إشكالية العلاقة بين المثقف والثقافة الشعبية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثقافة الشعبية لأمة أو شعب ما، هي القاعدة التي تنبني عليها مسارات الثقافة كافة، وتقترب في توصيفنا لها، من مكانة الجذر وقيمته، فالشيء الذي لا جذر له لن يتمتع بالامتداد والتواصل والمطاولة، ومع ذلك ينظر بعض المثقفين بعين التعالي الى الثقافة الشعبية، متناسيا جذره وقاعدته التي يستند إليها سواء وافق على ذلك أم رفض.

الإشكالية التي تحدث بين المثقف والثقافة الشعبية، تنشأ من حالة يعيشها المثقف نفسه، وهي في الغالب لا تتسق مع الصفة التي يحملها، أعني صفة المثقف، هذه الحالة تتمثل بالشعور الذي يستهين بالثقافة الشعبية، بمعنى أوضح أن المثقف يعيش حالة من التعالي على الثقافة الشعبية، لا تستند الى حقائق تطبيقية مؤكَّدة، في وقت ينبغي عليه أن يعترف بالعمق الثقافي له ممثلا بثقافته الشعبية.

وطالما أن الاساس والجذر للثقافة عموما يبدأ من الثقافة الشعبية، فإن رعاية الفلكلور وما ينتجه من مسارات متنوعة، تعد من مهمات المثقفين، ولا يصح إزدراءها ولا الوقوف ضدها او الانتقاص منها، بحجة انتمائها للخرافة وما شابه، فالخرافة سلوك واضح يتقاطع مع العقل كليا، ولا يتمتع بقاعدة أساسية تسنده، سواءا كانت فكرية او عرفية أو سلوكية، على العكس من الثقافة الشعبية والفلكلور عموما، فهي نتاج إنساني يفرض احترامه على الامم والشعوب كافة، ومن باب أولى يفرض احترامه على شعبه وأمته ومثقفيه قبل غيرهم.

هناك من يعيب على الثقافة الشعبية اقترابها من التبسيط والوضوح، واستخدام الاساليب التي تبسّط أدوات التوصيل، وبينما تعد ميزة التبسيط من أهم ميزات الفلكلور الشعبي، فإن بعض المثقفين يعد ذلك بمثابة النقص، فيشكل عنده دافعا للازدراء والتكبّر الأجوف، إذ من الغرابة بمكان أن نلاحظ اهتماما كبيرا للشعوب المتطورة بثقافاتها الشعبية، في حين نحن نهشم هذه الثقافة ونهزأ منها في كثير من الاحيان، ونلصقها بالخرافات في الغالب، كما يحدث بالنسبة للطقوس الدينية التي تمارسها شعوب الارض كافة، سواء كانت تنتمي الى المتقدمين او المتأخّرين، فالصينيون كما نعلم لهم طقوسهم الدينية وأنشطتهم الفلكلورية الشعبية الكثيرة، كذلك الحال مع المسيحيين واليهود، أما الامريكيين وهم على قمة هرم التحضّر، فهم يحترمون ثقافتهم الشعبية ويسمحون بممارستها، بل يزدرون اشد الازدراء من يقف ضدها او يمنعها او ينتقص أصحابها والقائمين بها، وهناك حزمة قوانين وضعية تحاسب على منع ممارسة الطقوس وانماط الثقافات الشعبية، فهي بالنسبة لهم حق واضح يدخل ضمن الحقوق والحريات، ولا يجوز بأي حال المساس بها او منعها، أو حتى التعالي عليها.

لدينا يختلف الامر، بعض مثقفينا ما أن يكتب مقالة او فكرة او بحثا او دراسة معينة تصب في الحداثة وما بعدها، حتى ينقلب الى منظّر في تقصير الثقافة الشعبية، وحصرها في خانة الماضي، في حين يتوجّب إظهار الجانب الجيد الذي تنطوي عليه ثقافتنا الشعبية، لا أن يتم التركيز على جانبها المشوّه، وكل الثقافات تنطوي على جانبين احدهما جيد ينتمي الى الجانب الانساني السليم، والاخر على العكس من ذلك، فلماذا التركيز على الجانب السلبي، ولديك كنوز ثقافية شعبية تستحق أن يُشار لها بالبنان؟!.

بمعنى أوضح نحن نحتاج الى مثقف غير متعال في كل الاحوال، ونقصد هنا التعالي المريض الذي يختلف عن الأنفة والكبرياء والكرامة الانسانية المصانة، وبهذا نحتاج الى مثقف يدعم مسارات الثقافة الشعبية وينمّي جانبها الايجابي، أما الوقوف بالضد والازداراء المتواصل، فإنه سيؤدي بالنتيجة الى نشوء وانتشار ثقافة شمولية لا تقبل سوى نفسها ونمطها والقائمين عليها، وتعارض كل من يخالفها في الفكر والتوجه، بحجة إنتمائها الى الشعبي أكثر من سواه، في وقت ينبغي النظر الى الجذور الثقافية بعين متفحصة سليمة وخالية من الاهواء والتطرف، ولها القدرة على الفرز بين الثقافي الاصيل، والثقافي الدخيل او المزوَّر.

لذا لابد أن يبادر المثقف الى تصحيح موقفه في هذا المجال، وأعني بها علاقتنا بالفلكلور والثقافة الشعبية عموما، وأن يتم الفرز الدقيق بين الخرافة وبين الاساس الثقافي الشعبي السليم، وعدم الخلط بين خصوصية الطقوس من جهة وبين النيّات المسبقة التي تبغي إلغاء الخصوصية التي تحتفي بها الشعوب ومثقفوها، بدلا من محاربتها او الاستهزاء بها، وأخيرا، لا يصح إحتقار الثقافة الشعبية تحت حجج لا ترقى الى التوازن والاصالة بشيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الثاني/2011 - 18/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م