حنّة ونذور... معتقدات وممارسات عراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ترتبط الحنّة او الحنّاء بالكثير من الطقوس والمعتقدات والممارسات الحياتية اليومية.. واكثر ما يكون استعمالها في طقوس الفرح والتجميل والعلاج، اضافة الى وظيفة اخرى شاهدتها على الجدران الخارجية لاحد المزارات المقدسة في احدى مدن العراق وهو طقس لم اجد له ما يشابهه في مزارات ومراقد اخرى.

طبع كف اليد بعد وضع الحناء عليها على تلك الحيطان تعبير عن امتنان وشكر لتحقق طلب معين او نذر تنذره المراة، واكثر ما يتعلق ذلك بطلب الولد او الانجاب.. في المدن الكبيرة انتقلت تلك الممارسة الى وضع الحنة على باب منزل الطبيبة التي تقوم بعلاج حالات تاخر الانجاب عند احدى النساء تعبيرا عن الشكر والامتنان لتلك الطبيبة.

تحضر الحناء بقوة في الليلة التي تسبق الزفاف لاي عروسين وهي ما تعارف الناس عليه وخاصة في العراق وعدد من البلدان العربية بليلة الحنة والتي يتوزع الحضور فيها على مكانين هما بيت العريس وبيت العروس.

حيث توضع صينية امام احد العروسين وفيها بعض الاوراق الخضراء من نبات الياس وعدد من الشموع الموقدة وقطع من القند او السكر الناعم وحبات الرز وبعض القطع النقدية دلالة على الفأل الحسن والرزق الموعود من هذا الزواج.

وتحضر الحنة بقوة ايضا في المعتقد الشيعي المرافق لطقوس عاشوراء من كل عام وهي (حنة القاسم) التي سبقت زفته الموعودة لكن القاسم ببهاء وجهه الشبيه بوجه جده خاتم الانبياء يسقط شهيدا على ارض كربلاء مخضبا بحنة الليلة الماضية وبدمه الزكي الطهور.

والحنة نبات شجيري من العائلة الحنائية، يمتاز بجذوره الحمراء، وتكون أخشابه صلبة تحتوى على مادة ملونة تستعمل كخضاب للأيدي والشعر باللون الأحمر.

للحنة اصناف كثيرة منها: الهندي، الشامي، البغدادي، الشائكة.

والحناء الهندي عادة ماتكون أغنى هذه الأنواع لاحتوائها على المواد الملونة، فهو الذي يعطي اللون الأحمر الغامق والمرغوب كثيرا لدي النساء.. واللون الاسود مرغوب أكثر للذين تقدموا في السن كثيرا.

يطلق العرب على هذا النبات بلغتهم الفصحى تسميات: حنّه - حنّا - حنّاء... وهي في الدارجة الشامية: القطب، وفي لهجة اهل اليمن: الحنون، وفي اللهجة النوبية: الكوفرية..

تتعدد استعمالات الحنّة تبعا لاستعمال اجزاء النبتة... فالاوراق تستخدم للتجميل حيث تخضب الأصابع والأقدام والشعر بمعجون أوراقها، ويستخدمها الرجال والنساء على حد سواء.. ومن الاستخدامات الطبية للحناء استخدامها فى علاج الأورام والقروح إذا عجنت وضُمَّد بها الأورام.. وتنقية فروة الرأس من الميكروبات والطفيليات، ومن الإفرازات الزائدة للدهون، كما تعد علاجا نافعا لقشرة الشعر والتهاب فروة الرأس.

وتستعمل عجينة الحنة فى علاج الصداع (الصداع الناتج من ارتفاع حرارة الرأس) بوضعها على الجبهة. والتخضب بالحناء يفيد فى علاج تشقق القدمين وعلاج الفطريات المختلفة.

اما زهور نبتة الحناء فتستعمل فى صناعة العطور.. واستنشاق الزهور ينشط الحواس وينعش القلب ويقوي الاعصاب. اما الجذور فان المضمضة بعروقها المغلية والمنقوعة فتقوي اللثة وتساعد على تماسك الاسنان.

ذكرت في البداية ارتباط الحتة بالوفاء بنذر تنذره المراة عند تحقق مطلوب معين من الله او امام او ولي صالح. والنذر على اقسام كما يشرح ذلك الفقهاء فهو اما نذر بر وشكر، او استدفاعا لبلية، وإما نذر زجر، وإما نذر تبرع، ومتعلق النذر في جميع ذلك يجب أن يكون طاعة لله مقدورا للناذر..وعدم الوفاء بالنذر يستلزم من الناذر الكفارة.. فمن عاهد الله: أن يفعل واجبا أو ندبا، أو ما يكون به مطيعا، وجب عليه الوفاء به. فإن لم يفعل، كان عليه الكفارة فإن عاهد على: أن لا يفعل قبيحا، أو لا يترك واجبا أو ندبا، ثم فعل القبيح، أو ترك الواجب أو الندب، وجبت عليه الكفارة.

وقد ذكر النذر في القران الكريم في قصة أم مريم عندما نذرت ما في بطنها لله، فقال:{إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم} [ آل عمران: 35].

وقد أمر الله به مريم، حيث قال: {فكلي واشربي وقري عينًا فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا}.

وقد جاء الإسلام ووجد المشركين ينذرون لآلهتهم، ويقدمون لها القرابين، فنهى عن ذلك وحرمه، قال تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}.

ومدح الله أولئك الذين يوفون بنذرهم، فقال تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا}، والنذور في المسيحية هى ايضا تعهد منك أمام الله، في حال خير يقدمه الله لك، أو مساعدة في أمر ما، أو إنقاذ من ضيقة.. ومما ورد عن النذور في العهد القديم، ما ورد في سفر الجامعة الأصحاح الخامس. حيث يشمل: الوفاء بالنذر، عدم تأخيره، عدم تغييره.

فقيل: (أوف بما نذرته. أن لا تنذر خير من أن تنذر ولا تفي) و(إذا نذرت نذراً لله، فلا تتأخر عن الوفاء به)، و(لا تستعجل فمك، ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله.. لا تقل قدام الملاك أنه سهو. لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تشرين الثاني/2011 - 22/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م