلاّ، من الفكر التربوي لشخصية الرسول
محمد (ص) تعلمنا كيفية التعامل مع حاجات الطفولة وطبيعتها، وهذا ما
لمسناه في علاقته المميزة التي نُقلت لنا مع ولديه الحسن والحسين (ع)،
وكيف أنه كان يراعي حاجات الطفولة وطبيعتها، وتأكيده على أهمية اللعب،
وأمره بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، وهو منهج تؤكد عليه مجمل الدراسات
النفسية المعاصرة يتمثل في مراعاة الفروق الفردية بين العقول.
وعلى المؤسسة التعليمية أن تتعامل مع شخصية الرسول (ص) على أنها
منهجاً فكرياً متكاملاً، كون أساس الاستقاء والمنهل الذي تعاطى معه
الرسول (ص) هو القرآن الكريم (هو الذي بعث في الأمِّيِّين رسولا منهم
يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإِن كانوا من قبل
لفي ضلال مبين)الجمعة:2، وهنا نؤكد على المناهج التربوية الخاصة بمادة
التاريخ، والتي يجب أن يُصار فيها إلى تناولٍ مُنصفٍ لشخصية هذا القائد
العظيم والمعلم الكبير، والتركيز على سيرته العبقة بشكل مفصّل، حتى
ينشأ أطفالنا وهم يعرفون الفضل الذي قدمه لنا الرسول (ص) في كل جانب من
جوانب الحياة والتركيز فيها على الجانب التربوي.
* مقال من كتاب سيصدر قريباً: (التربية الادبية
وقضايا تربوية أخرى) |