لقد علمونا منذ ان كنا طلاباً ان المنتصر هو من يكتب التاريخ وحفظنا
عن ظهر قلب بيت شعرٍ لأبي الطيب المتنبي يقول فيه:
حتى رجعت وأقلامي قوائلُ لي***المجدُ للسيفِ ليس المجد للقلمِ
ودوخونا ببيت ابي تمام:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ***في حده الحد بين الجدِ واللعبِ
وحينما كنا نسأل عن المغالطات التاريخية ولماذا كُتب التاريخ على
هذا النحو كان يقال لنا لا تتعجبوا من ذلك فالتاريخ كتبه الحكام وأصحاب
السلطة، وكان هذا الجواب يقنعنا، لأننا كنا نشاهد أمثلة حية في واقعنا
زمن الدكتاتورية، فكم من حادثةٍ شوهها كتَّاب السلاطين وقلبوا الحق
باطلاً والباطل حقاً، ومازالت أنظمة الغلبة والاستبداد تمارس هذا الدور
لأنهم منتصرون بالغلبة!!!
فالمنتصرون هم منْ يكتب التاريخ إلا في العراق و(إلا) كما تعلمون
أداة إستثناء تستثني ما بعدها، هنا يتملكني العجب من (إلا) ومن
المعادلات المقلوبة في العراق، لماذا يُستثنى العراق من القاعدة ويصبح
المهزومين كتاباً للتاريخ وشهودُ زورٍ عليه. ولماذا ينبعج المنتصر الى
الداخل ويبرز المهزوم الى الخارج. أليس هذا التساؤل يستحق التأمل؟
البعثيون هم المهزومون والأكثر قدرة على تزوير التاريخ من المنتصرين،
وهم الجلادون ولكنهم يجيدون تمثيل دور الضحية ويجيدون لغة الخطاب، لذا
هم من يكتب التاريخ الآن ولربما سنحتاج الى إعادة كتابته في المراحل
القادمة ولكن بعد فوات الأوان.
ولا أدري لماذا تتحول الضحية الى جلاد والجلاد الى ضحية؟ هل تشعر
الضحية بالدونية إتجاه الجلاد أم ان الضحية غير قادرة على إبراز
مظلوميتها؟ حينما نتحدث عن إنتفاضة 1991م (شعبان) يقال لنا أنها كانت
إيرانية وأن من قام بها الحرس الثوري!!!، وحينما نتحدث عن المقابر
الجماعية يقال لنا أنها كذبة فليس هناك مقابر جماعية ولا هم يحزنون بل
أن هؤلاء ليسوا سوى مجموعة من القادمين من وراء الحدود قتلوا من قبل
الجيش العراقي ولم يكونوا عراقيين، أما حادثة الدجيل كانت مثالاً
صارخاً على تزوير التاريخ من قبل المهزومين حينما قالوا ان الأمر مفبرك
وماتت القضية ولفها النسيان كبقية القضايا، وهُزم المنتصر كما هزُم في
قضية تفجير سامراء حينما تحول الفعل الإرهابي الى قضية إعتداء على
المساجد السنية في بغداد واستطاع المهزومون ان ينجحوا في ذلك وهم
بالتأكيد لم يهمهم أمر المساجد ولا أمر السُنة.
أما قضية إعدام الطاغية فقد صودرت بالكامل وتحول القصاص العادل
الذي أُنزل بالمجرم والجلاد الى فعل طائفي وسوِّق على أنه تشفي، فقال
أحد المهزومين أن الذي أُعدم هو صدام السُني وليس صدام الدكتاتور.
وكلما طالبنا بالحقوق نوصف بالطائفية وأصحاب مشروع التقسيم، وأخيراً
تَحَفُظْ العراق على تعليق عضوية سوريا في جامعة قطر العبرية فقد رفعت
القائمة العراقية التي كانت تدافع عن النظام السوري باعتباره حاضنة
الفارين من البعثيين، رفعت عقيرتها وبأوامر خليجية وقالت أن الحكومة
العراقية أخطأت في هذا القرار وخالفت الاجماع العربي ووقفت بجانب
إيران، اي إجماع تتحدث عنه العراقية لا أدري؟؟ هل هو ذات الاجماع الذي
هيأ للأمريكان إحتلال العراق، أما كانت قواعد ذلك الاجماع منطلق لتدمير
العراق (وإن كنت ناسي أفكرك) أما البعض الآخر فقد كتب التاريخ على
مزاجه الطائفي فقال أن القرار العراقي نظر الى سوريا بنظرة طائفية، كما
وقف مع البحرين.
وهلم جرى وفي كل هذه الحالات نقف عاجزين عن الرد، وكأن لا أقلام
ولا إعلام لدينا نرد على هؤلاء ونتركهم يكتبون ويزوِّرون التاريخ كما
زوَّر أجدادهم التاريخ وعلقوا هزيمة الخليفة العباسي برقبة ابن العلقمي
وابن العلقمي كان شيعياً وبالتالي فالشيعة هم منْ خان وباع الدولة
العباسية(العربية) وهيأ لهولاكو إحتلال بغداد.
اذا كان ابن العلقمي من هيأ لهولاكو إحتلال بغداد سنة 1258م، فمن
هيأ لاحتلال بغداد عام 2003م؟ فكم ابن العلقمي متواجد بين العرب الآن،
ومن هيأ للناتو والقوات الأمريكية في ليبيا، ومن يهيأ للتدخل الدولي في
سوريا واليمن وغيرها.
ومزوَّرو التاريخ من المهزومين عاكفين على كتابته دون أن ينتبه
المنتصرون لهم، معادلةٌ غير متوازنة وكتابةٌ غير نزيهة فهكذا يكتب
التاريخ في العراق ونحن عنه غافلون. |