تركيا تتخبط في سوريا خوفا من المجهول

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: من القضايا الملفتة للنظر في الحراك العالمي تجاه ما يحدث من ثورات عربية هو الدول التركي الذي أخذ بالتنامي يوم بعد آخر كما يبدو واضحا في سوريا. فأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي انتقد الغرب عبر خطابه الذي قال فيه ان الغرب متراخ حيث ترك السوريين يموتون، وهذا التصريح جعل من اردوغان عرضة للأنتقادات حيث يقول محللون سياسيون بالرغم من ان سوريا لا تمتلك نفطا إلا أن اردوغان له مطامع اقتصادية، كما حدث في ليبيا التي سارع بالتدخل فيها لإنقاذ المعارضين الليبيين من بطش القذافي بهم.

فالدور التركي له أسبابا أخرى فهناك غضب تركي على دمشق بسبب تجاهلها المبادرات التركية وعدم اعتذارها عن مهاجمة محتجين سفارتها في دمشق، فالرئيس التركي عبد الله غل قال إن الرد التركي على هجوم آخر سيكون مختلفا، ويرى محللون سياسيون ان التجارب التاريخية تثبت على ان اللعب مع تركيا ليس سهلا فان إسرائيل من قبل قتلت 9 بحارة أتراك وتأكدت الآن أن اللعب مع الأتراك ليس قرارا صائبا، فتركيا امتلكت صوتا قويا في العالم العربي بعد ثوراته.

يقول الكاتب البريطاني روبرت فيسك إن الربيع العربي منح تركيا صوتا مسموعا وجعلها لاعبا مؤثرا

وأوضح وإن هناك كلاما كثيرا في إسطنبول عن قطع العلاقات النفطية مع دمشق، وبالتالي وقف إمدادات الكهرباء عن سوريا، وهذا سيكون مؤثرا جدا، لأن سوريا الفقيرة هي من ستعاني.

ويعتقد محللون سياسيون أن أردوغان كان حادا عندما خاطب الرئيس السوري بشار الأسد بقوله أنت تعتقل آلاف السجناء السياسيين، يجب أن تعثر على الذين اعتدوا على السفارة التركية وتحاسبهم. وقال الكاتب إن تركيا تريد أكثر من الاعتذار الشخصي الذي قدمه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، فهي تريد اعتذارا رسميا كاملا من سوريا، بالضبط كما تنتظر من إسرائيل اعتذارا رسميا بسبب مهاجمتها سفينة مافي مرمرة.

ويعتقد فيسك إن المعارضة في تركيا اتهمت أردوغان وفريقه بالتصرف مع الأسد بطريقة طائفية، لأن عائلة الأسد من العلويين وهم فرع من الشيعة، لكن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو رد قائلا الأسد نصيري أي علوي، ألم يكن كذلك عندما كنا أصدقاء؟ نحن لا ننظر إلى سوريا نظرة طائفية.

ويعتقد خبراء إن زيارة وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى إسطنبول تهدف إلى توحيد المعارضة السورية وتفادي الانقسام الذي شهدته المعارضة الليبية قبل سقوط طرابلس وتمثل في حرق قائد قوات الثوار عبد الفتاح يونس.

ويتسائل مراقبون، إنه منذ إعلان وكالة الأنباء السورية سانا أن جامعة الدول العربية تريد إرسال 500 مراقب، يمكن التساؤل عن مدى كفاية هذا العدد، ومدى الحرية التي ستتاح لهم، وهل سيفكرون في زيارة المعارضين الموجودين بالداخل، والأهم من ذلك هل سيحاولون معرفة من هي هذه المجموعات المسلحة فعلا؟

ويرى خبراء  إن تركيا تلعب دورا رئيسيا في قيادة الجهد الرامي إلى إزاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ورغم العلاقة التجارية والاقتصادية الوطيدة التي تربط تركيا بسوريا منذ اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمت عام 2004، والتعامل الحذر مع المواجهة بين الشعب السوري ونظامه في البداية، فإن القيادة التركية سرعان ما اتخذت قرارها وأخذت تلعب دورا أساسيا تجسد في حضورها القوي والمميز في قمة المغرب.

ويرى المحلل السياسي سايمون ديسدايل أنه ليس من الصعوبة بمكان فهم أسباب الموقف التركي، حيث إن سوريا تشترك في حدود طويلة مع جنوب تركيا الذي يعاني منذ عقود حالة من عدم الاستقرار نتيجة التمرد الكردي المسلح المتمركز هناك. ونتيجة لذلك، فإن آخر شيء تريده تركيا هو تفجر حرب أهلية وقلاقل على حدودها الجنوبية الحساسة لأمنها القومي.

مخاوف تركيا من ارتدادات لزلزال سوري محتمل تمتد إلى خارج تركيا، فهي تدرك أيضا أن انهيار النظام السوري سوف تكون له تداعيات على إيران والعراق الذي يعاني أصلا من وضع أمني متأزم نتيجة قرب انسحاب القوات الأميركية منه.

الحكومة التركية ومن ورائها الإعلام رمت بكل ثقلها في الجهود الرامية لإزاحة الأسد عن السلطة. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان -وسط جو من الدعم العربي الواضح والمعلن لخروج الأسد- وجه كلاما مباشرا مخاطبا الأسد بقوله لا يوجد نظام يمكنه الاستمرار اعتمادا على القتل والزج في السجون. لا أحد يمكنه أن يبني مستقبلا على دماء المضطهدين.

ويرى خبراء أن هناك مؤشرات على عودة الحديث عن احتمال قيام تركيا بالتدخل من جانب واحد، لفرض منطقة آمنة في شمال سوريا لحماية المدنيين الفارين من المواجهات.

وفيما يعتبر تحسبا لرد سوري، يرى مراقبون إن الرئيس التركي عبد الله غل وجه تحذيرا إلى الرئيس الأسد من مغبة التفكير في إثارة القلاقل في جنوب شرق تركيا حيث يوجد المتمردون الأكراد.

يذكر أن تركيا تحتضن اليوم آلاف اللاجئين السوريين وعناصر منشقة عن الجيش السوري وأطيافا من المعارضة السورية.

من جهة أخرى، يحظى الموقف التركي بدعم الولايات المتحدة التي ترى فيه طرفا إقليميا يحقق التوازن أمام الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد. ويستنتج خبراء من آراء نشرتها الصحافة التركية لكتاب أتراك، إن للنظام السوري أسبابا قوية ليحسب حسابا لتركيا ويتجنب معاداتها، فتركيا تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى بعلاقاتها الوثيقة والإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة.

وفي السنوات الأخيرة استطاع حزب العدالة والتنمية التركي أن يعطي مثالا نموذجيا عن الحكم الإسلامي، وبما أن تركيا مثل سوريا تتمتع بأغلبية مسلمة سنية ساحقة، فإن النموذج التركي كان وسيكون إلهاما للسوريين الذي أصبحوا مقتنعين أكثر من أي وقت مضى بأن النموذج التركي هو أفضل بكثير من سياسة الخوف التي يتبعها نظام الأسد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تشرين الثاني/2011 - 23/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م