العراق هل يحتمل أكثر من فدرالية واحدة؟

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

من القضايا التي لا تنفك تثيرا جدلا واسعا في أوساط المجتمع العراقي المختلفة هي الدعوة إلى الفدرلة في بعض المحافظات العراقية أو جميعها، فعلى الرغم من نص دستور العراق لعام 2005 في مادته الأولى على كون العراق بلدا اتحاديا أي (فدراليا) غير أن قطاعا عريضا من المواطنين ما يزال ينظر لمن يدعو إلى إنشاء الأقاليم نظرته لمن يدعو إلى إقطاعية سياسية له ولأبنائه حصرا، ويرجح هذا القطاع مسألة المطالبة بتمركز السلطات في العاصمة على ما عداها باعتبار أن خيار المركزية يعد مصداقا لتطبيق قاعدة أهون الشرين من وجهة نظرهم.

إن هؤلاء المواطنين عندما تصل بهم قناعاتهم إلى تصور نتيجة إنشاء الإقليم هي مجرد غنيمة سياسية يستقتل بعض السياسيين للظفر بها دون آخرين فإن هذه القناعات لا تأتي تغزلا بالمركزية بقدر ما تأتي منسجمة مع طبيعة العلاقة التي ربطت الغالبية العظمى من ساسة العراق بنظام الحكم الذي أعقب تغيير النظام السياسي السابق عام 2003. هذه الطبيعة التي كانت مؤسسة وما تزال على قاعدة الاستحواذ والاستئثار وتقديم الخاص على العام بدعوى المحاصصة

والتوافق وما إلى ذلك من مصطلحات غدت ممجوجة جماهيريا على نطاق واسع.

وبالنتيجة النهائية فلن يكون بمستطاع أحد أن ينتقد ذلك القطاع من الجماهير في تقديمه للشر الأصغر على الشر الأكبر فيوصم ديماغوجيا من قبل بعض الساسة بالحنين إلى العهود الغابرة التي كان لسيطرة المركز أي الدكتاتورية الكلمة الأخيرة في أحكام النقض والإبرام السياسي.

وفي ظل احتدام النزاع الحاد بين من يتبنى الطرح المركزي في مقابل الطرح الفدرالي تغيب عن صورة المشهد الرؤية الوسطية التي تتلخص في منح المحافظات العراقية غير المنتظمة بإقليم ما تستحقه من حقوق لامركزية، وفض الاشتباك الحاصل بين تداخل صلاحيات مركز الدولة وأطرافها عبر إقرار قانون جامع مانع للمحافظات العراقية غير المنتظمة بإقليم.

 فما تزال الحكومة تماطل في إعداد نسخة معدلة من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم تخلف تلك النسخة الفضفاضة من هذا القانون التي بدأ العمل بموجبها عام 2008. وحتى الآن لم نسمع تصريحا من قبل مجلس النواب يفيد باستلام النسخة الموعودة حكوميا ووضعها على جدول أعماله بقصد إقرارها بشكل يقطع دابر المماطلة والتسويف ويمنح رسالة سياسية مفادها أن النخبة الحاكمة بدأت بتشريع القوانين على سكة خدمة المجتمع عموما لا خدمة المجتمع السياسي فحسب.

إن الدعوة إلى منح المحافظات مزيدا من الصلاحيات التي تستحقها لا يعني بأي حال من الأحوال أن المحافظات منزهة عن الأمراض النفسية التي تعتور بقية أعضاء المجتمع السياسي من حيث النهم المفرط إلى السلطة وجعلها وسيلة لجلب المنافع الخاصة لا العامة. فبإمكان عيون الرصد دائما ملاحظة النقمة الشعبية المصوبة نحو مجالس المحافظات ومن يدير ملفات التشريع والإدارة فيها في جميع محافظات العراق من دون أية استثناءات.

 على أن النقد الشعبي الموجه ضد أداء المحافظات بدأ يأخذ أبعادا اكبر تخرج به عن الشرائح العادية من المجتمع إلى القيادات الدينية والسياسية، وفي هذا السياق يأتي أحدث إنذارات زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لأعضاء مجالس المحافظات الذين ينتمون للكتلة الصدرية إذ نعى عليهم العمل الذاتي على حساب العمل لمصلحة المواطنين لاسيما المظلومين والمحرومين منهم.

إن فض التداخل بين عمل الوزارات والمحافظات العراقية غير المنتظمة بإقليم من شانه أن يفض بدوره لعبة رمي قذف كرة المسؤولية فيما بين المركز والأطراف أي بين تحميل الحكومة الاتحادية المحافظات مسؤولية القصور أو التقصير بداعي انتفاء الخبرة والكفاءة في مجالس المحافظات كما يرد على لسان رئيس الوزراء نوري المالكي أو العكس عندما يتحدث مسؤولو المحافظات عن فشل الوزارات في أداء ما يتعلق بذمتها من التزامات تجاه المحافظات وبالنتيجة فإن حسم قضية الصلاحيات والاختصاصات يحدد بوضوح لا لبس فيه الجهة ذات التقصير أو القصور.

إن ما يُضعف من أطروحة العودة بالعراق إلى حكم مركزي كما كان عليه عهد العراق منذ تأسيسه على يد البريطانيين عام 1921 هو أن حكومة المركز في عراق ما بعد 2003 لم تحقق منسوبا يذكر من الحكم المركزي يشمل جميع المحافظات غير المنتظمة بإقليم. فلم تستطع حكومتا المالكي المتتاليتان أن تحظى بهيمنة معتبرة في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى وديالى بل أن نظرة التعالي على الحكومة ورئيسها كان يصدر باستمرار عن المرجعيات الدينية والعشائرية في تلك المحافظات على نحو شبه مستمر لاسيما في محافظة الانبار. وقد انحصرت هيمنة الحكومة على المدن الشيعية لدواع عشائرية ودينية أكثر منها سياسية.

فمما لا يخفى على المراقب وجود حس سني في أكثر المحافظات العراقية لا يساوم على فكرة وجوب حكم العراق من قبل السنة والسنة فحسب.

على أن ما يُضعف من أطروحة إنشاء أقاليم جديدة ناجحة في العراق هو احتمال فشل الأقاليم الجديدة بمحاكاة تجربة إقليم كردستان وتحقيق مستويات نجاح على صعيد التنمية والخدمات مماثلة لما حققه إقليم كردستان أو دولة كردستان حسب تعبير بعض المثقفين العراقيين.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/تشرين الثاني/2011 - 20/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م