سير وأعمال... خلدتها الشعوب وحفظتها الأمم

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تتأثر معظم المهن وأنواع الفنون بالمتغيرات التي تطرأ في محيط بيئته، فإذا كان التغيير ايجابياً عمت الفائدة وازدهر الفن واتسع نطاق الإبداع، والعكس صحيح، ويصدق القول في هذا السياق، ما مر به العالم من أزمة اقتصادية مدوية سمعت أصدائها في اغلب قارات الكرة الأرضية، وبالرغم من تأثر الفن وصالات العرض العالمية بالأزمة الاقتصادية الأخيرة، إلا إنها استطاعت أن تتجاوز الأمر وتصمد أمام التهديد الاقتصادية وتراجعات البورصة المتواصلة والتي خلقت بدورها أسواقاً عالمية متذبذبة، كما إن عشاق الفن والإبداع استطاعوا أن يواجهوا العديد من المتغيرات الأخرى ويتعايشوا معها من منطلق إنساني مرهف المشاعر.   

الفن والازمة الاقتصادية

حيث فتح المعرض الدولي للفن المعاصر (فياك) ابوابه مؤخراً امام الجمهور في "غران باليه" في باريس وسط اجواء حماسة تشير الى ان الفن يريد ان يلتف على الازمة الاقتصادية، ويتخذ المعرض طابعا دوليا اكثر من اي وقت مضى مع مشاركة 168 غاليري للفن الحديث والمعاصر في دورته الثامنة والثلاثين 68 % منها اجنبية، ويتمثل الاميركيون بقوة (27 غاليري) فضلا عن الالمان (21)، وثمة وجود كبير ايضا لايطاليا (12) وبلجيكا (11) وبريطانيا (10) وسويسرا (9)، وقد تدفق جامعو الاعمال الفنية والشخصيات المعروفة الاربعاء على مممرات المعرض في يوم الافتتاح المخصص للخبراء والمختصين، وقال كامل منور وهو صاحب غاليري في باريس "انا متفاجئ بحماسة الزوار الاوائل وفضولهم في حين ان المناخ الاقتصادي ملبد وقاتم"، وقد باع حتى الان عدة اعمال لكنه يعتبر انه ينبغي الانتظار حتى نهاية المعرض لمعرفة ما اذا كانت السوق تقاوم الازمة. بحسب فرانس برس.

والحركة نشطة ايضا لدى ايمانويل بيروتان صاحب غاليري في باريس كذلك، فقد بيعت لوحة كبيرة حديثة للفنان الياباني تاكاشي موراكامي بسعر "رواح بين مليونين وثلاثة ملايين يورو" بحسب مصدر في الغاليري، وبيع عمل للفنانة الهندية بارتي خير بسعر 125 الف يورو (من دون احتساب الضرائب)، وقد بيع ايضا عقد للفرنسي جان ميشال اوتونييل كان معروضا بسعر 80 الف يورو، في المقابل لم تجد لوحة "برج بروكسل" للفنان البلجيكي فيم ديلفوي المعرضة بسعر 800 الف يورو من يشتريها بعد، وبالنسبة لغاليري "ذا بايس غاليري" النيويوركية الكبيرة التي تمثل خصوصا الفنان الفرنسي لوريس غريو، الامور تسير على خير ما يرام، ويقول ارني غليمشر مدير الغاليري "لقد بعنا الكثير من القطع، الا اننا نشارك خصوصا لنعرض وليس بالضرورة لنبيع"، ويؤكد ارني غليمشر الذي تمثل الغاليري التي يديرها اسماء بارزة في الفن الحديث والمعاصر "لا نشعر بوطأة الازمة المالية".

فرنسوا اوديرمات جامع الاعمال الفنية الكندي الكبير يدل اصدقاءه الى عمل ازرق للفنان انيش كابور، ويقول "اشتريت العمل ذاته باللون الاحمر في معرض بال هذه السنة"، اما في باريس فقد اختار اعمالا لتاتيانا تروفيه، وهو يقول ان الوقت مناسب للشراء رغم الازمة، ويؤكد "لقد سئم الناس من الاستيقاظ في الصباح وليروا ان البورصة تراجعت مجدد، على الاقل عندما يشتري المرء عملا فنيا يستمتع بالنظر اليه"، ويقول هذا الرجل العصامي "يمكنك ان تشتري سيارة فخمة والماس لكن ان لم يكن لديك اعمال فنية على جدران منزلك فانت ابله"، ويقول جيل فوكس رئيس الجمعية الفرنسية التي تضم جامعي التحف الفنية (ادياف) ان "جامعي الاعمال الفنية هم اشخاص شغوفون، لن يتوقفوا عن الشراء بسبب الازمة، فالمرء يستمر بالاكل والشرب"، المنتج ومقدم البرامج الفرنسي جان لوك دولارو اشترى للتو بمئات قليلة من اليوروهات عملا في غاليري ناشئة وهو يقول "في ظل الازمة يفكر المرء مليا قبل ان يشتري عملا باهظ الثمن"، ويشدد غيوم شيروتي نائب رئيس دار سوذبيز في اوروبا على ان "الاطراف الشارية في مرحلة الاضطرابات الاقتصادية تكون متطلبة اكثر، الا انها تكون دائما حاضرة عندما يتعلق الامر باعمال ذات نوعية عالية".

المدينة المحرمة ضيفة اللوفر

من جهتها حلت المدينة المحرمة ضيفة على متحف اللوفر مع اختيار 130 قطعة من القصر الملكي في بكين تحيي عالم الاباطرة الصينيين وتلقي الضوء على موهبة بعضهم الفنية والتبادل العلمي والثقافي الذي قام مع اليسوعيين في عهد لويس الرابع عشر، وهذه الاعمال مأخوذة من مخازن القصر الملكي الرائعة التي تحوي 1،8 مليون قطعة، بعض الاعمال المستعارة لم يسبق لها ان غادرت الصين، وهي تضم لوحات ورسومات حبر على ورق وخزفيات وبرنقيات واختاما وملابس ملكية، ويقام معرض "المدينة المحرمة في اللوفر: اباطرة من الصين، ملوك من فرنسا" من 29 ايلول/سبتمبر الى التاسع من كانون الثاني/يناير في ثلاثة اماكن منفصلة من المتحف الباريسي الكبير، فثمة جانب تاريخي يقام في جناح سولي واخر هندسي قرب "فوسيه مدييفو" وثالث يتعلق بالامبراطور كيانلونغ الذي دام حكمه من 1736 الى 1795 في جناح ريشوليو، ويقول جان بول ديروش امين متحف غيميه (باريس) واحد مفوضي المعرض "هذا يصعب الامر على الزائر الا انه سيحصل على خريطة تخوله التنقل". بحسب فرانس برس.

ويوضح ديروش "شركاؤنا الصينيون ارادوا ان يكونوا قرب هرم" اللوفر، ويضيء المعرض على التاريخ المتقاطع لملوك فرنسا والصين منذ سلالة يوان (1271-1368) حتى اباطرة سلالة كينغ (1644-1911)، والعلاقات الاولى المثبتة بين البلدين تعود الى القرن الثالث عشر عندما اقترح المغول الذين كانوا يحكمون الصين على ملك فرنسا فيليب لو بيل تحالفا ضد المماليك على ما يرد في برقيات دبلوماسية، والقطعة الاثمن في المعرض بنظر الصينيين هي الكتاب الجنائزي للامبراطور هونغوو (حكم من 1368 الى 1398) مؤسس سلالة مينغ (1368-1644)، ويوضح دوروش "انه وثيقة مؤسسة لسلالة مينغ ولم يسبق ان خرج من الصين"، والامبراطور يونغل (1403--1424) بنى المدينة المحرمة ما سمح بنقل العاصمة من نانكين الى بكين العام 1421، وفي عهد سلالة كينغ ابدى الامبراطور كانغشي (1662-1722) انفتاحا على الغرب، وكان معاصرا لحكم الملك لويس الرابع عشر واستقبل يسوعيين في بلاطه واهتم للمعارف العلمية والثقافية، واقام في المدينة المحرمة مشاغل ضمت فنانين صينيين واوروبيين مساهما في ظهور اسلوب خليط في البورتريهات والمناظر الطبيعية.

اما الرسام الايطالي من ميلانو جوزيبي كاستيليوني (1688-1766) اصبح رسام البلاط الرسمي في 1716، وبقي الفنان الايطالي الذي اتخذ اسم لانغ شينينغ الصيني، رساما في عهد ثلاثة اباطرة ولا سيما كيانلونغ الذي شكل حكمه على مدى ستين عاما ذورة سلالة كينغ، وكيانلونغ كان حفيد كانغشي ويعتبر "ساحر الثقافة" و"جامعا استثنائيا للقطع الفنية"، وكان يكتب الشعر ويمارس فن الخط يوميا ويرسم ويعزف على الة المزهر، وكان هذا الامبراطور فارسا ماهرا وكان يطلب من كاتسليوني وضع بورتريهات للاحصنة التي كانت تقدم اليه على شكل إتاوة، ومن الاعمال الملفتة في المعرض "استقبال السفراء الاجانب" في عهد كيانلونغ وهو لفافة مرسومة على الحرير تظهر الامبراطور يستقبل السفرء الاجانب في المدينة المحرمة بمناسبة رأس السنة.

لوحات من رماد الأموات

من جهة اخرى يعرض فنان تشيكي غير تقليدي معروف بأعماله الخارجة عن المألوف والتجاوزية لوحات مصنوعة من رماد أشخاص متوفين، في وسط براغ، ومن خلال هذه اللوحات، يعتزم رومان تيك البالغ من العمر 37 عاما رفع الوعي بشأن انعدام الوقار والهيبة في الشؤون المتعلقة بالموت في الجمهورية التشيكية، فبحسب الفنان الذي أعد من أجل هذا المعرض تسع عشرة صورة عائلية معتمدا الأسلوب القديم بالأسود والأبيض، ينتهي جزء من رماد الأموات التشيكيين في مكبات النفايات، وقال تيك في لقاء صحافي "إذا توفيت والدتك وأنت في سن السادسة ولم تعد تراها إلا بشكل جرة رماد ولا تتذكرها بقية حياتك إلا من خلال الصور، فستتنمى عندئذ تحريرها من هذه العلبة"، وأشار ادموند كوكا مدير صالة "دفوراك سيك كونتمبوراري" إلى أن المعرض المسمى "غرايف روبر" (سارق القبور) هو بمثابة "اعتراف شخصي" من الفنان الذي فقد والدته وهو صغير. بحسب فرانس برس.

وأضاف أن اللوحات المعروضة ليست للبيع وأن الرماد سينثر "في مكان لائق" ما إن ينتهي المعرض، وينتمي رومان نيك إلى مجموعة "زتوهوفن" غير التقليدية تجاوزية كانت قد عمدت في حزيران/يونيو 2007 إلى قرصنة التلفزيون التشيكي الرسمي وإلى بث صورة لانفجار نووي مأخوذة من فيلم وثائقي خلال نشرة الأحوال الجوية، وسنة 2007 استبدل الشخصيات الحمراء والخضراء الصغيرة المعتمدة على إشارات السير في براغ بمجموعة من الشخصيات الفكاهية بهدف "إخراج المارة من الروتين اليومي"، وبعد هذه المبادرة الفنية، نال الجائزة الكبرى في مهرجان مستقل للفنون في فيينا لكنه حكم عليه في المقابل بالسجن لمدة شهر في براغ، ولم ينفذ الحكم بعد.

التحقيق في سرقة فنية

فيما قال مكتب المدعي العام في باريس ان تحقيقا رسميا يجري مع ثلاثة رجال فيما يتعلق بسرقة خمس لوحات شهيرة لرسامين من بينهم بابلو بيكاسو وهنري ماتيس من متحف فرنسي، وتبلغ قيمة الاعمال الفنية المسروقة 130 مليون دولار، وقال مسؤول في مكتب المدعي العام في باريس ان الاعمال الفنية المسروقة من متحف باريس للفن الحديث قبل 18 شهرا بعد تعطل نظام الانذار لم تتم استعادتها بعد، وتشير تقديرات اعلنها المتحف وقت السرقة ان لوحة بيكاسو التكعيبية "حمامة وبازلاء خضراء" وهي احدى اللوحات المسروقة تساوي 28 مليون دولار، واللوحات الاخرى هي "الرعوية" لماتيس و"شجرة الزيتون قرب ايستاك" لجورج براك و"امراة تحمل مروحة يد" لاماديو موديلياني و"طبيعة صامتة وشمعدانات" لفيرناند ليجر، والقي القبض على الرجال الثلاثة في 16 سبتمبر ايلول وسوف يظلون في السجن على ذمة التحقيق، ويشتبه في أحد الثلاثة بالمشاركة في السرقة بينما يشتبه في الاثنين الاخرين بالتصرف في المسروقات، وتتولى وحدة خاصة في وزارة الداخلية التحقيق. بحسب رويترز.

آي ويوي اقوى شخصيات الفن

في سياق متصل اعتبرت نتيجة استطلاع قامت به مجلة آرت ريفيو الفنية الفنان الصيني آي ويوي اقوى شخصية مؤثرة في عالم الفن في العالم، وقال الفنان الصيني انه لا يشعر بانه قوي على الاطلاق، وكانت السلطات الصينية احتجزت آي ويوي لمدة 80 يوما قبل الافراج عنه في يونيو/حزيران، وآي ويوي، البالغ من العمر 54 عاما، هو ثاني فنان يصل الى تلك المرتبة، وتقول المجلة ان لجنة التحكيم اختارته لنشاطه السياسي الى جانب اعماله الفنية، وقالت في بيان له، جعلت نشاطاته الفنانين يتجاوزون فكرة انهم يعملون في منطقة مميزة ما بين جدران المعارض والمتاحف، وقال رئيس تحرير المجلة مارك رابولت، ان ذلك يوسع افاق ما يمكن ان تفعله بالفن وكيف للفنان ان يستغل صوته. بحسب بي بي سي.

وكان اعتقال الفنان في ابريل/نيسان وهو يستقل الطائرة من بكين الى هونغ كونغ، ادى الى اطلاق حملة دولية للمطالبة بالافراج عنه، وقالت السلطات الصينية ان آي اعتقل لتهربه من الضرائب الا ان عائلته اصرت انه اعتقل لنشاطه السياسي، واشتهر آي، وهو من ابرز الفنانين الصينيين، عالميا لمشاركته في تصميم استاد عش الطائر لاولمبياد بكين، وفي عام 2010 صنع سجادة من 100 مليون بذرة عباد شمس من البورسلين لمتحق تيت مودرن في لندن، والفنان الاخر الذي جاء في تلك المرتبة هو داميان هيرست في عامي 2005 و2008، وجاء في المرتبة الثانية لهذا العام مديرا قاعة سربنتاين اللندنية هانز اولريتش اوبريست وجوليا بيتون جونز، وفي المرتبة الثالثة جاء مدير متحف نيويورك للفن الحديث غلن لاوري، يليه لاري غاوغسيان صاحب صالة عرض في الولايات المتحدة والذي جاء في المرتبة الاولى العام الماضي.

معرض اول لرسوم ماتيس

على صعيد مختلف يقدم متحف هنري ماتيس في كاتو كامبريسيس (شمال فرنسا) حتى 19 شباط/فبراير الرسوم التي انجزها فنان المذهب التوحشي بالريشة والتي تجمع للمرة الاولى كاشفة جانبا غير معروف عن فنه كرس له سنواته الاخيرة، ويتضمن المعرض 200 عمل من العام 1900 ورسومات الفنان الاولى، وصولا الى مطلع خمسينات القرن الماضي حين وصل ماتيس الى قمة تمرسه التقني، ويستعيد المعرض المحطات المختلفة لمسيرة الفنان الشخصية بدءا بصالة تجمع اولى رسمات ماتيس المنجزة بالريشة مثل "لو فياكر" (1900) او اولى الدراسات التحضيرية لبعض لوحاته، وتوضح دومينيك سيموزياك مفوضة المعرض وامينة متحف ماتيس "حتى في تلك الفترة يمكن اعتبار كل رسم عملا فنيا كاملا له الاهمية ذاتها مثل اللوحات"، ففي العام 1946 عندما كان في سن السابعة والستين قرر ماتيس ان الرسم سيكون من الان وصاعدا طريقة تعبيره الفني الوحيدة معتبرا ان الرسم بالريشة "يسمح من خلال وسيلة محدودة الوصول الى كل مزايا اللوحة او الجداريات"، فانطلق عندها في مجموعة من بورتريهات نساء ومناظر طبيعية او مشاهد داخلية شكلت مواضيع اعماله المفضلة. بحسب فرانس برس.

وتوضح سيموزياك "كان لدى ماتيس في تلك الفترة اهتماما محددا برسم الخطوط مع تركيز على تقاطيع الوجه لابراز نطاق ما واستبدال لعبة الظلال والتباين"، وقد استوحى من ماتيس من الخط الصيني مواصلا عمله بعد ذلك حول الرسم مجربا ايضا الرسوم المرافقة للكتب مثل "جاز" للناقد الفني والناشر تيرياد، ويستعيد المعرض كذلك مجموعة كاملة من الرسوم الكبيرة الحجم للرسام مثل "شكل نسائي وفاكهة" او "بهلوان"، وتضيف مفوضة المعرض "انجزت هذه الرسوم بالابيض والاسود وركزت على مواضيع عزيزة على قلب ماتيس مثل العري او الزهور مع تركيز اقل على عامل الاغواء مقارنة باعماله التي استخدم فيها الالوان الزاهرة"، وتقول "كان الاسود عنده في تلك المرحلة "لونا منيرا" والخطوط البارزة باهمية الفراغ".وينتهي المعرض على تقديم اعمال ضخمة انجزها الفنان مثل كنيسة فانس فضلا عن الاعمال التحضيرية للرسم الجداري الضخم "درب الصليب" ومن ثم "الشجرة" الذي يزين جدران قاعة الطعام في منزل تيرياد، وبموازاة رسوم ماتيس يقدم المتحف ايضا معرض "بونكتوياسيون 3" لرسوم عصرية بالحبر لبيار اليشينكسي وسيلفيا باكلي واوسكار مونيوز وجوزيبي بينوني حول مواضيع الجسد والنبات.

فان كوخ لم ينتحر بل قتل

الى ذلك قال مؤلفا سيرة جديدة حول الفنان التشكيلي الهولندي فينسنت فان كوخ ان المرجح هو انه لم ينتحر كما كان يعتقد، بل قتل، ويرجح الكاتبان، ستيفن نايفه وغريغوري وايت سميث، مؤلفا سيرة جديدة للفنان تحت عنوان: الحياة، فان كوخ، ان يكون الفنان قد قتل عرضا في حادث عندما كان صبيان يعبثان بسلاح وانطلقت منه رصاصة بالخطأ، وهو عكس الشائع بانه انتحر، وكان فان كوخ، الذي يعد احد اهم رواد المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي، قد مات في فرنسا في عام 1890 عن 37 عام، ووصل المؤلفان الى هذا الاستنتاج بعد عشرة اعوام من الدراسة والبحوث شارك فيها اكثر من عشرين مترجما وباحث، ويقولان ان الآلاف من الرسائل التي كتبها فان كوخ ولم تترجم، كانت من ضمن الوثائق التي درست ووثقت بهدف تكوين قاعدة معلومات احتوت على نحو 20 ألف ملاحظة مكتوبة، وكان فان كوخ يعيش في نزل اسمه "اوبيرج رافو" بفرنسا، حيث قيل انه تريض قليلا في حقول القمح المجاورة، وكان يعتقد انه وجه السلاح الى جسده فيها واصاب نفسه وعاد الى النزل ليموت هناك، الا ان المؤلف ستيفن نايفه يقول انه من الواضح له ولزميله ان فان كوخ ذهب الى حقول القمح لكن ليس بنية الانتحار، كما هو شائع، ويضيف ان الاجماع بين الناس الذين يعرفونه ان ما حدث في ذلك النزل هو انه قتل عرضا على يد اثنين من الصبية، لكنه قرر حمايتهما وتحمل فكرة انه انتحر، وان هذا هو الاحتمال المرجح، كما جاء في السيرة الذاتية الجديدة ان اسرة فان كوخ حاولت ادخاله الى مصح عقلي قبل وقت طويل من مبادرته الذاتية لدخول المصح لاحق، ويتهم بعض اعضاء الاسرة فان كوخ بانه ربما قتل والده، لانه كان على خلاف شديد وعراك مستمر معه، ويعتقد ان الحالة الذهنية المضطربة للفنان الهولندي، وهي خليط من الجنون والكآبة، تعود الى اصابته بنوع من انواع الصرع.

فيما يؤكد الكاتبان الاميركيان اللذان اعتبرا ان فنسنت فان غوخ لم ينتحر بل قتل على الارجح بشكل عرضي، انهما "جمعا ادلة من مصادر متنوعة" لدعم فرضيتهما هذه، ويقول ستيفن نايفه "اود القول اننا في زوبعة فعلية لم نكن نتصور ذلك".ويضيف "كنا نظن ان الامر سيثير ردود فعل لكن ليس بهذا الشغف والزخم"، وسبق لغريغوري وايت وستيفن نايفه ان حازا جائزة بوليتزر في العام 1991 على سيرة الرسام جاكسون بولوك، وقد اصدرا مؤخراً سيرة فان غوخ في 976 صفحة والذي اثار ردود فعل كثيرة في اوساط الفن ولا سيما في امستردام حيث المتحف الكبير المكرس للرسام الهولندي الشهير.ويفيد الكاتبان الاميركيان اللذان امضيا عشر سنوات في دراسة حياة الرسام ان فان غوخ لم يمت منتحرا برصاصة في الصدر في اوفير-سور-واز وهي بلدة فنانين على بعد حوالى ثلاثين كيلومترا من باريس بل قتله مراهق على الارجح عرضة، ويقول نايفه "الادلة تأتي من مصادر مختلفة ومن خلال الجمع بينها تظهر فرضية مختلفة". بحسب فرانس برس.

ويرى نايفه وسميث ان مجموع الوقائع يدفع الى الاعتقاد بحصول عملية قتل مقرين في الوقت ذاته عدم وجود دليل قاطع، والمؤشر الاول بنظرهما هو زيارة الى اوفير قام بها في ثلاثينات القرن الماضي المؤرخ الفني جون يوالد، والتقى المؤرخ اشخاصا اكدوا له ان مراهقين قتلا الرسام وان فان غوخ تحدث عن انتحاره على سرير الموت لحمايتهم، اما المؤشر الثاني فهو "الاعتراف الذي لا يصدق" في العام 1956 للمصرفي رينيه سيكريتان الذي روى بالتفصيل كيف ان شقيقه غاستون وهو شخصيا كانا وهما في سن المراهقة، يستمتعان بمضايقة فان غوخ، ويقول نايفه "كانا يضايقانه بلا توقف. لقد وضعا افعى في علبة الالوان العائدة له. وكانا يضعان الملح في قهوته والتوابل على ريشاته" ويقبلان فتيات أمامه لاحراجه، اما الخيط الثالث فهو رسم لفان غوخ يمثل صبيا يعتمر قبعة راعي بقر، ويظن الكاتبان ان الطفل هو رينيه سيكريتان الذي حضر في العام 1890 في باريس عرض ويسترن، وكان الشقيقان شغوفين برعاة البقر والاسلحة وقد استعارا مسدسا من صاحب النزل ارتور رافو لصيد الطيور.

ولم يعترف رينيه سيكريتان يوما بانه اطلق النار على فان غوخ الا ان الكاتبين يعتبران ان مجموع هذه الوقائع تدفع الى فرضية القتل غير العمد، ويوضح "هذا افتراض، ليس لدينا ما يكفي من الوقائع لنجزم ذلك، ويمكن القول انها عملية قتل عرضية"، وقد اتى عنصران من الشرطة لاستجواب الفنان الا انه لم يتم العثور على تقرير الشرطة بهذا الشأن، ويؤكد نايفه "لقد بحثنا عنه فعلا صدقوني لكن اما انه لم يدرج في الارشيف او انه اتلف".في العام 1957 روت ادلين رافو ابنة صاحب النزل التي كانت في الثالثة عشرة عند وفاة الرسام ان فنسنت فان غوخ قال للطبيب "نعم" عدنما سأله ان كان اقدم على الانتحار مضيفا "لا تتمهوا احدا انا اردت الانتحار"، ويرى الكاتبان ان فان غوخ اراد حماية مطلقي النار، ويوضح نايفه "كان يكذب وكان قادرا على ذلك، فكان غالبا ما يكذب في رسائل لاهداف معنية وفي هذه الحالة كان هدفه نبيلا جدا".ورأى امين متحف فان غوخ في امستردام ليو يانسن ردا على اسئلة صحفية، ان هذه الفرضية "مثيرة للاهتمام، لكي اصدق هكذا نظرية جديدة احتاج الى ادلة جديدة الا ان الامر صعب جدا فالامر يعود الى فترة بعيدة جدا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تشرين الثاني/2011 - 17/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م